Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نسوة ثلاث في "جزيرة الماعز" يقتلن الراعي لإنهاء صراعهن

عرض مسرحي مصري اختزل نص الإيطالي أوغو بتي وحرره من أدبيته

مشهد من مسرحية "جزيرة الماعز" في صيغتها المصرية (اندبندنت عربية)

ثلاث نساء في عزلتهن الاختيارية، الزوجة التي هجرها الزوج، وأخت الزوج، والابنة، اخترن العيش في جزيرة منعزلة على الجانب الآخر من الحياة، لا شيء فيها سوى قطيع من الماعز يأتي على كل شيء أخضر في الجزيرة، وغريب يهبط عليهن فجأة ويصبح راعياً لقطيع الماعز وقطيع النساء... يتبدل كل شيء ويتحول الهدوء المصطنع إلى صخب هادر، والصراع المكتوم إلى حرب معلنة تعصف بكل شيء، وتنقلب الحياة رأساً على عقب.

هكذا تمضي مسرحية "جريمة في جزيرة الماعز" التي كتبها الإيطالي أوغو بتي عام 1947، حين كانت إيطاليا تعاني الآثار المدمرة للحرب العالمية الثانية، وما ترتب عليها من تدمير معنويات المواطن الإيطالي وسقوط أفكار كثيرة ظل مؤمناً بها سنوات طويلة.

الزوج البروفيسور الذي آمنت الزوجة بأفكاره وعندما وجدت أن الجميع ضده قررت ترك المدينة والذهاب معه إلى تلك الجزيرة المنعزلة، لكنها تكتشف بعد ذلك كذبه وخيانته. يهرب الزوج ويدخل السجن ويموت هناك، وفي السجن يلتقي بالمدعو أنجلو ويقص عليه حكايته ويطلب منه، وهو في سكرات الموت، أن يذهب إلى الجزيرة ويحل محله بعد أن يخبره بكل شيء عن زوجته وشقيقته وابنته.

وعندما يهبط أنجلو على البيت المتداعي في الجزيرة المنعزلة يواجه في البداية برفض وجوده، لكنه الرفض الظاهري الذي سرعان ما يتهاوى أمام العطش الأنثوي الطاغي، الاحتياج لرجل راع يلبي احتياجات النسوة الثلاث الجسدية والروحية. وهنا يبدأ الصراع المعلن بينهن على الاستحواذ عليه، كل واحدة منهن تريده لنفسها، الزوجة التي تعرضت للخيانة والإهانة من الزوج، الشقيقة التي بدأ قطار العمر يسرع بها إلى محطة النهاية، الابنة التي لم تجرب العلاقة مع رجل بعد، وتريد تعويض فقد الأب، وهكذا يستطيع الغريب السيطرة عليهن جميعاً.

في مواجهة السينما

هذا النص، الذي تتعدد قراءاته وتأويلاته، قدمته فرقة المركز الثقافي بالجيزة التابعة لهيئة قصور الثقافة المصرية (مؤسسة رسمية)، وهو تحد أقدم عليه مخرجه محمد الطايع، وبخاصة أن النص سبق تحويله إلى فيلمين سينمائيين شهيرين، الأول بعنوان "رغبة متوحشة" أخرجه خيري بشارة ولعبت بطولته نادية الجندي ومحمود حميدة، والثاني "الراعي والنساء" أخرجه علي بدرخان ولعبت بطولته سعاد حسني ويسرا وأحمد زكي، فضلاً عن أن الفرقة التي قدمت العرض تراوح بين الهواية والاحتراف وتعمل بميزانيات محدودة لا تتجاوز الثلاثين ألف جنيه (نحو ألفي دولار).

 انحاز الدراماتورج محمد متولي إلى القراءة المعتمدة لدى كثير من النقاد، وهي فكرة الصراع بين الرجل والمرأة، والصراع بين المرأة والمرأة على الرجل، ذلك الصراع الأبدي الذي لا ينتهي، وهي قراءة مشروعة إذا نحينا الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كتب أوغو بتي النص في ظلالها. لم يدع العرض أكثر مما يقدم، ويبقى الفيصل في كيفية تقديم هذه الرؤية أو هذا التفسير.

قراءة أخرى

اختزل الدراماتورج، الذي اعتمد على ترجمة المخرج الراحل سعد أردش للنص، الكثير من أحداث النص المسرحي، واستغنى عن الكثير من العبارات الأدبية التي يحفل بها النص، والتي كانت محل انتقاد بعض من تناولوه بالدراسة واعتبروه نصاً أدبياً أكثر من كونه نصاً مكتوباً لخشبة المسرح. وغيّر الدراماتورج كذلك في النهاية، فبدلاً من ترك الغريب يموت في البئر كما في النص الأصلي، وفرار الابنة وأخت الزوج من الجزيرة وبقاء الزوجة وحدها معلنة عن الصراع الأبدي الذي لن ينتهي، تتفق النسوة الثلاث على وضع السم له في الطعام، لتنتهي هذه التراجيديا بموته. ولكن تظل الأمور معلقة، فهل يؤدي موته إلى عودة الصفاء إلى المنزل، هل التخلص من الراعي الجديد يؤسس لمرحلة جديدة أكثر هدوءاً ومحبة وسلاماً، أم أن الصراع سيستمر؟ كلها أسئلة تركها العرض دون إجابة حاسمة.

مخرج العرض كان موفقاً في اختيار ممثليه، لعب أحمد أبو عميرة دور (أنجلو) السجين صديق الزوج الذي هبط فجأة على بيت النسوة الثلاث، ونجح في فهم طبيعة الشخصية وتحولاتها، وأهله تكوينه الجسماني للعب الدور بشكل جيد، وتدرج في تقديمه للشخصية بدءاً من مرحلة الاستجداء والاستعطاف للبقاء في المنزل، مروراً بنسج شباكه حول النسوة الثلاث، وانتهاء بسيطرته الكاملة عليهن. كل ذلك أداه أبو عميرة بشكل واع يشير إلى قراءته المتعمقة للشخصية. والأمرنفسه بالنسبة للزوجة التي لعبت دورها (ريهام عبد الرازق) التي كانت واعية هي الأخرى بطبيعة المرأة التي هجرها زوجها وخانها وطعنها في كرامتها، المرأة المتطلعة إلى رجل آخر يعيد إليها كرامتها ويعيد الحياة إلى جسدها، لكنها في الوقت نفسه تحاول إخفاء مشاعرها وتوقها إلى الرجل، وفي النهاية تستسلم. وأخت الزوج (شريهان قطب) التي مضى بها قطار العمر وتعطلت حواسها في هذه الجزيرة المنعزلة وجاء إليها من يعيدها إلى الحياة مرة أخرى. والابنة (تقى عادل) التي ساءها في البداية أن يحتل هذا الغريب فراش أبيها، ثم سرعان ما تقع في حبه نتيجة الفقد الذي تعانيه لغياب الأب.

التمثيل المتقن

الممثلون الأربعة لعبوا أدوارهم بفهم ووعي وإقناع، وهو ما يحسب للمخرج الذي أجاد توظيف طاقاتهم وتسكين كل منهم في المكان المناسب.

ديكور العرض صممه محمد سعد، هو منظر واحد لا يتغير، كما جاء في النص تماماً، حرص على تشكيله مما يشبه النفايات والبقايا، باحة بيت لا أثاث بها سوى بعض المقاعد البالية، ومنضدة صغيرة لتناول الطعام، وعلى يسار المسرح بئر الماء، وهناك فراغات كثيرة تشير إلى انكشاف البيت وانكشاف ما يحدث فيه. فبواسطة الإضاءة (صممها المخرج) والأداء الحركي تم تصوير اللحظات الحميمة بين الغريب والنسوة الثلاث، في مشهد يقول كل شيء ولا يقول شيئاً، بمعنى أنه يجسد تلك اللحظات الحميمة والساخنة بين الغريب ونسوة البيت بواسطة الحركة، والإضاءة التي تعكس ما خلف الأبواب المغلقة، من دون أن يصطدم المشهد مع الرقابة أو التقاليد العامة التي تتحفظ على مثل هذه المشاهد.

اختار المخرج مقطوعات من موسيقى عالمية تناسب الأجواء المشحونة والمتوترة التي يدور فيها العرض، وغلب اللون الأحمر على معظم المشاهد عاكساً أجواء الصراع والتآمر وكذلك توتر النسوة وتوقهن إلى رجل يملأ الفراغات الكثيرة في حياتهن ويعيد الدفء إلى المنزل شبه المتهدم شديد البرودة والذي تعصف به الرياح من كل جانب.

الماعز - كما هو معروف- من أكثر الحيوانات سعياً إلى إشباع غرائزها الجنسية، وكذلك من أكثرها انقياداً لراعيها، وربما لذلك اختار أوغو بتي "جزيرة الماعز" عنواناً لنصه، وكأننا أمام قطيعين متشابهين في غرائزهما ودوافعهما وخضوعهما لراعيهما، وصراعهما على الكبش/ الرجل، ذلك الصراع الذي ينتهي بجريمة القتل. ولكن هل ينتهي الصراع بقتل الذكر ويعود السلام بين النسوة الثلاث، أم أنهن سينتظرن راعياً جديداً يؤجج صراعهن مرة أخرى؟

المزيد من ثقافة