Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا "طفرة" في عدد طالبي اللجوء إلى بريطانيا الآتين من شمال فرنسا

يصل المهاجرون دوماً عبر منافذ غير شرعية، وقد أحدثت القيود الأمنية البريطانية نقلة في أساليب التسلل

يخاطر مهاجرون بحياتهم كي يعبروا المانش إلى البر الإنجليزي الذي لم يعد ملاذاً آمناً (هابيتاتفور هيومانتي.أورغ.يوكيه)

أدّى ارتفاع عدد طالبي اللجوء إلى المملكة المتّحدة، الذين وصلوا إلى الشواطئ البريطانية على متن قوارب صغيرة في الأشهر الأخيرة، إلى إثارة موجةٍ كبيرة من ردّات الفعل. فقد نشرت وسائل الإعلام تقاريرَ عن "وصول عددٍ غير مسبوقٍ من المهاجرين إلى بريطانيا"، فيما أصدرت الحكومة أمراً للبحرية الملكية بالتصدّي لمحاولات العبور غير الشرعية عبر القناة الإنجليزية. وقوبل ذلك الأمر بانتقاداتٍ واسعة وصفته بأنه "استعراض مروّع للقوّة البالغة الصرامة" في التعامل مع هذه القضية.

لا شك في أن عمليات عبور الحدود غير المشروعة عبر القوارب تشهد تزايداً ملحوظاً. إذ وصل أكثر من 677 طالب لجوء إلى المملكة المتّحدة في غضون 3 أيام، بين الخميس والأحد المنصرمين، ليرتفع بذلك عدد من عبروا في 2020 مضيق "دوفر" المحفوف بالمخاطر على متن قوارب صغيرة، إلى ما يفوق مجموعه 4000 شخص، بالمقارنة مع 2758 شخصاً عام 2019 بأكمله، وحوالي 500 في 2018.

 في المقابل، فإن الاستنتاج بأن تلك المعطيات تُترجم ارتفاعاً في عدد طالبي اللجوء ممن يفدون إلى المملكة المتّحدة عبر طرق غير شرعية بشكل عام، يعد ادّعاءً خاطئاً. والواقع أنه على مدى أعوام عدّة، وصل المهاجرون من شمال فرنسا إلى الأراضي البريطانية "بشكلٍ غير قانوني"، لكن ما يحدث الآن يتمثّل في وجود "تبدّل" في أساليب التسلّل.

للتذكير، لطالما تمثّلت الطريقة التقليدية الأكثر شيوعاً، في اختباء المهاجرين داخل شاحنات (وليس في قوارب صغيرة). ومع ذلك، يرى خبراء أنه إلى جانب تزايد عمليات العبور بقوارب صغيرة هذا العام، فقد سُجّل انخفاضٌ كبير في عدد الأشخاص الذين يعبرون من فرنسا إلى المملكة المتّحدة داخل عربات الشحن. وكذلك يلفتون إلى أنه لا توجد أرقامٌ منشورة عن عدد المهاجرين غير الشرعيّين، الذين يصلون خلسةً إلى المملكة المتّحدة. وبحسب تأكيد المجلس المحلّي في مقاطعة "كِنت" (التي تشكّل وجهةً أولى لعابري المانش)، فقد تراجع عدد طالبي اللجوء من الأطفال الذين يُعثَر عليهم بمفردهم داخل شاحنات آتيةٍ إلى ميناء "دوفر"، من بضع عشراتٍ في الشهر إلى صفر منذ بدء تطبيق إجراءات الإغلاق في أعقاب تفشّي فيروس كورونا.

في ذلك الصدد، ذكر روجر غوف رئيس مجلس "كِنت" Kent المحلّي المسؤول عن قبول الأطفال ممن يلتمسون اللجوء، ويصلون إلى المرفأ، أو إلى الساحل غير مصحوبين بذويهم، "لم نشهد قدوم أي شخصٍ على متن شاحنة منذ أشهر". وأوضح أن هذا يعود جزئياً إلى تراجع عدد مركبات الشحن التي تصل إلى بريطانيا من فرنسا، أثناء فترة الإغلاق الناجمة عن فيروس كورونا. وكذلك بيّن أن قواعد التباعد الاجتماعي دفعت بالسائقين إلى أن يكونوا أكثر احترازاً وحرصاً على عدم مبارحة شاحناتهم، الأمر الذي جعل من الصعب على المهاجرين التسلّل إلى تلك المركبات.

 على الرغم من كلّ ذلك، فقد زاد بشكلٍ كبير عدد الأطفال الوافدين إلى مقاطعة "كِنت" طلباً للجوء، إذ تضاعف تقريباً، مرتفعاً من نحو 37 طفلاً في مارس (آذار) الماضي إلى 70 طفلاً في يوليو (تموز). وقد وصل جميع الوافدين في الأشهر الثلاثة، أو الأربعة الأخيرة على متن قوارب صغيرة، وليس داخل شاحنات كما كان شائعاً منذ فترةٍ طويلة.

وفي تعليق على ذلك، وصف غوف هذا التطوّر بأنه "تبدّلٌ حادّ"، موضحاً أن الزيادة التي يشهدها المجلس المحلي في مقاطعة "كِنت" لا تُعبّر في الواقع عن ارتفاع عام في عدد طالبي اللجوء على مستوى البلاد. وبحسب كلماته، "في الوقت الراهن، ونظراً إلى موقعنا الجغرافي المحاذي للشاطئ، فإننا نشكّل وجهةً رئيسة للقاصرين غير المصحوبين بذويهم، ممن يلتمسون اللجوء(إلى بريطانيا). وتجدر الإشارة إلى أنه ليس جميع الأطفال المختبئين خلسةً داخل الشاحنات يتوقّفون هنا".

في ذلك الصدد، لا تُشكّل التغييرات في حركة الشحن التي فرضها وباء كورونا، السبب الوحيد الذي أسهم في تبدّل وسائل تسلل النازحين من شمال فرنسا، واستبدالهم محاولات الاختباء داخل الشاحنات برحلاتٍ بحرية على متن زوارق صغيرة. فمنذ 2014، اتفقت بريطانيا وفرنسا على خطة تحرّكٍ معزّزة تشمل تخصيص 164 مليون جنيه إسترليني (182 مليون دولار أميركي) لتحصين إجراءات الأمن في ميناء "كاليه" Calais الفرنسي وحوله، بهدف مواجهة محاولات غير مشروعة لعبور بحر المانش. وبحسب خبراء الأمن، أسهم الاتفاق في تقليص عدد المهاجرين على متن الشاحنات، لكنه لم يثبت نجاحه في تخفيض العدد الإجمالي لهؤلاء.

في ذلك الإطار، أشار آندي هيويت رئيس قسم المحاماة في "مجلس اللاجئين"  Refugee Council (منظّمة مقرّها بريطانيا تدافع عن اللاجئين وطالبي اللجوء)، إلى حدوث "تحوّل في ممارسات المتسلّلين، إذ كانوا يختبئون في بواطن الشاحنات، وهو أمرٌ لم يكن ملحوظاً إلى حدٍّ كبير بالمقارنة مع الظاهرة الأكثر وضوحاً للعيان، التي تتمثّل في استخدام القوارب الصغيرة وسيلةً بديلة، نظراً إلى أن طريقة التسلّل عبر بالشاحنات لم تعد متيسّرة. ولم يحدث ارتفاع مثير للقلق في الأرقام، بل كان الأمر مجرّد تغييرٍ في النمط المتّبع من جانب المهاجرين في دخول البلاد.

وأضاف هيويت، "لقد أنفقت الحكومتان الفرنسية والبريطانية أموالاً كثيرة من أجل تعزيز الأمن حول الميناء المخصّص للشاحنات، وأجريت أعمال إخلاءٍ جماعية من بعض مخيّمات اللاجئين في "كاليه". وقد أدّت هذه الاستجابة المتمثّلة في تشديد تدابير الأمن وفرض قيودٍ صارمة، إلى تغيير الطرق التي يعتمدها الأفراد، لكنها لم تنجح في ردعهم عن التوافد إلى بريطانيا. واستطراداً، لم تؤدّ كلّ الجهود التي بذلتها السلطات في البلدين حتى الآن إلا إلى دفع هؤلاء أكثر فأكثر إلى الوقوع في قبضة مهرّبي البشر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي تطوّر متصل، ترددت تصريحات آندي هيويت على لسان بريدجيت تشابمان التي تعمل في "شبكة دعم اللاجئين في كِنت" Kent Refugee Action Network ، وهي مؤسّسة خيرية تقدّم المساعدة للاجئين، وطالبي اللجوء من فئة الشباب. فقد حذّرت تشابمان من أن المضي في تعزيز الأمن على الحدود قد يُحدِث تأثيرات قاتلة.

ووفق كلماتها، "لن تزول هذه المشكلة. ولم تتأتَ نتائج من جهود الحكومة. لقد أُنفِقَتْ ملايين الجنيهات الإسترلينية من أموال المملكة المتّحدة على تحصين ميناء "كاليه" الفرنسي، بهدف جعل وصول المهاجرين إليه أكثر صعوبة، وذلك يفسر التراجع في عدد المتسلّلين بالشاحنات إلى المملكة المتّحدة واعتمادهم طرقاً أخرى. سيستمر (توافد اللاجئين) ويصبح أكثر خطورة. إنه لأمر مرعب. وستقع وفيات ما لم نجد طريقة لتوفير خيار آمنٍ، وقانوني لهم في إتمام تلك الرحلات".

في سياق موازٍ، نبّهت جمعيات خيرية تعمل ميدانياً في شمال فرنسا، إلى أن النازحين يجدون أنفسهم مجبرين على تلك الرحلات الخطرة، نتيجة الظروف المعيشية القاسية والصعبة التي يعانون منها على نحو متزايد. ولاحظ جوش هالام المدير الميداني في منظّمة "ساعدوا اللاجئين" Help Refugees (مؤسّسة بريطانية غير حكومية تقدّم دعماً قانونياً، ومساعداتٍ إنسانية للاجئين حول العالم)، أنه منذ زيارة وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل في 11 يوليو الفائت ميناء "كاليه" كي تناقش سبل التعامل مع عبور قوارب اللاجئين مع نظيرتها الفرنسية، ارتفع عدد عمليات إبعاد اللاجئين التي نفّذتها السلطات الفرنسية في المخيّمات المؤقّتة، إضافةً إلى تقنين المؤن الغذائية والماء في تلك التجمّعات.

 كذلك رأى هالام أن تلك الإجراءات "تسببّت في ظهور بيئة معادية. إذ نُشر أفراد شرطة كثيرون، ونُصِبَ مزيد من الأسوار حول المنطقة التي ينام فيها الناس عادة. وتوقف الطعام الذي كانت تقدّمه السلطات الفرنسية من دون تقديم أيّ تفسير. وقد أجرينا محادثاتٍ في ما يتعلّق بهذه الأزمة مرّتين خلال السنة أو أكثر. في المقابل، يتعيّن على الحلول الحقيقية أن ترتكز على إيجاد طرقٍ آمنة وقانونية، ومنح هؤلاء الأشخاص القدرة على التقدّم بطلب اللجوء في شكلٍ آمن".

 أضاف المدير الميداني للمنظّمة أن عدد النازحين الموجودين في مدينة "كاليه" الفرنسية والمنطقة المحيطة بها، ظلّ على ما هو عليه إلى حدٍّ ما منذ 2018، إذ تراوح بين ألفٍ، وألفٍ ومئتي فرد، ما يرسم علامات استفهامٍ حول المفهوم القائل بحدوث "طفرة" في عدد المهاجرين العابرين في اتّجاه المملكة المتّحدة.

وقد تناولت الأمر نفسه فرانسيس تيمبرليك المنسّقة في "مركز النساء اللاجئات" Refugee Women’s Centre الذي يقدّم الدعم في شمال فرنسا للأسر النازحة الراغبة في الانتقال إلى المملكة المتحدة. وأشارت إلى ارتفاع ملحوظٍ في عدد الأشخاص الذين يشعرون بأن طريقتهم الوحيدة للفرار تكمن في ركوب زورقٍ صغير والعبور بواسطته (إلى بريطانيا).

وقد أوضحت تيمرليك أيضاً أن "الأفراد الذين أفادوا قبل شهرين أنهم لا يصدّقون إمكانية عبور المياه، ولن يحاولوا فعل ذلك إطلاقاً، باتوا يقولون فجأةً الآن، إنهم ليس لديهم خيار سوى اللجوء إلى هذه الوسيلة، ووضع أطفالهم على متن تلك الزوارق المطّاطية الصغيرة".

واختمت فرانسيس تيمبرليك حديثها بالإشارة إلى أن "الأسر التي نعمل معها لم تعد قادرةً على العبور بالشاحنات. ومع تعزيز إجراءات الأمن، واستثمار سلطات المملكة المتّحدة أموالاً أمنية إضافية لتحصين مرفأ "كاليه"، لم يعد هذا الخيار ممكناً بعد الآن. لذا دُفِعَتْ تلك العائلات بشكلٍ متزايد نحو اعتماد طرق محفوفة بمخاطر متزايدة، بقصد الهجرة".

© The Independent

المزيد من تقارير