Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اقتحام تركيا "ملعب فرنسا التقليدي" في أفريقيا يهدد أمن الساحل

وسّعت أنقرة علاقاتها بدول أفريقية تعاني من مشاكل عدة

مؤتمر صحافي مشترك بين الرئيس النيجري ووزير الخارجية التركي في يوليو الماضي، في العاصمة النيجرية نيامي (مواقع التواصل)

يبدو أن المعركة بين فرنسا وتركيا انتقلت من ليبيا وشرق المتوسط إلى منطقتَي الساحل والصحراء، وذلك بعد تحرك الدبلوماسية التركية نحو دول أفريقية لطالما اعتُبرت من "الملاعب التقليدية" للسياسة الفرنسية. وجاءت زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى النيجر، لتكشف أن الصراع التركي - الفرنسي ستنتج عنه توترات، تكون مناطق "فقيرة ومتخلفة" مسرحاً لها.


اتفاقيات عسكرية وتساؤلات

أجرى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو منذ أيام، جولةً شملت 3 دول أفريقية هي توغو، وغينيا الاستوائية، والنيجر التي استقبله رئيسها محمد يوسفو في العاصمة نيامي. وبحث الجانبان تطورات الوضع في ليبيا، كما وقعا اتفاقيات عدة تشمل تعزيز التعاون العسكري والأمني.
وأعلن الوزير التركي خلال جولته عن افتتاح سفارة لبلاده في كل من غينيا الاستوائية وتوغو، موضحاً أن عدد سفارات تركيا في أفريقيا وصل إلى 43 سفارة، مشيراً إلى "نجاح" أنقرة في تسلُّم مفاتيح مدرسة "توغولية" تابعة لجماعة الداعية التركي المعارض فتح الله غولن، الذي يصفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالإرهابي، إثر تجاوب من سلطات دولة التوغو. ولفت إلى أن مدارس "وقف المعارف" الذراع التعليمي الخارجي التركي، باتت تملك 23 فرعاً في أفريقيا.
تداولت جهات عدة تفاصيل الاتفاقيات العسكرية الموقعة مع النيجر، التي تطرح بعض التساؤلات حول توقيتها ودلالتها، بخاصة أن جاويش أوغلو، قال خلال لقائه يوسفو، إن "تركيا خير مَن يتفهم مساعي النيجر في مكافحة الإرهاب". وتحدثت معلومات عن اتفاق على إقامة قاعدة عسكرية تركية على الأراضي النيجرية قرب الحدود مع ليبيا، ما يمنح تركيا موطئ قدم علني في دولة أفريقية ثالثة بعد القاعدة العسكرية في الصومال، التي أنشأتها في عام 2016، وقاعدتَي الوطية ومصراته في ليبيا هذا العام.


تصفية حسابات

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، علي ربيج، رأى في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "السياسة الخارجية التركية في عهد حزب العدالة والتنمية، عرفت تطوراً كبيراً، وباتت وفق استراتيجية جديدة تبحث عن التموقع في مناطق عدة من العالم، وأفريقيا من بينها، فعلى الرغم من تواجدها بقوة في ليبيا، انتقلت إلى البحر المتوسط لتحقيق مصالح اقتصادية، ومواجهة منافستَيها اليونان، وفرنسا"، لافتاً إلى أن "أنقرة ذهبت بعيداً في اقتحام مناطق السيطرة والتحكم المباشر لفرنسا، وأخصّ بالذكر منطقة الساحل". واعتبر ربيج أن "استمرار غياب الاتحاد الأفريقي وأيضاً دول الجوار الفاعلة مثل الجزائر، يفتح المجال أمام مثل هذه الدول لرسم مستقبل المنطقة".
وتوقع ربيج أن يشتد الصراع الفرنسي - التركي في منطقة الساحل، "إذ إنهما بصدد تصفية حساباتهما التاريخية والأيديولوجية، والاقتصادية والسياسية على حساب معاناة الشعوب"، مضيفاً أن "تركيا تضغط على فرنسا من خلال ما تقوم به من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أو أنها في حالة رد فعل على رفض انضمامها".


الاستثمار في الأزمات

من جهتها، اعتمدت تركيا على استراتيجية "الاستثمار في الأزمات"، حيث وسّعت علاقاتها بدول أفريقية عدة لا سيما في الساحل والصحراء، مثل النيجر، وتشاد، ومالي، وبوركينا فاسو وموريتانيا، وهي دول تواجه أزمات عدة على غرار انتشار الجماعات الإرهابية فيها، وتفشي الفقر والمجاعة، والصراعات القبلية والعرقية والإثنية، وغياب التنمية وفساد الأنظمة، بدليل ما حدث أخيراً في دولة مالي حيث عمت البلاد تظاهرات تطالب بخروج القوات الفرنسية بعد فشلها في محاربة الإرهاب كما وعدت، وأيضاً برحيل الرئيس أبو بكر كيتا، بسبب الفساد وضعفه في قيادة البلاد وولائه لفرنسا، كما طالب المحتجون بدفع عجلة التنمية.
 تسابق أنقرة الزمن من أجل محاصرة النفوذ الفرنسي المتجذر في أفريقيا، بخاصة في منطقة الساحل والصحراء، وحماية قواعدها في ليبيا، بالإضافة إلى فتح جبهة واسعة لتحركات الإرهابيين المدعومين من طرفها، لتتمدد من ليبيا نحو دول الساحل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ذراع أميركا

في السياق ذاته، اعتبر أستاذ التاريخ المعاصر، رابح لونيسي، أنه "يجب أن نفهم سياسة تركيا جيداً منذ مجيء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة بقيادة أردوغان، حيث عملت بدايةً على توسيع علاقاتها مع كل الدول، بخاصة مع الفضاءين العربي والإسلامي"، مضيفاً أن "تركيا ما قبل أردوغان، كانت مجرد خط دفاعي للغرب في مواجهة الاتحاد السوفياتي في إطار سياسة الاحتواء الأميركية للمعسكر الشرقي، في سياق الحرب الباردة بحكم عضويتها في الحلف الأطلسي، لكنها فقدت هذا الموقع بعد نهاية الحرب الباردة، وأصبحت مجرد جسر ثقافي بين الغرب والشرق من جهة، وجسراً لمرور الطاقة، بخاصة الغاز من آسيا الوسطى إلى أوروبا، من جهة أخرى".

وتابع لونيسي "بمجيء حزب العدالة والتنمية، أرادت تركيا تصحيح علاقاتها الدولية بحكم ما خطط له وزير الخارجية التركي السابق أحمد داوود أوغلو، وفق مبدأ "صفر أعداء"، فحسّنت علاقاتها مع جيرانها، وأقامت شراكات استراتيجية مع النظام السوري، ومصر في أيام الرئيس الراحل حسني مبارك، ودول خليجية، وحتى مع ليبيا أيام حكم معمر القذافي، التي زارها أردوغان في ذلك الوقت، لكن بمجرد اندلاع انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، غيّرت تركيا أردوغان كل سياساتها، وانقلبت على أنظمة أقامت معها علاقات استراتيجية، ما يدل على سوء نوايا أنقرة، التي بإمكانها أن تكون معك اليوم لأهداف اقتصادية، لكن بمجرد ما تُتاح لها فرصة الانقضاض عليك لخدمة مصالحها الاستراتيجية، فلن تتوانى عن ذلك، وهي ذهنية جماعة الإخوان على العموم".

 يعتقد لونيسي أن "هذا هو سبب الخلاف بين أردوغان، وأحمد داوود أوغلو، صاحب فكرة "صفر أعداء"، أي أن أردوغان انحرف عن هذه الاستراتيجية لأهداف توسعية، وبالتالي انتقلت علاقات تركيا الدولية من تعاون اقتصادي إلى البحث عن نفوذ عسكري بقواعد في مناطق عدة، منها النيجر، وليبيا وغيرها، وهذا ما يشكل تهديداً لمنطقة الساحل، ومساساً بأمن دولها ومنها الجزائر"، موضحاً أنه "في الظاهر هو صراع مع فرنسا التي لها نفوذ في المنطقة، التي تعتبرها قاعدتها الخلفية، لكن الهدف هو السيطرة على الثروات وطرق المواصلات". وتساءل "لصالح من تعمل تركيا"؟، مضيفا أن "لتركيا علاقات وطيدة مع أميركا، فهذه الأخيرة حوّلت تركيا إلى ذراعها في مناطق لا تريد أن تواجه فيها حليفتها فرنسا مباشرةً، فتركيا اليوم تواصل الدور العسكري ذاته لمصلحة أميركا، لكن بأسلوب آخر"، محذراً من أن "كل ذلك سيكون له تأثير على أمن شمال أفريقيا والساحل، لأن تركيا ستسعى إلى إيصال أنصارها إلى السلطة في هذه الدول".

المزيد من دوليات