Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تيك توك" يعيد ملف "الجاسوسية الصينية" إلى الواجهة

يقول كتاب "فن الحرب": اعرف عدوك لتسلم، فهل بالغت بكين في التفتيش عن أسرار العالم؟

تلاحق الصينَ اتهاماتٌ باستغلال مواطنيها الطلاب للتجسس على الجامعات الأميركية (غيتي)

تنضم الاتهامات الأميركية للصين بسرقة بيانات مستخدمي تطبيق الفيديو الشهير "تيك توك"، إلى تراشقات ليست الأولى من نوعها في حسابات بكين، التي تلاحقها منذ عقود تهم بإجراء عمليات مشبوهة، وتجنيد مدنيين في دول غربية، وإدارة شبكات تجسس لخدمة أهدافها.

أكبر خدمة استخباراتية في العالم

في كتابه "جواسيس الصين، من ماو إلى شي جين بينغ"، يتتبّع الكاتب الفرنسي روجر فليغوت، الجذور التاريخية للخدمة السريّة الحديثة في الصين، بدءاً من التخابر ضد فرنسا وبريطانيا، ووصولاً إلى شن الحرب السيبرانية، للحفاظ على ما يراها المؤلف، أكبر خدمة استخباراتية في العالم، والتي يُعتقد أنها بدأت مع إنشاء الفرع الخاص للجنة المركزيّة التابعة للحزب الشيوعي خريف عام 1927.

في ذات الوقت لا يستبعد فليغوت، الذي ينشط منذ ما يقارب 40 سنة في تأريخ أنشطة وكالات الاستخبارات الأجنبية، تورط ما بين 40 في المئة و60 في المئة، من الدبلوماسيين الصينيين في أنشطة استخباراتية، إبّان الحرب الباردة، مقارنة بـ20 في المئة بالنسبة لنظرائهم الروس، هذا بالإضافة إلى طلاب ورجال أعمال صينيين يعملون في إطار ما يعرف باسم "الغطاء غير الرسمي".

ومنذ ذلك الحين صارت الصين واحدة من أهم قوى الاستخبارات في العالم، واتجهت لإقامة تحالفات مع أي دولة تخدم غرضها، ففي البداية شكّلت بكين تحالفاً مع الاتحاد السوفيتي، الذي ساعدها في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي على تدريب العملاء، ثم انضمت إلى صفّ الولايات المتحدة وألمانيا الغربية، للمساندة في مراقبة الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، بينما تكمن المفارقة الأحدث، بحسب المؤلف، في أن بكين عادت للتماشي مرة أخرى مع موسكو، في محاولاتها للتجسس على واشنطن.

ويورد الكتاب، أن تركيز أجهزة المخابرات الصينية ينصبّ على حماية نسيج الدولة، وقمع المعارضة الداخلية، ويشير إلى تنامي الاهتمام بالتجسس الاقتصادي خلال الأربعين سنة الماضية، إذ أنشأت بكين عام 1982 وزارة العلاقات الاقتصادية الخارجية والتجارة، لتكون غطاءً للجواسيس في الخارج، ودُرب العديد من هؤلاء العملاء في مدرسة متخصصة فيما يعرف بـ"التجسس الصناعي"، وصار الصينيون، وفقاً للكاتب، من أوائل الذين تبنوا الحرب الإلكترونية، بهجومهم عام 2005 على شركتي ميتسوبيشي وسوني.

في المقابل، الصين تندّد بهذه الأطروحات، وتنفي دائماً تورط سلطاتها في التجسس سواء الإلكتروني أو الاقتصادي، وفي إحدى البيانات السابقة حول لائحة اتهام أميركية لخمسة ضباط بجيش التحرير الشعبي الصيني، اتهموا بالقرصنة والتجسس، وصفت وزارة الخارجية الصينية المزاعم بأنها "بلا أساس من الصحة، وأن دوافعها خفية".

فن الحرب فلسفة حيّة

وفي نظرة على تاريخ الصين الزاخر بالأساطير والنظريّات، ستجد أن من أشهر الكتب القديمة المتداولة في العصر الحديث، كتاب "فن الحرب"، الذي يوصف بأنه الكتاب المقدّس للدراسات العسكرية، وفيه أفرد الجنرال الصيني صن تزو، فصلاً كاملاً عن أهمية التجسس، وأوصى "من يعرف عدوه ونفسه، لن يكون معرّضاً للخطر أثناء مئات الاتفاقات".

وفي هذا الصدد، يسود الاعتقاد بأن هذه الفلسفة أثّرت في توجهات الزعماء الصينيين والحزب الشيوعي الحاكم، وبعيداً عن جدليّة الافتراض وغيبياته، سنستعرض مواقف سابقة اتهمت بكين فيها بالتجسس، بدءاً من القبضة المحكمة على التعليم، ومحاكمات جهازيّ الاستخبارات الأميركية والفرنسية، والتجنيد عبر الإنترنت، وانتهاءً بشبكات هواوي، ومداهمات ألمانيا، وأبحاث كورونا المقرصنة.

"مخبرون في الفصول"

وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن السلطات الصينية تحكم قبضتها على مؤسسات التعليم، وتوجّه أيديولوجيات منسوبيها نحو اتجاهات معينة، تحتّم تجنيد بعض الطلاب في الجامعات المحلية لمراقبة أطروحات مدرسيهم، ضمن مساعٍ لاجتثاث الأفكار المناهضة للرئيس شي جين بينغ، والحزب الشيوعي الحاكم.

ويذكّر تصريح الزعيم الصيني، الذي أكد خلاله أهمية بقاء بيئة التعليم نقية، واتباع الأساتذة القواعد، بعهد ماو تسي تونغ، الذي عُرف بسياساته المتشددة، إبان الثورة الثقافية أواخر الستينيات الميلادية، واتجاه الجامعات حينذاك إلى حضّ الطلاب على مراقبة المعلمين، ويشبّه نشطاء تلك الحملة بالحرب الحالية التي يشنها الرئيس شي "للقضاء على المعارضة ومنع تحويل الجامعات إلى معاقل حزبية".

وبحسب مقابلات مع أكثر من عشرين أستاذاً وطالباً، فإن استخدام الطلبة المخبرين ارتفع بعد وصول شي بينغ إلى الحكم، إذ صارت تشيع هذه المهام علناً في مئات الجامعات، التي تكلف مراقباً أو واحداً من الطلاب لكل فصل، ويكون المكلفون غالباً ممن يحملون آراءً سياسية متسقة مع الحزب الشيوعي، وذلك وفقاً لإشعارات عامة نشرتها الجامعات.

ويتساءل يو شينجدونغ، أستاذ الاقتصاد بجامعة شيامن شرقيّ الصين، الذي فُصل بعد انتقاده أمام الطلبة أحد الشعارات الدعائية المفضلة للزعيم الصيني، "كيف نتقدم، بينما يشعر الجميع بالخطر".

وفي نفس السياق، يسود الجدل حول تأثير صعود المخبرين على نقاشات الفصول الدراسية، إذ أصبح يُطلب في بعض الجامعات من المخبرين الطلاب، حسبما تظهر إعلانات الوظائف، تقديم تقارير حول معلميهم إلى فروع الحزب الشيوعي في الحرم الجامعي.

يذكر أن هذه الإجراءات لا تمارس في الخفاء، فقد أصدرت وزارة التعليم الصينية، قواعد سلوكية جديدة على جميع المستويات، تحظر على المعلمين القيام بنشاطات تتعارض مع سلطة الحزب، كما يرسل الحزب الشيوعي فرقاً من المسؤولين إلى الجامعات بهدف مراقبة وجهات النظر الأيديولوجية لمنسوبيها.

وعلى الصعيد الخارجي، تلاحق الصينَ اتهاماتٌ باستغلال مواطنيها الطلاب للتجسس على الجامعات الأميركية، ودعت بكين، قبل أسبوعين، طلابها في الولايات المتحدة إلى التنبه لتوقيفات وعمليات استجواب وصفتها بـ"التعسفية"، بعد ساعات من إغلاق واشنطن قنصلية هيوستن.

وفي هذا الاتجاه، قالت وزارة الخارجية الصينية، في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن "وكالات تطبيق القانون الأميركية في الآونة الأخيرة كثفت الاستجوابات التعسفية والمضايقات ومصادرة الممتلكات الشخصية والاعتقالات التي تستهدف الطلاب الدوليين الصينيين في الولايات المتحدة".

يذكر أنه بعد توجه إدارة ترمب لحظر قدوم طلاب الدراسات العليا والباحثين الصينيين للولايات المتحدة لما وُصف بـ"سرقة الملكية الفكرية الأميركية"، جاء الرد الرسمي للحكومة الصينية على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، تشاو ليجيان، الذي قال إن "واشنطن فرضت تعليق التأشيرات بموجب فهم خطأ للأمن القومي وأعذار واهية".

استهداف الاستخبارات الأميركية

يتهم مسؤولون في الولايات المتحدة بكين بمحاولة تجنيد أفراد الاستخبارات الأميركية الـ"سي آي إيه"، التي تعد إحدى أقوى الأجهزة الأمنية عالمياً، وشهد العام الماضي، محاكمات لثلاث ضباط، أُدينوا بالتجسس لصالح البلد الآسيوي.

ففي شمال فرجينيا، أقر القضاء الاتحادي عقوبة السجن 20 سنة بحق كيفن مالوري (62 عاماً) من مدينة ليسبورغ، لانتهاكه قانون التجسس، وتزويده ضابط مخابرات صينيين بوثائق سرية مقابل 25 ألف دولار، وقال الادعاء إن "الضابط السابق لم يعرض البلاد لخطر كبير فحسب، بل هدد حياة أشخاص معرضين للخطر خلال دفاعهم عن الوطن".

وبذلك تنضم قضية مالوري إلى غيرها من المحاكمات التي كان أطرافها رجال أمن أميركيين، مثل رون هانسن، الذي حاول تمرير معلومات سرية إلى الحكومة الصينية، وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات، وأقر هانسن، العام الماضي، أنه تلقى مئات الآلاف من الدولارات مقابل تجسسه، وهو ما يعتبره الادعاء جزءاً من "اتجاه مقلق" لضباط المخابرات الأميركية.

وفي نفس السياق، قال جون هوبر، المدعي الأميركي في ولاية يوتا، في بيان، إن "قضية هانسن كانت مثالاً على الطريقة التي تواصل بها الحكومة الصينية محاولة استهداف وتجنيد الأعضاء الحاليين والسابقين في مجتمع الاستخبارات".

وفي الصيف الماضي، اعترف جيري تشون شينغ لي، أمام محكمة في ولاية فرجينيا، بالتآمر لصالح المخابرات الصينية، وحكم عليه بالسجن 19 سنة، وكان الضابط السابق الذي عمل 13 سنة في الاستخبارات الأميركية، تلقى من السلطات الصينية، وفقاً للادعاء، مبالغ تجاوزت 840 ألف دولار.

استهداف الاستخبارات الفرنسية

رجال الأمن الفرنسيون لم يكونوا بمعزل عن التجنيد، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية، التي ذكرت، في يوليو (تموز) الماضي، أن اثنين من ضباط وكالة المخابرات الخارجية الفرنسية "DGSE"، حكم عليهما في جلسة مغلقة، بالسجن لمدة تتراوح ما بين 8 و12 سنة، بعد إدانتهما بالتجسس لحساب الصين.

ولم يتم الكشف عن تفاصيل القضية بعد أو التعليق من قبل السلطات الصينية، غير أن محطة الإذاعة والتلفزيون فرانس إنفو، وصحيفة لوموند، أشارتا إلى أن "أحد الضباط تم استدعاؤه إلى فرنسا عام 1998 بعد أن اكتشف أنه كان على علاقة مع مترجمة صينية في السفارة الفرنسية في بكين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التجنيد عبر لينكدإن

يستغل عملاء الاستخبارات وسائل التواصل الاجتماعي لخدمة أجنداتهم، ويعتبر لينكدإن موقعاً رئيساً للصيد السهل، بحسب مسؤولي مكافحة التجسس الغربيين، وتشير تقارير إلى أن السلطات الصينية تستخدم الشبكة المملوكة لشركة مايكروسوفت، لتجنيد شخصيات اعتبارية منهم سياسيين وعلماء ومديري شركات سابقين، ومن الذين تلقوا رسائل تعرض الانتقال إلى الصين للحصول على فرص عمل ذات مكافآت مجزية، مسؤول كبير سابق في السياسة الخارجية في إدارة أوباما، ومسؤول سابق في وزارة الخارجية الدنماركية.

ومن الجدير ذكره، أن شبكة لينكدإن منصة التواصل الاجتماعي الأميركية الوحيدة غير المحظورة في الصين، إثر موافقة الشركة على طلب بكين فرض رقابة على المنشورات التي تحتوي مواد حساسة، وأصبح الموقع، بحسب مسؤولين أميركيين، وسيلة مثالية للتضليل والتجنيد، لأسباب منها أن عدداً كبيراً من مستخدميه البالغ عددهم أكثر من 700 مليون شخص، يشكّلون شريحةً واسعةً من الباحثين عن عمل، ويكمن الخطر في أن العديد من الموظفين الحكوميين السابقين يسوقون لعمق تجاربهم وخبراتهم وموثوقيتها، بامتلاكهم تصاريح أمنية تفيد بأنهم كانوا على دراية بمعلومات سرية في أعمالهم السابقة، مما يجعلهم فريسة سائغة للاستهداف الممنهج.

وفي هذا الصدد، تقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن "الوكلاء يقدمون عروضاً عبر شبكات تواصل مختلفة، لجلب العميل المحتمل إلى الصين، أحياناً من خلال شركة تقدم عرضاً مادياً مقابل التحدث أو عقوداً استشارية أو تمويلاً بحثياً"، ولكن وزارة الخارجية الصينية لم تلبِ طلبات الصحيفة  للتعليق على ما ذكرت.

ويذكر جوناس باريلو بليزنر، مسؤول سابق في خارجية الدنمارك، وأحد الذين تعرضوا للاستهداف من خلال لينكدإن، أنه تلقى عام 2011، رسائل خاصة من امرأة تدعى "غريس وو"، تقول إنها تعمل لصالح شركة "DRHR"، وتعرض عليه عقد اجتماع من أجل مناقشة فرصة عمل.

ويضيف أنه حين وافق على لقائها بفندق سانت ريجيس في بكين، لم تظهر "وو"، لكن شاباً قال إنه من الشركة نفسها قاد المسؤول السابق إلى غرفة اجتماعات، حيث رحب به ثلاثة رجال في منتصف العمر، وقالوا إنهم من مؤسسة بحثية حكومية، سيتكفلون بتمويله، ويستطيعون مدَّ المسؤول السابق بـ"وصول كبير إلى النظام الصيني" لإجراء بحوثه.

وبعد اشتباهه في أن يكون هؤلاء الأشخاص من مسؤولي المخابرات أو الأمن الصيني، بادر المسؤول الحكومي السابق، بإبلاغ السلطات البريطانية عما جرى في الاجتماع بمجرد عودته إلى لندن، حيث كان يقيم في ذلك الوقت، وقال بليزنر، إن "الصينيين يريدون بناء هذه الخيارات مع النخب السياسية والأكاديمية والتجارية"، مضيفاً أن "الأشخاص الذين غادروا الحكومة مستهدفون بشكل خاص لأنهم غالباً ما يبحثون عن عمل جديد".

شركة "DRHR" التي أغلقت لينكدإن فيما بعد حسابات تابعة لها منها حساب السيدة "غريس وو" التي تواصلت مع المسؤول السابق بوزارة الخارجية الدنماركية، تعد واحدة من ثلاث شركات اعتبرها مسؤولو الاستخبارات الألمانية في ديسمبر (كانون الأول) 2017، منظمات صورية يتخفى وراءها عملاء الاستخبارات الصينية، وخلص هؤلاء المسؤولون إلى أن صينيين استخدموا شبكة التواصل الأميركية لمحاولة التواصل مع 10000 ألماني.

وفي إفادة حكومية، كشفت وكالات المخابرات الفرنسية أن عملاء صينيين استخدموا الشبكات الاجتماعية - وتحديدا لينكدإن - للتواصل مع 4000 مواطن، وفقاً لصحيفة لو فيغارو، التي ذكرت أن الأهداف كانت عبارة عن موظفين حكوميين وعلماء ومديري شركات.

هذه المخاوف والبلاغات دفعت فيسبوك وتويتر ويوتيوب إلى حذف حسابات نشرت معلومات مغلوطة عن احتجاجات هونغ كونغ المؤيدة للديمقراطية. وكما أزال موقع تويتر وحده ما يقرب من 1000 حساب لأسباب ذات صلة، انتهجت حكومات أساليب مشابهة لإيقاف تداول البيانات المضللة للرأي العام.

في ذات السياق، أكدت شبكة لينكدإن، فرض سياسات واضحة، تحظر إنشاء حساب مزيف أو الانخراط في نشاط احتيالي بقصد التضليل أو الكذب على المستخدمين الآخرين، وتقول المتحدثة باسم التطبيق، نيكول ليفريش، إن "الشركة تعمل بشكل استباقي على إزالة الحسابات الوهمية، ولديها فريق يعمل بناء على معلومات من مصادر متنوعة، بما فيها الوكالات الحكومية".

وفي نفس الإطار، كشفت لينكدإن، في وقت سابق، عن أنها ألغت أقل من 40 حساباً مزيفاً يحاول مستخدموها الاتصال بأعضاء الشبكة المرتبطين بمنظمات سياسية غير معروفة، وفي حديث لبول روكويل، وهو أحد مسؤولي التطبيق، أكد أن الشركة كانت تتحدث إلى وكالات إنفاذ القانون الأميركية حول جهود التجسس الصينية، لكن روكويل لم يذكر ما إذا كانت تلك الحسابات المغلقة صينية.

يذكر أن وكالات المخابرات في كل من، الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، أصدرت تحذيرات من عملاء يتواصلون مع آلاف المستخدمين على الموقع، واعتبر مسؤولون أن "الجواسيس الصينيين هم الأكثر نشاطاً".

كما كشف ويليام إيفانينا، مدير المركز الوطني للأمن ومكافحة التجسس، وهي وكالة حكومية أميركية تتعقب التجسس الأجنبي، وتنبّه الشركات لأي تسلل محتمل، أن أجهزة الاستخبارات الصينية وسعت من استهدافها عبر الإنترنت، أي بدلاً من إرسال جواسيس إلى الولايات المتحدة لتجنيد هدف واحد، يمكن الجلوس خلف جهاز كمبيوتر في الصين وإرسال طلبات صداقة إلى آلاف الأهداف باستخدام ملفات تعريف مزيفة.

وفي ذات الشأن، أكد إيفانينا أن عملاء صينيين كانوا يتصلون بآلاف الأشخاص عبر لينكدإن، وأشار إلى أن مستوى النشاط لم ينخفض ​بعد، وأضاف في تصريحات لـ"رويترز"، "يتم استهداف الأشخاص في القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية بهذه الطريقة".

وامتنع مدير المركز الوطني للأمن ومكافحة التجسس في الولايات المتحدة، عن التصريح بإحصاءات، إلا أنه قال إن "أجهزة الاستخبارات الأجنبية تبحث عن أي شخص لديه إمكانية الوصول إلى معلومات معينة، سواء كانت سرية أو غير سرية، بما فيها الأسرار التجارية للشركات والملكية الفكرية وغيرها من الأبحاث".

على الطرف الآخر، اعترضت وزارة الخارجية الصينية على مزاعم المسؤول الأميركي، وقالت في بيان، "نحن لا نعرف ما هو الدليل الذي يملكه المسؤولون الأميركيون المعنيون للوصول إلى هذا الاستنتاج"، واعتبرت الخارجية ما يقولونه "هراءً كاملاً وله دوافع خفية".

 التجسس الاقتصادي

تتناهى حدة الخلاف الأميركي الصيني، وتزداد سخونته على وقع تصريحات المسؤولين الأميركيين الذين يستنكرون محاولات بكين لسرقة الملكية الفكرية التي تتمتع بها بلادهم، ويعزو هؤلاء استخدام الصين للتجسس إلى سعيها لتبني أفكار تحديثية جديدة، وهي رغبة تظهر في اهتمامها بالتكنولوجيا في الآونة الأخيرة، ورغبتها في تسريع نمائها التقني من دون إمضاء سنوات في البحث والتطوير.

وبحسب التقارير الأميركية، فإن حملة التجسس الاقتصادي تستهدف بدرجة أولى صناعات مثل الزراعة والطيران والحوسبة، وتلفت النظر إلى أن أجهزة المخابرات الصينية لا توظف الجواسيس المدربين تدريباً عالياً في عمليات السرقة، وتستغل بدلاً من ذلك طلاباً ومهندسين متعاطفين.

يذكر أنه منذ موافقة الكونغرس على قانون التجسس الاقتصادي عام 2006، وجّهت الولايات المتحدة اتهامات بالتجسس ضد حفنة من الأفراد، وفي واحدة من أبرز القضايا، أدين مواطن أميركي متجنس يدعى دونغفان تشونغ، بعد أن وجد المحققون مئات الآلاف من الملفات الحساسة مخبأة في منزله في كاليفورنيا، وقال الادعاء، إنه "أعطى بعض الوثائق لمسؤولين صينيين، وكشف تفاصيل عن تقنيات عسكرية وفضائية".

بعد ذلك، حُكم على تشونغ، الذي عمل في برنامج تابع لوكالة ناسا، وقبلها في شركة بوينغ لصناعة الطائرات، بالسجن أكثر من 15 سنة، وقال مساعد المدعي العام الأميركي غريغ ستابلز، في ذلك الوقت، إن "إعطاء الصين تكنولوجيا صاروخية متقدمة ليس في مصلحة الولايات المتحدة"، كما حُكم على أحد معارف تشونغ، بالسجن 24 سنة لتزويد بكين بمعلومات حساسة عن السفن والغواصات الأميركية.

وفي ذات السياق، اتهمت وزارة العدل الأميركية قبل عامين، عميل مخابرات صينياً، يدعى يانجون زو، بالتجسس الاقتصادي بعد أن قام بتجنيد مهندس في شركة جنرال إلكتريك للطيران. وفي قضية أخرى تسلط الضوء على اتساع نطاق أنشطة بكين، أدين ستة مواطنين صينيين بمحاولة سرقة بذور الذرة المقاومة للجفاف والآفات في حقول ولاية أيوا، وهذه البذور تعمل عليها الشركات لسنوات وتنفق عشرات الملايين من الدولارات لتطويرها.

هواوي شبكات مشبوهة

في العام الماضي، تصدّرت شركة هواوي عناوين الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، بالتزامن مع ترخيص بريطانيا للشركة الصينية بتدشين أكبر شبكات الجيل الخامس، وتبنّي الاتحاد الأوروبي للتكنولوجيا الجديدة بقيود، ودعم ألماني في ذروة التناحر الصيني الأميركي، أكَّده اعتراض وزير اقتصادها بيتر ألتماير، الصيف الماضي، على ما وصفها بـ"القرارات التعسفية" بحق هواوي، وذلك على هامش لقائه في شنغهاي، بمؤسس الشركة رين شينجفي.

وقتذاك، واصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب تصعيده من الخلاف مع هواوي متّهماً إياها بالتجسس لحساب الصين، واتجه لفرض عقوبات تشمل منع الشركات الأميركية من التعامل معها من دون الحصول على إذن مسبق من وزارة التجارة، وبالتالي حرمانها من احتياجاتها التقنية من شركات مثل "كوالكوم" و"إنتل" و"غوغل" و"مايكروسوفت".

في ذلك الحين، أثمر ضغط واشنطن عن تراجع بريطانيا، التي طلبت من عملاق الهواتف الصيني يوليو الماضي، إزالة معداته الخاصة بشبكة الجيل الخامس بحلول عام 2027، واتخذت فرنسا خطوة مماثلة بالتخلص من المعدات التقنية المتطورة، من دون الإعلان عن حظر عام لأنشطة الشركة، وفقاً لما نقلته رويترز.

برلين من جانبها، ظلت مترددة في البت في هذه المسألة، لأسباب عدة منها بطء شبكة الإنترنت، ويؤكد الحاجة الألمانية إلى هواوي لبناء البنية التحتية الخاصة بشبكات الجيل الخامس، تصريح وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، بعدم مقدرة بلاده على إدخال التكنولوجيا الجديدة من دون تدخل الشركة الصينية، وسط ضغوط من المشرّعين القلقين من علاقتها بالحزب الشيوعي.

واعتبر ديفيد وانغ ممثل شركة هواوي في ألمانيا، أن "نهج الحكومة في فرض المعايير الأمنية الصارمة على الجميع بالتساوي هو الطريقة الصحيحة لضمان أمن الشبكات"، ونفى وجود أي دليل يسند مزاعم الولايات المتحدة بعدم أمان معدات هواوي الناشطة في السوق الألماني منذ 15 سنة.

مداهمات ألمانية

يؤجّج سعي التنين الصيني لتوسيع نفوذه السياسي، المخاوف الغربية من استغلال بكين أذرعها التجارية لتجنيد مسؤولين أجانب، وهي مزاعم عادت لتلاحق البلد الآسيوي في حادثة كان مسرحها ألمانيا وبلجيكا، حيث داهمت السلطات الأمنية في منتصف يناير (كانون الأول) الماضي، مكاتب ومنازل في بروكسل ومناطق ألمانية، للاشتباه بتورط ثلاثة أشخاص، بالتجسس لصالح بكين.

في هذا الإطار، كشفت مجلة "دير شبيغل"، التي انفردت بنشر أنباء مداهمات يناير الماضي، أن أحد المشتبه بهم يحمل الجنسية الألمانية، وكان يعمل حتى عام 2017 دبلوماسياً بارزاً في مكتب الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وتولى منصب سفيراً للاتحاد مرات عدة.

كما أشارت المجلة الألمانية إلى أن الدبلوماسي السابق عمل مع جماعات ضغط بعد تركه العمل في الاتحاد الأوروبي، وزيارته الصين، كما يتهمه المحققون بضلوعه في تجنيد جاسوسين آخرين عملا في شركة ألمانية للتأثير والترويج، ويعتقد أن "أحد هؤلاء المجندين، سافر إلى الصين للقاء مسؤولين كبار، ونقل معلومات إليهم يُعتقد أن لها علاقة بمصالح تجارية".

من جهته قال المتحدث باسم الادعاء الألماني، ماركوس شميت، "يمكنني أن أؤكد أننا نجري تحقيقاً في نشاط عميل مخابرات"، ولم تفصح بيانات الادعاء عن هوية المشتبه بهم الثلاثة، غير أنها كشفت أن اثنين منهم نقلا معلومات خاصة وتجارية لوزارة الأمن الوطني الصينية، وأعلن الثالث عن استعداده للقيام بذلك أيضاً.

في ذات الشأن، ما إن تكشفت خيوط شبكة التجسس التي تُتهم الصين بالتورط في أنشطتها، كانت التوقعات أن تنهي هذه المتغيرات التردد الألماني بشأن هواوي، لكن صمت برلين جاء مقلقاً لواشنطن، ومستغرباً بعد القرار الحاسم من قوتين أوروبيتين، تراجعتا عن دعمهما لشبكات الشركة الصينية.

يعضد المطالب الأميركية باتخاذ قرار حازم، تقرير المخابرات الألمانية الذي أوصى ميركل باستبعاد هواوي، من مناقصات إنشاء شبكة الإنترنت المتطورة، نظراً لعلاقتها بالحزب الشيوعي الصيني، إلا أن عدم بت الحكومة الألمانية إلى وقتنا هذا ربما يُوصف بأنه تجاهلٌ للمخاوف الأمنية المتزايدة، والمثير كذلك أن من المداهمات الأخيرة، ما نفذ في ولايتين جنوب ألمانيا، هما بادن - فرتمبرغ وبافاريا اللتان تعدان مركزين رئيسيين للصناعات المتقدمة في البلاد.

من جانبه، قال المستشار الاقتصادي في سفارة الصين لدى ألمانيا، إن الشركات الألمانية موجودة في بلاده منذ سنوات، وقد استفادت كثيراً من العقود هناك، وأضاف أن "استبعاد هواوي سيبعث رسالة خطأً، وسيكون خبراً سيئاً للعلاقات التجارية بين البلدين".

قرصنة الأبحاث العلمية

في قضية حديثة، وجهت وزارة العدل الأميركية، الشهر الماضي، الاتهام لمواطنَين صينيين اثنين، بقرصنة مئات الشركات والسعي إلى سرقة أبحاث حول لقاح لفيروس كورونا، ضمن حملة واسعة تستهدف قطاعات الدفاع والصناعة وشركات الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة.

كما أعلنت السلطات الأميركية، توجيه الاتهام لأربعة باحثين صينيين، قالت إنهم كذبوا بشأن علاقاتهم بجيش التحرير الشعبي، وألقت القبض على واحدة من هؤلاء متهمة بإخفاء علاقاتها مع الجيش الصيني للحصول على تأشيرة دخول أميركية إلى قنصلية بلادها في مدينة سان فرانسيسكو للإفلات من توقيفها.

وفي هذا الصدد، قالت وزارة العدل الأميركية، في بيان، إن "4 أشخاص اتهموا مؤخراً بالاحتيال في التأشيرات لأنهم كذبوا بشأن انتمائهم للجيش الصيني بهدف الحصول على تصاريح إقامة تسمح لهم بإجراء أبحاث أو الدراسة في الولايات المتحدة".

يذكر أن لائحة الاتهام تأتي في الوقت الذي كثفت فيه إدارة ترمب انتقاداتها لبكين، بسبب تجسسها وفشلها في احتواء انتشار الفيروس التاجي، واعتبرت وزارة العدل أن "النشاط السري الصيني قد يعيق جهود أبحاث اللقاحات"، وذلك بعد أيام من اتهام الولايات المتحدة وحلفائها، روسيا بمحاولة سرقة معلومات عن تطوير اللقاحات.

في المقابل نفت بكين على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، تشاو ليجيان، المزاعم الأميركية، قائلاً إن "بلاده تعارض بشدة جميع الهجمات الإلكترونية"، وتابع "نحن نقود العالم في البحوث حول علاج ولقاح (كوفيد -19)، من غير الأخلاقي استهداف الصين بشائعات والتشهير بها مع عدم تقديم دليل".

شركات وهمية

كشفت وزارة العدل الأميركية، أواخر يوليو الماضي، أنّ مواطناً سنغافورياً يدعى "جون واي يو"، اعترف بالتجسس في الولايات المتحدة لصالح الصين، ومن المرتقب أن يصدر الحكم بحقه في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

وفي هذا الشأن، يواجه الدكتور في السياسات العامة، احتمال السجن 10 سنوات، وفقاً لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، وكان "يو" جُند عام 2015 من قبل عملاء صينيين لتوفير معلومات عن دول آسيوية، قبل أن يطلب منه التركيز على الولايات المتحدة.

وبحسب تقرير وزارة العدل، فإن المتهم أنشأ في 2018 شركة استشارية وهمية من أجل الحصول على سير ذاتية ومعلومات حول عسكريين أميركيين أو موظفين يعملون في دوائر حساسة، وبعد التعاقد معهم، كان يدفع لهم من أجل كتابة تقارير يزعم أنّها موجهة إلى زبائن في آسيا ولكن من دون الكشف أنّها كانت تُنقل إلى الحكومة الصينية.

وقال جون ديمرز، القائم بشؤون الأمن القومي في وزارة العدل الأميركية، إن "الحكومة الصينية تلجأ إلى الخداع تحت أشكال مختلفة من أجل الحصول على معلومات حساسة من أميركيين ساذجين"، على حد تعبيره، وأضاف أن "السيّد يو كان يمثل عنصراً رئيساً في واحدة من هذه الحيل".

وعلى ذات النهج، صعّد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الشهر الماضي، من لهجة خطابه تجاه بكين، ووصف قنصليتها في هيوستن بأنها "وكر للجواسيس" و"مركز لسرقة الملكية الفكرية"، بينما اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ون بين، الاتهامات بأنها "افتراء خبيث".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات