Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الزعيم القبلي صالح فدامه في ذكرى رحيله الـ53

قائد بالجيش الألماني ورجل التحديث والإعلامي الفذ

الزعيم القبلي صالح فدامه (ويكبيديا)

في مثل هذه الأيام من شهر أغسطس (آب) من عام 1976، اغتيل الزعيم اليمني صالح علي فدامه، الذي وصفه معاصروه بالرجل الاستثنائي والصلب الشجاع، صاحب الشخصية القبلية المثيرة للجدل حياً وميتاً، فمن قائد عسكري في الجيش الألماني خاض الحرب في الأراضي الروسية إبان الحرب العالمية الثانية، إلى قائد التحديث في المملكة المتوكلية اليمنية في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، إلى زعيم قبلي متمرد على النظام الجمهوري اليمني.

قائد بالجيش الألماني

كانت بداية قصة صالح فدامه من قرية نعوة ناحية رداع وسط اليمن، حيث ولد عام  1909 وعاش فيها سنواته الأولى، قبل أن يغادرها إلى مدينة عدن لاحقاً وهو في سن مبكرة، ومنها غادر بحراً إلى فرنسا، وهناك استقر به المقام في مدينة مرسيليا، وفيها بذل جهداً مضاعفاً في الدراسة والعمل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شاءت الأقدار أن يلتحق فدامه بالجيش الألماني قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية، وعن ذلك يعزو الكاتب والباحث طالب الأحمدي التحاق فدامه بالجيش الألماني (فيرماخت) إلى عدة أسباب، منها ظروف المعيشة من ناحية شخصيته الشجاعة المقدامة، وروح الشباب وانفعالاتها، كل ذلك كان دافعاً ومحفزاً لالتحاقه بالجيش الألماني، وكانت تلك الأيام هي الفترة الذهبية للجيش الألماني الذي شهد مرحلة تجنيد واسعة ليس للألمان فقط، بل وحتى من جنسيات أجنبية، وقد أعجب الألمان بشخصيته الفذة والمثيرة للاهتمام، وبالفعل لم يكن التحاق فدامه بالفيرماخت أمراً عادياً، بل استطاع أن يكوّن له موطئ قدم في ذلك الجيش، وتدرج في صفوف الجيش حتى وصل إلى رتبة قيادية.

يتابع الأحمدي في حديثه إلى "اندبندنت عربية" "عند قيام الحرب العالمية الثانية، شارك فدامه في الحرب مع الألمان في جبهة الاتحاد السوفياتي، وقد مكث فيها عدة أشهر، ثم عاد إلى ألمانيا، تقديراً لشجاعته وجهوده. كرمته القيادة الألمانية بوسام الفارس الصليبي الحديدي، الذي يعد من أعلى الأوسمة، ويمنح للاعتراف بالشجاعة في المعركة أو قيادة عسكرية ناجحة خلال الحرب العالمية الثانية، غير أن الأمور بعد ذلك تغيرت لصالح الحلفاء، وانهزمت ألمانيا ودول المحور، وبهزيمة ألمانيا وُضع فدامه في معسكر اعتقال تابع للأسطول الأميركي السادس في إيطاليا، لكن توسط لاحقاً إمام اليمن يحيى بن حميد الدين للإفراج عنه، وذلك بعد مماطلة أخذت بعض الوقت".

رجل التحديث

 تلك الوساطة من قبل النظام الإمامي الحاكم في اليمن، شجعت فدامه على العودة إلى اليمن (شمال)، حيث استفادت الحكومة الإمامية من مهارات وثقافة الرجل العائد من القارة الأوروبية، وكلفته بإدارة الشؤون البلدية والقروية في المملكة المتوكلية اليمنية، فعمل على نقل بعض مما شاهده في فرنسا وألمانيا من مشاريع وبنى تحتية ولو في الحد الأدنى، وخاصة في مجال الطرق والنقل والمواصلات، فعمل أولاً على إنشاء أول طريق معبّد يربط العاصمة صنعاء بمينائها الرئيس في مدينة الحديدة، وكذلك عمل على شق أول طريق رئيس من مدينة رداع إلى مديرية جبن وقعطبة. وفي مجال الطيران كان من أبرز أعماله العمل على إنشاء أول مطار مدني في مدينة الحديدة التي كانت تعد الميناء الرئيس للمملكة المتوكلية، كما كانت له بصمات في كثير من الطرق الداخلية بين الولايات، مشاريع الإصحاح البيئي والنظافة وتنظيم الأسواق والمدن في عدة مدن وبلدات يمنية.

مواقف متناقضة

كان صالح فدامه من الشخصيات التحديثية في حكومة المملكة المتوكلية التي كانت شديدة الانغلاق على الحداثة والعالم، ولهذا كان نصيبه الاعتقال عقب انقلاب عام 1955 على إمام اليمن حينها أحمد بن يحيى بن حميد الدين، ثم أفرج عنه مع مجموعة من قادة اليمن ذي الاتجاه التحديثي.

وعلى الرغم من ذلك الاعتقال من النظام الإمامي، فإن موقفه من ثورة اليمن في سبتمبر (أيلول) 1962 التي أطاحت بالملكية، كان متناقضاً، وعن ذلك يشرح الكاتب الأحمدي "بعد الإطاحة بالنظام الإمامي ونشوء الحكم الجمهوري، عرض مجلس قيادة الثورة على الشيخ فدامه المشاركة في الحكومة الجديدة كوزير، غير أنه رفض ذلك العرض لمعارضته التدخل المصري الداعم للنظام الجمهوري، ولكنه قبل بمنصب أقل من ذلك وهو الإشراف على الشؤون المحلية والبلدية في مناطق وسط ريف اليمن، بيد أن الأمر لم يستمر كثيراً، إذ نشب خلاف بينه وبين القيادة الجمهورية في صنعاء، بسبب حملة عسكرية للقوات الجمهورية على مناطق ريفية وسط اليمن كانت في طريقها للتمرد على نظام صنعاء الجمهوري، وبعد مناوشات متبادلة استمرت أشهراً بين قوات الحكومة الجمهورية والمتمردين القبليين، تدخل رئيس الجمهورية حينها عبد الله السلال لإنهاء الأزمة والتفاهم مع الشيخ القبلي صالح فدامه ورجاله القبليين".

 أوضاع مضطربة

لم تستقر الأوضاع في مناطق وسط اليمن، حيث يقيم فدامه، إذ ظلت الاضطرابات السياسية والقلاقل الأمنية تسود تلك المناطق، ومنها اغتيال وزير الإعلام علي الأحمدي في مدينة رداع، مما أدى إلى حملة اعتقالات شملت وجهاء وأعيان مناطق رداع وقيفة ونعوه، وكان صالح  فدامه ضمن قائمة المعتقلين، إلا أنه سرعان ما إن صدرت أوامر رئاسية بإطلاق سراحه.

 حالة عدم الاستقرار هذه في مناطق وسط اليمن خاصة مناطق البيضاء وما حولها، وعدم الانسجام بين الشيخ فدامه والنظام الجمهوري في صنعاء، كانت سبباً مشجعاً لقراره بمغادرة أراضي الجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن) والاتجاه جنوباً نحو مستعمرة عدن والمحميات الجنوبية.

 لكن الكاتب الأحمدي يرى أن السبب الرئيس لانتقال فدامه إلى عدن، هو معارضته التواجد المصري في شمال اليمن، قائلاً "إن فدامه كان معارضاً للوجود المصري في اليمن، وكان يرى أن هذا التدخل يضر بالسيادة الوطنية للجمهورية الفتية، ويضعف القرار السياسي للنظام الجمهوري، هكذا كان موقفه منذ بداية الثورة السبتمبرية، بل والتحق آنفاً بالقوات الملكية عندما كانت قوات الإمام محمد البدر تخوض في ذلك حرباً واسعة لاستعادة المملكة المتوكلية، حيث تمكن الإمام البدر من استقطاب كل الشخصيات المعارضة للتواجد المصري في اليمن، ومن ضمنهم صالح فدامه الذي يمتلك خبرة جيدة في العمل العسكري".

مهمة إعلامية

بعد اللجوء إلى عدن في منتصف الستينيات، ونظراً للثقافة الجيدة التي يمتلكها والتي كسبها في سنوات شبابه في فرنسا وألمانيا، أراد الاستفادة من راديو عدن في بث الحماسة في صفوف المعسكر الملكي المعارض للجمهوريين، خاصة وأن الخطاب الإعلامي للملكيين كان ضعيفاً، ويفتقد للإعلاميين والمثقفين والمراسلين الحربيين، ونجح فدامه في الحصول على موافقة من محطة إذاعة عدن لتقديم برنامج أسبوعي لاقى صدى واهتماماً واسعين بين اليمنيين، من خلال بث خطاباته الحماسية المؤثرة.

 الاغتيال

بحسب كتاب "اليمن والثورة والحرب" لمؤلفه إدجار أوبالانس، توالت الأحداث تباعاً في عام 1967م أمام الزعيم صالح فدامه، حيث اعتُقل ابنه البكر فاروق والذي كان ضابطاً عسكرياً خريج الأكاديمية العسكرية من مصر ووضُع في سجن صنعاء، وقد حاولوا استخدامه لتهديد والده بأنه ولده سيُعذب حتى الموت إن لم يكف عن الصدام مع النظام الجمهوري قبل أن يُنقل فاروق بعد ذلك للتحقيق من صنعاء ثم إلى القاهرة بأمر من المشير عبد الحكيم عامر وزير الدفاع المصري حينها، وكان أن اغتيل ثاني أكبر أبنائه طارق في منطقة نجران والذي كان ضابطاً مظلياً وخريج الكلية العسكرية في إيران، بينما نجا من أبنائه صخر الذي كان بالخدمة العسكرية في تركيا، وابنه وليد الذي كان طفلاً في تلك الأحداث.

يضيف أوبالانس في كتابه "لم يكن صالح فدامه يولي نفسه العناية اللازمة في توفير الحراسة الكافية له، حينما كان يتنقل من مكان إلى آخر، على الرغم من كونه شخصية بارزة وشكلت تحدياً كبيراً أمام الجمهوريين، فكان أن تمكنت المخابرات العامة المصرية ومعاونيها في اليمن من اغتياله في كمين نفذته في مشيخة دثينة (جنوب اليمن)، بينما هو في طريقه من عدن إلى المناطق التي يسيطر عليها، لكن اغتياله حظي بجنازة رسمية برعاية حكومة بريطانيا في عدن وتناولته وسائل الإعلام  في اليمن والعالم العربي، لقد وصفه معاصروه بأنه كان صلباً وشجاعاً، وقد كان اغتياله خسارة كبيرة للملكيين، الذين خسروا الحرب بعد اغتياله وفشلوا في حصار صنعاء".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات