كشف تقرير استخباري، صادر عن عدد من وكالات الاستخبارات الأميركية، وُصفت نتائجه بأنها أكثر دقة وتعقيداً الخطأ الذي ارتكبه المسؤولون الصينيون في يناير (كانون الثاني) الماضي، الذين ظلوا في حالة من الظلام لأسابيع بشأن الدمار المحتمل لفيروس كورونا، بسبب تقاعس المسؤولين المحليين في وسط الصين عن إبلاغ الجهات المعنية في العاصمة بكين عن خطورة ما يواجهونه. ومن المحتمل أن يكون لتقييم الحكومة الأميركية للاختلافات في الخطأ بين القادة الصينيين والمسؤولين المحليين آثار سياسية كبيرة، بحسب ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز".
وخلص التقرير الجديد إلى أن المسؤولين في مدينة ووهان ومقاطعة هوبي، حيث بدأ تفشي المرض أواخر العام الماضي، حاولوا إخفاء المعلومات عن القيادة المركزية. وتتماشى هذه النتيجة مع التقارير التي قدمتها المؤسسات الإخبارية ومع تقييمات الخبراء الصينيين للوضع الصحي في البلاد.
وغالباً ما يحجب المسؤولون المحليون المعلومات عن بكين خوفاً من الانتقام، كما يقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون.
لا يتعارض التقييم الجديد مع انتقادات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للصين، ولكنه يضيف منظوراً وسياقاً للإجراءات التي تسببت في الأزمة العالمية.
قال الرئيس ترمب في خطاب ألقاه في 4 يوليو (تموز) الماضي في البيت الأبيض إن "سرية الصين وخداعها وتستّرها" مكّنت من انتشار الوباء. وأصرّ وزير الخارجية مايك بومبيو، على أن الإدارة الأميركية كانت "تقول الحقيقة كل يوم" بشأن "التستّر الشيوعي على هذا الفيروس". وقال بيتر نافارو، المستشار التجاري للبيت الأبيض، يوم السبت الماضي إن الوباء "ارتُكب ضد أميركا" من قبل الحزب الشيوعي الصيني.
وتتوافق الاتهامات مع نصائح إستراتيجيي حملة ترمب لتبدو صارمة تجاه الصين لمحاولة تحويل الضوء عن إخفاقات الرئيس في ما يتعلق بمجابهة الوباء وضعف اقتصاد الولايات المتحدة، والتغاضي عن مدحه المستمر لشي جين بينغ، الزعيم الصيني.
بكين وحجب المعلومات عن منظمة الصحة العالمية
لكن الرسائل السياسية الواسعة تترك انطباعاً بأن الرئيس الصيني وغيره من كبار المسؤولين كانوا على علم بمخاطر فيروس كورونا الجديد في الأيام الأولى وبذلوا جهوداً كبيرة لإخفائها.
التقرير، الذي وُزّع في الأصل في يونيو (حزيران) الماضي، يحتوي على أقسام سرية وغير سرية، ويمثل إجماع وكالة الاستخبارات المركزية، ووكالات استخبارات أخرى. وقال مسؤولون أميركيون إن الحزب لا يزال يدعم الفكرة العامة القائلة إن مسؤولي الحزب الشيوعي أخفوا معلومات مهمة عن العالم. ويقول التقرير إن كبار المسؤولين في بكين، على الرغم من أنهم كانوا يتدافعون للحصول على البيانات من المسؤولين في وسط الصين، لعبوا دوراً في التعتيم على تفشي المرض من خلال حجب المعلومات عن منظمة الصحة العالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دعوات أميركية إلى انفصال اقتصادي عن الصين
قال مايكل بيلسبري، الباحث المتخصّص في شؤون الصين في معهد هدسون، الذي يقدّم المشورة غير رسمية إلى الرئيس ترمب: "هناك فرق كبير إذا كانت ووهان أو بكين".
وأضاف، إنه إذا لم يكن الرئيس الصيني هو الشخص الرئيسي المخطئ، فهذا يعني أن كبار المسؤولين الصينيين لم يشاركوا في عملية الخداع بشأن فيروس كورونا.
على الرغم من أن بيلسبري، يدعو إلى التنافس مع الصين، إلا أنه يدعم الدبلوماسية والالتزام باتفاقية تجارية وقّعها الرئيسان الأميركي والصيني في يناير (كانون الثاني) الماضي.
يتأرجح ترمب بشدة تجاه الصين. في بعض الأحيان، أكد سيد البيت الأبيض ومسؤولون آخرون فكرة التستّر من قبل الصين لتبرير قرارات السياسة مثل قطع التمويل عن منظمة الصحة العالمية. عندما اتّهم الرئيس المنظمة بمساعدة الصين في التستّر على تفشّي المرض، على الرغم من أن المنظمة الدولية نفت ذلك.
وبشكل منفصل، دفع بومبيو، أكثر صقور الإدارة الأميركية صراحةً، بنظرية لا أساس لها مفادها بأن تفشّي المرض بدأ بتسرّب عرضيّ من معمل في ووهان وطلب من وكالات التجسّس الأميركية العثور على أدلة.
محللو استخبارات الأمن الداخلي وفحص قوة أجنبية
أصدر المسؤولون الأميركيون تكليفاً لأجهزة الاستخبارات بإعداد تقرير جديد بعدما ذكر تحليل لوزارة الأمن الداخلي إن مسؤولي الحكومة المركزية الصينية أخفوا خطورة الفيروس في أوائل يناير الماضي بهدف تخزين المعدّات الطبية. وقال مسؤول كبير إن التقرير السابق، وهو محاولة غير عادية من قبل محلّلي استخبارات الأمن الداخلي لفحص قوة أجنبية، اعتمد بشكل كبير على بيانات التجارة العامة.
وطلب صانعو السياسة من مجتمع الاستخبارات بأكمله فحص التقرير المذكور، وتوصّل المحللون إلى إجماع يهدف إلى تنقيح تقييم الأمن الداخلي وحتى تصحيحه.
وقال أليكسي وولتورنيست، المتحدّث باسم وزارة الأمن الداخلي، إن الوكالة "لا تعلّق على أي وثائق يُزعم أنها مسربة". في حين رفضت وكالة الاستخبارات المركزية التعليق على التقرير الجديد.
قالت الحكومة الصينية إنها تحرّكت بسرعة للحدّ من انتشار الفيروس وتحذير العالم. وفي الشتاء الماضي، أطاحت السلطات المركزية في بكين عدداً قليلاً من مسؤولي الحزب المحليين في إشارة إلى مسؤوليتهم.
في حين قال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون في الإدارة إن التقرير الجديد لا يقلّل من ذنب الصين. وأضافوا أن زعماء الحزب الشيوعي يشرفون على نظام استبداديّ يمنع المسؤولين المحليين من تبادل المعلومات بحرية مع المسؤولين على المستوى الوطني وكان لذلك عواقب مميتة على العالم. واعتبروا أن ما جرى هو نسخة مما يسمى تأثير تشيرنوبيل، إذ يتجنّب المسؤولون المحليون إخبار السلطات المركزية بحدث كارثيّ حتى فوات الأوان.