Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عام دراسي جديد في ظل كورونا يبحث عن عدالة رقمية وتعليم هجين

الوباء ضاعف الآثار المتفاقمة في الدول التي تعاني أصلاً مشكلات في أنظمتها التعليمية

العام الدراسي المقبل هجين يمزج بين التعلم وجهاً لوجه وعن بُعد بامتياز (أ ف ب)

يطرق العام الدراسي الجديد الأبواب، لكن بدايته هذه المرة تختلف عن كل ما عداها من بدايات لأي عام دراسي؛ فلم تعُد قائمة المشتريات التي تسمى "supplies list"، والتي تبخر المال من الجيوب، أو تدبير مصروفات المدرسة والباص والزي، ما يطير النوم من الأعين، أو انتقاء المدرس الخصوصي سيبويه اللغة العربية، أو ابن حيان الكيمياء، وابن هيثم الرياضيات، الذين سيجعلون من الصغير عبقري زمانه وجهبذ أوانه.

عام التعليم الهجين

هذا العام هو العام الدراسي الأول في ظل "كورونا" من ألفِهِ إلى يائه. إنه عام التعليم الهجين المازج بين التعلم وجهاً لوجه وعن بُعد بامتياز. وسر الامتياز لا يكمُن في الجودة، بقدر ما يكمُن في التعليم من تجربة نصف عام دراسي مضى تقدر وطأته بمئة عام دراسي مما تعدون.

الهجمة الشرسة المباغتة التي أطبقت على أنفاس العام الدراسي 2019-2020 نافثةً فيروساً مجهولَ الهوية ضبابيَّ الملامح في هواء الكوكب أصبحت أمراً واقعاً. وبعد أشهر من التحول الرقمي المتأرجح بين الكلي والجزئي، ومحاولات للوصول بالمناهج والشروح والامتحانات إلى ملايين الطلاب والطالبات، كل في بيته، وبحسب قدرات بلده ومدرسته وأسرته، انتهى العام بشكل أو بآخر، لكن العام الجديد يلوح في الأفق طارحاً أسئلة أكثر من إجابات، وعارضاً تحديات تفوق القدرات، ومُنبئاً بشكل جديد ومحتوى فريد في التعليم لا يعلم تفاصيله الدقيقة أو يلم بأبعاده الكثيرة إلا الله.

وكان الله في عون ثالوث التعليم في العام الدراسي الجديد، وهم: مسؤولو المخطط التعليمي للعام الدراسي 2020–2021، وأولياء الأمور، وجموع الطلاب والطالبات الذين خاضوا تجربة تعليمية غير مسبوقة، ودون سابق إنذار، ويعرفون أن القادم في علم الغيب.

اضطرابات الكوكب

لكنَّ علم الغيب يُنبئنا أن النظام التعليمي في الكوكب تكبَّد أخطر اضطرابات في تاريخه بسبب فيروس كورونا المستجد، وهو ما ينذر بخسائر تعليمية لا تقتصر على نصف عام دراسي مضطرب مضى، بل تُلقي بظلال وخيمة على أعوام دراسية كثيرة مقبلة.

وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل أيام من أن تبعات الوباء على التعليم لا تقتصر على جيل واحد من المتعلمين، بل ستمتد آثارها لأجيال متواترة. ويرى أن عقوداً كاملة من التقدم باتت في مهبّ الريح جراء موجة الإغلاقات التي اجتاحت المدارس في العام الدراسي الماضي، والتي لا يتوقع أن تنتهي أو تعود الأمور إلى طبيعتها مع إقبال العام الدراسي الجديد، محذراً من "استفحال أوجه عدم المساواة المتجذرة".

جمود قديم

المدارس، وسوء أوضاع التعليم في غالبية الدول العربية، رحلة طويلة بدأت قبل كورونا بعقود طويلة. فمن أنظمة تعليم تعاني الجمود إلى تركيز الثقافة الشعبية السائدة على الشهادات، وليس المهارات، واعتبار الحفظ والتلقين أسلوب حياة، جاء "كورونا" ليزيد الأمور تعقيداً، ولا سيما أن مبدأ العدالة التعليمية يعاني عواراً عربياً.

فقر التعلم

قبل عامين فقط، أصدر البنك الدولي تقريراً عنوانه "توقعات وتطلعات: إطار جديد للتعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". التقرير أشار إلى أهمية وصول النظم التعليمية ذات الجودة بصرف النظر عن الجنس أو العرق أو القدرة أو الخلفية إلى الجميع. وتم وضع هدف جديد، وهو خفض معدل فقر التعلم إلى النصف على الأقل بحلول عام 2030 (فقر التعلم هو النسبة المئوية للأطفال في سن العاشرة ممن لا يستطيعون قراءة قصة بسيطة وفهمها).

لكن قصة التعليم في 2020 لا تكتمل دون إضافة مكون كورونا، وما يمثله من ضغط على مبدأ العدالة الرقمية. وإذا كان أغلب الدول العربية عانى في عقود ما قبل كورونا خللاً في عدالة الالتحاق بالمدارس، أو جودة المحتوى التعليمي، أو عدد سنوات التعليم، أو كل ما سبق، فإن هجمة الوباء أضافت خللاً إضافياً في العدالة الرقمية. ففي النصف الثاني من العام الدراسي الماضي، والذي شهد هجمة الوباء، قدرت منظمة "يونيسيف" عدد طلاب المدارس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين وجدوا أنفسهم خارج المدرسة بفعل الفيروس بنحو مئة مليون طالب وطالبة. بعض هؤلاء وجدوا فرصة لاستمرار التعلم عبر المنصات الإلكترونية، والبعض الآخر لم يجدها.

المصائب لا تأتي فُرادى

وجد البنك الدولي أن الوباء ضاعف من خسائر التعليم في كل دول العالم، مع آثار متفاقمة في الدول التي تعاني أصلاً مشكلات في أنظمتها التعليمية.

المدير العام لقطاع الممارسات العالمية للتعليم في مجموعة البنك الدولي، خايمي سافيدرا، حذر من أن "جائحة فيروس كورونا المستجد تثير القلق بسبب خسائر التعليم، وزيادة معدلات التسرب من الدراسة، وعدم حصول كثير من الأطفال على أهم وجبة غذائية في اليوم، لكن بشكل أكبر انعدام المساواة في النظم التعليمية، والذي يُعانيه معظم الدول، وهو ما يعني أن هذه الآثار السلبية تُصيب الأطفال الفقراء أكثر من غيرهم، وكأن المصائب لا تأتي فُرادى".

ولأن المصائب لا تأتي فُرادى، فإن دولاً مثل السعودية والإمارات والبحرين والكويت وعمان وتونس ممن قطعت أشواطاً متفاوتة في مسار التعليم الرقمي على مدار سنوات مضت تجد نفسها في موقف أفضل بكثير من غيرها ممن لم تلتفت – أو لم تسمح لها أحوالها – أن تلتفت لأهمية التحول الرقمي في مجال التعليم المدرسي.

المحاضر في جامعة النجاح الوطنية الفلسطينية، زهير ناجي خليف، أشار في مقال كتبه عنوانه "فيروس كورونا والمساواة الرقمية في التدريس عن بُعد في حالات الطوارئ" إلى أن "التفاوت بين الدول من حيث التطور واستخدام التكنولوجيا في تطوير شتى المجالات أدى إلى عدم المساواة الرقمية والعدالة الاجتماعية، سواء بين الدول وبعضها، أو داخل الدول نفسها".

ويرى خليف أن فرضية الدور الذي تعلبه التكنولوجيا الرقمية في تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية قد سقط. ويضيف أنه "في الواقع تعمَّقت اللا مساواة الرقمية في التدريس عن بُعد في حالات الطوارئ".

 

العدالة الرقمية

لكن المساواة أو العدالة الرقمية في التعليم، التي تكمن في توافر فرص متكافئة للوصول إلى التكنولوجيا من خلال أجهزة وتطبيقات ومحتوى رقمي متاح للجميع وشبكات اتصال في متناول اليد، حيث إن فرصة تعلم رقمي متساوٍ تُعاني الأمرَّين في دول عربية عدة، وبين طلاب وطالبات عرب مقيمين اضطراراً في دول أخرى. وإذا كان الذهاب إلى المدارس يمثل تحدياً يومياً لآلاف الأطفال النازحين واللاجئين، فإنه في ظل "كورونا" يتحول التحدي الواحد إلى سلسلة من التحديات.

مديرة التعليم في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ريبيكا تيلفورد، تحذر من أن هناك خطراً كبيراً جرّاء اتساع فجوة عدم المساواة في التعليم بين صفوف الأطفال اللاجئين. وعلى الرغم من أن عدداً من الدول عمل على البدء في تنفيذ برامج للتعلم عن بُعد، فإن التحدي يكمُن في كيفية الاتصال ومدى توافر الأجهزة المتصلة بالإنترنت وقدرة العائلات على تحمل هذه التكلفة. ليس هذا فقط، بل إن العديد من مخيمات اللاجئين تقع في مناطق نائية لا يمكن الوصول إليها حتى بإشارات "أف أم" التي تبث عبر محطات الإذاعة الوطنية، ما يحرم الطلاب من الاستماع إلى البث التعليمي.

لاجئون ونازحون سوريون

الحديث عن اللاجئين والنازحين في المنطقة العربية بات مقترناً في العقد الماضي بسوريا. وتُقدّر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد من تركوا بيوتهم خلال العقد الماضي في العالم بسبب النزاع والعنف والاضطهاد بنحو 80 مليون شخص، وبين كل ستة نازحين نازح سوري، بمن في ذلك خمسة ملايين ونصف المليون سوري يعيشون كلاجئين في كل من تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، بالإضافة إلى ملايين آخرين نزحوا داخل حدود سوريا.

خارج حدود سوريا، وتحديداً في لبنان، مأساة من نوع خاص. يقول المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إن لبنان يستضيف نحو 900 ألف لاجئ سوري، وهو أحد أكبر تجمعات اللاجئين في العالم. ويضيف "في لبنان، وفي هذا التجمع خسرت سبعة من كل عشر أسر لاجئة سبل عيشها، وهي بالكاد تتدبر أمورها، وتخشى من الجوع أكثر من خشيتها من فيروس كورونا. ويعتبر الأطفال والنساء مُعرَّضين لمخاطر أكبر".

واليوم، وفي ضوء مجريات الأمور في لبنان، يتوقع أن يضاف عنصر جديد إلى قائمة مشكلات التعليم التي يُواجهها الأطفال السوريون في لبنان، والتي ظن الجميع أن الوباء هو أقصى وأقسى ما يمكن إضافته.

المشهد اليمني

يحتفظ اليمن لنفسه بأحد أقسى ما يمكن تخيله من مشاهد فيما يختص بطلاب المدارس. فالحديث عن العدالة الرقمية في مجال التعلم يبدو كمن يطالب بتناول الكافيار وجيبُه خالٍ من المال. ملايين الأطفال المهددين بالجوع بسبب تعثر وصول المساعدات الإنسانية بفعل كورونا، وتحلل النظام الصحي وبنيته التحتية، وذلك بعد خمس سنوات من الصراع، أمور تجعل التساؤل حول العدالة الرقمية في التعليم أشبه بالخيال. إلا أن الخيال أحياناً يتحول إلى حقيقة، أو على الأقل إلى جزء منها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في مصر شهد العام الدراسي 2018-2019 موجات مقاومة عنيفة وهبات سخرية رهيبة من خطة وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني لإدماج التعلم الرقمي ضمن نظام التعليم في المدارس الحكومية والخاصة، وتدشين بنك المعرفة المصري الذي يحتوي على منصات تعلم إلكترونية، بالإضافة إلى ملايين المصادر العلمية، وبدء تطبيق "التابلت" كأداة للتعلم في يد كل طالب وطالبة في الصف الأول الثانوي مع تزويد فصول الدرس لهذا الصف في كل المدارس الحكومية في المدن والقرى بالألواح الذكية، وتوصيلها بشبكة الإنترنت، مع عمل أنظمة وباقات اتصال بالإنترنت للطلاب بأسعار رخيصة. وتكلل العام بعمل الامتحانات على المنصة الإلكترونية دون أوراق أو تسريبات. العام العاصف الحافل بمقاومة رهيبة من قبل الأهل بهذا التحول، ومعارضة المعلمين المتضررين من تقلص الدروس الخصوصية تحوَّل إلى "أيقونة نجاح" في العام الدراسي التالي الذي شهد نصفه الثاني هجمة الوباء، وإغلاق المدارس وبدء اللجوء إلى التعلم عبر الإنترنت. وترجح المؤشرات الواضحة في وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني المصرية أن العام الدراسي الجديد سيشهد مزيداً من التوسع في التعلم الإلكتروني وتوسيع قاعدة الطلاب المستفيدين من "التابلت" في صفوف إضافية مع استمرار الانتفاع بالشبكات الجديدة التي تم بناؤها قبل عامين.

التحول الرقمي والوباء

تشير رئيسة قطاع التقنية الرقمية في البنك الدولي، بثينة الجورمازي، في دراسة حالة لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا صدرت قبل أيام عنوانها "التحول الرقمي في زمن كورونا" إلى أنه تم تطوير منصات للتعلم الإلكتروني في عديد من دول المنطقة. فمثلاً، في السعودية أصبحت بوابة التعليم الوطني "عين" القناة الرئيسة للتعليم لما يزيد على ستة ملايين مستخدم، كما تم تحديث منصة التعليم الرقمية لتوفير آلاف الأجهزة للطلاب المحتاجين.

ولفتت الجورمازي كذلك إلى ما قدمته الحكومات المصرية والسعودية والفلسطينية من إنترنت مجاني لأساتذة الجامعات وبطاقات SIM مجانية للطلاب للوصول إلى منصات التعلم عبر أجهزتهم. وفي تونس والمغرب والبحرين، وفَّر المشغلون الوصول المجاني إلى منصات التعلم عبر الإنترنت. وفي الأردن، تم تطوير منصات جديدة لاستضافة مواد التدريس مثل "درسك"، و"إدراك"، و"جو أكاديمي"، و"أبواب". ونوَّهت إلى أن ضعف الشبكات وتعذر وصول المستخدمين إلى خدمات النطاق العريض في بعض البلدان مثل لبنان والعراق والأردن دفع بحكوماتها إلى بث الدروس عبر التلفزيون أيضاً لضمان قدر أوفر من العدالة للطلاب.

فيروس عنيد

معوقات تحقيق العدالة الرقمية في المنطقة العربية كثيرة منها: احتلال إسرائيلي يُضاعف من حجم عراقيل التعليم بين الطلاب الفلسطينيين، وصراعات في ذروتها، وأخرى في مراحلها الأخيرة في اليمن وسوريا والعراق وليبيا تضع ملايين الطلاب بين شقي رحا الفيروس وخطر الحرب، وأوضاع اقتصادية صعبة في الأردن ومصر ولبنان والسودان وتونس والجزائر والمغرب تلوح بأوراق التسرب والزواج المبكر وعمالة الأطفال، وغيرها. الفتيات الأكثر سداداً لفواتير الأوبئة والصراعات، وكذلك الفقراء، وسكان المناطق النائية والمحرومة جميعهم أكثر عُرضة لتكبد معاناة انعدام العدالة بأنواعها.

وبعيداً عن العدالة، فإن معالم وملامح العام الدراسي الجديد 2020-2021 لم تتحدد بعد في ظل فيروس عنيد يأبى أن يكشف عن كل نياته، لكن المؤكد أن جانباً من التعليم العربي أصبح عنكبوتياً. وبينما يبقى تحديد مقاسات هذا الجانب قيد إعلان كل دولة من دول المنطقة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فإن العمل بنصائح تعمل على تحسين وتعظيم الاستفادة من الحلول الرقمية لتحقيق التعافي في زمن كورونا مفيد.

تعظيم الفوائد الرقمية

يرى قطاع التقنية الرقمية في البنك الدولي أن على الدول العربية زيادة سعة خطوط اتصالات النطاق العريض، وإدارة ازدحام الشبكات، وضمان استمرارية الخدمات العامة الحيوية، وتعزيز التقنيات المالية؛ لأن الطلب على الخدمات الإلكترونية كالرعاية الصحية وأنظمة الدفع عبر الهواتف المحمولة وخدمات توصيل الأغذية والتجارة الإلكترونية ومبادرات التعلم الإلكتروني مرشح للارتفاع بشكل ملحوظ.

روشتة العدالة

على الرغم مما يُلاحظ من انصراف الاهتمام الإعلامي والشعبي بعيداً عن العام الدراسي الجديد، حيث أولويات مواجهة الفيروس، ومعالجة الآثار الاقتصادية والمعيشية الوخيمة الناجمة عنه، فإن استمرار الاهتمام بالتعليم وعدالته الاجتماعية والرقمية هو أحد ضمانات الخروج من الأزمة بأقل أضرار ممكنة. روشتة تضعها "يونسكو" تدعو الدول إلى الدفاع عن ميزانيات التعليم التي تتعرض لضغوط التقليص في زمن الوباء، مع اعتبار التعليم مكوناً رئيساً من مكونات التعافي من الجائحة. وتشدد على أهمية دعم نظم التعليم ومساعدتها على الصمود في هذه الظروف الصعبة، مع إعطاء أولوية لمسائل الإنصاف والإدماج، مع اتخاذ تدابير لتلبية احتياجات الطلاب الأكثر تهميشاً وضعفاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات