Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فسحة أمل ومبادرات للملمة جراح اللبنانيين

مغتربون أرادوا أن يساهموا على طريقتهم بمساعدة وطنهم بأي شكل من الأشكال

دمار لا يوصف في شوارع بيروت ومبادرات فردية للمساعدة (أ ب)

دمّر انفجار مرفأ بيروت الذي صُنّف ثالث أضخم الانفجارات في العالم، المدينة وأرزاق أهلها وقلوبهم أيضاً، وأودى بحياة ما لا يقل عن 150 قتيلاً و5000 جريح، ولا تزال عمليات البحث جارية عن مفقودين تحت الركام أحياء أو أمواتاً. هي حصيلة يومين من البحث على إثر ما شُبّه بالإعصار الذي حوّل بيروت إلى مدينة منكوبة. في هذه اللحظات الصعبة، تحتاج بيروت إلى كل يد تمتد لتقديم العون والمساعدة لكثر يحتاجون إليها، مئات آلاف المواطنين كانوا يعيشون آمنين في منازلهم، على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد، ووجدوا أنفسهم اليوم من دون مأوى وغذاء، ولأنّ في التكاتف أملنا الوحيد للبقاء، تتكثّف اليوم المبادرات الإنسانية والمساعدات منها الفردية ومنها لمنظمات غير ربحية وأخرى لمؤسسات قرّرت أن تسهم في تضميد جراح أبناء المدينة بعدما توالت الصفعات التي طاولتها.

الحاجات كثيرة

لأن الحاجات كثيرة، تنوّعت المساعدات منها من الخارج من مغتربين أرادوا أن يسهموا على طريقتهم بمساعدة وطنهم بأي شكل من الأشكال. مبادرات عدّة أُطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لجمع التبرّعات المختلفة، هي في معظمها فردية بمساهمات بسيطة، لكن يمكن أن تحدث فارقاً مهماً بالنسبة إلى الآلاف الذين هم بأمس الحاجة إلى المساعدة أيّاً كانت طبيعتها. إحدى هذه المبادرات أطلقتها الشابة بيرلا حايك، هي مغتربة في كندا، صُعقت لهول الكارثة التي حلّت بوطنها الأم، "كلّنا نعلم أن مرحلة ما بعد الفاجعة هي الأصعب. أصبح على إثرها مواطنون لبنانيون من دون مأوى وخسروا كل ما يملكون. في مثل هذه الحالات، نعرف أن الماء والغذاء والمأوى من الأساسيات التي يحتاج إليها المواطنون، خصوصاً في ظلّ الواقع الاقتصادي الصعب وتوفيرها يستوجب مالاً يصعب تأمينه حالياً".

هذا ما دفع بيرلا إلى الانطلاق بمبادرة تساعد فيها وطنها الأم وفق إمكاناتها، فبدأت حملة بالتواصل مع منظمات غير ربحية وجمعيات وعائلات بأمسّ الحاجة إلى مأوى وملابس وغذاء. وعلى الرغم من وجودها في كندا، استطاعت أن تجد مأوى لخمس عائلات حتى الآن، من ضمنها تسعة راشدين و11 طفلاً، فتأمّن غذاؤهم لأسبوعين وحصلوا على ملابس.

وقد يشعر كل فرد في المجتمع اللبناني أو في بلاد الاغتراب بالعجز في مثل هذه اللحظات أمام هول الكارثة، لكن في الواقع تؤكد الحايك أنها من خلال حملة تبرّعات بسيطة، استطاعت أن تقدم المساعدة للعائلات المنكوبة وتحدث فارقاً. ويمكن لكلّ منّا أن يقوم بعمل مماثل، فيحدث فارقاً في حياة كثيرين في الظروف الصعبة، خصوصاً أن الحاجات كثيرة، فتشير إلى إمكان التبرّع بالدم والملابس والغذاء وأمور كثيرة أخرى، كما يمكن للمغتربين إطلاق مثل هذه الحملات لجمع التبرّعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فالكل يرغب في تقديم المساعدة بأي شكل كان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جمع تبرّعات

ومن فرنسا، أطلق إيلي جمّال أيضاً مبادرة فردية أراد من خلالها أن يساعد وطنه بجمع التبرّعات عبر صفحة على فيسبوك وأخرى على إنستغرام، فوضع هدفاً لجمع 35 ألف دولار أميركي، وبلغ حجم التبرّعات في أقل من يومين حوالى 10 آلاف دولار أميركي. يهدف إيلي، بحسب ما توضحه شقيقته سارة المقيمة حالياً في لبنان إلى تأمين الحاجات الأساسية للعائلات المتضررة بسبب الانفجار من غذاء وأدوية ومستلزمات لترميم المنازل. وتشير إلى أن لإيلي علاقات كثيرة في النرويج وفرنسا من حيث تأتي معظم التبرّعات حتى الآن، التي ستُوجه في هذه المبادرة الفردية، بشكل أساسي إلى العائلات المتضررة التي ليس لديها معيل بالاستناد إلى توجيهات من كاهن الرعية الذي يرشد إلى من هم أكثر حاجة.

مبادرة فردية أخرى أطلقتها مجموعة من تسع شابات، منهنّ مارتينا نعمة ثم اتّسعت المجموعة لتشمل المزيد من الأشخاص الذين أرادوا تقديم المساعدة، وتشير مارتينا إلى أن المبادرة تشمل نواحي عدّة وكلّ يقدم فيها ما يتوفر من ملابس وغذاء وأدوية حتى توزَّع على العائلات المحتاجة من خلال إحدى المنظمات غير الربحية.

مبادرات إنسانية

وتبدو المبادرات الإنسانية التي يعتبر المواطنون بأمس الحاجة إليها حالياً، كثيرة ويصعب إحصاؤها، على أمل أن تتمكن من سدّ ولو جزء من حاجات العائلات المتضررة على كثرتها. وعن مبادرة Box of Life تتحدث كريستال مونّس التي تشارك ضمن مجموعة من الشابات والشبان في جمع صناديق تحتوي على مواد غذائية لمساعدة العائلات المتضررة، وعلى الرغم من أنّ الحملة انطلقت أولاً على نطاق ضيّق، إلّا أنّ دائرتها بدأت تتّسع حتى زاد العدد وتمكنوا من جمع 1000 صندوق من المواد الغذائية، ستُوزع في بيروت على المتضررين من خلال إحدى المنظمات غير الربحية، بعدما أمّنت المجموعة وسائل النقل. وتشير كريستال إلى أن ثمة عائلات كثيرة تتواصل معهم طلباً للمساعدة.

جمعية فرح العطاء أيضاً تنطلق بمبادرة لمساعدة الأسر بالكشف عن المنازل من قبل مهندسين يقوّمون الأضرار لتقديم المساعدة في الترميم، هذا إضافة إلى مساعدات أخرى تقدّمها الجمعية للعائلات المحتاجة.

والنزول إلى شوارع بيروت يكشف عن صورة أخرى، بعيداً من المشهد الأسود للدمار الذي لحق بالمؤسسات والمنازل وشوارع المدينة، وتظهر روح التكاتف هنا بين أبناء المدينة، فالكل نزل إلى الشارع لتقديم المساعدة بشكل فردي، إضافةً إلى حملات الدعم من قبل مختلف الجمعيات والمنظمات التي أقامت الخيم لتوزيع الغذاء والماء للجميع. طلاب جامعات اندفعوا أيضاً للمساعدة سواء بتحضير الطعام أو لتنظيف الشوارع من الزجاج الذي تكدّس فيها، ومن هؤلاء قدامى إحدى المدارس (Nazareth) وهم من فريق المرسلين في المدرسة، وتتحدث نور عازوري عن المبادرة بالقول إنهم يحرصون في كل سنة على تقديم مساعدة لفئة معينة، وهذا العام نظراً إلى هذا الظرف الصعب الذي تمرّ به البلاد، اتُّخذ القرار بمساعدة عائلات متضرّرة من خلال توزيع الحاجات الأساسية من ملابس ومواد غذائية ومستلزمات طبية. وبحسب عازوري، "نوزع المساعدات التي نجمعها من التبرّعات، على أن نتواصل مع منظمات غير ربحية لمؤازرتنا في توصيلها وفق حاجات الناس ولتنظيم الأمور. كما ننزل مع الناس لتنظيف الشوارع".

الحاجات كثيرة

ولأن الحاجات كثيرة ومتنوعة حالياً، ويبحث المواطنون الذين أصبحوا من دون مأوى إلى مكان ينامون فيه، كثرت المبادرات لتقديم المأوى لِمَن يحتاج إليه من عائلات أصبحت مشرّدة، فنادق ومنازل تعرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاستقبال الأسر المتضررة. جمعية "نسروتو" في مدينة زحلة تُعنى بشؤون النساء المعنفات والسجينات، وقد عرضت غرف مركزها لاستضافة العائلات التي خسرت منازلها بسبب الانفجار، ويوضح رئيسها الأب مروان غانم أن في المركز 10 غرف يمكن أن تُستخدم ولكل منها حمام خاص، "الوضع مأساوي وعلى الكل أن يقدم المساعدة بحسب إمكاناته. وضعنا الغرف بتصرف العائلات بعدما نشرنا الإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي واستقبلنا أربعاً منها، علماً أننا نؤمن الغذاء أيضاً".

أما بالنسبة إلى الفنادق، فمنها ما عرض لاستقبال العائلات بشكل فردي ولو بالتنسيق مع نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر الذي أكد أن النقابة لا تزال تقوّم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالفنادق والحاجات لديها كثيرة، ويؤكد أنه يصعب على تلك التي في بيروت أن تفتح أبوابها لاستقبال العائلات حالياً. فبحسب تصريحه لـ"اندبندنت عربية"، ثمة حاجة إلى بعض الوقت لإحصاء الأضرار ولا يمكن حالياً التفكير بغير ذلك. أما الفنادق في مناطق أخرى خارج بيروت، فبادرت إلى فتح أبوابها لاستقبال العائلات بحسب إمكاناتها والغرف المتوافرة لديها.

مبادرات للدعم النفسي

على إثر الصدمة التي تعرّض لها الشعب اللبناني في مختلف المناطق وفي موقع الانفجار والمناطق المحيطة بشكل خاص، تبرز الحاجة أيضاً إلى الدعم النفسي، فكثر من اللبنانيين يجدون اليوم صعوبة في تخطّي الصدمة. انطلاقاً من ذلك، كثرت المبادرات لتأمين الدعم النفسي والإحاطة اللازمة لكل من يحتاج إليها، وإحداها المبادرة الوطنية للعلاج النفسي التي تضمّ مجموعة من الاختصاصيين في المجال، وتتحدث عنها الاختصاصية في التحليل النفسي البروفيسور جانيت دكاش، مشيرةً إلى أنها انطلقت بهذه المبادرة بعد اليوم المشؤوم الذي مرّ به اللبنانيون على إثر الانفجار. "في ذاك المساء، رأيتُ أشخاصاً يقعون أرضاً والدم في الشوارع والمصابين أمام المستشفيات. كان المشهد مؤلماً وقاسياً ولا يمكن أن يمر من دون تداعيات. أردنا أن نساعد بحسب إمكانياتنا وضمن مجال اختصاصنا في المجال النفسي للحدّ من ألم المواطنين"، وفق دكاش.

وتهدف المبادرة إلى التواصل مع من يحتاجون إلى الدعم النفسي عن بعد مجاناً، وعند الضرورة يمكن الاستمرار في جلسات في العيادة.

والمبادرات المماثلة لا تُعدّ ولا تُحصى من قبل كثيرين من الاختصاصيين الذين أرادوا أن يدعموا المواطنين اللبنانيين انطلاقاً من مجال اختصاصهم. هذا، إضافةً إلى مبادرات يقوم بها كل بحسب إمكاناته، علّ ذلك يساعد في الحدّ من الوجع الذي يشعر به اللبنانيون كافة في هذه الأيام الصعبة، بعد إحساس قاتل بالعجز للوهلة الأولى، فكلّ منّا يمكن أن يحدث فرقاً مهما كانت المساعدة التي يقدمها.

المزيد من العالم العربي