Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمد عبد العزيز: الدراما ساهمت في إفقادنا مشروعنا النهضوي

كان مسرورا بإدارة دريد لحام الذي جمع صوره في صغره ويعتبر أن السوشيال ميديا تثير الحنق والشفقة

المخرج السوري محمد عبد العزيز يدير دريد لحام (اندبندنت عربية)

أثار مسلسل "شارع شيكاغو" الجدل قبل عرضه، وهو عمل يجمع نخبة من نجوم الدراما السورية، في مقدمهم دريد لحام، وسلاف فواخرجي، وعباس النوري وأمل عرفة وشكران مرتجى ومهيار خضور ووائل رمضان وغيرهم.

تدور أحداث المسلسل بين فترة ستينيات القرن الماضي والوقت الراهن، ويتناول قصة فتاة تهرب من عائلتها بمساعدة شخص، هو بمثابة بطل شعبي، متحدية المجتمع في "شارع شيكاغو"، وهو شارع كان معروفاً في دمشق خلال تلك الفترة، يجتمع فيه المثقفون وأصحاب الموضة وتدور فيه نقاشات فكرية واجتماعية .

"شارع شيكاغو"

ومع أن المسلسل يُعرض على قناة مشفرة، إلا أن مخرجه وكاتبه محمد عبد العزيز، لا يرى أن هذا الأمر سرق من وهج نجاحه، إذ يقول: "العرض الحصري المشفّر يقلّل من نسب المشاهدة ولكن حدث العكس في "شارع شيكاغو" لسببين، الأول تسريب الحلقات على السوشيال ميديا ما أتاح العمل أمام الملايين لمتابعته، والثاني  الاصطدام مع مضامين العمل، لاسيما أن هناك محاولةً لكسر بعض المحرمات، كالسياسة والجنس وسواهما".

"شارع شيكاغو" الذي تميّز بأحداثه وقصته وأبطاله وإخراجه، حتى بمقدمته التي تظهر وكأنها عمل قائم بحد ذاته، هل يشكل علامة فارقة في مسيرة الدراما السورية بعد قترة من التراجع والإحباط؟ يجيب: "ربما هو اقتراح جيد لإعادة شيء من الألق إلى الدراما السورية، مع أن لديّ تحفظات كثيرة عليها. أهمية هذا العمل تكمن في محاولة إرساء قواعد الحرفة وهو أمر جوهري لاستقرار هذه الصناعة".

وعمّا إذا كانت السياسة هي ركيزة أعماله، خصوصاً أن "شارع شيكاغو" يجمع بين السياسة ودهاليزها، الوضع الاجتماعي، الفن وغيرها، وهل هي توقعه في مطبّات كما حصل في مسلسله السابق "ترجمان الأشواق"، يقول: "السياسيّ لا ينفصل عن الاجتماعي. وبالنسبة إليّ على الأقل فإن الذهاب في هذا الطريق الشائك والملغوم  لا بد منه، إذ لا يمكنني كفرد يعيش في عين العاصفة أن أدير ظهري لها. هناك تحوّلات عميقة تحدث في بنية المجتمع وأنا شاهدٌ حيّ بل جزء عضوي منها، فكيف أشيح بوجهي عنها وألتفت إلى ما هو ضحل! هذا الحقل شائك ومغذٍ لجوهر الدراما، والتي تُعنى بمفهومي الصراع، أي مواجهة زومبي الواقع الصلد والصارم والاشتباك معه، على الرغم من الندوب التي قد يتركها بسبب عدم أهليته للمنازلة وقواعدها النبيلة، وأعني هنا الرقابة بأصنافها وأشكالها وحراس التابو وزبانية المتمترسين للدفاع عن الرموز والثوابت السياسية والاجتماعية. لكن هناك متعة وخطورة بالوقت نفسه، عند مصارعة المخلوق ذي الرؤوس السبعة بأدواتنا الفنية والمعرفية".

يفتتح عبد العزيز "شارع شيكاغو" بمشاهد للممثل الكبير دريد لحام، لأنه يتفاءل به، ولأنه إضافة إلى أي عمل يشارك فيه، ويقول عنه: "هو ممثل نادر ومتفرّد  و"إيدول" لا تقل أهميته عن باستور كيتون وشارلي شابلن. على المستوى الفني والوجداني كان من المهم بالنسبة إليّ إستضافته في العمل. كان أمراً لافتاً وساحراً، أن أدير الممثل الذي كنت أجمع صوره في صغري. في أول يوم تصوير، أخذني جانباً وبصوت هامسٍ قال لي أن لا أدّخر جهداً في توجيه الملاحظات وإنه سيكون سعيداً في تلبية أي ملحوظة. دريد لحام أسطورة حية، ونجم منذ الخمسينيات، وعلى الرغم من ذلك هو يعمل بشغف كمن يدخل البلاتو للمرة الأولى، والتزامه بأوقات التصوير والإعادات لا يوصف. التعامل معه كالتعامل مع تاريخ كامل. تاريخ بلد ومجتمع".

الربيع العربي

عما إذا واجهته صعوبة في جمع نخبة نجوم الدراما السورية في عمل واحد، خصوصا أن النجوم لهم شروطهم، يقول: "لم تواجهني أي صعوبة، بل كان هناك إيمان عميق من الجميع بالمشروع وبالرؤية الاخراجية للعمل. لديّ أسلوب ذو مستويات عدة، واحدة منها، بناء الشراكة ودفع الأمور باتجاه مناخ مفتوحٍ بمثابة "وورك شوب" في هذا الفضاء، فيتحرّر الممثل من وظيفة النص وظاهره، ويتورّط مع أسئلة حارة أكثر. أيضاً هناك جانب آخر، حول مفهوم حداثة الدراما المعاصرة والأداء المودرن، وأين العالم اليوم من هذه الأسئلة الجوهرية، بعيداً من المفاهيم والتعابير الكلاسيكية حول مفهوم الأداء والدراما بمعناه العميق. بالعموم، أغلب الممثلين السوريين عندما يكون هناك ملامح مشروع جدّي يتقاطع مع ما يريدونه، يرتدون دروعهم ويأتون للعمل شركاء متأهبين بأقلّ الشروط الذاتية، ويتفانون من أجل تقديم ما هو جديد وعصري ومختلف. هذه ميزة ملفتة في الفنان السوري".

ولا يرى عبد العزيز أيّ ضيرٍ في اعتماد مشهد قبلة بين بطلي العمل، للترويج له، ويتساءل: "ما الضير في ذلك! القبل ليست هي مصدر التهديد للمجتمع، بل هو ينبع من انعدام الحريات وسلبها، من الفقر، تعميم الجهل، الفساد واللصوصية، من الاستبداد، إلغاء الرأي الآخر، ومن تمتين ثقافة الكراهية وعدم المساواة. كل ذلك، هو بمثابة شحنة الأمونيوم المخبأة في مرفأ بيروت. ما يؤدي إلى الانفجار، هنا ليست القبلة، بل كل ما ذكرناه سيطيح مجتمعاتنا المتهالكة ويدفعها نحو مزيد من الجهل والتزمّت. نحن فقدنا مشروعنا النهضوي التنويري، وبدل أن يأتي الربيع العربي بالحلم المشتهى، أطلق سراح البعبع السلفي والجهادي والأصولي، ما انعكس على المزاج العام في دولنا على الأقل. إنه مجتمع بلا ملامح، مسخٌ ينظر للمرآة ويجد نفسه حسناً ويخدع نفسه بحجة الأصول والخصوصية المشرقية، بينما هو مفتوح على الهباب والاندثار والانقراض الحتمي. وعلى الرغم من انعدام الأمل يبقى الفن، هذا النوع من الأعمال هو صفعة على وجه المسخ ليعود إلى رشده".

قدم أمل عرفة

كما ردّ على التعليقات على مشهد تقبيلِ قدم أمل عرفة في المسلسل، قائلاً: "تلعب أمل دورَ الأم، والعلاقة بينها وبين ابنها مميزة إلى هذه الدرجة، والصورة التي انتشرت عن تقبيل قدمها، مقتطعةٌ من سياقها. وكما أسلفت آنفاً، نحن أمام شرائح مجتمعية شكلانية تُظهر عورتها للملأ وتُخبئ وجهها بحجة الاحتشام والأصالة. من سيئات السوشيال ميديا، أن الغوغاء وجدوا منبراً، يثير الحنق أحياناً وأحياناً الضحك والشفقة. الديمقراطية المعرفية في البيئة الفاسدة كارثة".

ويوافق عبد العزيز على أن نجوم التمثيل في سوريا فئتان، الأولى تسعى وراء النجومية والشهرة والمال، والثانية تسعى إلى رفع شأن الدراما السورية، ويوضح: "ليس في سورية فحسب، بل في كل العالم وفي كل الاختصاصات كالطب والعلوم والأديان والسياسة... في كل الأحوال، المشاريع الجدية والمعرفية أو الانشغالات التي كانت سائدة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي اندثرت، وحلّت مكانها انشغالات مختلفة، وهي طبيعية وعلينا اللحاق بها وهضمها وعدم التحجّر، كما العادة حول قضايا وأمور لم تعد حارة وذات أهمية بالنسبة إلى الصراع الحالي". ويتابع: "لنتفّقْ، هناك ذاتية وجواّنيات للفنان يجب فهمها والتوقف عندها. كيمياء من يشتغل بالمنجز الإبداعي مختلفة تماماً عن السائد والمعهود للأفراد الآخرين، ويجب التوقف بالشكل العلمي عند هذا الجانب. التحوّلات التي تحدث على المستوى الفكري والنشاط الدماغي والعصبي والهرموني عند القيام بنشاط فني، أثارت انتباه متخصّصي العلوم ومتتبّعي هذا الجانب المخبري السايكولوجي، والأمر يتعدّى قصّ الحدوتة النمط التقليدي، لفهم تركيبة الفنون الحديثة التي هي مزيج من العلوم والفنون، ويتداخل فيها الإنثروبولوجي مع الميثولوجي مع الدراسات الصارمة للتاريخ والبيئة والتطورات التي حدثت وتحدث مع نشوء هذا الكون البديع منذ ثلاثة عشر مليار وسبعمئة مليون سنة أو ما يقارب. يجب النظر بهذه الشمولية إلى كل نتاجنا الإنساني في العصر الحالي، سواء كانت فنوناً أو إنتاج أحذية شاطئية. أهمية من يشتغلون في الحقول الفنية، التفكير بطريقة رشيقة وماهرة وتقديمها للمحيط لاستيعاب وفهم الأشياء، على اعتبار أنها من مهارات نوعنا الماهر الهومو سابينس".

مجزرة فنية

من ناحية أخرى، يرى عبد العزيز أن دراما رمضان تحوّلت إلى إستهلاكية ومستغِلة في معظمها لهذا الموسم الدراميّ بامتياز، إذ يعتبر أن "دراما رمضان استهلاكية. الأمر برمّته، أصبح بمثابة متابعة مسلسل تتكرّر أحداثه بمللٍ لا يوصف، وعلى القيمين إعادة النظر جدياً في هذا الأمر، وإطلاق سراح رمضان من حفرة الدراما والبرامج الكليشيه". وكيف يردّ على من يعتبرون أن الجمهور هو الحكم، وأن نسب المشاهدة، هي التي تحدّد نجاح العمل: "نعم الجمهور هو الأساس، ولكن ما يحصل في المشاهدة الرمضانية مجزرة فنية وجريمة قتل جماعي نساهم فيها جميعاً كالمخدّرين. هل هذا الكرنفال الصاخب، يمكن أن يحقق النجاح نفسه في شهر آخر؟ ربط الحلقات الثلاثين بأيام الصوم الثلاثين، تشوّه خلقيٌ في بنية الدراما العربية وجسدها، ومعظم الأعمال تعاني الترّهلات والشحوم السامة لأسس البناء الدرامي بكل مفرداته".

أما عن رأيه بأعمال البيئة الشامية، لكونها واجهة الدراما السورية على الشاشات العربية، يوضح: "أعمال البيئة أغلبها مبتذلة فنياً ومسفّة، ولكنها تناسب شريحة واسعة مغيّبة، ترى أن صورتها الجليلة يعكسها هذا النمط من الأعمال، ولكن الالتباس هنا هو المحكّ والمثير للضحك. الأمر يشبه "الحسناء والوحش" لكن مَن يلعب دور الوحش ومن يلعب دور الحسناء! هنا المفارقة، هل هو المتلقّي أم الجهة المنتجة أم الجهة العارضة للعمل. ويصح للبتّ في المفارقة أن نقول: الجنازة حامية والميت كلب، وباستثناء عمل "أيام شامية" من النادر أن نتوقّف أمام أيّ تجربة والتعاطي معها بجدية".
 

المزيد من فنون