Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فاضل العزاوي يحلم  بالعودة الى شجرته المنسية

بيت الشاعر مصادر في عراق الداخل والخارج منفى

الشاعر العراقي فاضل العزاوي (موقع الشاعر)

يحصلُ أنْ يرافق حدث النفي أو الارتحال عن بلد النشأة، بالنسبة للكاتب، خسارات ومكائد تصوغها السلطات أو الأنظمة؛ ليتعاظم الشعور بالاغتراب والإحساس بالنفور من ذلك المكان الذي صار بعيداً.

فصولُ الهجرة العراقيّة، لها وجوهٌ أخرى غير منظورة لمن يعلّق عنها بحسد؛ متخيّلاً أنها رحلة مُضاءة بوهج برّاق، ضمن أنساق من الشك المتبادل بين أهل الـ"هنا" والـ"هناك"، لذا أُريد لها (أي الأنساق) في مراحل مختلفة أنْ تكون جدراناً لفكرة "داخل وخارج لن يلتقيا أبداً".

فتات سياسي

حسناً، لنقل إنها أثمان طبيعية لتوحّش السلطة ودورة العنف التي لفّت العراق لعقود، غيابٌ ونزوحٌ وتفريقٌ منظّم لمكوّنات يصفونها بكل إصرار على إنها "أقليات". الكتّابُ ومبدعو الأدب الحقيقيون، ممن حسموا أمرهم وغادروا، ربما هم من أقلية تآكلت وتتآكل إلى يومنا، يحشرُهم في هذه الخانة بعض مستهلكي الخُلاصات من عالم السوشيل ميديا. في رصدِ شيء من توجهات الرأي العام العراقي حالياً، خيرُ دليل على أن الفيسبوك مثلاً هو المنصّة المناسبة لتوجيه المطالب وإشعال الحروب الالكترونية بين مناصري الأحزاب ورفع شأن هذا والحطّ من قيمة غيره. ليس في هذا الزعم امتداح لمناقب الفيسبوك، إنما لإظهار حقيقة أخرى، هي أننا أمام إعلام محلي بفضائياته العديدة لا تأثير محسوساً له، همّه ومنطلقه التقاط فتات سياسي من أفواه مرفوضة، وركض وراء زعامات لم تتقدّم بالعراق أي خطوة إلى الأمام، والأمر يشمل الإعلام الرسمي وما يجاوره.  

من هذا، كان حلولُ الشاعر والروائي فاضل العزاوي، مؤخراً، ضيفاً على برنامج "بيت ياسين" في قناة الغد، مؤكّداً حقيقة الإعلام والفضائيات المشار إليها أعلاه، إذ يواصل البرنامج الناجح حلقاته باستضافة أسماء ثقافية عربية، ومن ثم محاورتها من قبل الشاعر ياسين عدنان بلا تكلّف. في حين لا نملك الآن في بغداد ولو ساعة تلفزيونية واحدة مادتها ثقافية خالصة، بعد انطفاء الكثير من البرامج الثقافية، أمام سيل جارف من البرامج السياسية بأبطالها من نجوم الخراب.

بيت وبلاد

صاحب "القلعة الخامسة" و"آخر الملائكة"، وفي إحدى محطات الحوار مع ياسين، وكمقاربة لما يواجهه البلد عموماً، عاد ليثير موضوع بيته المُصادر على يد النظام السابق في بغداد، وكيف أن القضاء أصدر قراراً مُلزماً لصالحه، لكنّ البيت لم يعد إليه حتى هذه اللحظة بسبب الاستيلاء عليه من شخص يسكنه بالغصب! كان هذا الحديث مناسبة لتحريك جوّ البحث والمطالبة من وزير الثقافة حسن ناظم الذي خاطب وزير الداخلية بكتاب رسمي؛ من أجل متابعة الدار التي صدر الحكم القضائي بحقها منذ عام 2005.

الخشيةُ قائمة بألا يتعدّى الفعل الرسمي غير هذا الكتاب، وتطوى القضية، لتبتلعها مُستجدات الشأن العام، التي يصبح فيها التقصّي عن مصير بيت شاعر عراقي له حقّه على البلد، شيئاً حسناً لكنّه ليس من الأولويات الكبرى، ولربما يتوقف البحث لدى موظف بسيط أمامه المئات من ملفات العقارات التائهة، فيهمل موضوع العزاوي في ساعة انقطاع الكهرباء عن مكتبه.

في لحظة هذه الكتابة، الأخبار مربكة للسامع، والمُصابون بكورونا ليسوا وحدهم في حاجة للأوكسجين، إنما أيضاً بيت الشاعر المُصادر والمستولى عليه في زمن الفوضى، والشبّان المضيّعون بالأسباب نفسها التي أجبرت مثقفين كُثراً على ترك البلد.

كأن قصيدة "أغنية نفسي" للعزاوي، تتسق والتداعي الذي يؤطّر الدار، صاحبها، وأجيالاً متطلّعة لا تريد لوطنها أن يكون ذكرى تستعاد في مطارات العالم، منها هذا المقطع: "قلتُ: كل شيء سيكون على ما يرام يا فاضل/ ما دامت ذكرياتك معك على الأقل./ في الخمسين من عمرك/ سوف تعودُ إلى شجرتك المنسية/ لتسقيها الماء بكفيك/ إلى بيتك الذي أكلته الأرضة/ لترممه من جديد/ إلى كتبك المتروكة في صناديق المقوى/ لتقرأها ثانية...".

  

المزيد من ثقافة