Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصير مجهول لمفاوضات سد النهضة بعد اتساع الخلافات وغياب الوسيط

مقترحات وزير المياه الإثيوبي تروي مجدداً بذور الخلافات بين مصر والسودان وتعليق المفاوضات يضع الوساطة الأفريقية على المحك

يرى بعض المراقبين أن التفاوض لم يعد له معنى بعد أن تمكنت إثيوبيا من تنفيذ سد النهضة وبدء الملء (رويترز)

أثار قرار مصر والسودان "تعليق" اجتماعات الجولة الثانية لمفاوضات سد النهضة الإثيوبي برعاية الإتحاد الأفريقي، تساؤلات المراقبين حول جدوى استمرار تلك المفاوضات التي شهدت تجاوز خلافاتها المستجدة مسألة ملء وتشغيل المشروع، إلى نبش ملفات أخرى في النزاع المائي المزمن بين مصر والسودان وإثيوبيا، كمسألة تقاسم مياه النيل الأزرق، والاتفاق على المشروعات المائية المستقبلية، وسط اتهامات مصرية، وسودانية لإثيوبيا بمخالفة الاتفاقيات السابقة، وعلى رأسها إعلان المبادئ من خلال الملء المنفرد للسد، ومحاولة تحويل أجندة المفاوضات، عوضاً عن تحقيق اختراق من خلال تنفيذ توجيه القمة الأفريقية الرئاسية الثانية "بالتركيز فقط على حل النقاط الخلافية" التي ظلت عالقة في كافة مسودات الاتفاق حول قواعد ملء وتشغيل السد الذي بدأت إثيوبيا بالفعل في حجز المياه خلف أبوابه، وسط مطالب من دوائر إثيوبية بوقف المفاوضات "اللانهائية" التي تجعل بلادهم "تعيش في وضع مساومة غير عادلة"، وفرض ممارسة "السيادة الكاملة" على النيل الأزرق الذي بات يشار إليه في وسائل الإعلام والأدبيات الإثيوبية فقط بالاسم المحلي نهر "عاباي".

وبينما ذكر بيان لوزارة المياه الإثيوبية حول الاجتماعات المتوقفة أنها أرسلت نسختها من القواعد الاسترشادية حول ملء سد النهضة إلى مكتب الاتحاد الأفريقي بتاريخ 24 يوليو (تموز) الماضي بما في ذلك التفاهم الذي تم التوصل إليه بين وزراء الموارد المائية خلال اجتماعهم الاثنين الماضي، من أجل العمل على صياغة وثيقة مشتركة، أعلنت نظيرتها المصرية يوم الأربعاء أنها قامت بإرسال خطاب إلى دولة جنوب أفريقيا بصفتها الرئيس الحالى للاتحاد الأفريقي، حيث تضمن الخطاب تأكيد رفض مصر الملء الأحادي الذي قام به الجانب الإثيوبي، وكذلك رفض ما ورد فى الخطاب الأخير الموجّه من وزير المياه الإثيوبي إلى نظرائه فى مصر والسودان المؤرخ بتاريخ 4 أغسطس (آب) الجاري، الذى تضمن مقترحاً مخالفاً للتوجيه الصادر عن قمة هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي، التى أكدت على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قانوناً، وليس مجرد إرشادات وقواعد حول ملء سد النهضة".

الخلافات تتجاوز موضوع التفاوض

 أوضحت مصر أنه قبل موعد عقد الاجتماع الأخير مباشرة، قام وزير المياه الإثيوبى بتوجيه خطاب لنظرائه فى كل من مصر والسودان مرفِقاً به مسودة خطوط إرشادية، وقواعد ملء سد النهضة لا تتضمن أي قواعد للتشغيل، ولا أي عناصر تعكس الإلزامية القانونية للاتفاق، فضلاً عن عدم وجود آلية قانونية لفض النزاعات .

وأكدت مصر على أن الخطاب الإثيوبي جاء "خلافاً لما تم التوافق عليه فى اجتماع وزراء المياه  الذي خلص إلى ضرورة التركيز على حل النقاط الخلافية، لعرضها فى اجتماع لاحق لوزراء المياه يوم الخميس (الماضي)، ومن ثم فقد طلبت كل من مصر، والسودان تعليق الاجتماعات لإجراء مشاورات داخلية بشأن الطرح الإثيوبي الذى يخالف ما تم الاتفاق عليه خلال قمة هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي، وكذلك نتائج اجتماع وزراء المياه".

وقالت وزارة الري والموارد المائية السودانية إن الرسالة التي تلقاها الوزير ياسر عباس من نظيره الإثيوبي يوم الثلاثاء تثير مخاوف جدية فيما يتعلق بمسيرة المفاوضات الحالية، والتقدم الذي تحقق، والتفاهمات التي تم التوصل إليها، بما فيها تلك التي شملها التقرير الأخير لمكتب مجلس رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي.

ويرى هاني رسلان رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، أن الموقف الإثيوبي الذي عبر عنه وزير المياه في خطابه مفهوم، وهو يكشف فقط عن ما تم التحذير منه وهو الهيمنة المائية، "فهي تربط اتفاق تشغيل السد بالمشروعات المستقبلية (أي بتقاسم المياه)، وتخصيص حصة لإثيوبيا، وهذه هي خطتها الاستراتيجية منذ البداية، أي الهيمنة على النيل الأزرق مائياً واستراتجياً، وموقفها الحالي إما أن تحصل على أهدافها، دفعة واحدة وفوراً، أو لا اتفاق من الأصل، وأيضاً سوف تحصل على ما تريد".

ونقل موقع "المونيتور" الأميركي عن عضو في الوفد التفاوضي المصري يوم الأربعاء، القول إن "هناك تنسيقاً مصرياً سودانياً من أجل التركيز على جدول أعمال محدد خلال هذه الجولة من المحادثات، وتم إبلاغ منسقي الاتحاد الأفريقي بعدم السماح لأي طرف باستدعاء القضايا التي تعيق سير المفاوضات، وتحويلها عن الهدف الأساسي المتمثل في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن بشأن ملء وتشيغل السد".

مفاوضات حول سد النهضة أم النيل الأزرق؟

يقترح الخطاب الإثيوبي الذي أرسله وزير المياه إلى نظيريه في مصر والسودان خلال الجولة الأخيرة أن يكون الاتفاق الحالي على الملء الأول فقط لبحيرة سد النهضة، بينما يربط اتفاق تشغيل السد على المدى البعيد بالتوصل لمعاهدة شاملة بشأن مياه النيل الأزرق، الذي انتهت إثيوبيا من دراسة تصميمات سدود جديدة عليه، في وقت وصفه وزير الخارجية الإثيوبي بأنه أصبح "بحيرة إثيوبية" بعدما نجحت إثيوبيا أواخر الشهر الماضي في ملء خزانه بالكمية المقررة للعام الأول.

وبينما اشترطت إثيوبيا التوصل إلى معاهدة شاملة حول مياه النيل الأزرق، والمشروعات المستقبلية ضمن الاتفاق، آلية لتشغيل سد النهضة على المدى الطويل مع حصر المفاوضات الراهنة في موضوع الملء الأول لخزان السد فقط، وشدد وزير الري والموارد المائية السوداني على جدية المخاطر التي يمثلها السد الإثيوبي للسودان وشعبه، بما في ذلك المخاطر البيئية والاجتماعية، على سلامة الملايين من السكان المقيمين على ضفاف النيل الأزرق، وعلى سلامة سد الروصيرص، الأمر الذي يعزز ضرورة التوصل لاتفاق شامل يغطي جانبي الملء والتشغيل. وأكد ياسر عباس أن السودان لن يقبل برهن حياة 20 مليون من مواطنيه يعيشون على ضفاف النيل الأزرق بالتوصل لمعاهدة بشأن مياهه.

ويرى حيدر بخيت مدير إدارة نهر النيل سابقاً بوزارة الري السودانية، أن "تعليق المفاوضات جاء نتيجة وضوح حقيقة سد النهضة، وأجندتة الخفية في السيطرة والتحكم في مياه النيل الأزرق. ولن يجرؤ السودان، أو مصر على الوصول إلى نهاية المفاوضات، والتوقيع على معاهدة تسليم إثيوبيا مفاتيح التحكم في مياه النيل ومواجهة شعبيهما"، مضيفاً "سد النهضة ليس متعلقاً بتشغيل خزان سد الروصيرص فقط، بل هو يتحكم في تشغيل كل خزانات وسدود السودان. وحتى لو توصلوا إلى حل لمشكلة تشغيل خزان الروصيرص ستواجههم مشكلة قدرة سد النهضة في تمرير حجم مياه 2.4 مليار متر مكعب في اليوم في حين أقصى حجم للمياه يمرره خزان الروصيرص خلفه 850 مليون متر مكعب، وهذا يعني انهيار خزان الروصيرص".

وقال نادر نورالدين أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة "ظهرت نوايا إثيوبيا في حجز المياه منذ أن رفضت خلال التفاوض حول إعلان المبادئ عام 2015، أن يتم النص على أن سد النهضة يبنى بغرض توليد الكهرباء، فقد أصرت على النص على أنه سد لتوليد الكهرباء، وللتنمية الاقتصادية، التي تشمل الصناعة، والزراعة، والتعدين، وكل شيء، ولذا هناك ريبة من الادعاء أمام العالم أنه سد من أجل توليد الكهرباء، وتوفير الطاقة  لـ60 في المئة من الشعب، بينما هي متعاقدة بالفعل مع السودان وجنوب السودان حتى الآن، وقبل الانتهاء من إنشاء السد، لتصدير الكهرباء، وليس للاستخدام المحلي للشعب الإثيوبي، وهو ما يظهر للجميع أن السلوك التفاوضي الإثيوبي لا يعتمد سوى على المراوغة، والادعاء وليس على الحقائق العلمية والقانونية".

وقال بخيت إن "إثيوبيا تحكمت في مياه النيل الأزرق، وبالتالي تحكمت في النيل كله. لهذا بدأت في فرض مطالبها بالضغط على السودان ومصر في تنفيذ مطالبها، بالموافقة مسبقاً على تنفيذ ثلاثة سدود جديدة على النيل الأزرق، كردوبي، ومابل، وسد مندايا. ولن تتراجع إثيوبيا عن مطالبها، وترى أن ذلك من حقها طالما أنها تعمل على تنمية مواردها، وحقها في المياه التي تسقط أمطاراً في أراضيها. وأيدتها في ذلك أميركا عندما اعتذر لها علانية وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشن قبل أسابيع، وقال إنهم يأسفون للضغوط التي مارسوها على إثيوبيا بخصوص عدم ملء السد إلا بعد تنفيذ دراسات أمن وسلامة السد، كما طالب السودان ومصر".

وقالت مصادر دبلوماسية إثيوبية إن أديس أبابا ترى أن من حقها الاستفادة من مياه النيل الأزرق فهي تسهم بالنسبة الأكبر من مياهه، وذلك بغض النظر عن حاجتها إليها، سواء في ظل الاستخدامات الحالية أو المستقبلية، بما في ذلك ما تحتاجه في مشروعات زراعية جديدة في البلاد، بينما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية السفير دينا مفتي "لن توقع إثيوبيا أي اتفاقية ملزمة تضر باحتياجات الجيل القادم، وتحرمه من تنفيذ مشاريع تنموية أخرى على ضفتي نهر النيل".

وأضاف المتحدث الإثيوبي في مؤتمر صحفي يوم الجمعة أن بلاده لا يمكنها توقيع اتفاق يشترط تمرير حصص محددة للمياه من سد النهضة لدول المصب، مشيراً إلى أن المقترح الذي قدمته إثيوبيا في المفاوضات أكدت خلاله التزامها بمراعاة مخاوف دول المصب من حالات الجفاف التي قد تحدث في المستقبل.

هل إثيوبيا بحاجة لمزيد من المياه؟

توصف إثيوبيا التي ينبع منها النيل الأزرق بأنها "نافورة المياه العذبة" في العالم. ويرى نور الدين، وهو أحد المناهضين للمشروع، إن إثيوبيا ليست بحاجة إلى مزيد من المياه، وليس بإمكانها تخزين المياه بصورة أكبر من قدرات الخزان، أو حجب المياه عن دولتي المصب كما تشير شروطها خلال المفاوضات، مضيفاً "إثيوبيا لديها 9 أحواض أنهار، وكل حوض منها يحتوي على عشرات الأنهار الصغيرة، منها 3 أنهار من روافد نهر النيل، ومنها النيل الأزرق الذي يسهم بنسبة 58 في المئة، وعطبرة، والسوباط تقريباً بنسبة حوالي 27 في المئة، وتظل 6 أنهار أخرى. وإجمالي المياه النهرية في إثيوبيا طبقاً لمنظمة الأغذية والزراعة لعام 2014 تشمل 122 مليار متر مكعب من المياه التي تجري في الأراضي الإثيوبية، وبحيرة تانا تتسع لنحو 40 مليار متر مكعب من المياه تستفيد منها إثيوبيا وحدها وهي منبع النيل الأزرق، ويضاف إليها وفقاً للتقارير الدولية نحو 936 مليار متر مكعب من الأمطار، وحوالي 9 مليارات متر مكعب من المياه الجوفية، كما أن هناك سد آخر على نهر تكيزي سعة التخزين الخاصة به من 9 إلى 10 مليارات، تستفيد منها في توليد الكهرباء، ومحطات مياه الشرب، والصناعة، والري الزراعي، ويعني ذلك أن إثيوبيا تحصل على نحو 50 ملياراً من مياه النيل.

واستكمل "بينما تملأ الدنيا صراخاً بأن نهر النيل ينبع من أراضيها، وهي تكتفي بالفرجة عليه، ولا تستفيد من أي قطرة ماء، وهذا كلام غير صادق وغير منطقي، وإثيوبيا تستفيد تماماً من كل بحيرة تانا بما في ذلك موارد سمكية تقدر بنحو 100 ألف طن أسماك سنوياً، فضلاً عن الاستفادة من الجزر السياحية، والمناطق الأثرية في البحيرة، وكل هذه تمثل أشكال استفادة واستغلالاً للنيل الأزرق على خلاف الدعاية الرائجة".

واعتبر أستاذ الموارد المائية المصري أن السد الإثيوبي سيتعرض لخطورة إذا لم يفرغ الخزان في كل موسم فيضان، "فالمفيض الموجود في أعلى السد لا يمكنه استيعاب فيضان غزير، أو عالٍ، ولابد لأديس أبابا من إعادة التفكير في مسألة رغبتها في حجز جزء من مياه النيل لا تحتاجه بينما تحتاجه بشدة مصر والسودان، ومصر لديها عجز مائي صافٍ يصل إلى 42 مليار متر مكعب كل سنة، 104 مليارات احتياجات مصر المائية، و55.5 مليار فقط من مياه النيل. ولفت إلى أن إثيوبيا ستخزن بالفعل نحو 75 مليار متر مكعب من المياه بخصم ثلثيها من حصة مصر والثلث من حصة السودان، أو مناصفة".

وفي المقابل، قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية إن بلاده أكدت في مقترحها لدولتي المصب مواصلة مراحل ملء السد، وعدم التطرق لمسألة التقاسم المستدام لحصص مياه النيل، و"إن هذه القضايا لها منبر آخر، فتقاسم المياه لا ينحصر بين الدول الثلاث، وإنما هناك دول حوض النيل التي يجب أن تكون طرفاً فيه".

شروط متبادلة لاستئناف المفاوضات

 رهن وزير الري والموارد المائية السوداني استمرار مشاركة السودان في المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي بعدم الربط بين التوصل لاتفاق بشأن الملء والتشغيل من جهة، والتوصل لمعاهدة حول مياه النيل الأزرق من جهة أخرى، على الرغم من أن الوزير السوداني طالب مع بدء الجولة المنتهية "أن تكون الجولة الحالية من المفاوضات جولة حاسمة عبر تحديد أجندة محددة لفترة أسبوعين، مع إعطاء دور أكبر للمراقبين في تقريب وجهات النظر، والتركيز على القضايا المعلقة، والالتزام بعدم عرض أي قضايا جديدة على المفاوضات، بغرض الوصول لاتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، متضمن اتفاقاً حول المشاريع المستقبلية على النيل الأزرق".

وبينما أعرب المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية عن تطلع بلاده لنجاح المفاوضات، والتوصل إلى اتفاق في أسرع وقت بشأن "قواعد ملء سد النهضة"، مشدداً على تمسك بلاده بمواصلة التفاوض لحل القضايا العالقة، اشترط الخطاب الإثيوبي الأخير على مصر والسودان، حصر الاتفاق في ملف ملء سد النهضة، وعدم التطرق إلى ملف حصص المياه إلا من خلال معاهدة شاملة حول المياه.

وقال نورالدين إن إصرار إثيوبيا على إقحام قضايا جديدة في التفاوض، واشتراط تلبية شواغل أحد أطراف المفاوضات الآخرين بالوصول إلى اتفاق حول النيل الأزرق يحقق أهدافها الاستراتيجية، ويمثل محاولة تكتيكية "لدق إسفين" بين البلدين بعدما أصبحت مواقفهما متقاربة على إثر الضرر الأكيد الذي تعرضت له الخرطوم خلال شروع إثيوبيا في الملء.

ويرى أستاذ الموارد المائية، أن الاستراتيجية الإثيوبية في التفاوض مع مصر والسودان، قبل بدء المفاوضات في 2011، قد بنيت على إحداث انشقاق في الموقف المصري السوداني، واستمالة الخرطوم للموقف الإثيوبي، وترك مصر وحدها حتى تظهر كدولة متشددة أمام المجتمع الدولي، وساعدها على ذلك سياسة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، الذي أعلن تأييد مشروع سد النهضة وفائدته للسودان لدرجة القول بأن سد النهضة هو سد السودان المبني في إثيوبيا، على غير الحقيقة التي ثبتت بعد الملء الأول بأن أضراره على السودان أكبر من مصر.

رهان "أفريقي" مشكوك في نجاحه

 قال عضو الوفد التفاوضي المصري إن المواقف، والآراء الفنية والقانونية لكل بلد باتت واضحة تماماً فيما يتعلق بالنقاط الخلافية، وهي ملء وتشغيل السد خلال سنوات الجفاف على المستوى الفني، والطابع الإلزامي للاتفاق على المستوى القانوني، مشيراً إلى أن ذلك يجعل دور المراقبين والخبراء المشاركين من الاتحاد الأفريقي أساسياً لتقريب وجهات النظر وحل القضايا العالقة.

ووسط ما يشبه حالة "التفويض" التي كشفت عنها البيانات الرسمية الأخيرة لكل من مصر والسودان، بشأن الرهان على دور المراقبين والرعاية الأفريقية للمفاوضات من أجل الوصول إلى صياغات توافقية للبنود الخلافية "القليلة"، تضمن قبول الأطراف الثلاثة التوقيع على الاتفاق الملزم، في نهاية "وردية" لعقد من النزاع حول المشروع الأضخم على منبع نهر النيل، يلمح البعض "استنساخاً" لاتفاق الدول الثلاث في بداية العام الحالي على إسناد مهمة التوصل إلى مسودة توافقية لكل من الولايات المتحدة، والبنك الدولي اللذين شاركا فقط كمراقبين خلال ماراثون المفاوضات المكوكية، التي استمرت لمدة 4 أشهر بين العواصم واشنطن، والقاهرة، والخرطوم وأديس أبابا، وانتهت في أواخر فبراير (شباط) الماضي إلى رفض إثيوبيا التوقيع على المسودة وانسحابها من المفاوضات مُتهمة الولايات المتحدة بالانحياز إلى مصر.

وقال رسلان، "جنوب أفريقيا كرئيس للدورة الحالية للاتحاد الأفريقي هو فى الأساس دور شكلى يلعب دور المُسهل والمساعد للاستراتجية التفاوضية الإثيوبية، وهو دور متعاطف معها ولن يصدر أي إدانة لها، ولن يحملها نتيجة فشل المفاوضات كما فعلت واشنطن. ولكن ذلك سيتم على حساب دور ومكانة الاتحاد الأفريقي، ومصداقية القيم التي يقول إنه يرفعها، وعلى رأسها الحلول الأفريقية للقضايا الأفريقية.. وكلا الطرفين إثيوبيا وجنوب أفريقيا لا تعبآن فعلياً بذلك، وتعولان على التبريرات الإعلامية المغلوطة، وعلى ترديد الشعارات والخطب التي لا تعني فى الحقيقة شيئاً.. بمعنى أدق استخدام الاتحاد كمنظمة قارية لتحقيق مصالحهم وأهدافهم الخاصة، مع استمرارية الممارسة الشكلية للاتحاد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مقابل التشكيك في دور جنوب أفريقيا وفرص نجاح وساطتها، قال إبراهيم ناصر الباحث السوداني المختص بالشأن الأفريقي إن دولة جنوب أفريقيا مركزية، ولها دور كبير في كثير من التفاعلات الأفريقية، و"بالتالي لا أعتقد أنها ستتحرك وفق رؤية إثيوبيا، صحيح أن أديس أبابا مركز الاتحاد الأفريقي، لكن جنوب أفريقيا لها النفوذ الأقوى في بعض الساحات لاسيما أفريقيا جنوب الصحراء، ولا نعتقد أنها تحركت لمنح إثيوبيا مزيداً من الوقت، ولذا مسألة الرهان عليها تتطلب انتظار ما سيسفر عنه ماراثون التفاوض القادم، ولا أعتقد أن جنوب أفريقيا ستسمح بالفشل خلال هذه المرحلة، وبخاصة أنها لا تريد أن توصم أو تذكر بأنها في فترة رئاستها للاتحاد الأفريقي حدثت هذه الأزمة، ولم تتجاوزها مما يؤثر على دور الاتحاد مستقبلاً بصورة جسيمة، بعكس فترة رئاسة مصر للاتحاد العام الماضي، فقد لعبت المنظمة دوراً كبيراً في حلحلة بعض القضايا الحيوية، وعلى سبيل المثال إيجاد حلول مرضية لتسوية الأزمة الداخلية السودانية بين المكونين العسكري والمدني في السلطة الانتقالية، والرهان عليها يحتاج إلى مزيد من الوقت، وهي بالكاد أمسكت حالياً بخيوط الأزمة، وربما تسعى من خلال إقحام أطراف خارج الاتحاد الأفريقي لتليين المواقف الإثيوبية، وإيجاد حل منصف لهذه القضية".

وعلى الوجه المقابل قال أستاذ الموارد المائية المصري "الخبراء المصريون يرون أن جنوب أفريقيا غير مؤهلة لإنجاح المفاوضات، لا عبر فرض شخصية اعتبارية قوية في المفاوضات، ولا من خلال القدرة على فرض إرادتها كدولة عظمى مثلاً  لها قرارات نافذة يمكنها فرض عقوبات على دولة المقر الأفريقي، ولم تقدم خارطة طريق ولا وساطة ولا حلولاً وسطاً، ونعتقد أن الحل الذي يمكن أن يأتي لهذه الأزمة سينتمي إلى دول غرب أوروبا، أو الاتحاد الأوروبي الذي يشارك بالفعل ضمن المراقبين، ويمكن أن تأتي الوساطة من الولايات المتحدة، أو كندا وكذلك الصين، وروسيا، ولكن الاعتقاد السائد في الشارع المصري أن إثيوبيا استغلت جنوب أفريقيا من أجل إطالة أمد المفاوضات، واستكمال إجراءاتها الأحادية وفرض سياسة الأمر الواقع".

وتابع نور الدين "نحن لم نكن نعول كثيراً على الوساطة الأفريقية، أو رعاية الاتحاد الأفريقي للمفاوضات، والقاهرة على يقين بأن الحل لن يأتي أفريقياً، لأن أفريقيا ليس لديها مستوى خبراء في المياه والسدود على المستوى الأوروبي أو الغربي بشكل عام، مثلاً العضو الألماني في اللجنة الدولية للخبراء عام 2013 المختص في هندسة السدود، الذي ورد في تقريره أن السد الإثيوبي مشروع بلا دراسات، وأن معامل أمانه ضعيف ويخشى عليه من الانهيار، وكذلك خبيرا الموارد المائية الفرنسي والبريطاني المشاركان في تلك اللجنة. ولذلك إثيوبيا تريد ألا يكون الخبراء على مستوى علم وخبرة كبيرة ومشهود لهم دولياً بالحياد والكفاءة، حتى لا يتهموا إثيوبيا ويكشفوا حجم مخالفاتها وضرر سلوكها لدولتي المصب، فالقانون الدولي يقول إن دول المنابع تقيم سدوداً صغيرة، وإثيوبيا تبني سداً ضخماً، كما يقتضي تقديم الدراسات إلى دولتي المصب، ولم يحدث استكمال الدراسات، وإثيوبيا بنت بقرار منفرد، ثم بعد ذلك تحولت إلى موضوع تقسيم مياه النهر رغم أنها لا تحتاج إليها".

واعتبر نور الدين أن جنوب أفريقيا "لم تبدِ أي مهارة حتى الآن في الوساطة خلال الشهرين التي سحبت خلالهما الملف من مجلس الأمن، وطلبت الوساطة وفشلت في إدارة المفاوضات. وفي الجولة الأولى لم تتقدم بخارطة طريق أو خطة لتقريب وجهات النظر، أو مقترح للوصول إلى حلول وسط، وبالتالي موقفها غريب وبخاصة أنها اختيار إثيوبي خالص، فأديس أبابا هي التي طلبت مشاركة الاتحاد الأفريقي، وقالت إن المشكلات الأفريقية تتطلب حلولاً أفريقية، ولا أدري كيف هذا، وكأن أفريقيا ظهرت هذا العام فقط، مع أن مشكلاتها مع إريتريا التي استمرت عقدين من الزمن تم حلها في إطار الأمم المتحدة، وليس الاتحاد الأفريقي، ولماذا لم يظهر هذا المقترح العام الماضي عندما كانت مصر هي التي ترأس الاتحاد الأفريقي"؟.

كما أشار إلى أن ذهاب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في زيارة إلى جنوب أفريقيا في فبراير  الماضي "ليحثها على قبول تلك الوساطة علماً بأن مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، ولم يكن رئيس الوزراء الإثيوبي في حاجة لتلك الزيارة لطلب وساطة الاتحاد، إنما ذهابه إلى هناك وإقناعه جنوب أفريقيا بقبول الوساطة لم يكن مريحاً، بخاصة أن الحديث كان يدور حول دور أفريقيا السمراء بينما يعتبرون دول شمال أفريقيا كلها ليست دول منتمية للقارة، وهنا الخوف من الميل لموقف إثيوبيا التي تحاول التعامل مع المسألة وكأنها صراع أفريقي مع غير المنتمين للقارة، وفي مايو (آيار) الماضي حينما لجأت إثيوبيا وجاليتها في الولايات المتحدة إلى الناشط الحقوقي الأميركي من أصول أفريقية القس جيسي جاكسون لحشد دعم الأعضاء السمر في الكونجرس لصالح دعم المشروع الأفريقي، في مقابل ما كانوا يصفونه بانحياز واشنطن إلى مصر".

هل يستمر التفاوض من أجل التفاوض؟

 بينما أعلنت إثيوبيا رفض توقيع "أي اتفاق يحرمنا من تنفيذ مشاريعنا المستقبلية"، حسبما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية، في أحدث تحول عن موقفها الداعي خلال المفاوضات إلى اتفاق حول "قواعد استرشادية غير ملزمة يمكن تعديلها لاحقاً"، في مقابل تأكيد القاهرة أنها لن توقع على اتفاق "يخاطر بحقوقها المائية"، حثت جنوب أفريقيا، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي، وقيادة المباحثات الراهنة، على "الاستمرار" في المفاوضات التي شهدت أبرز خطوة أحادية الجانب بشروع إثيوبيا في ملء السد، وهو ما كان يوصف في وسائل الإعلام المصرية والسودانية بأن حدوثه من دون الوصول إلى اتفاق يمثل "إعلان حرب" مائية على البلدين.

وقالت وزيرة العلاقات الدولية في جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، إن المفاوضات تدخل "مرحلة حاسمة"، وحثت "الأطراف على التحلي بروح التضامن والأخوة الأفريقية"، وفي وقت طالبت فيه مصر والسودان بمنح دور أكبر للمراقبين وخبراء الاتحاد الأفريقي في الوصول لصيغ توافقية للبنود الخلافية قبل تعليق مشاركتهم في الجولة الأخيرة، قالت الوزيرة الجنوب أفريقية في المقابل إنه "من المهم أن يظهر الأطراف التسامح والتفاهم المتبادل، لدفع العملية قدماً". وقال ابراهيم إن دولة جنوب أفريقيا "مهمة ولها احترامها في المجتمع الدولي ومكانتها الكبيرة على المستوى الأفريقي، والوثوق بها ربما يسهل المهمة، ولكن هذا الأمر مرهون بممارسة أسلوب تفاوضي عقلاني أكثر، ومنطقي في طرح الحلول للقضايا الخلافية، وإثناء إثيوبيا عن مواقفها الأحادية المتشنجة، يفترض أن تلعب فيه جنوب أفريقيا دوراً بارزاً".

وقالت وزارة المياه الإثيوبية في بيان لها عقب تعليق الاجتماعات، إن الخطوة جاءت بناء على طلب مصر والسودان إرجاء الاجتماعات لحين التشاور حول الإرشادات والقواعد الخاصة بملء السد التي قدمتها إثيوبيا، وإنه تم الاتفاق على استئناف المفاوضات حينما تنتهي الدولتان من المشاورات، وأضاف البيان "بناء على ما جرى خلال الاجتماع الأخير، يتوقع أن يتم الاجتماع القادم يوم الاثنين الموافق العاشر من أغسطس (آب) 2020، كما اقترح الوفد التفاوضي المصري".

وألمح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أواخر الشهر الماضي إلى تمسك بلاده بمسار ممتد للمفاوضات، قائلاً لوسائل الإعلام المحلية خلال افتتاح أحد المشروعات، إن قلق المصريين حول مياه النيل "مشروع" بشأن "قضية عادلة"، مؤكداً تمسك مصر بالتفاوض، كما انتقد وسائل الإعلام لتلميحها إلى أن بلاده قد تلجأ إلى عمل عسكري ضد السد الإثيوبي، مضيفاً "إحنا بنتفاوض ودي معركة هتطول لإننا مش هنمضي على حاجة مش هتحققلنا مصلحة، المصلحة بتقول كلنا مستفيدين والضرر يكون مقبول علينا كلنا".

وبدوره، قال رسلان، "موقف مصر والسودان الذي أعلن رسمياً أنه لا حل سوى التفاوض، تتم ترجمته عملياً من خلال السلوك الإثيوبى بأنه ليس هناك حل من الأصل.. بل أمر واقع سواء قبله الطرفان الآخران أم لا، فسوف يتم فرضه، وإثيوبيا جاهزة بأكاذيبها وتضليلها للترويج لموقفها وتسويقه بغض النظر عن مدى صدقه من عدمه، لأن هذا الأمر لا يعني الآخرين فى الإقليم والعالم الذين يتصرفون طبقاً لمصالحهم فقط، بغض النظر عن العدالة أو الحقوق".

ويرى الأكاديمي الإثيوبي المحاضر في القانون الدولي ديجن يماني مسيلي، في مقال نشرته مجلة "أديس ستنادرد" يوم الجمعة، أن "المفاوضات المباشرة بين إثيوبيا ومصر والسودان بشأن سد النهضة مستمرة دون نجاح أو انقطاع، لكن معارضة مصر وتحذيرها إثيوبيا من الملء قبل إبرام اتفاق شامل بشأن ملء وتشغيل السد، تم تجاهله وتحقيق التعبئة الأولى، ومع ذلك لا تزال المفاوضات مستمرة مع نتائج غير مؤكدة".

واعتبر الأكاديمي الإثيوبي المقرّب من دوائر صنع القرار أن التوصل إلى اتفاق يبدو "مشروعاً مستحيلاً نظراً للمطالب التي لا تطاق من مصر والسودان. هذا المسار غير المحتمل يجعل التفاوض غير محدد الغاية. لكن الالتزام بالاستمرار والتعايش مع المفاوضات إلى أجل غير مسمى يجب أن يكون موضع تساؤل بالنسبة إلى الجانب الإثيوبي. إن التزام مصر والسودان بالبقاء في مفاوضات السد واضح تماماً، ولديهما أهداف واضحة. ولكن ما هو هدف إثيوبيا للاستمرار مع هذه المفاوضات غير المحددة، وهي مفاوضات قد تنتهي فقط عندما تكون مصر والسودان راضيتين".

نهاية المفاوضات

 دعا الباحث بجامعة أديس أبابا إثيوبيا إلى إنهاء هذه المفاوضات "اللانهائية" مع تحديد أن "السيادة لها اسم"، معتبراً أن "الاستمرار يضع إثيوبيا في وضع مساومة غير عادلة ورخيصة، ستؤدي إلى تقديم بلاده لمزيد من التنازلات عن مكاسبها المحققة، مشدداً على أن "إثيوبيا يمكن أن ترفض التوقيع حتى على تلك النقاط المتفق عليها جزئياً، فالقيام بذلك يعني ملء سد النهضة بسيادة كاملة"، مضيفاً "يجب على فريق التفاوض تقديم مطالبات جديدة لمصر والسودان. يمكن تحميلهما التكاليف البيئية (تكاليف تطهير منابع النهر من النباتات الضارة وغيرها) والتعويض عن المظالم السابقة التي قامت بها هاتان الدولتان ضد الدولة المشاطئة العليا في هذا الصدد. هذا سوف يمنع كلاهما من القيام بمطالبات غير مقبولة. ومن دون القيام بذلك، فإن مجرد القول "لن نتفاوض أبداً بشأن المصلحة الوطنية لإثيوبيا" في نهاية كل مفاوضات لا يقدم شيئاً. ستخسرإثيوبيا بالبقاء في هذه المفاوضات التي لا نهاية لها ما لم يتم اتخاذ تدابير لإنهائها. ويتم تفسير عملية التفاوض الآن على أنها التزام بالتوصل إلى اتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة. قد يؤدي هذا التفسير إلى نتيجة مؤسفة لعملية تشغيل إثيوبيا لسدها".

وبدوره، قال مدير إدارة النيل في وزارة الري السودانية سابقاً "لم يعد للتفاوض معنى، بعد أن تمكنت إثيوبيا من تنفيذ سد النهضة بالكامل. وتحكمت في جريان مياه النيل الأزرق إلى الأبد. وقد حققت هدفها كما أعلن ذلك وزير خارجيتها قبل حوالي أسبوعين، عندما قال إن سد النهضة سدهم والمياه مياههم والأرض أرضهم.. ثم قال إن النيل الأزرق انتهى وأصبح بحيرة سد النهضة، بمعنى أن النيل الأزرق انتهي كنهر دولي، فماذا يريد السودان ومصر تحقيقه من مواصلة المفاوضات؟ وما هو المطلوب تحقيقه منها؟، نحن كمختصين لم نعد نعلم".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات