Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مشروع السعادة" ينشر ألوان البهجة على جدران مصر

 مبادرة فنية انطلقت من جدار في القاهرة وعمت الأقاليم بهدف تجميل الامكنة العامة

الرسم على الجدران في مصر لنشر البهجة (اندبندنت عربية)

"مشروع السعادة"، هو مبادرة من المبادرات الفنية التي تركت بصماتها في عدد من المناطق في أنحاء مختلفة من مصر، من قرى الجنوب والدلتا إلى واحات الصحراء المصرية، ومن أسوار المدارس إلى جدران مستشفى الأمراض النفسية في القاهرة. فريق المشروع يتألف من مجموعة من الشباب والشابات، يتنقّلون من مكان إلى آخر لرسم البهجة على سكان الأحياء الفقيرة والأماكن المهمّشة من طريق الألوان.

بدأت فكرة "مشروع السعادة" بتلوين جدار واحد فقط داخل القاهرة، ثم تطوّر الأمر بالعمل داخل المدارس والمستشفيات والأماكن العامة، وتوسّع أكثر حين توجّهت المجموعة إلى الأقاليم وبدأت تنفيذ المشروع داخل عدد من الأحياء وربما قرى بأكملها. لا يعتمد أسلوب المجموعة على الرسم كما تفعل غالبية المبادرات من هذا النوع، فمحور الاهتمام هنا يتلخّص في تلوين المباني والأسوار بدرجات ألوان مُبهجة، فلا تُستخدم الرسوم إلّا للضرورة. في اختيارهم لدرجات اللون، يسعى المشاركون في الفريق دائماً إلى انتقاء هذه الألوان المُعبّرة عن روح المكان. من الممكن أيضاً أن تنظّم المجموعة ورشاً للأطفال والكبار بحسب البيئة التي يتوجّهون إليها، ولكن يبقى الهدف الأساسي من المشروع هو بثّ السعادة والبهجة في قلوب الناس عبر استخدام اللون. قوبل المشروع بردود أفعال متباينة ومختلفة بحسب المناطق التي يعملون فيها، فهناك من يتابع الأمر بلا اكتراث، غير أن الغالبية العظمى من الناس تبادر بالمشاركة معهم في وضع التصاميم واختيار اللون، بل المساعدة في توفير أماكن للراحة لأعضاء الفريق، أو تأمين بعض الخامات الضرورية، لذا يحرص السكان على الحفاظ على ما تم إنجازه. يؤمن المشاركون في "مشروع السعادة" أن نشر البهجة من طريق اللون يسهم في خلق أجواء إيجابية للعمل والنشاط اليومي للسكان، ويحدّ من الاحتقان في ما بينهم.

جماليات المكان

لا يقتصر تأثير الإضافات التي أدخلها أعضاء الفريق عند حدود إشاعة البهجة أو الشكل الجمالي فقط على الأماكن، إذ يمكن أن تغيّر هذه الإضافات الجمالية طبيعة عمل السكان أيضاً. في إحدى الجزر النيلية الواقعة جنوب مصر، وهي جزيرة "هيسة" كان لهذه الإضافات الجمالية أثرها في زيادة تدفّق السائحين إلى الجزيرة، ما خلق فرص عمل جديدة لم تكن متاحة من قبل. جاء "مشروع السعادة" ليعيد الأمل إلى سكان هذه الجزيرة من جديد، بخاصة مع تراجع معدلات السياحة في مصر، فتلوين البيوت وتغيير معالمها أسهم في تحوّلها إلى مزار سياحي، ومع الوقت أصبحت هذه البيوت أشبه بفنادق صغيرة للسائحين الذين يقصدونها من أنحاء العالم كافة. النجاح الذي حقّقه أعضاء المجموعة في تلك الجزيرة شجّعهم على تكرار التجربة في أماكن أخرى، كقرى البدو الواقعة في الصحراء، وبعض القرى في محافظات الدلتا شمال مصر، وامتد النشاط أيضاً إلى أسوار المدارس الابتدائية في بعض المناطق النائية، كما طالت فرشاتهم كذلك أزقّة وأحياء قاهرية عدّة.

في كل الأماكن التي عمل فيها أعضاء مجموعة مشروع السعادة، كانت هناك دراسة متأنّية للثقافة المحلية من أجل التعرّف على طبيعة الذوق البصري للسكان، وهو أمر ضروري بغية انتقاء العناصر والمفردات التي يمكن رسمها فوق الجدران. في صحراء نويبع على سبيل المثال، اعتمد الفريق على اللونين الأزرق والأصفر، وهما اللونان اللذان توافق عليهما السكان من البدو، مع إضافة مجموعة من الزخارف قريبة الشبه بما يرسمونه على السجاد اليدوي الذي يشتهرون بصناعته. وفي النوبة، كان العنصر الأبرز هو المثلث الذي يستخدمه النوبيون عادة في زخرفة بيوتهم، مع توظيف بعض الزخارف النباتية في شكل جذاب وقريب من طبيعة المكان.

علاج بالبهجة

بين أهم المحطات التي توقف عندها فريق المشروع،  مستشفى العباسية للأمراض النفسية في قلب القاهرة. توجّه المشاركون بدعوة من إدارة المستشفى لإضفاء لمسة جمالية على هيئة المبنى. وخلال أيام قليلة فقط، تبدّلت أسواره وتحوّل اللون الباهت للجدران الداخلية إلى مساحة ملوّنة ومُبهجة تسرّ الناظرين. تأتي استعانة إدارة المستشفى بمجموعة مشروع السعادة ضمن نهجها الذي تطبّقه منذ فترة باتّباع وسائل علاجية غير تقليدية. ويُعدُّ العلاج بالألوان من الوسائل المُتَّبعة في كثير من الهيئات والمؤسسات العلاجية المتخصّصة في الصحة النفسية حول العالم. تساعد الألوان المبهجة على خلق جوّ إيجابي للمرضى والعاملين في هذه المؤسسات على حدّ سواء. كما أن مثل هذه المشاريع، تُعتبر فرصة للمرضى وللمواطنين بشكل عام لإطلاق مواهبهم والمشاركة في عمل إيجابي. ويُنظر إلى هذا الأمر كشكل من أشكال الشفاء الشمولي الذي يستخدم الألوان والضوء لتحسين الصحة العقلية للشخص المريض، وهو وسيلة فعالة تُطبّق في المستشفيات المتخصّصة في علاج السرطان أيضاً.

يدعم "مشروع السعادة" عدد من الجهات والمؤسسات الخاصة، ويعمل المشاركون فيه من دون مقابل. أسّس المشروع المهندس هاشم رأفت بدعم من مجموعة من شباب الجامعة، وكانت الفكرة الرئيسة هي البحث عن وسيلة مختلفة وغير تقليدية لتقديم الدعم للناس. فمعظم المبادرات التي تتصدّى لخدمة المجتمع كما يقول رأفت تسعى إلى تقديم الدعم العيني والمادي، متناسيةً الدعم المعنوي والنفسي. ومن هنا برزت فكرة الرسم على الجدران كوسيلة لإضفاء السعادة والبهجة على المجتمعات المنعزلة والفقيرة. 

المزيد من ثقافة