Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حرس الثورة" واستقالة براين هوك

فشل الممثل الخاص للرئيس الأميركي في حشد تأييد دولي ضد تمديد حظر التسلح على إيران

برايان هوك (مواقع التواصل)

استقالة أو إقالة براين هوك الممثل الخاص للرئيس الأميركي في الملف الإيراني ومهندس العقوبات الخانقة ضد النظام في طهران من منصبه مُفسحاً المجال أمام وصول الدبلوماسي المُتشدِّد والمُحافظ إليوت أبرامز إلى هذا الموقع، يذهب مسؤولون إيرانيون كُثُر إلى اعتبارها مُحاولة من الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترمب لتحميله (هوك) مسؤولية فشل الاستراتيجية الأميركية والعقوبات ضد إيران.

تزامنت هذه الاستقالة مع وعود أطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني عن قُرب حصول انفراجة اقتصادية تكبح مسار الانهيار الذي يُعاني منه الاقتصاد الإيراني جرَّاء عوامل مُركَّبة بين العقوبات الأميركية وتداعيات جائحة كورونا وسوء الإدارة الاقتصادية للحكومة، في وقت بدأت فيه أوساط عدَّة ضمن النظام الإيراني بالحديث عن اقتراب "نهاية" العقوبات الأميركية، ما فتح الباب أمام تكهُّنات بين الاقتصاديين والسياسيين عن طبيعة هذه الانفراجة ومصادرها والمُعطيات التي بنى عليها روحاني وعوده، والأسباب التي تدفع البعض إلى الاعتقاد بنهاية حقبة العقوبات.


قراءات عدَّة

قدَّم مسؤولون إيرانيون كُثُر قراءات عدَّة للتطوُّر المُرافِق لقرار إقالة أو استقالة هوك من مهمته وموقعه كرأس حربة في تنفيذ استراتيجية العقوبات التي وضعتها إدارة الرئيس ترمب، وبخاصة أنها تأتي على بُعد نحو مئة يوم من الانتخابات الرئاسية التي يسعى ترمب من خلالها إلى تجديد ولايته، وحيث تشكل سياسته المُتشددة ضد النظام الايراني أحد مفاتيح مواقفه في ما يخص السياسات الدولية وما فيها من تعزيز لدور وهيبة واشنطن في العالم.
إلا أن القراءة التي تتوقف عندها دائرة التوجيه السياسي في "الحرس الثوري" الإيراني تُعتبر الأبرز، ليس لأنها تختلف عن القراءات التي تقدمها القوى والأطراف الإيرانية الأخرى، بل لأنها تُعبِّر عن النمط والأسلوب الذي تتعامل من خلاله هذه المؤسسة مع هذا الحدث، وهي المُمسكة بمفاصل القرار على كل المستويات في النظام، والمعنية الأبرز باستراتيجية العقوبات الأميركية؛ نظراً لما تتركه من آثار على موقف الحكومة وإدارة الدولة من تبعات وتحديات داخلية وخارجية يُفترض بها أن تتعامل معها وتقدم الحلول لها.


هزيمة استراتيجية

لا يُخفي القيِّمون على هذه الدائرة (التوجيه السياسي) فرحتهم لهذه الاستقالة التي يتعبرونها "هزيمة" لاستراتيجية الضغوط الأقصى والأقسى، التي تحوَّلت إلى عبء على الإدارة الأميركية وقلبت الموقف ضدها، بعد فشل الزيارات المكوكية التي قام بها هوك ووزير الخارجية مايك بومبيو الذي يُشرف مباشرةً على عمل الفريق الذي يقوده هوك في ترجمة الحشد في المواقف الذي سعى إلى الحصول عليها من العواصم الدولية والإقليمية إلى سياسة عملية تُجبر إيران على تقديم تنازلات تصبُّ في إطار تلبية الشروط الأميركية التي رفعتها بوجه النظام في طهران، وبالتالي كان لا بد لهوك أن يتحمل مسؤولية هذا الفشل، وأن يكون كبش الفداء لفشل هذه المساعي والسياسات.
من جانب آخر، يعتقد المشرفون على هذه الدائرة التي تُعبِّر عن توجُّه قيادة "الحرس" وموقفها من الأحداث، أن من العوامل التي ساعدت في حسم إدارة ترمب قرارها بإزاحة هوك من موقعه، فشله في الموقف الذي ورَّط فيه الإدارة بقُدرته على حشد دعم دولي يؤيد الدعوة الأميركية لتمديد حظر بيع الأسلحة لإيران، الذي جاء في الاتفاق النووي، والذي ينتهي مفعوله في 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ما يعني فشل مشروع "إيرانوفوبيا" في تحويل إيران إلى مصدر يُهدّد الاستقرار الدولي والإقليمي، في حال أُطلقت يدها في الحصول على أسلحة من الأسواق الدولية. وزاد من تعقيد مهمة هوك عدم قُدرته على نيل دعم واضح وصريح للتوجه الأميركي من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، ما ساهم في توجيه رسالة إلى النظام الإيراني الذي أدرك عدم قُدرة واشنطن على تأمين إجماع يسمح لها بإعادة فرض عقوبات تسليحية ضده.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


فشل في تغيير السلوك

كما طاول الفشل الذي أصاب استراتيجية هوك ضد النظام الإيراني، بحسب هذه الدائرة، المساعي التي بذلتها إدارة ترمب والخارجية الأميركية لإجبار إيران على تغيير سلوكها في الداخل والخارج من خلال العقوبات الخانقة التي تؤدي إلى تجفيف مصادرها المالية التي تستخدمها في تطوير برنامجها الصاروخي، واعتقادهم أن العقوبات ستسمح لهوك وفريقه من الإدارة الأميركية بتطبيق سياسة "الضغط والتفاوض"، بحيث تسمح الآثار السلبية التي ستطال الاقتصاد الإيراني جرَّاء العقوبات، بإجبار النظام الإيراني على التسليم والجلوس إلى طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات في إطار الشروط التي سبق أن حدَّدها بومبيو مبكراً بعد قرار الرئيس ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي.

وتذهب تقديرات هذه الدائرة التابعة لـ"الحرس" إلى القول إن فشل هوك في إدارة الملف الايراني لم يقتصر على الجانب السياسي والعلاقات الدولية والإقليمية، بل تعدَّاه ليشمل الجانب الإعلامي الذي لم يستطع أن يوظفه بالطريقة الأنجح في خدمة مشروعه، بل وجَّه الانتقاد المباشر له في مقالة نشرها في صحيفة "نيويوك بوست"، متهماً إذاعة "صوت أميركا" القسم الفارسي، بالفشل في إيصال الرؤية الأميركية لمستقبل إيران إلى الشعب، وحشده ضد النظام على الرغم من الميزانية الكبيرة التي تبلغ نحو 17 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، وتذهب إلى هذا القسم، الذي من المفترض أن يُوظَّف لخدمة الاستراتيجية الأميركية.


طموحات إيرانية

أمام هذه الكبوات والإخفاقات التي رافقت مسيرة هوك في تولِّيه الملف الإيراني، سرَّبت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول كبير سابق في الإدارة الأميركية مطالبته هوك بالاستقالة وتحميله مسؤولية فشل استراتيجية واشنطن ضد طهران.

في المقابل، لا تقف الطموحات الإيرانية عند استقالة أو إقالة هوك، بل تضعها إلى جانب استقالات سابقة حصلت في إدارة ترمب لشخصيات كانت تمثل رأس حربة في الاشتباك الحاصل بين واشنطن وطهران، كوزير الدفاع الأسبق جيمس ماتس، ومستشار الأمن القومي جون بولتن، يضعها النظام الإيراني في إطار انتصارات بالنقاط على إدارة ترمب. وتتوقع إيران أن تُستَكمَل دائرة هذه الاستقالات، وأن تشمل في المستقبل وزير الخارجية مايك بومبيو الذي سيُجبَر على تحمُّل جزء من مسؤولية فشل الاستراتيجية ضدها. ولعل المسؤولين عن دائرة التوجيه السياسي في "الحرس الثوري" نسوا أن الزمن المُتبقّي لترمب في الرئاسة لا يتعدى الأشهر الثلاثة تُضاف إلى شهرين تقريباً من المرحلة الانتقالية، إلا اذا كانت تعتقد بإمكانية التجديد له، وحينها قد يذهب إلى التخلي عن بومبيو تمهيداً للانتقال إلى فتح باب الحوار والتفاوض على أُسُس مختلفة، أو أن يُجبَر على الاستقالة قبل نهاية ولاية ترمب كما توقع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني.
في هذا الوقت، لا تُرجِّح الأوساط الإيرانية أن يطرأ أي تغيير جوهري على السياسة الأميركية تجاه طهران بعد تعيين إليوت أبرامز مكان براين هوك، فعلى الرغم من وصفه بأنه أكثر تشدداً وأكثر عداءً لإيران من سلفه، فإن تجاربه السابقة في موضوع ناقلات النفط إلى فنزويلا والفترة الزمنية الفاصلة للانتخابات الرئاسية لن تسمح له بتحقيق معجزة عجز هوك عن تحقيقها على مدى ثلاث سنوات، وفضَّل الانسحاب من المسؤولية ربما لاعتقاده بإمكانية فشل ترمب في العودة إلى البيت الأبيض.

المزيد من تحلیل