Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آفة التضليل تستشري خارج مواقع التواصل الاجتماعي

يغفل إلقاء اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي الدور البارز للمعلومات الكاذبة أو المضللة التي ينشرها الفاعلون السياسيون أو وسائل الإعلام التقليدية

ليست وسائل التواصل الإجتماعي المسؤولة الأبرز عن حملات التضليل (بي جي. يو أس إمباسي.غوف) 

يُنظر على نطاق واسع إلى التضليل باعتباره تهديداً كبيراً للديمقراطيات الليبرالية. ويعتبره المعلّقون عاملاً مساهماً في انتخاب دونالد ترمب، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإنكار أزمة المناخ والحركة المناهضة للتلقيح.

وسلطت جائحة كورونا الضوء مرة أخرى على انتشار المعلومات الكاذبة أو المضللة. وقد تكون هذه معلومات مضللةً عندما تُنشر عمداً أو مغلوطةً عندما تُنشر عن غير قصد. وفي وقت مبكر، أعلنت "منظمة الصحة العالمية" انتشار "وباء المعلومات" المضللة إلى جانب كوفيد-19. فعلى سبيل المثال، قالت طهران إن ما يقدر بنحو 700 إيراني ماتوا بالتسمم بالميثانول  نتيجة المزاعم التي اعتبرته دواءً لفيروس كورونا.

ومع ذلك، فإن نقاش "وباء المعلومات" قد أنعش طرق التفكير البسيط للغاية بشأن المشكلة. وبالعادة، يصعب إثبات تأثير رسالة ما من بين العديد من الرسائل. لكن كوفيد-19، قدّم دليلاً أوضح على كيفية تأثير المعلومات الخاطئة على السلوك البشري.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى تخريب العشرات من أبراج اتصالات الجيل الخامس 5G، في بريطانيا استناداً إلى معلومات مضللة تشير خطأً إلى وجود مؤامرة لاستخدام مثل هذه التكنولوجيا في نشر فيروس كورونا. كما انخفضت مبيعات الإيبوبروفين بعد انتشار أدلة مشكوك فيها تفيد بأن هذا الدواء المسكن خطيرٌ على صحة الإنسان. وتتضح الصلة بين المعلومات الخاطئة والسلوك عندما يتعلق الأمر بالمخاوف الصحية. لكن إثبات أثر التضليل في السلوك الانتخابي أو في الثقة والتماسك الاجتماعي يُشكل تحدياً أكبر بكثير.

من الناحية النظرية، يعتبر الخوف والإحباط الناجمين عن الوباء عاملين مثاليين في انتشار المعلومات المضللة والخاطئة. غير أننا لا نملك أدلة كافية حول آثارهما المجتمعية الأوسع. لذا، كيف يمكننا أن نفهم بشكل أفضل تأثير المعلومات المضللة على المجتمعات؟

استناداً إلى بحث أجريته مع الزملاء فرانشيسكا غرانيلي وجينتي ألتويس ونيفيل بولت في "مركز الاتصالات الاستراتيجية" التابع لجامعة كينغز كوليدج لندن، فإن جوابنا عن السؤال السابق هو: نحتاج للنظر إلى أبعد من وسائل التواصل الاجتماعي. وبرغم لومها بانتظام على انتشار التضليل، فإن وسائل التواصل الاجتماعي ليست سوى جزء من المشكلة.

بالتأكيد، ستساعد الحلول الإلكترونية مثل تحسين التدقيق في الحقائق، والعمليات الحسابية الخاصة بالفرز وتنظيم الإنترنت في الحد من انتشاره. ومع ذلك، فإن الخوف والغموض أثناء الجوائح كانا يوجهان الناس دائماً نحو علاجات منزلية غير فعالة أو قاتلة، قبل ظهور الإنترنت بفترة طويلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتجاهل إلقاء اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي أهمية المعلومات المضللة التي ينشرها المؤثرون السياسيون المحليون ووسائل الإعلام التقليدية. فهناك قادة سياسيون وحتى علماء في بعض البلدان، قدموا ادعاءات مضللة حول علاجات مفترضة لكوفيد-19. كما أن الاستخدام الانتقائي للإحصاءات، سواء كانت متعلقة بالتنبؤات الاقتصادية أو بمعدلات المرض والوفاة، يمكن أن يكون مضللاً أيضاً.

وينتشر التضليل من خلال تفاعل العديد من مصادر المعلومات المختلفة، وليس فقط وسائل التواصل الاجتماعي. بالنسبة للشعب البريطاني، قد لا تكون المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي هي المشكلة الأكبر، ومعظمهم لا يثقون  في أخبار وسائل التواصل الاجتماعي ونادراً ما يشاركونها مع آخرين.

في المقابل، تُظهر الأبحاث أن البريطانيين يعتبرون المعلومات المضللة الصادرة من السياسيين ووسائل الإعلام التقليدية أكثر شيوعاً وإثارةً للقلق. فقد شهدت انتخابات عامي 2019 و2017 واستفتاء بريكست اتهامات موثّقة جيداً بالتضليل من جميع الأطراف. في موازاة ذلك، شجّعت حملات الصحة العامة المواطنين على زيادة وعيهم بالتضليل، خصوصاً لأن الأشياء "ليست دائماً كما تبدو على الإنترنت".

لا نعرف ما إذا كان التضليل أكثر بروزاً اليوم، لكن المواطنين يبدون أكثر وعياً به، وقد أصبح موضوعاً تتناوله التقارير الإخبارية أكثر من أي وقت مضى. كما أن عواقبه باتت أوضح، وقد جرت تهيئة الجمهور للبحث عنها.

لذا فإن استخدامه بصورة علنية ينطوي على خطورة خاصة، إذ إن من شأنه تقويض الثقة في النظام السياسي، في وقت يُطلب فيه من المواطنين أن يثقوا بالنصائح الرسمية من أجل إنقاذ الأرواح.

يمكننا أن نتعلم من "وباء المعلومات" المرتبط بـ كوفيد-19 إذا أردنا ذلك. ويجب أن نتعلم المزيد حول كيفية انتشار التضليل خارج الإنترنت على موائد العشاء وفي الحانات وعند بوابات المدارس. فنحن جميعاً معرضون للتضليل، وليس فقط الأشخاص الذين نعتقد أنهم غير مطلعين بشكل جيد.

إننا بحاجة إلى فهم أفضل للحالات التي يتعيّن فيها فضح التضليل التي ينبغي فيها تجاهله. فأحياناً، يكون تجاهل نظرية هامشية لم يطّلع عليها إلا القليل، أفضل من تضخيمها بمقال يراه الملايين.

من المهم الحد من انتشار المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن فقط من خلال النظر إلى ما هو أبعد من وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن نفهم تأثير التضليل على المجتمع.

(الدكتور توماس كولي هو زميل مدرس في قسم دراسات الحرب في جامعة كينغز كوليدج لندن. وتعتبر الآراء التي عبر عنها شخصية وقد لا تعكس آراء الجهة التي يعمل لديها)

© The Independent

المزيد من آراء