Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكتّاب الشباب ينتظرون على أبواب الناشرين... فتقييم فموافقة أو رفض ودفع التكاليف

كيف ينشرون أعمالهم الأولى في زمن أزمة القراءة؟

الكتّاب العرب الشباب ومعاناة نشر العمل الأول (يوتيوب)

إذا كان الكتاب الأول هو حلم يتحقّق بقرار الكتابة أو الحلم بها أولاً، فيبقى العثور على دار نشر يحتضن موهبة الروائي الشاب أشبه بكابوسٍ يُنغّص عليه حلاوة حلمه. ما هو الطريق إلى دور النشر؟ هل يمكن الدار الكبيرة أن تقدّر الأسماء الجديدة وغير المعروفة؟ هل يجب على الروائي الشاب أن يتخلّى عن كامل حقوقه بغية نشر كتابه؟ هذه الأسئلة وغيرها تؤرق كل الكتاب الوافدين حديثاً إلى وسطٍ إبداعي تحكمه سلطة الناشر ومزاجه الخاص. بعض الروائيين الشباب يحالفهم الحظ لا سيما إذا كانوا من أصحاب المواهب فتتبنى الدور أعمالهم الأولى وتطبعها لهم وتمنحهم علاوة وفق المبيع. لكنّ بعضاً من الروائيين الجدد لا يسعفهم الحظ فيضطرون إلى دفع كلفة الطباعة للناشرين أو إصدار رواياتهم على نفقتهم الخاصة.

في هذا السياق، يرصد تحقيقنا هذا رحلة الكتاب الأول في عالم النشر من خلال تجارب روائيين شباب، من دول عربية مختلفة، جاهدوا طويلاً قبل أن يسيروا خطواتهم الأولى. بعضهم واجه صعوبات النشر حتى كاد يفقد ثقته في إنجاز ما يصبو إليه، وبعضهم الآخر كانت فرصته مع النشر أسهل مما توقع.

جنى الحسن (لبنان): الصحافة ساعدتني في مواجهة التحديات

واجهت الكثير من الصعوبات عند نشر روايتي الأولى لأنني كنت صغيرة في السن وبعيدة من الوسط الأدبي. كنت لا أزال أقطن بعيداً من العاصمة بيروت. وغالباً، أبناء المناطق النائية لا يجدون الفرص نفسها التي يجدها أبناء العاصمة، وكذلك الكتّاب الذين لا يأتون من عائلة أدبية. أنا لست ابنة كاتب معروف أو كاتبة معروفة ولم تكن لي علاقات مع دور النشر، لذا لم يكن سهلاً أن أجد من يتبنّى عملي. وللأسف، دور النشر العربية بعامة لا تتعامل بحرفية، أي ليست لها لجان جدية تقرأ الأعمال المطروحة عليها. عملي في الصحافة في ما بعد وانتقالي إلى العاصمة سهلا عليّ مهمة النشر. كانت هناك تحديات، لكن لم تكن هناك مساومات. برأيي، المساومات يجب ألا يكون لها مكان لدى الكاتب.

 أميرة المضحي (السعودية): مشكلات النشر الداخلي لا يحلها النشر الخارجي

لا أصدق أن مرّ على نشر كتابي الأول أربعة عشر عاماً. عندما أصدرت روايتي الأولى "وغابت شمس الحب" كنت طالبة جامعية على مشارف التخرج. لم أكتب الرواية بنية النشر، لكني عندما انتهيت من كتابتها قمت بعرضها على إحدى القريبات، فشجعتني وبدأت بالبحث عن ناشر. أرسلت المسودة إلى ناشر محلي رحّب بها، وتبنى الرواية ووقّعت عقداً يحفظ حقوقي المادية التي حصلت عليها لاحقاً وفق بنود العقد. لم أكن أعرف شيئاً وقتها عن تحرير الكتب وصفّها واختيار الورق والغلاف المناسب، فخرجت الرواية إلى رفوف المكتبات بعد أشهر بغلاف تعيس ومن دون تدقيق نحوي وإملائي ومليئة بالأخطاء. النشر المحلي له ميزة واحدة وهي وصول الكتاب إلى القارئ المحلي وهي قاعدة المؤلف الأساس. لكن الحرفية في صناعة الكتاب متعثرة، فلجان القراءة وإستراتيجية النشر والتحرير والتوزيع غائبة، هذا من دون أن أتجاوز مسألة فسح الكتب التي تشترطها وزارة الإعلام وغياب المعايير الثابتة في الفسح والمنع. لمستُ التغيير الكبير والاحترافية مع الكتاب الثالث الذي نشرته في بيروت، والمقارنة بين التجربتين مجحفة بكل تأكيد على الرغم من مشكلات التوزيع والحصول على فسوح التوزيع في الدول العربية. كتابي الرابع صدر من الكويت والتجربة جيدة، فدار النشر موجودة في جميع المعارض العربية، لكن مشكلة التوزيع قائمة وأظنها مشتركة مع مجمل دور النشر في العالم العربي. فأصحاب المكتبات الكبرى أيضاً أصبحوا يتحكمون بجزء لا يستهان به من سوق الكتب من طريق اختيار الكتب وعشوائية ذلك. أستطيع أن أقول إن العلاقة بين المؤلف والناشر والموزع وهم مثلث صناعة الكتاب هي علاقة يشوبها الحذر في العالم العربي، وينقصها التنظيم والقوانين التي ترتقي بهذه الصناعة. 

 

محمود حسني (مصر): محترفات الروائيين الشباب باب للنشر

عرفت روايتي الأولى حكاية مختلفة عن السائد، وسارت في طريق لا يشبه الطرق التي يتبعها الكتّاب الشباب عادة. عملي لم يخضع للتقييم بعد أن انتهيت منه وإنما خضع للتقييم منذ كان مشروعاً يستند إلى فكرة وإطار عام وسؤال يشغلني.

لقد تقدمت في ربيع العام 2016 الى برنامج كتابة الرواية التابع للصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)، والذي كان الروائي اللبناني جبور الدويهي مشرفاً عليه. كان على المرء أن يتقدم إلى هذا البرنامج ولديه إطار عمل يظهر جدية مشروعه من ناحية إحضار تفاصيل عن الرواية المتوقع كتابتها، مسارات الأحداث، التقنية التي سيتبعها في العمل، أسماء كتّاب يمكن الرجوع إليهم لسؤالهم عنه. ومن بين 286 متقدماً، في تلك السنة، اختار البرنامج ثمانية مشاريع (140 من الـ286 كانت من مصر، وقد قبل البرنامج مشروعين فقط من مصر كان مشروعي أحدهما). ثم وخلال عام ونيف من الكتابة تخللتها ثلاث ورشات (لقاءات مع جبور الدويهي، كاتي خطار، منسقة الورشة، والزملاء السبعة الآخرين). كان عليّ أن أستمع إلى ملاحظات الجميع وتعليقاتهم حول ما أكتب بين كل ورشة وأخرى. لذا كان أحد أصعب الأمور في هذه التجربة هو الشعور بأن هناك ضيوفاً حاضرين في "مطبخ كتابتك". وهناك عين أساس تشرف على العمل وتراقب تطوره للتقييم الدائم منذ كان فكرة وحتى الانتهاء منه.

أما دار "الساقي" التي أصدرت العمل، فكانت على اتفاق مع "آفاق "ليكون لها حق بأن تكون أول قارئ لمسودات الأعمال التي تنتجها الورشة. لذا كان هناك تقييم آخر من الدار حين انتهيت من العمل. هذا الاتفاق بين "الساقي " و"آفاق" جعل التعاطي مع الدار مريحاً. ولم تكن الأمور معقدة أو صعبة. أما التجربة كلها فكانت ذات أثر بليغ في نظرتي إلى الكتابة كمفهوم، وساعدتني على أن أقطع طريق بناء عملي الأول بخطة زمنية محكومة ربما كنت في حاجة لها.

أحمد مجدي همام (مصر): الدفع مقابل النشر

أنجزت روايتي الأولى "قاهري" في العام 2006، واستغرق الأمر عاماً كاملاً كي تخرج إلى النور من طريق دار نفرو للنشر في مطلع العام 2008.

في البداية توجّهت إلى دار ميريت وكانت هي صوت طليعة الكتّاب في تلك السنوات، إلا أن تسويفات كثيرة أجبرتني على نقل العمل إلى دار نفرو، وظننت أنني هربت من أزمة التسويف والمماطلة لأجدني وقد تورطت في أزمة الدفع مقابل النشر. ولذلك دفعت مبلغاً لنشر الرواية، وبعد الصدور فوجئت بأن الرواية طُبعت بتجهيز فني متواضع حتى أن بعض فقرات السرد كُتِبت بخط غير المكتوب في بقية الرواية، ولم تخضع لتدقيق لغوي ونحوي، هذا عدا عن حركة المبيعات البطيئة جداً وشبكة التوزيع المحدودة بحيث لم توجد الرواية سوى في منافذ بيع لا تتجاوز عدد أصابع اليدين وكلها هنا في القاهرة!

في الروايات اللاحقة حرصت على تغيير دار النشر مرات عدة، حتى استقر بي المطاف مؤخراً في الدار المصرية اللبنانية التي أزعم أنها الأكبر مصرياً وضمن الخمس الأوائل عربياً. كان ذلك بعد بدايات صعبة ومخاض عسير.

أحمد عبد اللطيف (مصر): عملي في الترجمة أنقذني

قصة روايتي الأولى أراها الآن مثيرة للشفقة، ليس في نشرها بل في كتابتها. خلال أكثر من ست سنوات، متواصلة في معظم الوقت، ومتقطعة أحياناً، كنت أكتب الرواية التي لم أكن أعرف أني سأنشرها. كتبت منها 12 مسودة، كل مسودة تتغير فيها الحكاية كلما تغير الراوي. في النهاية قررت نشرها حتى أتخلص منها. لم أواجه صعوبات كبيرة في النشر، ربما لأني كنت معروفاً قليلاً في الوسط الثقافي المصري لعملي في الصحافة الثقافية والترجمة، لكني كنت متيقناً من أن نشر رواية أمر آخر. المسألة كانت عندي، أنا من كنت موسوساً وجباناً أكثر بكثير من أي ناشر. الوساوس كانت جرّاء خوفي من أن أقدم عملا ًبلا قيمة. لذلك اتجهت إلى "دار العين" القاهرية بخطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف. قلت لهم هذه مسودة رواية، لو أعجبتكم اتصلوا بي، لو غير ذلك فلا داعي لإرهاق أنفسكم بمكالمة. ونسيت الأمر. مرّ أسبوعان وتلقيت اتصالاً من المحرر العام للدار، أشرف يوسف، يخبرني فيها بحماسة أن الدار تود نشر العمل سريعاً، وطلب مني أن أتوجه إليهم لتوقيع العقد. ثم بعد ساعة كلمتني الدكتورة فاطمة البودي، مديرة الدار، لتهنئني وتخبرني بتفاؤلها.

قبل هذه المكالمة، كنت فكرت أن هذه التجربة انتهت بالفعل سواء نشرت الرواية أم لا، وكنت استعد لكتابة رواية جديدة جاءتني أفكارها قبل سنوات سابقة ولم أنجز فيها إلا ملحوظات قليلة. ثم كنت سعيد الحظ أن فازت هذه الرواية نفسها بجائزة الدولة التشجيعية. يمكن أن أقول بذلك، أني لم أواجه مشاكل في النشر مع الناشر نفسه. مشاكلي كانت مع نفسي وشجاعتي في أن أقدم على ذلك. المسألة بعد ذلك صارت أكثر يسراً. هذا ما أكتبه، هذا أسلوبي، هذه طريقتي في تلقي العالم، ولابد أن شخصاً ما على وجه الأرض سيحب أن يشاركها معي.

علي السقا (لبنان): خجل وعدم ثقة

كيف اخترت الدار؟ صراحة، ولأن الرواية كانت روايتي الأولى، فقد عشت شيئاً من الخجل الممزوج بعدم الثقة بما كتبت. ولذلك فقد تهيبت بداية أن أرسل المخطوط إلى مطلق أي دار، قبل أن أعرضها على أصدقاء لإبداء رأيهم، لكني في النهاية لم أفعل، وعزمت على مراسلة دارين من كبرى دور النشر في لبنان. الدار الأولى لم ترد حتى برسالة تؤكد فيها تسلمها المخطوط. أما الدار الثانية فكان ردها سلبياً على اعتبار أن ما كتبته "فيه شيء" من الرواية (أتذكر هذه الجملة جيداً)، لكنه في المحصلة ليس رواية ولا يصلح للنشر أبداً. هكذا اضطررت للجوء إلى دار الفارابي. عزائي كان أن للدار تاريخاً عريقاً، وإن لم ينفعني في تبنيهم لي، حيث تكلفت مبلغاً مالياً كبيراً لتغطية تكاليف النشر. ربما كان بمقدوري أن أفعل الأمر نفسه مع أي دار أخرى صغيرة، لكني بقيت أطمع بأني إذ سآخذ على عاتقي الترويج للرواية، فإن حضور الدار في أغلب المعارض سيساعدني. وهذا ما حصل! هل كانت تجربة سهلة أم معقدة؟ في المحصلة لم تكن تجربة سهلة في تجربتي مع دار الفارابي، حصلت مجموعة من المشاكل التقنية تكبدت خسائرها المعنوية بمفردي. كيف وجدت طريقة تعاطي دور النشر مع الكاتب الشاب؟ كل من أصبح لهم شأن في الرواية كانت لهم رواياتهم الأولى ومعاناتهم التي لا تنتهي ولا يبدو أن الأمر سيتغير. فقد بدا لي أنه في كثير من الأحيان يخضع المخطوط لمزاجية الناشر ومدى توقعاته بنجاح الرواية من عدمه (وهذا من حق أيّ دار طبعاً!). لكن فوضى "القيمين" على دراسة المخطوط وتقييمه ينجم عنهما الكثير من الانتظار والإحباط وتالياً "ضياع" بعض المواهب.

سارة النمس (المغرب): ما يكتبه الشباب يستحق الاعتناء به

تغير كل شيء في مجال النشر والكتابة حين أصبح كل قارئ يرغب في كتابة روايته الخاصة ليصبح كاتباً كالذي يقرأ له، وهذا ما يسبّب مشكلة صعبة لأي كاتب جديد، ولقد مررتُ من هناك! على الكاتب الشاب أن يثبت للعالم كله بأنّ ما يكتبه يستحق! وليس دخيلاً آخر، عليه أن يثبت ذلك لوالديه وأصدقائه وللناشر والنقاد وكذلك لزملائه الكتّاب الذين سيسخرون من حماسته وإيمانه بنفسه. كانت "الحب بنكهة جزائرية" أول رواية عن دار المؤسسة الصحفية للنشر، اخترتها عن نصيحة من صديق ولأنني كنت يافعة، ووحيدة لم ينصحني أحد بالاهتمام بتفاصيل الورق والخط وما إلى ذلك، لهذا لم أكن راضية على طبعة الكتاب. أمّا الناشر فاستقبلني بحرارة حتى وقعنا العقد بعدها لم يعد يردّ على مكالماتي... وهي عادة متأصلة في كثير من الناشرين، لا يحبون ضغوطات يفرضها عليهم الكُتاب عبر أسئلتهم المستمرة عن مواعيد صدور الكتاب، وهذا سبّب لي إحباطاً دام أشهراً حتى صدرت الرواية. سيتعلم الكاتب لاحقاً كيف يهتم بتفاصيل كتابه كما تنتقي الحامل أغراض مولودها الجديد، ويتعلم كيف يختار الدار التي يريد والناشر الذي يكون مرتاحاً في التعامل معه.

 

المزيد من ثقافة