Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بيت آمن من الفيروس غير آمن من العنف المنزلي

حالة الطوارئ التي يفرضها الوباء تضع أثقالاً إضافية على كاهل المرأة العربية

يظلّ الأضعف والأقل تعليماً وتمكيناً وحقوقاً هو الأكثر معاناة من آثار الفيروس (أ.ف.ب)

شملت آثار الوباء الجميع دون تفرقة. ضربت ظلاله الوخيمة الكل دون الاطّلاع على النوع أو العرق أو مكان السكن. وحسناً فعل الفيروس الذي أعلنها واضحة صريحة "الكل في التعرّض لخطر الإصابة أو تحمّل مغبة الآثار الوخيمة سواء". لكن يظلّ الأضعف والأقل تعليماً وتمكيناً وحقوقاً هو الأكثر معاناة من آثار الفيروس.  

حمل تاريخي

وحين ضرب الفيروس المنطقة العربية ضمن ما ضرب من أرجاء الكوكب، لم يأخذ في الاعتبار هؤلاء الرازحات تحت حمل تاريخي ثقيل اسمه عدم المساواة من الألف إلى الياء. عددٌ كبيرٌ من المنظمات الأممية وبعض من المنظمات غير الحكومية، إضافةً إلى ما تيسّر من جهود رسمية التفتت إلى هذا الخطر الدامغ الآتي عربياً على نساء المنطقة. هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) أعدّت ورقة تحوي مكامن الخطورة وعدداً من التصوّرات لمواجهتها، في ما يتعلق بآثار وباء "كوفيد-19" على المساواة بين الجنسَيْن في المنطقة العربية.

 في 11 أغسطس (آب)، عقدت هيئة الأمم المتحدة للمرأة جلسة افتراضية دعت إليها عدداً محدوداً من الإعلاميين للإعلان الأوّلي عن نتائج دراسة استقصائية أُجريت من قبل المكتب الإقليمي للهيئة  في الدول العربية. وتحت عنوان "الأصوات غير المسموعة في زمن الإغلاق: تقييم سريع حول تأثير جائحة كوفيد-19 في الأعراف الاجتماعية القائمة على النوع الاجتماعي والعنف ضد المرأة"، عُرضت النتائج الأولية، على أن يُصار إلى إطلاق الدراسة كاملة لاحقاً والتي شملت تسع دول عربية هي: مصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا والمغرب وفلسطين وتونس واليمن.

هشاشة الأوضاع

المدير الإقليمي بالنيابة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية السيد معز دريد قال إن وباء كوفيد-19 أدى بالفعل إلى تعميق أوجه عدم المساواة بين الجنسين الموجودة مسبقاً، التي تتفاقم في ظلّ الهشاشة والصراع وحالات الطوارئ. وأضاف أن تدابير الإغلاق ضاعفت خطر تعرّض المرأة للعنف، موضحاً "على الرغم من التحدّيات الكبيرة، فإن الاستبيان أشار إلى إحراز تقدم في نواح أخرى".

عربياً، يرفض مؤشر التنمية بحسب الجنس أن يرتفع لأكثر من 0.856، على الرغم من أن معدله العالمي يبلغ 0.941. وعربياً أيضاً، تتشارك التوقّعات والمتابعات الأولية في التنبّؤ بأن المرأة العربية - كالعادة- ستتحمّل الجانب الأكبر مِمَّا سيخلفه الوباء من مخاطر صحية وأثقال اقتصادية وأعباء نفسية تعبر عن ذاتها في صورة ممارسة العنف على الحلقة الأضعف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحلقة الأضعف ليست الفيروس، لكنها المرأة. ارتفاع في الإصابات بالفيروس، ثم انخفاض وبعدها معاودة ارتفاع. وقوع وفيات متواترة ثم تباطؤ يعقبه تصاعد. إنها حال الفيروس. لكن وضع المرأة العربية في كنف الوباء أبى إلّأ أن يضعها في مكانة مختلفة، وكأنها في حاجة إلى مزيد من هذا النوع من الاختلاف.

المشرحة والقتلى

"المشرحة مش ناقصة قتلى"، هكذا علّقت سماح فتحي (38 سنة) الأم العاملة التي وجدت نفسها بين ما لا يقلّ عن أربعة أو خمسة "شقوق رحى". وطأة العمل من البيت مع خوض نصف عام دراسي برفقة ثلاثة أطفال في البيت أيضاً، إلى جانب تحمّل سخافات زوج يعتقد أنه وحده الذي يعاني توتّراً وهلعاً، إضافةً إلى ثقل التخيير بين تقليل الراتب أو التسريح والأثر النفسي لمخاوف الوباء المعتادة، جميعها تحمله على كتفيها دون أن تكون لديها رفاهية التوقّف للتدبّر أو التأمل أو البكاء على حالها. ليس هذا فقط، بل تذكّر نفسها بأن حالها أفضل من نساء كثيرات غيرها.

نساء كثيرات تُقدَّر أعدادهن بالملايين في منطقتنا العربية يعانين معاناة مضاعفة في زمن كورونا المستجدّ. في مصر مثلاً، وبحسب إحصاءات هيئة الأمم المتحدة للمرأة، فإنّ عدد النساء في طواقم التمريض يفوق عدد الرجال، وذلك بنسبة عشرة إلى واحد. ومسألة انخفاض معدلات الإصابة في الأيام القليلة الماضية وما صاحبها من أنباء عن إغلاق مستشفيات العزل لا يعني انقشاع الخطورة. فبكورونا أو دونها، أعداد النساء في القطاع الصحي – تفوق أعداد الرجال. ومعرفة ملامح الوباء ومعالمه وأطواره ما زالت غير مكتملة، ما يعني أن الخطر ما زال قائماً لا سيما في ضوء تنبؤات علمية بموجة ثانية قريبة.

موجات مقبلة

موجات الوباء التي تلوّح بالقدوم حيناً والهدوء حيناً، دفعت الاقتصاد إلى خانة اليأس. والحديث عن الاقتصاد عربياً يمعن في استحضار صور الفقر أكثر من رسوم تأثر الأعمال البيانية واستبيانات قطاعات الاستثمار الأكثر تأثراً مالياً. وبما أن نسبة الأسر التي تعيلها نساء في الدول العربية ليست قليلة، فإن المتوقّع أن يلقي الفقر بظلال أكثر وخامة على هذه الأسر.

 1.7 مليون وظيفة في العالم العربي يُرتقب أن يجد أصحابها أنفسهم قابعين في بيوتهم، بينها نحو 700 ألف وظيفة تشغلها نساء. معدلات البطالة في صفوف النساء أعلى منها بين الرجال أصلاً عربياً، إذ يبلغ معدل البطالة بين النساء العربيات 19 في المئة في مقابل ثمانية في المئة بين الرجال العرب، إضافةً إلى الثقل الاقتصادي على مجالات الأعمال بفعل الوباء، ما يضاعف تفضيل تعيين الرجال وليس النساء لحصولهن على إجازات الحمل والولادة.

 

حمل وولادة

حتى الحمل والولادة وما يتطلّبانه من رعاية صحية ومتابعة دورية، فهناك مخاوف حالية من تعرّض النساء لخطر مضاعف في ظلّ القيود التي ما زالت مفروضة على السفر والتنقّل في عدد من الدول، لا سيما أن الغالبية العظمى من الاستشارات وعمليات الولادة والجراحات تجري في عيادات ومستشفيات. فبين توجيه أولوليات الإنفاق إلى جهود احتواء الفيروس ومجابهته، وهو ما يأتي على حساب الميزانيات التي كانت مخصّصة لخدمات الصحة الإنجابية من جهة والظروف الأمنية وأماكن صراع عدّة تضيّق الخناق على المرافق الصحية ولا تفرّق بينه ونقاط الاستهداف، تدفع المرأة الحامل ومولودها ثمناً باهظاً.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي ظلّ إغلاق عددٍ من المرافق الصحية في اليمن بسبب الأوضاع، إضافةً إلى الوباء، قدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن إقفالها قد يؤدي إلى حرمان نحو 320 ألف امرأة حامل من خدمات الصحة الإنجابية ووفاة ما لا يقلّ عن 48 ألف امرأة بسبب مضاعفات الولادة الطارئة.

طوارئ الوباء

حالة الطوارئ التي يفرضها الوباء، حتى في ظلّ العودة إلى الحياة الطبيعية "الجديدة"، تضع أثقالاً إضافية على كواهل نساء الكوكب وبشكل أوضح على نساء المنطقة العربية. معروف أن النساء والفتيات، لا سيما في الدول العربية الرازحة تحت ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، هنّ الأكثر ضلوعاً في توفير خدمات والقيام بأعمال دون أجر، خصوصاً تلك المتعلّقة بالصحة الجسدية والذهنية والعاطفية لأفراد الأسرة الذين يعتمدون على المرأة باعتبارها المقدمة الأساسية وربما الوحيدة للرعاية في البيت. الأطفال وكبار السن وأصحاب الإعاقات والمرضى في البيت تقع مسؤوليتهم إلى حدّ كبير على النساء. وفي ظل "كوفيد-19"، تُلقى مسؤولية رعاية هذه الفئات بشكل شبه كامل ومتصاعد على النساء. ويضاف إلى كل ما سبق، المهمات المنزلية من طهي وتنظيف، إضافة إلى عبء متابعة مذاكرة الأبناء الذين أُقفلت مدارسهم بفعل الوباء. وتشير إحصاءات هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أنه بين عُشر إلى ثلث الرجال فقط يشاركون بقدر ما في القيام بالأعمال المنزلية في زمن ما قبل الوباء، ولا يعتقد أن الوضع تغيّر بعد الوباء، باستثناء قول البعض من الرجال إنهم زادوا الوقت المخصّص لرعاية كبار السن في البيت في زمن الإغلاق واضطرارهم إلى البقاء في المنزل. الظروف السابقة أرهقت النساء عاطفياً وجسدياً بشكل أكبر، ويمكن أن تؤثر سلباً في مناعتهن في مواجهة الأمراض، وعلى رأسها "كوفيد-19" نفسه.

الوباء الاقتصادي

وبين "كوفيد-19" الوباء المرضي و"كوفيد-19" الوباء الاقتصادي، توصّلت الدراسة الاستقصائية التي أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن الوباء سيفاقم من الأوضاع الصعبة التي تعيشها الأسر التي تعيلها نساء في المنطقة العربية، لا سيما في تلك الدول التي تحتوي سياساتها على تحيّزات في السياسات الحكومية تعكس إيمان واضعيها بأن الرجال هم المعيلون الرئيسيون للأسر.

تصنيع وخدمات وحقوق

الخبيرة الإقليمية للبرامج في هيئة الأمم المتحدة للمرأة منال بنكيران قالت في اللقاء الافتراضي إن نسبة كبيرة من النساء في المنطقة العربية تعمل في قطاعَيْ التصنيع والخدمات، وهما من القطاعات التي شهدت تراجعاً كبيراً جراء الوباء، ما أثر سلباً في النساء العاملات فيهما. خسرت كثيرات عملهن، واضطُرت أخريات إلى قبول ظروف عمل مجحفة في ظلّ الفيروس الذي يقلّص الفرص الضيّقة أصلاً. يشار إلى أن نسبة النساء العاملات في القطاع غير النظامي حيث تغيب الحقوق المنصوص عنها، تبلغ 61.8 في المئة. وفي ظلّ مؤشرات عدّة بتضرّر هذا القطاع بصورة مباشرة جراء "كوفيد-19"، فإنّ القدر الأكبر من الضرر من نصيب المرأة مجدداً. وأشارت بنكيران إلى الأذى الكبير الذي وقع على عاملات المنازل اللاتي فقدن عملهن بسبب الوباء، وكذلك المهاجرات العاملات اللاتي تم تسريحهن.

كما سلّطت نتائج الاستبيان الضوء على التأثير الكبير للوباء في الأقليات والسكان الأكثر تهميشاً من دون هياكل الدعم المناسبة. فاللاجئات والمهاجرات والنساء ذوات الإعاقة، فضلاً عن الأقليات العرقية والأقليات الجنسية، في الدول العربية يواجهن "تأثيراً مزدوجاً" للجائحة بسبب نقاط الضعف الموجودة مسبقاً.

تقليل الغذاء

نقطة ضعف أخرى تتّصل بالغذاء في زمن الوباء. ففي إجراءات الترشيد التي يتّبعها عددٌ كبيرٌ من البيوت العربية في ظل الكوارث والجوائح، تكون النساء والفتيات أول المتأثرين بتدابير التكيّف للتقليل من كمية وجودة الغذاء.

جودة شبكات الاتصال لا تعرف التفرقة بين الذكور والإناث، لكن التفرقة تتسلّل من بوابة مَن الأوْلى بالاتصال أو عدمه. عربياً، هناك تمييز واضح وصريح في القدرة على الوصول إلى المعلومات عبر التكنولوجيا. وفي ظلّ الجائحة ومع تصاعد الاعتماد في التعليم على التعلّم عن بعد عبر وسائل التواصل والاتصال العنكبوتية، يتفاقم التمييز لا سيما لو تحتّم تقليص عدد المستفيدين، فالأولوية تكون للذكور. وقد عبّرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن قلقها من أن يؤدي هذا التمييز إلى إعاقة قدرات الإناث التعليمية والمهنية بسبب قيود الفيروس. يُشار إلى أن نصف الإناث في المنطقة العربية (نحو 84 مليون امرأة وفتاة وطفلة) غير متّصلات بالإنترنت أو غير قادرات على استخدام الهواتف المحمولة، ما يقلّص قدرتهن ليس فقط على التعلّم والحصول على معلومات، بل في الحصول على وسائل طلب المساعدة وقت الحاجة.

 

العنف وتماسك الأسرة

ومع ضرورة البقاء في البيت جراء الوباء، تقفز معدلات العنف المنزلي، فتكون النساء والفتيات كَمَن هربن من مقلاة الوباء إلى نيران العنف المنزلي، إذ تشير نتائج الاستبيان إلى أن التعايش القسري بين النساء والرجال في البيوت وتفاقم الضغوط الاقتصادية وانعدام الأمن الغذائي والقلق من الإصابة بالفيروس، عوامل تؤدي إلى ارتفاع معدّلات العنف المنزلي. وللأسف، فإنّ عدداً محدوداً جداً من الدول العربية يوثّق حالات العنف المنزلي، ما يعني أن معرفة أبعاده وآثاره في ظل الوباء أمر بالغ الصعوبة.

التسامح مع العنف

منزل آمن من الفيروس غير آمن من العنف المنزلي، منهج متّبع في بيوت عدّة وسط الوباء. وتقول بنكيران إنه على الرغم من أن الإناث أكثر عرضة للتوتّر والقلق، فإنّهن كذلك الأكثر تعرّضاً لخطر العنف المنزلي. الغريب أن الوباء أدى إلى زيادة تعرّض النساء والفتيات العربيات للعنف سواء في المنزل أو على الإنترنت، مع زيادة "الفكاهة السوداء" على وسائل التواصل الاجتماعي، تحديداً حول الأدوار بين الجنسين. وعلى الرغم من إيجابية النتيجة التي تشير إلى أن كثيرين يعتبرون العنف المنزلي ضد النساء قضية مهمة على المجتمعات العربية أن تواجهها، إلّا أن واحدة على الأقل بين كل ثلاث مشاركات في الاستبيان رأت أنه يتعين على المرأة أن تتسامح مع العنف خلال فترة الوباء من أجل الإبقاء على الأسرة متماسكة.

نسب الإبلاغ

وعلى الرغم من أن نسباً قليلة من النساء والفتيات المعنّفات فقط يبلّغن عَمّا تعرضن له ويطلبن المساعدة، فأقل من 40 في المئة من النساء اللواتي يعايشن العنف، يطلبن المساعدة من أي نوع أو يبلغن عن الجريمة، إلّا أنّ المثير هو زيادة عدد مَن يطلبن الدعم والمساعدة من خلال الشرطة والعدالة.

الوباء مستمر في إلقاء ظلاله الوخيمة على الدول العربية، لكنه يمعن في النيل من الفئات الأضعف والأكثر تهميشاً وعلى رأسها الفتيات والنساء، وهي الفئة الأشهر والأعرق في سداد فواتير الأزمات.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات