Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتغير السياسة الخارجية الأميركية بتغير الرؤساء؟

جو بايدن المثقل بإرثه في إدارة أوباما يَعِد بالانقلاب على عهد ترمب

تباين السياسات الخارجية بين مرشحي الرئاسة الأميركية يزيد من ترقب الدول والمنظمات (غيتي)

لم تزعزع ضربات فيروس كورونا في الولايات المتحدة، ارتباط واشنطن بصراعات العالم شرقاً وغرباً، تلك النزاعات التي تقف وراء تساؤلات تتكرر كل أربع سنوات قبل نوفمبر (تشرين الثاني) وبعده، بقصد المقارنة بين سياسات الساكن القديم للبيت الأبيض وخلفه الجديد، بخاصة عندما تتزايد التكهنات التي ترجح أن يكون الرئيس ترمب من رؤساء الدورة الواحدة.

وعلى بعد شهرين ونصف الشهر من الانتخابات، فإنه لا يمكن استبعاد الفرضية المدعومة باستطلاعات الرأي التي ترجح كفة جو بايدن، نظراً إلى الظروف المستجدة مثل ارتفاع معدل البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، واحتدام الصراع بين الجناحين الديمقراطي والجمهوري حول العنصرية، وهي متغيرات تحتّم تسليط الضوء على أجندة المرشح الديمقراطي، الذي يؤكد باستمرار نيته تغيير أميركا ترمب.

وقبل استعراض التباين بين المرشحين في مواقفهما بشأن الصراع في الشرق الأوسط، وطموح التنين الصيني، وازدياد جموح روسيا، واستماتة إيران بالتوسع النووي، فإن أبرز القضايا الجوهرية التي يختلف حولها الحزبان الديمقراطي والجمهوري هي الإنفاق الحكومي والرعاية الصحية، ومن أهمها الدور الدولي للولايات المتحدة، باعتبارها زعيمة العالم الحر، وحامية الأسس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي مسائل يتّهم الديمقراطيون ترمب بأنه لم يلقِ لها بالاً، مستدلين بانسحابه من اتفاقات الحد من التسلح، ‏والتغير المناخي، وقراره الخاص بمنظمة الصحة العالمية.     

لكن ترمب يبرر لأنصاره الانسحاب من الالتزامات الدولية، دفاعيةً كانت أو تجاريةً بأنها تستنزف موارد البلاد، ولا يتوقف عن انتقاد المنظمات العالمية بقوله إنها تجبر الولايات المتحدة على "التنازل عن السيادة"، وتسعى مقترحاته المتعلقة بالميزانية إلى خفض المساعدات الخارجية، وربطها بشكل أكبر بدعم السياسات الأميركية، بينما يؤكد بايدن أنه لا يمكن التعامل مع التحديات الجديدة من دون علاقات وثيقة مع الحلفاء وتعاون المؤسسات الدولية، ويعتقد أن الانسحاب من المعاهدات وتشويه التحالفات أضعف نفوذ واشنطن عالمياً.

اتفاق على خطر الصين

بات صعود بكين قضية مركزية في الانتخابات الرئاسية الأميركية فكونها أحد أكبر اقتصادات العالم، يكافح المسؤولون الأميركيون من أجل حضّ الصين على قبول النظام الدولي السائد، والكفّ عن الممارسات التجارية التي وصفها مراقبون بأنها غير عادلة، وسط مخاوف من الأبعاد السياسية وراء مبادرة "الحزام والطريق" لتوسيع التجارة بين القارات، إلى جانب مخاطر الأمن القوميّ التي تشكّلها شركات التكنولوجيا الصينية، ومستقبل هونغ كونغ وتايوان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتبيّن موقف الرئيس الأميركي من بكين في إستراتيجيته لمواجهة ما يصفها بالانتهاكات الاقتصادية، بدءاً من سرقة الملكية الفكرية، والتلاعب بالعملة، وانتهاء بدعم الصادرات، والتجسّس الاقتصادي، إذ يؤكد ترمب الحاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة لحماية العمال الأميركيين، وتقليل العجز التجاريّ الكبير للولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن بايدن ينتقد سياسة المواجهة التي ينتهجها ترمب، فإنه يتفق معه على خطورة صعود الصين باعتباره تحدياً خطيراً، ويستنكر ممارساتها التجارية "المسيئة"، محذراً من تقدمها التقني، وسجلها في حقوق الإنسان، في إشارة إلى أوضاع أقلية الإيغور المسلمة، كما يؤكد أنه سيواجه بكين بفاعلية أكبر، وسيعمل بشكل أوثق مع الحلفاء للضغط عليها.

ويتعهد بايدن بإعادة وضع ملف حقوق الإنسان في صميم السياسة الخارجية، إذ يقول إن على الولايات المتحدة "مقاومة استبداد الصين المتزايد، وقيادة العالم الحر لدعم الشعب الشجاع في هونغ كونغ في مطالبته بالحريات المدنية والحكم الذاتي الذي وعدتهم به بكين، وينطبق الشيء نفسه على أقلية الإيغور".

تباين بشأن موسكو

عادت روسيا هي الأخرى في الواجهة كمنافس تقليديّ للولايات المتحدة بعد مساعٍ غربية لتحسين العلاقات مع موسكو بعد الحرب الباردة، لكن التحوّل العارض في سياساتها من التدخل العسكري في سوريا وأوكرانيا إلى مزاعم التأثير في الانتخابات وانتهاك المعاهدات النووية، كلها عوامل دقّت ناقوس الخطر لدى السياسيين الأميركيين، لا سيما الديمقراطيين منهم.

لكنَّ ترمب لم يتوانَ عن إقامة علاقات ودية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان موقفه رافضاً للاتهامات الموجهة لحملته بالتعاون مع موسكو للتأثير في الانتخابات الأميركية عام 2016، وعلى الرغم من الانصياع لضغط الكونغرس لتمديد العقوبات على روسيا، وتوسيع المساعدة العسكرية لأوكرانيا، والانسحاب من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، فإن الرئيس الأميركي دعا إلى تعاون أوثق مع روسيا.

بخلاف ذلك، يحذر بايدن من أن روسيا في عهد بوتين "تهاجم أسس الديمقراطية الغربية من خلال السعي إلى إضعاف حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتقسيم الاتحاد الأوروبي، وتقويض العملية الانتخابية الأميركية"، كما يتهم موسكو باستخدام المؤسسات المالية الغربية لغسل مليارات الدولارات، ومن ثمَّ استغلالها للتأثير في السياسيين.

اختلاف حول الدعم العسكري وتغيير الأنظمة

تُظهر الاستجابة الدولية للأزمة الاقتصادية التي يعانيها الشعب الفنزويلي في بلده الزاخر بالنفط انقساماً واضحاً بين القوى العظمى، إذ ترى الولايات المتحدة وعشرات الدول الأخرى في أوروبا والأميركتين أن الرئيس نيكولاس مادورو غير شرعي، ويعترف ترمب بزعيم المعارضة خوان غوايدو كرئيس مؤقت للبلاد، في وقت تحرص الصين وروسيا وكوبا، بمساعداتها العسكرية والاقتصادية، على إبقاء نظام مادورو.

وعلى الرغم من التكهنات القائلة إن بايدن بتأكيده وقوفه مع الشعب الفنزويلي، ودعوته إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة، والتخلّص من فساد الرئيس الحالي يسير على المسار نفسه الذي حدّده ترمب، فإن المرشح الديمقراطي يحمّل الرئيس الأميركي وسياساته للهجرة، وما يصفه بـ "النهج العشوائي" لمعالجة الأزمة في كاراكاس، مسؤولية وجود أكثر من 3 ملايين لاجئ.

ومن الاختلافات الجوهرية بشأن الأزمة الفنزويلية أن العضو الديمقراطي المخضرم في الكونغرس الأميركي، يرى أن الولايات المتحدة يجب أن لا تفرض تغيير النظام على دول أخرى، ويُقتصر مساندة حركات المعارضة على الدعم غير العسكري.

تباين في وسائل تحييد الخطر الإيراني

أما الشرق الأوسط فما زال رازحاً في إطار صورته المشوّهة منذ سنوات تحت صفيح ملتهب بحروب أهلية في سوريا وليبيا واليمن، وميليشيات تزايد آذاها في العراق، وأزمة اقتصادية خانقة في لبنان، في وقت لا تكف إيران عن توسيع نفوذها في العالم العربي بواسطة أذرعها.

على أساس ذلك، حرص ترمب على اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد النظام الإيراني، وكانت سياساته صداعاً لطهران، فمن خطوة جريئة بالانسحاب من الاتفاق النووي على الرغم من معارضة حلفائه الأوروبيين، إلى استهداف أحد أبرز قادتها العسكريين الجنرال قاسم سليماني، والتلويح بإعادة العقوبات الأممية على إيران بعد رفض مجلس الأمن مقترحاً أميركياً بتمديد حظر السلاح عليها.

كما جاء اختيار سيد البيت الأبيض الحالي الرياض لتكون أولى وجهاته الخارجية، بمثابة التأكيد على العلاقة الإستراتيجية مع أحد أهم حلفائها العسكريين والاقتصاديين في الشرق الأوسط، وتأكيداً على دعمها لردع ميليشيات الحوثي المعروفة بولائها لإيران، ومن ثمَّ تجاهلت إدارة ترمب إعلاناً حوثياً يتبنّى الهجوم على منشآت نفطية سعودية العام الماضي، واتفقت مع مسؤولين سعوديين على تحميل طهران مسؤولية الإضرار بإمدادات الطاقة العالمية من خلال استهدافها المباشر محطّات الضخّ التابعة لشركة أرامكو، في حين نفى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف هذه الاتهامات.

بايدن من جهته، هدّد سابقاً بوقف مبيعات الأسلحة إلى أكبر مشترٍ للأسلحة الأميركية وهي السعودية، في حين توقعت سفيرة المملكة لدى واشنطن الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، أن يتخلى المرشح عن عدائه لبلادها إذا أصبح رئيساً، وأضافت في حديث إلى وكالة أسوشييتد برس، أن "بمجرد أن يصل الرئيس إلى البيت الأبيض، ويشاهد التأثير يمكن لآرائه أن تتغير".

لكن عدائية المرشح الديمقراطي لا تحجب تأكيداته بزيادة الاستعداد للتعامل مع خصم السعودية العلني في المنطقة وهي إيران، التي يعتبرها راعياً للإرهاب ومهددة لمصالح الولايات المتحدة، ويطالب بمحاسبتها لاعتقالها مواطنين أميركيين، و"قتل مئات المتظاهرين بلا رحمة"، على حد تعبيره.

توافق على دعم إسرائيل

على صعيد القضية الفلسطينية الإسرائيلية، فإن المرشحين الرئاسيين يتفقان على دعم تل أبيب، إذ عزّز الرئيس الأميركي دعمه إسرائيل، بنقل سفارة بلاده إلى القدس، في خطوة أعادت النظر في مسألة حرص واشنطن على تبني حل الدولتين، وهي الإستراتيجية التي من المحتمل أن يعمل بايدن على ضوئها، في وقت لا تزال احتمالات التوصل إلى تسوية دائمة بين فلسطين وإسرائيل ضئيلة على الرغم من انفراج أخير لم ترحّب به القيادات الفلسطينية، وهو الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي الذي رعاه ترمب للتطبيع بين البلدين مقابل إرجاء ضمّ الضفة الغربية، في تحوّل حظيَ بإشادة بايدن، الذي نوه بـ "جهود الإدارة الأميركية السابقة المبنية على مبادرة السلام العربية".

القوة العسكرية لأغراض إنسانية

ولا يقلّل بايدن من خطر البرنامج النووي لكوريا الشمالية وطموحات إيران، كما يشدّد على القيام بكل ما هو ضروري لمنع طهران من حيازة سلاح نووي، مع عدم استبعاد أي خيار من على الطاولة، وأكد في وقت سابق، أنه سيكون "مستعداً أيضاً لاستخدام القوة في حالة هجوم صاروخي بعيد المدى وشيك من قبل أي من البلدين".

ويذهب نائب الرئيس السابق إلى ما هو أبعد، بتأكيده ضرورة التدخل العسكري لأغراض إنسانية وأخلاقية، للردّ على الإبادة الجماعية أو استخدام الأسلحة الكيماوية، مشيراً إلى أن هذه الحالات تتطلّب اتخاذ إجراءات من قبل المجتمع الدولي، وليس الولايات المتحدة فقط.

مزيج من الإدارتين

في هذا الإطار، يعتبر مراقبون أن المرشح الديمقراطي، لا يطرح أفكاراً جديدة، وأن شبح الإدارة السابقة وسياساتها ما زال يلاحقه، إذ يقول الكاتب الإيراني أمير طاهري، إن بايدن يسعى من وراء ذلك نحو الظهور بمظهر الشخص القادر على تحقيق الحلول الوسط، والفوز بدعم أنصار أوباما من دون إثارة سخط أنصار ترمب، لكن المزيج من سياسات الرئيسين يمكن أن يبقي على الولايات المتحدة في مسار مبهم لأربع سنوات أخرى.

ويضيف طاهري في مقال له، "الملاحظ كذلك أن بايدن مهملٌ في تعامله مع المصطلحات على سبيل المثال، لدى حديثه عن العلاقات مع الصين وروسيا، لا يبدو واثقاً بكيف يمكنه وصف هذه العلاقات، ففي بعض الأحيان ينظر إلى هذه العلاقات على أنها تحدٍّ، وفي أحيان أخرى يصف البلدين بأنهما منافسان أو خصمان".

وفي ما يخص الموقف من إيران وفنزويلا، فإن السيناتور السبعيني، بحسب الخبير في شؤون الشرق الأوسط، يتبع أسلوب الإرجاء الذي تميّز به رئيسه أوباما، كونه يرغب في إحياء الاتفاق النووي، المعروف باسم خطة العمل الشامل المشتركة، بشرط أن تقدم طهران عدداً من الأمور التي لم يحدّدها، كما شدّد من جديد على تأكيد ترمب أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بالحصول على أسلحة نووية، لكنها في الوقت ذاته لا تسعى نحو تغيير النظام فيها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير