Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لاجئون وعمال أجانب بين الأكثر تضررا من انفجار بيروت

العائلات المُهجّرة التي تعيش سلفاً تحت خطر الفقر في بيروت، لم يزدها التفجير المميت إلّا بلاءً

لا تزال أصداء الانفجار في مرفأ بيروت تتردد، وتُثقل كاهل لبنانيين ولاجئين كثر فقدوا منازلهم وموارد عيشهم وحياتهم (غيتي)

آخر مرّة تكلّم فيها يعقوب، ابن السنوات السبع، كانت قبل خمسة أعوام، قبيل قيام غارة جويّة بضرب شاحنة وقودٍ قرب بيته في سوريا، مُدمّرةً منزل عائلته على نحو كامل تقريباً. وتسبّب ذاك الحدث المريع للطفل بصدمة، إذ غدا مذّاك أخرساً، وأُجبِرت عائلته على مغادرة دير الزور واللجوء إلى بيروت. وحقّق يعقوب على مدى السنوات الخمس الأخيرة تحسّناً بفضل العلاج الذي أمّنته له جمعية خيرية محلية. إلى أن حلّ الرابع من أغسطس (آب)، وانشقّت السماء مرّة أخرى.

وكان أبناء عائلة البرجيس في ذلك اليوم، يعقوب وإخوته الثمانية، لوحدهم في البيت بحيّ الكرنتينا، تلك المنطقة المعدمة التي تبعد مئات أمتار قليلة عن مرفأ بيروت، حيث وقع الانفجار الذي دمّر قطاعات واسعة في العاصمة اللبنانية. وأولئك الأولاد لم ينجوا إلّا لأنّ شقيقتهم الكبرى، نور، البالغة من العمر 17 سنة، ظنّت أن الانفجار الصغير الأوّل كان غارة جوية، فقادتهم سريعاً للاختباء. وقالت نور عن ذاك الانفجار "طوال هذه السنوات من الحرب، لم أعرف انفجاراً بقوّة ما شهدناه يوم الثلاثاء". والفتاة تحدّثت وسط حطام الأكواخ حيث تعيش وعائلتها المؤلفة من 11 فرداً، وكان حولها أشقاؤها وشقيقتها يلعبون، على الرغم من الجراح التي تكبّدوها بفعل الحطام المتطاير في أنحاء الحيّ كمثل شظايا القنابل. وتابعت نور كلامها، قائلة "لو كنّا في الخارج بتلك اللحظة، لكنّا متنا".

 

وتقول والدة نور من جهتها إنّ أولادها أُصيبوا بصدمة عنيفة جرّاء الانفجار. ويعلو تزامناً مع كلامها ذاك صوت دراجة نارية هادرة، فيركض ابنها يعقوب مذعوراً، ويختبئ تحت الطاولة. وتمضي الوالدة في حديثها لتُشير إلى ابنها، شارحةً "ظلّ يبكي ويصرخ طوال أسبوع على نحو متواصل. وهو يبوّل في الفراش، ولا ينام الليل".

في السياق عينه، أفادت وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتّحدة UNHCR بأن 34 لاجئاً سورياً  على الأقل قتلوا جرّاء الانفجار، ما يشكّل خمس العدد الإجمالي للضحايا، ويشير إلى أن اللاجئين كانوا من أكثر الفئات تضرّراً. كما أُصيب عشرات اللاجئين، كحال عائلة البرجيس، بجروح. وتقول وكالات الغوث إنّ اللاجئين السوريين والعمال الأجانب يمثّلون الآن، وعلى نحو خاص، الفئات الأكثر هشاشة وضعفاً في المشهد البيروتي، لأن كثيرين منهم كانوا سلفاً قبل الانفجار يعيشون تحت خطّ الفقر، وإنّ كثيرين من هؤلاء عاطلين من العمل، ويفتقرون إلى العناية الصحية وأوراق الإقامة القانونية.

وكان "المجلس النرويجي للاجئين" NRC أصدر، خلال الأسابيع التي سبقت الانفجار، تقريراً أشار فيه إلى ارتفاع عدد اللاجئين السوريين الذين يُطردون من أماكن إقامتهم  بسبب الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يعاني منها لبنان وبفعل جائحة كورونا. ويتخوّف "المجلس النرويجي" من استمرار هذا الأمر على أثر الانفجار.

وحادثت "اندبندنت" ثلاث عائلات من اللاجئين السوريين المقيمين في محيط منطقة الانفجار، فأشاروا إلى ما يواجهونه راهناً من صعوبات لا حصر لها، بينها مخاوف تجاه مكان العيش الذي قد ينتهون إليه. وتقول إلينا ديكوميتيس، من "المجلس النرويجي للاجئين" إن "اللاجئين السوريين، مثلهم مثل الفئات الأفقر في المجتمع اللبناني، هم في الغالب غير مرئيين". وقدّم  NRC في هذا السياق دعماً نفسيا، ومستلزمات حماية وتنظيف، إلى عددٍ كبيرٍ من العائلات أمثال عائلة البرجيس. وتابعت ديكوميتيس أن "أولئك اللاجئين بعد الانفجار يعودون إلى حالة اللجوء الأولى، مع كلّ ما يعني ذلك من مظاهر ضعف وهشاشة، إذ إنّهم أوّل مَن يجدون أنفسهم متروكين في الشوارع. والأمر ذاته ينطبق على حال العمال الأجانب".

لوسي، 29 سنة، من سيراليون، تمثّل واحدة من عاملات البيوت الأجنبيات في بيروت الذين باتوا اليوم بعد الانفجار، من دون وظيفة أو مال أو مأوى. فقد دمّر الانفجار المنزل حيث كانت تعمل، خلال وجودها فيه. السيدة اللبنانية التي كانت توظّفها، والتي أُصيبت بجروح بليغة، نُقلت إلى المستشفى من قِبل متطوّع يقود دراجة نارية، وهذا الأخير ترك لوسي بين الركام معتقداً أنّها فارقت الحياة. فبقيت الأم لثلاثة أبناء (لوسي) تحت الردم شبه غائبة عن الوعي، ونزفت بين الحجارة والحطام طوال ساعات ثلاث، إلى أن استطاعت استجماع بعض قوّتها طالبةً النجدة. وعن ذلك، روت لوسي لـ"اندبندنت": "أُصبت بجروح عدّة، وكان الدم في كلّ مكان، وأنا ملقاة هناك بلا حيل أو قوّة، إلى أن رأتني تلك المرأة ونقلتني إلى سيارتها". وتلقّت لوسي العلاج في المستشفى مجاناً، بيد أنّها الآن متخوّفة من المستقبل، إذ لم يعد لديها مكان للإقامة ولا وظيفة، وهي تعيش في مأوى مؤلفٍ من غرفة واحدة مع 20 امرأة أخرى من سيراليون، يعتمدن جميعاً على الإعانات لتأمين إيجار الغرفة. وقام مّن كانوا يوظّفون لوسي، الذين باتوا الآن تحت ضغط أزماتهم المالية والمنزلية، بمنحها بعض الملابس ومبلغ 50 دولاراً، لكنّهم اختفوا بعد ذلك. وغدت ست نساء من أصل الـ 20 امرأة هؤلاء، من دون مأوى، مثل حال لوسي، التي تتحدث عن ذلك، قائلةً: "لم يعد بإمكان موظِفينا مساعدتنا، وحكومة بلادنا لن تساعدنا. نعيش جميعنا في غرفة واحدة. لا يمكننا البقاء هنا، ونحن عاجزات عن إعالة أنفسنا، بيد أنّنا لا نستطيع المغادرة. نحن في حالة يأس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهتها، جمعية "إغنا ليغنا بيسيديت" Egna Legna Besidet، العاملة في مجال حقوق الإنسان التي تنصبّ جهودها في بيروت بالعمل مع الوافدين من أثيوبيا، قالت إنّه لا توجد حصيلة رسمية لضحايا وجرحى انفجار الرابع من أغسطس في أوساط عاملات البيوت الأجنبيات في العاصمة اللبنانية، بيد أنّ معلومات الجمعية المذكورة تشير إلى استمرار وجود 13 فرداً من الجالية الإثيوبية بمفردها، في عداد المفقودين، وأن هناك 20 جريحاً. والمشكلة في هذا الإطار تتمثّل في أن عدداً من العمال والعاملات الأجانب لا يملكون أوراق إقامة قانونية في لبنان، وليست لديهم عائلات تبحث عنهم. وكانت جمعية "إغنا ليغنا بيسيديت" قد أفادت قبل وقت قصير من وقوع الانفجار، وعلى ضوء الانهيار الاقتصادي الحاصل في البلاد، عن تعرّض 300 عاملة منزلية على الأقل للطرد من قِبل موظفيهن، الذين باتوا عاجزين عن دفع أجورهن أو تغطية نفقات عودتهن إلى بلادهن.

ولم تبذل حكومات البلدان التي تأتي منها العاملات المنزليات سوى جهود قليلة لمساعدتهن في العودة إلى ديارهن. وفي هذا السياق، وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، أقام العشرات من النساء الإثيوبيات مخيماً خارج السفارة الإثيوبية في بيروت، مطالبات بالعودة إلى موطنهن. كما نُظمت بعيد الانفجار تظاهرات أمام السفارة الكينية في بيروت، قام بها نساء من كينيا، مِمَّن يفتقرن بمعظمهن إلى وثائق إقامة قانونية، مطالبات أيضاً بالعودة إلى بلادهن. وتقول بانشي ييمر، من "إغنا ليغنا بيسيديت"، عن أولئك النساء إنّهن "من بين أكثر الناس هشاشة بعد الانفجار، نظراً لافتقارهنّ إلى المال والمأوى ومكان اللجوء". وتُضيف ييمر أن لدى جمعيتها "تقارير تشير إلى حرمان بعضهن من المساعدة الطبية والإعانات إثر الانفجار".

وكان "المجلس النرويجي للاجئين" لفت إلى أنّ المسألة عينها تسود في أوساط اللاجئين السوريين. وجوبهت الحكومة اللبنانية بالانتقادات جراء الدعم القليل الذي تقدّمه لمساعدة الفئات المتضرّرة من الانفجار إثر وقوع الكارثة. وانطلقت في الحال، عقب المأساة، مبادرات قام بها متطوّعون لمساعدة المواطنين السوريين واللبنانيين على حدّ سواء، إلّا أن عدداً من أفراد العائلات السورية أفصحوا لـNRC أن صعوبات الحصول على المساعدات باتت تزداد أمامهم، إذ تُمارس بُنى السلطات المحليّة بحقّهم التمييز والإقصاء. وقال أفراد من إحدى العائلات السورية "للمجلس النرويجي" إنّ مظاهر استبعاد السوريين تُمارس بوضوح، كما تحدّثوا عن عنف لفظي وأفعال عنصرية واجهوها خلال محاولتهم في الآونة الأخيرة الحصول على طعام ومستلزمات تنظيف. مجموعة أخرى من الرجال السوريين أفادوا، أمام "المجلس النرويجي للاجئين" أيضاً، عن تعرّضهم لعنف جسدي حين تصاعد التوتر خلال إحدى عمليات توزيع الإعانات.

وفي هذا السياق، أكد أفراد عائلات سورية لـ"اندبندنت" أنّه لم يعد أمامهم "مكان يلجؤون إليه". حياة، 52 سنة، من حلب، التي نُقل زوجها إلى المستشفى إثر إصابته بالانفجار، قالت إن "الانفجار أعادني في الحال إلى سوريا. لقد ظننّا أننا سنموت"، مضيفةً "ما نخشاه الآن ألّا يعود بإمكاننا البقاء في منزلنا، إذ ليس لدينا أي مكان آخر نذهب إليه".   

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير