Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تدخل أممي في قضية تهريب الأسلحة من تركيا إلى ليبيا

ستطبق ألمانيا قرار الأمم المتحدة بمنع الإمداد غير المشروع بالذخائر إلى الأطراف المتصارعة

كلفت الأمم المتحدة ألمانيا بمراقبة تهريب الأسلحة إلى ليبيا (اندبندنت عربية)

ثمة مثل مشهور للأتراك يضربونه للبدايات الخاطئة ويقول "إذا وضعت الزر الأول من قميصك في فتحة خاطئة فحتماً ستكون سائر الأزرار خاطئة".

وهذا ينطبق تماماً على حكومة حزب العدالة والتنمية التي أغلقت أول زر لقميصها في "الربيع العربي" بشكل خاطئ، ولاحظنا ذلك في سوريا.

وقد حذرها جميع أصدقائها مراراً وتكراراً من أن الخطوات التي تتخذها خاطئة وخطرة، وستكون لها تبعات على تركيا والمواطن التركي أولاً، وعلى الآخرين بمن فيهم السوريون أنفسهم في المستقبل، ولكن لا حياة لمن تنادي!

ولم تتوقف الحكومة التركية عند هذا الحد، بل واصلت مغامراتها في محيطها، واتخذت خطوات غير محسوبة ألحقت أضراراً كبيرة بعلاقاتها الدولية خصوصاً في الشأن الليبي.

وأخيراً، كلفت الأمم المتحدة ألمانيا بمراقبة تهريب الأسلحة إلى ليبيا. وبرغم أن تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في فبراير(شباط) الماضي كانت توجه أصابع الاتهام إلى دول عدة (روسيا والإمارات العربية المتحدة ومصر) إلى جانب تركيا، فإننا نعلم أن الهدف من هذه الخطوة الأخيرة هي تحجيم تركيا وروسيا على وجه الخصوص.

ومن المفيد أن نستعرض سير الأحداث بحسب الترتيب الزمني بالنسبة إلى علاقة تركيا بهذا الملف الذي دخل على جدول أعمال الأمم المتحدة.

ففي عام 2019 قامت حكومة حزب العدالة والتنمية بنقل آلاف القتلة من سوريا إلى ليبيا، منتهكة بذلك جميع القوانين الدولية.

كما أن هذه الحكومة استطاعت أيضاً أن تهرّب أطناناً من البضائع الخطرة إلى ليبيا، معلنة أنها تحمل مواد غذائية أو مواد بناء.

وبطبيعة الحال، عندما اتسع الخرق على الراقع، وقّعت حكومة أردوغان مذكرة تفاهم مع حكومة السراج لإضفاء الشرعية، وخلق غطاء قانوني على تهريب تلك الأسلحة إلى ليبيا.

ومن اللافت للنظر أنه لم تعترف أي دولة بهذه الاتفاق.

وفي 19 كانون الثاني (يناير) الماضي، عُقد في برلين مؤتمر بشأن ليبيا تحت إشراف الأمم المتحدة، وتم التوصل إلى قرار يحظر إرسال أو بيع أسلحة وأي معدات عسكرية إلى ليبيا.

المثير للاهتمام أن من بين الموقعين على قرار الحظر رئيس حكومة حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان.

ومن المفارقات أنه في تلك الأيام التي وقع فيها على هذا القرار، كان رجال الرئيس التركي يشحنون سفينة بأسلحة محظورة ومعدات عسكرية ثقيلة ليتم إرسالها من ميناء مرسين إلى ليبيا.

لكن الحظ لم يحالفه هذه المرة، وألقي القبض عليها.

وكما ذكرت سابقاً، فإن السفينة المسماة ((BANA تحركت من الميناء وكأنها تتوجه إلى تونس، ثم غيرت وجهتها لتحول الدفة إلى ليبيا.

 المؤسف أن تأمين هذه السفينة كان يتم بواسطة فرقاطة تابعة للقوات المسلحة التركية، ولكن عندما تعرضت سفينة عسكرية تابعة للبحرية الفرنسية لها اضطرت الفرقاطة التركية للتخلي عن السفينة التي كانت ترفع العلم اللبناني، وابتعدت فوراً عن المنطقة.

الأمر الذي يثير اهتمامي ليس البضاعة التي تحملها السفينة، بل الأهم من ذلك الأشخاص الذين كانوا على متنها، إذ إن حكومة حزب العدالة والتنمية ارتبكت بعد الاستيلاء على هذه السفينة بشكل كبير، لأن هناك عشرة ضباط استخبارات أتراك، وخمسة ضباط في الخدمة الفعلية على هذه السفينة التي ترفع العلم اللبناني، وهي محمّلة بأسلحة غير مشروعة.

وتقدم أحد هؤلاء الضباط الخمسة بطلب اللجوء إلى إيطاليا.

وهذا يعني أنه تم نقل جميع تفاصيل تهريب الأسلحة عن طريق شخص مسؤول ومطَّلع إلى الاتحاد الأوروبي، ومنه إلى الأمم المتحدة.

ولا ندري بالفعل كم عدد السفن الأخرى التي قامت بشحن الأسلحة من تركيا إلى ليبيا، لكن ما نعلمه أن هذه العملية لم تتوقف عند هذا الحد بل تواصلت. ودليل ذلك قضية السفينة التي أدت إلى مزيد من التوتر بين تركيا وفرنسا، إذ إنه في يونيو (حزيزان) الماضي، أرادت الفرقاطة العسكرية الفرنسية "كوربيه" "التي كانت تعمل في البحر المتوسط كجزء من مهمة الناتو" تفتيش سفينة ترفع العلم التنزاني متوجهة إلى ليبيا، مشيرة إلى أنها كانت تحمل أسلحة غير مشروعة، فعارض الرئيس أردوغان وحكومته تفتيش هذه السفينة بهذه الطريقة، ما سبّب أيضاً أزمة سياسية بين أنقرة وباريس.

فلماذا عارض أردوغان ذلك؟ لأن السفينة انتهكت الحظر علانية، وفرنسا تعرف جيداً ما كانت السفينة تحمله من أسلحة مهرّبة ومعدات عسكرية ثقيلة.

لم أكن أتوقع في الظروف الدولية الحالية وفي ظل المعادلات الراهنة في ليبيا، أن تتدخل الأمم المتحدة بهذه السرعة في قضية تهريب الأسلحة، خصوصاً بعدما دخل الناتو على الخط، وفُوّضت ألمانيا بهذه المهمة التي ستشرف بموجبها على القرار الذي اتخذته الأمم المتحدة لمنع الإمداد غير المشروع بالأسلحة إلى الأطراف المتصارعة في ليبيا.

حيث إن برلين ستمتلك بطاقة قوية بسبب هذا الملف ضد أردوغان الذي كثيراً ما كان يُحرج أنغيلا ميركل عندما يلوح لها ببطاقة المهاجرين، ما يعني أن هذه البطاقة باتت قليلة/عديمة الجدوى في مقابل ملف تهريب الأسلحة إلى ليبيا.

واللافت للنظر أيضاً الطريقة التي تتعامل بها الأمم المتحدة مع هذا الملف، إذ إنها لم تتوقف في حدود المراقبة، بل أوصلت المهمة إلى التدخل الفعلي.

وفي نطاق ذلك، سيتم إرسال جنود ألمان في نطاق عملية "إيرني" إلى المنطقة، وهي عملية عسكرية جديدة تابعة للاتحاد الأوروبي تحت مظلة سياسة الأمن والدفاع المشترك، وواجبها الأساسي تنفيذ قرار الأمم المتحدة الأمني المتعلق بمنع تدفق الأسلحة إلى ليبيا، ولهذه المهمة ستكون الفرقاطة الألمانية "هامبورغ" جاهزة للعمل الأسبوع المقبل قبالة ليبيا، وعلى متنها 250 جندياً.

وفي الوقت الذي كنت أكتب فيه هذا المقالة، صدرت أخبار عاجلة تعلن توقيع اتفاق المنطقة الاقتصادية الخالصة في القاهرة، بين اليونان (جارة تركيا) وبين مصر (جارة ليبيا)، وذلك نذير شؤم لتركيا التي قلنا إن خطوتها الأولى في السياسة الخارجية كانت بمثابة وضع الزر الأول في مكان خاطئ، ولن تكون الخطوات اللاحقة بطبيعة الحال صحيحة بتاتاً، وستتوالى الأخطاء.

وإذا استمر أردوغان بهذه الطريقة، فسيواصل الناتو التحقيق، وستتخذ الأمم المتحدة قراراً بالتدخل الفعلي، وتُوقع مصر اتفاق المنطقة الاقتصادية مع اليونان في البحر المتوسط.

وتصرّح وزارة الدفاع الأميركية بأن "داعش" يستخدم تركيا كقاعدة لعملياته المالية والتنظيمية، وسيأتي يوم يبقى فيه حزب العدالة والتنمية وحيداً طريداً، ولن يتمكن حتى "مسجد آيا صوفيا" من إنقاذ رجب طيب أردوغان من ورطته.

المزيد من تحلیل