وافق مجلس النواب المصري على قانون جديد للجمارك مقدّم من الحكومة، لزيادة حوكمة إجراءات الرقابة الجمركية وتيسير حركة التجارة الخارجية والداخلية، وتبسيط الإجراءات، وخفض تكلفة السلع، وتقليص زمن الإفراج الجمركي، وتطبيق منظومة "النافذة الواحدة".
وقال وزير المالية المصري محمد معيط، إن القانون الجديد للجمارك يتكامل مع خطة الدولة التي ترتكز على المشروع القومي للتحوّل الرقمي، بما يُسهم في تعزيز الحوكمة، وإرساء دعائم الانضباط المالي، ورفع كفاءة الإنفاق العام، وتحديث وميكنة منظومتي الإدارة الجمركية والإدارة الضريبية، على النحو الذي يُساعد على تحقيق المستهدفات المالية والاقتصادية، وتمكين الدولة من استكمال مسيرتها التنموية.
إدارة 90 في المئة من الصادرات والواردات إلكترونياً
وأضاف خلال مناقشته بنود القانون الجديد، الذي حوى 92 مادة، أمام مجلس النواب المصري، أن خطة وزارته أن تدير الدولة 90 في المئة من الصادرات والواردات إلكترونياً بنهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل. لافتاً إلى أن تلك الإدارة ستجري عبر منظومة المراكز اللوجيستية التي يتضمّنها القانون، بما يُسهم في تبسيط الإجراءات وتقليص زمن الإفراج لأقل من خمسة أيام فقط، علاوة على تقليل تكاليف التخليص الجمركي.
وتابع أن مشروع قانون الجمارك الجديد يستهدف تبسيط الإجراءات وخفض تكلفة السلع وتقليص زمن الإفراج الجمركي من خلال التوظيف الأمثل للتكنولوجيا الحديثة وتوطين التجارب الدولية المتميزة في تطبيق منظومة "النافذة الواحدة"، والانتقال التدريجي من بيئة العمل الورقية إلى الرقمية.
تطوير الرقابة الجمركية
رئيس مصلحة الجمارك المصرية كمال نجم، أكد أن القانون يهدُف إلى تطوير الرقابة الجمركية والحفاظ على الأمن القومي. وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أنه جرى استحداث منظومة المعلومات المسبقة للبضائع الواردة للبلاد بمدّ الرقابة، لتبدأ من الميناء الأجنبي والتنبؤ بالمخاطر قبل ورود البضائع إلى البلاد.
وأضاف أنه يعمل أيضاً على دعم كفاءة إحكام الرقابة، وتتبع البضائع بالنظم الإلكترونية الحديثة، وتعظيم استخدام الفحص بالأشعة، والقضاء على الممارسات غير المشروعة، وتعظيم دور التدقيق اللاحق والرقابة بعد الإفراج.
وتابع أن القانون راعى التطورات التي شهدها المجتمع المصري، وملاحظات المجتمع التجاري، وأحكام المحاكم المستقرة في هذا الشأن، مع الأخذ بما انتهت إليه الأنظمة الجمركية في الدول الأخرى، وما قررته الاتفاقيات الدولية التي انضمّت إليها مصر، لتنظيم الإعفاءات الجمركية، بتجميع كل النظم الجمركية المختلفة، ليصدر بها قانون واحد، وشامل يجاري مقتضيات التطوير، ويربط بين الأحكام والنظم الجمركية المتفرّقة، ويجعلها أكثر تناسباً، وأيسر تطبيقاً.
القضاء على الممارسات غير المشروعة
وأشار إلى أن الهدف الرئيس هو دعم كفاءة إحكام الرقابة الجمركية، بما يمكّن الدولة من تحصيل مستحقات الخزانة العامة بتتبع البضائع بالنظم الإلكترونية الحديثة، وتعظيم استخدام الفحص بالأشعة، والقضاء على الممارسات غير المشروعة، وتعظيم دور التدقيق اللاحق والرقابة بعد الإفراج، وتقرير دور الجمارك في إجراء هذا التدقيق في ما يخص المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة بها، والاهتمام بتعدد نظم رد الضريبة من سماح مؤقت ونظام الـ"دروباك".
تقليل الاعتماد على الاجتهاد الشخصي للموظفين
القانون الجديد حدد صور التهريب الجمركي، بشكل واضح لتقليل الاعتماد على الاجتهاد الشخصي الممنوح للموظف في مواجهة المتعامل، إلى جانب تعديل العقوبات المقررة حال ارتكاب أيّ من هذه الصور، مع النصّ على إمكانية الحكم بمصادرة البضائع محل التهريب الجمركي حتى وإن لم تكن من الأصناف الممنوعة.
التهريب الجمركي جريمة مخلة بالشرف
واعتبر القانون الجديد للمرة الأولى في مصر جريمة التهريب الجمركي إحدى الجرائم المخلة بالشرف، مع الأخذ فى الاعتبار أنه لن يُنظر إلى طلب التصالح الذي يقدّم في شأن هذه الجرائم إذا مضى أكثر من 60 يوماً، من تاريخ صدور الحكم النهائي فيها، وسداد مقابل التعويض الجمركي كاملاً، كما حرص مشروع القانون على تحقيق التوازن ما بين كل من دواعي الأمن القومي وأهداف النظام الاقتصادي من جهة، وقواعد حرية التجارة الدولية والتزاماتها ومتطلبات مجتمع الأعمال من جهة أخرى.
32 ألف محاولة تهريب خلال 18 شهراً
وقال مجدي عبد العزيز، مستشار وزير المالية لشؤون الجمارك، إن الجمارك المصرية كانت في أشد الحاجة إلى وضع قانون جديد بعد مرور عشرات السنين على القانون السابق، في ظل عالم اقتصادي متغير كل يوم.
وأضاف، لـ"اندبندنت عربية"، أن القانون الجديد يضمن تسهيلات جمركية، لتشجيع التجارة والاستثمار، وفي الوقت نفسه يضمن استيفاء حقوق الدولة، التي تتعرّض للضياع مع زيادة التهرب الجمركي لسهولة اختراق القوانين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشف أن مصلحة الجمارك أحبطت على مدار عام ونصف العام منذ يناير (كانون الثاني) 2019 وحتى يونيو (حزيران) الماضي قرب 32 ألف محاولة تهريب جمركية عندما حررت طوال تلك الفترة 31607 محاضر تهرب، وتمكّنت من تحصيل نحو عشرة مليارات جنيه (نحو 625 مليون دولار أميركي) قيمة الرسوم والغرامات.
وأكد أننا كنا بحاجة إلى قانون جديد لمزيد من الإحكام، وتشديد إجراءات الرقابة على المنافذ الجمركية، والمساهمة في الحدّ من محاولات التهريب، والحفاظ على حقوق الخزانة العامة، وحماية الصناعة الوطنية، والمجتمع المصري من دخول سلع خطرة أو تضر بالأمن القومي.
المشغل الاقتصادي يقلل زمن الإفراج الجمركي
وقال عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، إن قانون الجمارك الجديد يُسهم في تقديم تيسيرات جديدة للمتعاملين مع الجمارك. وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن القانون الجديد يمنح مصلحة الجمارك صفة المشغل الاقتصادي المعتمد للمتعاملين معها من شركات وأشخاص في الأنشطة الصناعية أو التجارية أو الخدمية دون النظر إلى حجم أعمالهم بشرط توافر الملاءة المالية، بما يضمن الوفاء بالالتزامات، وتنفيذ القوانين والقرارات الجمركية والضريبية.
وأكد أن تلك الميزة الجديدة ستقلل زمن الإفراج الجمركي، وتقلل تكاليف التخليص الجمركي، وتوفر المال، وتبسّط الإجراءات، ما يساعد على تقليل تكلفة الإنتاج، وتشجيع الصناعة والاستثمار، وهذا يُسهم بدوره في خفض أسعار السلع والمنتجات المعروضة في الأسواق المحلية.
توسيع قاعدة المستفيدين
وأشار إلى أن برنامج المشغل الاقتصادي المعتمد المسمّى بالقائمة البيضاء، التي تتمتع بأولوية الدور في البيان الجمركي والفحص الفعلي، يُسهم في توسيع قاعدة المستفيدين، لتشمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي هي قاطرة التنمية الاقتصادية، لافتاً إلى أن مساندة المشروعات الصغيرة والمتوسطة تحفّز الإنتاج والاستثمار، وتوسّع القاعدة التصديرية، ما يعود بالنفع على تحسين مستوى معيشة المواطن.
النواب المصري
ونظراً إلى أهمية القانون الجديد قال، رئيس مجلس النواب المصري علي عبد العال، إن قانوني الإجراءات "الضريبة الموحد" و"الجمارك" استمرا في النقاش تحت القبة، وداخل لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان منذ مايو (أيار) الماضي، نظراً إلى أهميتهما.
وأكد خلال الجلسة العامة المخصصة لمناقشة القانون الأحد الماضي أن الأمر كان يحتاج إلى دراسة جيدة قبل الدفع بهما، خصوصاً أنّهما بمثابة الدستور المالي للدولة، ولا يمكن على الإطلاق المغامرة بالدفع بهما للجلسة من دون دراسة جيدة.
وتهدد عمليات التهريب بشكل مباشر الصناعة المحلية، وتضعف من فرص المنافسة في السوق المحلية، وهو ما دفع غرفة صناعة الجلود باتحاد الصناعات المصرية، إلى الاستغاثة بالحكومة في بيان رسمي.
وطالبت الغرفة بتدخل الدولة واتخاذ إجراءات سريعة للقضاء على التهريب في قطاع الأحذية، لإنقاذ المصانع المحلية وزيادة قدرتها على المنافسة، منها زيادة الأسعار الاسترشادية على الفوندي "وجه الحذاء"، وتشديد الرقابة على الأسواق لضبط الأحذية المهربة.
إغراق السوق المصرية
وقالت إنها تلقت عدداً من الشكاوى من منتجي الأحذية، من زيادة واردات "الفوندي"، حيث يجري تقديم فواتير متدنية عنها إلى مصلحة الجمارك، ما يؤدي إلى منافسة غير شريفة للمنتج المحلي المثيل، مشيراً إلى أن الأسعار المعتمدة في الجمارك حالياً 1.45 دولار للأحذية الرجالي، و1.25 دولار للأحذية الحريمي، وتوجد شرائح أقل تصل إلى 80 سنتاً، وهو السعر الذي يلجأ إليه المهربون للنفاذ بمنتجاتهم التي أغرقت السوق المصرية.
90 مليون زوج حذاء مهربة في مصر سنوياً
وأضافت أن الغرفة شكّلت لجنة مشتركة من المتخصصين، وحددت أسعاراً استرشادية بواقع ثلاثة دولارات للفوندي الحريمي، و3.5 دولار للفوندي الرجالي، وهي أسعار عادلة تحقق منافسة شريفة مع الفوندي المصنّع محليّاً، وجرى إرسال هذه المقترحات في مذكرة إلى رئيس مصلحة الجمارك، مشيراً إلى أن وفداً من الغرفة سيجتمع مع رئيس المصلحة خلال الأيام القليلة المقبلة، لعرض المشكلات التي تواجه القطاع في المنافذ الجمركية، للحدّ من التهريب وإنقاذ هذه الصناعة، خصوصاً أن حجم الأحذية المهربة في مصر يتعدى 90 مليون زوج حذاء سنوياً، وذلك يسبب خسائر فادحة للمصانع التي تعمل حاليّاً بأقل من 40 في المئة من طاقتها الإنتاجية.
وأشار إلى أن الجمارك تتعامل مع واردات مستلزمات الأحذية بالكيلو لا بالزوج، وذلك يفتح الباب للتلاعب في كميات وأسعار الأحذية التي تدخل مصر، ما يؤثر في القيمة الجمركية التي يدفعها المستورد للدولة، كما يؤثر سلباً في الصناعة المحلية، إذ يباع الحذاء المستورد بقيمة 80 جنيهاً (خمسة دولارات أميركية) جملة، لأنه غير ملتزم أي أعباء على عكس الصانع المحلي، الذي يتحمّل أعباء زيادة الأجور والضرائب والكهرباء.
1.6 مليار دولار رسوم الإفراج عن 200 ألف سيارة بعد "زيرو جمارك"
الحكومة المصرية رفعت الرسوم الجمركية عن السيارات ذات المنشأ الأوروبي منذ يناير (كانون الثاني) 2019 في ما يعرف بـ"الزيرو جمارك"، وبلغت قيمة السيارات التي جرى الإفراج عنها منذ بداية التطبيق وحتى يوليو (تموز) الماضي 80 مليار جنيه (خمسة مليارات دولار أميركي)، بينما حصّلت الجمارك رسوماً وضرائب عنها بلغت 26 مليار جنيه (1.6 مليار دولار أميركي) بعد الإفراج عمّا يزيد على 200 ألف سيارة ملاكي ونقل.
2.8 مليار دولار حصيلة جمركية متوقعة خلال العام
وتعوّل الحكومة المصرية على حصيلة الجمارك السنوية في إنعاش الموازنة العامة للدولة، كأحد أهم بنود الإيرادات العامة، إذ بلغت الحصيلة نحو 52 مليار جنيه (نحو 3.2 مليار دولار أميركي) في موازنة العام المالي الماضي 2019 - 2020، قد تتقلص خلال العام المالي الحالي إلى 13.9 في المئة تأثراً بتفشي جائحة كورونا، عندما توقعت وزارة المالية عند إقرار موازنة العام تراجع حصيلة الجمارك بمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي المقبل بنحو 7.2 مليار جنيه (450 مليون دولار أميركي)، بنسبة انخفاض مقارنة بموازنة العام المالي الماضي، متوقعة إيرادات من الضريبة على التجارة الدولية "الجمارك" بقيمة 44.5 مليار جنيه (2.8 مليار دولار أميركي).