Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سلاح" الانقسام اللبناني في الصراع الأميركي- الإيراني

تركيز الاهتمام الأميركي والأوروبي على لبنان بسبب وجود حزب الله وسلاحه ودوره الاقليمي

بيروت تعرف سلفاً ما ستسمعه من بومبيو، وهو يعرف سلفاً ما سيسمعه من المسؤولين اللبنانيين (رويترز)

وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ليس زائراً على طريقة "مسافر زاده الخيال"، في أغنية محمد عبد الوهاب. وليس بالطبع "الملاك الرحيم" كما يتصور أهل الرهان على أميركا والغرب في صفوف اليمين، ولا "الشيطان الرجيم" كما يصوره وكلاء إيران وحلفاؤها وبقايا اليسار.

وزارة الخارجية اللبنانية استبقت الزيارة إلى بيروت بعرض العنوان العام وكثير من التفاصيل لأهداف واشنطن واختصارها بـ"خطر إيران وحزب الله" وفرصة تقديم "المساعدة للانفصال عن تهديد إيران وحزب الله الاستقرار في لبنان".

ولم تتردد الخارجية في الجمع بين الوعود والوعيد. وقبل ذلك مهّد للزيارة وكيل الخارجية ديفيد هيل ومساعد الوزير لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساثرفيلد، وكل منهما كان سفيراً في لبنان. فضلاً عن أن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس أبلغ مجلس الأمن في تقريره عن حال القرار 1701 أنه في "قلق بالغ حيال التقارير عن شحنات اسلحة الى حزب الله. ما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في لبنان والمنطقة".

وكل شيء مكشوف، بحيث يدعو وليم بيرنز، نائب وزير الخارجية سابقاً، في مقال نشرته "نيويورك تايمس" إلى "انقاذ الديبلوماسية" الأميركية لتعود إلى إدارة "المنطقة الرمادية" بين الحرب والسلم بالاستناد إلى "القوة الهادئة" لأميركا.

بيروت تعرف سلفاً ما ستسمعه من بومبيو. والوزير يعرف سلفاً ما سيسمعه من المسؤولين اللبنانيين. لا هو يتوقع من المسؤولين الذين يطلب منهم "اتخاذ قرارات مستقلة عن نفوذ حزب الله "سوى جوابين: واحد أن حزب الله جزء من "النسيج اللبناني" وأنه "مقاومة" لا ارهاباً، ونحن في حاجة إلى سلاحه لتحرير الباقي من الأرض المحتلة والدفاع عن لبنان. وآخر أن لبنان عاجز عن حلّ مسألة السلاح وعن الحؤول دون مشاركة الحزب في حرب سوريا، وعن تأليف أي حكومة لا يرضى بها. ولا بيروت تتوقع إقناع الوزير بتعديل الموقف الأميركي من العقوبات على حزب الله، وهي تعرف أن الضغط عليه جزء من استراتيجية "كبح النفوذ الإيراني" والتي اختصرها بومبيو بـ12 نقطة في مقال في "فورين أفيرز" النافذة.

لكن الأمر لا يخلو من إضافات. فنحن أقل البلدان استقلالاً، حيث لكل دولة مهمة في المنطقة والعالم دور ونفوذ عندنا، وأكثر البلدان رغبة في اعطاء الدروس للآخرين. والكل يعرف أن تركيز الاهتمام الأميركي والأوروبي على لبنان هو، في جانب منه، بسبب وجود حزب الله وسلاحه ودوره الاقليمي، كما كانت الحال أيام منظمة التحرير الفلسطينية. وليس لبنان على لائحة البلدان التي تعمل أميركا على جمعها في "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" أو ما سمي "الناتو العربي" الذي شدّد بومبيو في الكويت على "ضرورة تشكيله". لكن الوطن الصغير يتعرض لتجاذب قوي بين مطالبته بالانخراط في المحور الإيراني، وبين دعوته إلى الانخراط في المحور الغربي العربي. وهو لا يستطيع الانضمام إلى أي محور، متمسكاً بسياسة "النأي بالنفس" المعلنة رسمياً. الواقع أنه عملياً في المحورين. جزء منه في المحور الإيراني من خلال حزب الله وحلفائه. وجزء منه في المحور الغربي العربي من خلال القوى المتمسكة بعروبة لبنان وعلاقاته التقليدية مع الغرب الأميركي والأوروبي.

وهذا الانقسام مضر ومفيد في آن. أضراره ومخاطره على البلد تبدأ من هشاشة استقراره وكونه "ساحة صراعات" جاهزة لأي تطور وتبدل في اتجاه الرياح الاقليمية والدولية، ولا تنتهي بأزمات إعادة تكوين السلطة التي تبقى أضعف من الأطراف القوية فيها والعجز عن بناء دولة مؤسسات. أما الفائدة الوحيدة منه، فإنها تخفيف الضغوط على لبنان. اذ يتوقف اركان المحورين أمام واقع الإنقسام السياسي الذي له في لبنان طابع فئوي طائفي مذهبي، ويدركون خطورة تشديد الضغوط لإجباره على الانضمام إلى أي محور، خوفاً من انفجاره وفرطه. بالتالي، عجز أي محور عن الحصول على "الخدمات" التي يقدمها لبنان للمتصارعين في المنطقة وعليها.

ومن خداع النفس وتقبل الانخداع بالآخرين الركون إلى القول إن العقوبات الأميركية على حزب الله لن تؤثر على لبنان، وإن سلاح الحزب المستخدم في المنطقة ليس له دور في الداخل ولن يتم استعماله. فماذا لو نفذت واشنطن تهديدها بتوسيع العقوبات لتشمل كل من يتعامل مع حزب الله ومصادرة أمواله؟ أليس توسع نفوذ حزب الله في السلطتين التشريعية والتنفيذية وقدرته على اختراق السنة والدروز والمسيحيين بعد السيطرة شبه الكاملة على الشيعة من آثار مشاركته في حرب سوريا؟

ماذا يعني قول الجنرال محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني، إن كل أجزاء الأرض الفلسطينية المحتلة تحت مرمى صواريخ حزب الله؟ أليس الإيحاء بأن لبنان مجرد "مساحة جغرافية" تشكل جبهة أمامية لإيران؟

لا أحد يعرف كيف ينتهي الصراع بين أميركا وإيران، بصرف النظر عن تصرف حزب الله كأنه تمكن مع طهران من إلحاق الهزيمة بالمشروع الأميركي. لكن، ما علينا أن نعرفه ونعمل له هو كيف نضمن مستقبل لبنان.

المزيد من آراء