Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السوريون يعيدون بناء منازلهم في ظل الزيادة الجنونية للأكلاف

لم ينتظر الأهالي انتهاء الحرب لخوض هذا الغمار رغم التضخم الاقتصادي والانخفاض المستمر في سعر الليرة

تحوّل قطاع العقارات إلى سوق مضمونة الربح خلال الحرب السورية للقادرين على الاستثمار فيها (اندبندنت عربية)

يرى الناظر إلى سوريا من الخارج وجهاً واحداً رسمه الدمار في المدن والمناطق التي اشتعلت فيها المواجهات على أشدها، وربما أصبحت هذه الصور مرافِقة لاسم سوريا خلال السنوات التسع الماضية، وعلى الرغم من أن إعادة الإعمار تُعتبر إحدى وجوه الحرب، وواحدة من أهم تبعاتها، إذ غالباً ما تشهد منافسة وتسابقاً في تقديم عروض البناء والاستثمار بين الشركات الكبرى بعد انتهاء الاقتتال، فإن السوريين لم ينتظروا انتهاء الحرب لتشغيل آلات البناء وخوض هذا الغمار، فبدأوا في تشييد الأبنية في مناطق عدة خلال الحرب، إما تلبيةً لاحتياجات الوافدين من المناطق المدمرة، أو لمطلب الحياة الدائم في البناء والتقدم والعمران في مسيرات الشعوب، مهما قست الظروف.

الزحف العمراني

ولم يعد تشييد الأبنية حكراً على المدن في سوريا، بل امتد بشكل واسع ليشمل القرى، التي أصبحت خلال الحرب مركزاً للتجمع السكاني الكثيف، وبالتالي ارتفع الطلب فيها على استئجار وشراء المنازل والعقارات، وبذلك زحف البناء إلى المناطق الخضراء واتصلت المدن بالقرى كما هو الحال في مدينة اللاذقية الساحلية التي امتد ريفها إلى المدينة بخط مترابط على طول الطريق الواصل بينهما. كما غزت الأبنية سطوح الجبال الخضراء اليانعة في أماكن مختلفة، ولم تسلم منها السهول المخصصة للزراعة والإنتاج الزراعي أيضاً، في تعدٍ واضح قلّص نسبة المساحات الخضراء.
كذلك أُنشئت بعض المشاريع السياحية والمؤسسات التعليمية، كالجامعات الخاصة، فأدت إلى زيادة الطلب على العقارات، بسبب تواجد مقراتها في مناطق كان يُعتبر البناء السكني والاستقرار فيها أمراً غير مألوف، وذلك لبعدها عن مركز التجمع السكاني الأساسي.
فجامعة مثل "الحواش الخاصة" التي بُنيت على مرتفع بعيد عن التجمعات في إحدى قرى حمص الغربية. وأظهرت حاجة طلابها إلى السكن قرب الجامعة، أهمية خيار البناء العمودي حولها، بعد ما كان نادراً جداً. وعلى الرغم من أن الجامعة تؤمن لطلابها سكناً جامعياً خاصاً ضمن منشآتها، فإن الأعداد المتزايدة من الطلاب دفعت أهالي المنطقة إلى الاستثمار في هذا المجال الرابح، الأمر الذي أدى أيضاً إلى ارتفاع ثمن الأراضي المنتشرة حولها.


القطاع الذهبي

من ناحية أخرى، تحوّل قطاع العقارات إلى سوق مضمونة الربح خلال الحرب، للقادرين على الاستثمار فيها، حيث كان العرض والطلب في أوجّهما. وعلى الرغم من ارتفاع التكاليف، المرهونة ككل شيء في البلاد بانخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، فإن الربح لازم المتعهدين وأصحاب العقارات، حيث أصبح يُنظر إلى العقار كقطعة ذهب ثمينة يُعد استثمارها على المدى الطويل صفقةً رابحة، لكنها لم تعد بحاجة اليوم للانتظار سنوات لتحصل على نتائج استثمارها، إذ حقق هذا القطاع قفزات مفاجئة وسريعة وارتفاعاً مطرداً في الأسعار، التي كانت تتصاعد من شهر إلى آخر بشكل جنوني، مع تفاوت حاد في الأسعار بين منطقة وأخرى، حيث تراوحت أسعار المنازل التي تبلغ مساحتها 80 متراً في العشوائيات بدمشق (أملاك دولة) نحو 25 مليون ليرة سورية، بينما تبدأ أسعار المنازل التي تملك طابو أخضر وبنفس المساحة، من 60 مليون ليرة. أما سعر العقار في المناطق الفاخرة، فحلّق بأرقام خيالية.
إلا أن هذا التفاوت يبدو مبرراً نسبةً إلى أن سكان العشوائيات يعتمدون على مهنيين ومعلمي بناء متفرقين، من ذوي الأجور المنخفضة، بينما يعتمد سكان المناطق المنظمة على مختصين من متعهدي بناء ومكاتب وشركات هندسية ومصممي ديكور مما يرتب أكلافاً مضاعفة وأجور عمل أعلى، يُضاف إليها التفاوت في أسعار مواد البناء والإكساء واختلاف طرق ومصادر الحصول عليها بين هذه المناطق، إذ إن جودة المواد المختارة من قبل الطرفين تشكل أحد محاور القياس عند تخمين سعر العقار. علماً أن أسعار مواد البناء ارتفعت بنسبة تجاوزت 220 في المئة بين عامي 2011 و2019.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


البناء بالمقايضة

من جهة أخرى، برز خلال الحرب في مجال العقارات فعل المقايضة، خاصة في القرى، حيث يقدم المالك أرضه أو عقاره القديم إلى متعهد بناء ليؤسس مكانه بناءً من طوابق عدة على أن يحصل المالك على عقارات في البناء توازي قيمتها قيمة الأرض المبني عليها. وهذا ما حصل مع إحدى العائلات المؤلَفة من أربع شقيقات في إحدى القرى بمدينة حمص، عندما قدمن منزل ذويهم المتوفين إلى متعهد بناء لينشئ في مكانه ثلاث أبنية تتألف كل منها من أربعة طوابق، على أن تحصل كل واحدة منهن على شقتين ومحل تجاري، فيما يعود ما تبقى إلى المتعهد. وثمن المتر الواحد في هذا البناء بـ250 ألف ليرة سورية (نحو 125 دولاراً)، في ارتفاع كبير مقارنةً بالأسعار السابقة، إذ لم يكن سعر المتر الواحد يتجاوز 2500 ليرة قبل الحرب. ويوضح هذا الفارق الكبير حجم التضخم الاقتصادي والتدهور الذي أصاب الليرة السورية خلال الحرب.
 

البازلت مجدداً

أما سكان جنوب غربي سوريا، فكان لهم رأي آخر، إذ دفعهم ارتفاع أسعار مواد وأجور البناء إلى العزوف عن البناء بالطرق الحديثة، والعودة إلى طرقهم التراثية القديمة باستخدام حجر البازلت المتدرج بين الأسود والرمادي، والمتوفر بكثرة في مناطقهم على شكل صبات بازلتية شكلتها البراكين منذ ملايين السنين، وتكاد تغطي كل مساحتها. ويمتاز هذا الحجر بالصلابة وخفة الوزن وبنسبة عالية من المقاومة للتمدد والتآكل والمواد الكيميائية، إضافة إلى ارتفاع درجة العزل وانخفاض الناقلية الحرارية، مما جعله خياراً مثالياً بسبب مقاومته العالية للحرارة والرطوبة. وخفض استخدامه كلفة البناء إلى أقل من النصف، ومنح أهالي تلك المنطقة منازل أكثر قوة وديمومة.

المزيد من تقارير