Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بالعربي بحبك يا لبنان!

تجوّل إيمانويل ماكرون في شوارع بيروت كما لم يفعل أي مسؤول فيها

الرئيس الفرنسي متجولاً في شوارع بيروت (رويترز)

قفز فجأة إلى الإليزيه، لبس جلباب ديغول. هكذا علّق البعض على نجاح إيمانويل ماكرون، تلميذ الفيلسوف الفرنسي بول ريكور، في الحصول على منصب الرئيس.

ما فعله في ما بعد جعله الرئيس النجم في زمن لا نجوم له، وستراته كلها صفراء. لكن هذا النجم أخذ يلبس رداء النجوم، فحين وصل إلى تونس في زيارة رسمية، نزل إلى الشوارع والتقى جماهيره، واعتمر قبعة حمراء، هي فولكلور الرأس التونسي. وبُعيد قنبلة بيروت الذرية، كان في ميناء المدينة وشوارعها، ما لم ينزل إليها مسؤول من البلد، ماكرون يلتقي جماهيره هناك أيضاً، يُصرح ويخطب ويُطلق الوعود، بعد أن غرد بالعربي "بحبك يا لبنان"، ومن ثم وعد بالعودة إلى بيروت، وخلال زيارة العود أحمد، سيتأكد مِمّا وعد به اللبنانيين على الأرض.

وعلقت الـ "BBC" العربية على الزيارة في تقرير مطوّل منه "لفرنسا في لبنان اسم مستعار هو الأم الحنون"، يُقال من باب السخرية حيناً، ومن باب الإشادة حيناً آخر، تبعاً لخلفيات القائل. فالعلاقة مع فرنسا إشكالية ومتشعّبة، ولم تحظَ يوماً بإجماع اللبنانيين. في هذا السياق، لم تكن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العاجلة إلى بيروت أمس "الخميس 6 أغسطس (آب) 2020 غريبة، بل خطوة طبيعية نظراً إلى تعاطي فرنسا مع لبنان كأنه حصتها في الإقليم".

ومِمّا جاء في التقرير "هكذا كانت فرنسا هي من خلقت دولة لبنان الكبير إيفاء بوعدها للبطريرك الماروني إلياس الحويك في سبتمبر (أيلول) 1920، وهي المناسبة التي يعود ماكرون إلى لبنان الشهر المقبل للاحتفال بها".

بغض النظر عن الماضي، ولا حتى الحاضر، فإن ماكرون أعلن تدخله في المستقبل، حين طالب بنظام جديد للبنان، وإن لم يوضح معلم هذا الدستور المطلوب، لكن على الأقل أوضح، أنه ليس ما هو قائم.

لقد أشار إلى عُري البنية اللبنانية القديمة/القائمة، ما أسهمت فرنسا بكل قوة في وضعها، واعتبر أن السلطة القائمة لا مشروعية لها، ودانها في شوارع بيروت المهدمة المحطمة والمنتهية الصلاحية.

وعليه صرّح، وعمل على تقديم المساعدات الطارئة إلى سلطة الشعب مباشرة! وبهذا اتهم السلطة الحالية بالفساد والسرقة ضمناً، ما لا أظن أنه حدث في التاريخ من قبل، تجاه دولة مستقلة ذات سيادة وطنية!

الرئيس ماكرون بسلوكه هذا وتصرفاته وتصريحاته لا يشكّك في مفهوم السيادة الوطنية في لبنان، بل في كل وضعية مشابهة.

ومما يفصح عنه أن هذا التدخل السافر تحصيل حاصل، فكما أسهموا في لبنان الأكبر عام 1920، ومن ثم استقلال لبنان في 1943، أسهموا في وضع دستوره الفريد.

وهم بذاك، وبما يبيّنه وجود ماكرون في شوارع بيروت، قد أسهموا في ما آلت اليه أوضاع لبنان الحالية، وكأن لسان حاله وهو يغرد "بحبك يا لبنان"، يفصح عن المسكوت عنه، إسهامهم في خراب مستعمراتهم السابقة التي لم يغادروها أبداً.

وأن يهرع مهرولاً على عجل لتدارك أن تخرج قنبلة بيروت الذرية عن الكنترول، هذا من جانب، ومن جانب آخر يبيّن مدى احتياج المحب لمحبوبه لبنان، الذي لم يكن ليقع فريسة ديكتاتورية حزب الله، لولا توفر إرادة خارجية وعجز داخلي نتيجة لنكبات لبنانية، بصم بها منذ استقلاله، وحتى الساعة والقادمة أيضاً.

لقد تم للأسف تحويل لبنان إلى حقل تجارب، ووطن لامتصاص زلازل المنطقة، تراودهُ أشباح التغيير الديموغرافي، ما أعقب نهاية الرجل المريض، وخلق دولة دينية يهودية في خاصرته/ جنوبه، وأشباح الساعة الداعشية، في الأم الجارة سوريا.

لبنان الذي أعلن ماكرون حبه له، البطن الرخو، في منطقة على كف عفريت، أو على قرن ثور هائج، لم تستطع الشعوب بكل ما قدمته وتقدمه، الخروج عن طاقة مفاعيله. فالشعب اللبناني منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019 في الشارع، وعلى الرغم من جائحة كورونا، لم يهدأ له بال ولم يخف.

لكن تغيير النظام السياسي في الدول ليس مهمة داخلية فحسب، أي كما صناعة الدول، مهمة مثلث محلي وإقليمي ودولي، بخاصة إذا كانت هذه الدول رهينة لصغرها للأقوى، وعلى ذلك إن لم تسهم في حرب إقليمية، فمن الممكن أن تقع فريسة حرب أهلية، ولبنان مؤهل للاثنين معاً.

"بحبك يا لبنان" قول ماكرون وفعله، لكن هذا الحب مقرون بدعم أوروأميركي فاتيكاني، وقد يأتي بالبرد والسلام للبنان الحالي، لكن الحلّ الحقيقي في المنطقة هو اللاحلّ، ولذلك وضع لبنان رهينة حلّ مسألة الشرق الأوسط، ما براكينه الخامدة، في حالة اشتعال، تحت رايات دينية يهودية وشيعية وسنية، وما موصوم بالإرهاب الدولي.

ماكرون مُغرداً "بحبك يا لبنان"، أعلن قبل ذلك "نحبك يا تونس"، ووراء حجاب "انحبك يا ليبيا"، أما أفريقيا الفرانكفونية، فماكرون ميت في حبها... والسلام على بيروت.                              

المزيد من آراء