Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مطالبة شركات التواصل بحذف المحتوى المتطرف ليس كافيا لمحاربة الإرهاب

عندما تزيل المنصات الكبرى الآراء المثيرة للجدل أو تقمعها، غالباً بناءً على طلب الحكومات، يلجأ أصحاب تلك الأفكار إلى مواقع التواصل الاجتماعي الصغرى

لا تحجب مواقع التواصل الكبرى المضمون المسيء للوئام المجتمعي بالسرعة المطلوبة (أ ف ب)

يكاد لا يمرّ يوم لا تكون فيه وسائل التواصل الاجتماعي في مرمى السهام من جانب ناشطين ومعلنين بسبب استخدامها من قبل فئات معينة لنشر خطابات الكراهية والمحتوى العنصري.

ويدور جدلٌ حول مدى المسؤولية التي يجب أن تضطلع بها منصّات وسائل الإعلام الاجتماعي في شأن القرارات المتعلّقة بالمحتوى، وما إذا كان ينبغي أن تقتصر مسؤولية شركات الإنترنت على التعامل فقط مع المضمون المثير للاستهجان الذي ينشره مستخدمو تلك الوسائل. والواقع أن كلاً من شركتي "فيسبوك" و"تويتر" تبذلان جهوداً غير مسبوقة، للحدّ من وطأة "المحتوى المؤذي على شبكة الإنترنت" - بما يتجاوز بالتأكيد التفويض القانوني الممنوح لهما - لكن العمل الذي تقوم به مبادرة "تكنولوجيا مكافحة الإرهاب" Tech Against Terrorism (أطلقتها ودعمتها المديرية التنفيذية لمكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتّحدة)، يظهر أن أكثر الأنشطة التي ينفّذها الإرهابيّون والمتطرّفون العنيفون، تحوّلت الآن إلى استخدام تطبيقات المراسلة الأصغر حجماً والأكثر حداثة، وإلى بعض الشبكات الاجتماعية المتخصّصة.

أمام هذا الواقع، يجب علينا أن نقرّ بأنه على الرغم من أن التركيز الرئيسي ينصب بشكل بديهي على المنصّات الأكبر حجماً، فإن مواقع التواصل الاجتماعي الصغيرة هي الآن الأكثر استقطاباً واستخداماً من جانب تنظيمي "داعش" و"القاعدة" وجماعات اليمين المتطرّف، بسبب قلة الموارد التي تمتلكها مجموعة من هذه المنصّات للتمكّن من حذف المحتوى الإرهابي. وفي الواقع، إن جماعات التطرّف وتلك التابعة لحركة اليمين المتطرّف العنيفة، تسارع إلى تكييف تكتيكاتها كي تتلاءم والتكنولوجيا الحديثة إزاء تطوّر سبل الاستجابة لدى شركات التكنولوجيا الكبيرة. وفيما يشكّل موقع "فيسبوك" نافذةً يطلّ مليارات الأشخاص منها على عالم الإنترنت، تظلّ منصّات التواصل الاجتماعي الأصغر حجماً باباً خلفياً يتمّ التسلّل منه إلى شبكة الإنترنت.

مبادرة "تكنولوجيا مكافحة الإرهاب" تعمل بشكل حثيث على مراقبة ما يزيد على أكثر من 500 قناة متطرّفة موزّعة على أكثر من 20 من منصّات المحتوى الصغرى المختلفة وتطبيقات المراسلة. وتظهر أبحاثنا زيادةً هائلةً في استخدام عددٍ من المصطلحات المتعلّقة بجماعات أقصى اليمين المتطرّف مثل مفهوم "التسارعية" (يدعو إلى تعزيز العنف الجماعي لتغذية انهيار المجتمع) الذي يكتنف في طياته أن الحكومات الرأسمالية تندفع نحو حافة الانهيار الوشيك، وهو احتمال تصبو حركة اليمين المتطرّف العنيفة إلى تسريع وتيرته من أجل صياغة نظامٍ عالمي جديد يقوم على مبدأ الفصل بين الأعراق المختلفة. ويرى الذين يعتقدون بهذا المبدأ أن افتعال أجواء تنمّ عن العنف وتغذّي النزاعات ليس هو الغاية الأساسية في حدّ ذاتها إذ يشكّل منحى يتّجه أكثر إلى إقامة "دولةٍ عرقية" مبنية على تفوّق العرق الأبيض.

والسؤال هو: كيف يجب علينا أن نردّ على هذا التهديد المتنامي بطريقة لا تزيد الوضع سوءاً؟ يمكننا أن نبدأ بالاعتراف بأن شبكة الإنترنت لم تكن هي وراء نشوء الإرهاب أو التطرّف المبني على العنف. فأسامة بن لادن لم يكن يقتني هاتفاً ذكياً، ولم يكن "الجيش الجمهوري الإيرلندي" يمتلك حساباً على "تويتر". وفي الواقع، إن التنظيمات الإرهابية اعتمدت على وسائل الإعلام التقليدية لترويج دعايتها التطرّفية. من هنا فإن الحكومات التي تطالب منصّات التواصل الاجتماعي بأن تعمل بسرعة أكبر على إزالة المحتوى غير القانوني، لديها حقّ في أن تفعل ذلك، لكن الافتراض أن يساهم الأمر بشكلٍ إيجابي في تغيير السلوكيات الكامنة لدى الجهات المسؤولة عن ابتكار المحتوى الإرهابي في المقام الأول، قد يشكل خطأً فادحاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن الوسيلة الأكثر فاعليةً لمحاربة التطرّف بجميع أشكاله، تتمثّل في إيجاد بيئةٍ يمكن فيها تحدّي الخطاب السياسي المتطرّف علناً، وليس الدفع إلى مناقشته في الخفاء حيث يمكن أن يكتسب مزيداً من القيمة. فغالباً ما تُكال التهم إلى منصّات وسائل التواصل الاجتماعي بأنها توفر منبراً لحركات التطرف العنيف. لكن شبكة الإنترنت تعكس وجهات النظر ولا تنشئها. وعندما تعمل المنصّات الكبيرة على إزالة أو قمع الآراء المثيرة للجدل، في الغالب بناءً على طلب الحكومات، فإن الأشخاص الذين يتبنّون وجهات النظر تلك، كثيراً ما ينتقلون إلى منصّات أصغر حجماً بعضها مصمّم بشكلٍ خاص للسماح بنشر الخطاب المتطرّف الذي أزالته المنصّات الكبيرة المنافسة في مجال التكنولوجيا.

ويتعيّن على الحكومات أن تدرك أن الإرهاب يشكل معضلةً مجتمعية وأن تتعامل معه على هذا الأساس. إن ذلك ليس بالأمر السهل. المتطرّفون الذين يستخدمون العنف يطرحون تحدّياً أمام الديموقراطيّات الليبرالية التي تحرص على حفظ حرية التعبير وحمايتها، فيما تعتبر أن خطاب الكراهية والتحريض على العنف هما من الجرائم الجنائية. وتحاول الحكومات إيجاد بعض التوازن في حقّ المواطنين في التعبير عن متطلباتهم انطلاقاً من واجبها القائم على حماية الأفراد من المنضوين في الحركات المتشددة. وفي بعض الأحيان تخطىء في الحسابات. ووفق التشريعات القائمة التي تستهدف في المقام الأول مواجهة التطرّف الإسلامي العنيف، قد يُعدّ الترويج للدعاية الإرهابية بما في ذلك اقتناء الكتب ذات الصلة، فعلاً جرمياً. والأمر ينسحب كذلك على مشاهدة مواد معيّنة على صفحات الإنترنت. 

إن جزءاً من التحدّي الذي تواجهه شركات التواصل الاجتماعي الصغرى، يتمثّل في فهم حجم التهديد والتعقيدات التي ينطوي عليها. فعلى نقيض منصّتَي "فيسبوك" و"تويتر"، لا يمتلك الكثير من تلك الشركات  الموارد والإمكانات الكافية. وفيما يُعدّ مطلب حذف محتوى ما في غضون ساعة أمراً معقولاً من حيث المبدأ، فإنه يكون صعب التنفيذ من الناحية العملية.

وفي المقابل، إلزام منصّات وسائل التواصل الاجتماعي بالتدقيق في المحتوى قبل نشره، ليس مسألة عملية. هل يمكنك التخيّل أنه يتعين عليك الانتظار أربعاً وعشرين ساعةً قبل أن تظهر تغريدة لك على الإنترنت؟ أو ربما التريّث لمدة أسبوع قبل ظهور ألبوم صور عائلتك على صفحتك الشخصية على "فيسبوك"؟ في المقابل، إن تحميل المنصّات الصغيرة عبئاً ثقيلاً من شأنه أن يقوّض قدرتها على المنافسة والإبداع، ويجعلها أكثر عرضةً للاستغلال.

إنّ الطريقة الأكثر فاعليةً التي يمكن أن تحول دون استغلال الإرهابيّين لشركات التواصل الاجتماعي الأصغر حجماً من جهة، وتسمح بازدهار المنافسة عبر شبكة الإنترنت من جهة أخرى، إنما تكمن في تزويد تلك الشركات بالأدوات العملية الكفيلة بجعل منصّاتها أكثر أماناً. من هنا، تقوم مبادرة "تكنولوجيا مكافحة الإرهاب" بإرشاد تلك المنصّات الصغيرة لمساعدتها على التعامل مع التهديدات، وتمكينها من تحديد المحتوى المتطرّف والعمل على حذفه بسرعة وفاعلية. لكن يتعيّن على الحكومات أيضاً أن تعمل بشكلٍ وثيق مع صناعة التكنولوجيا لمواجهة اليمين المتطرّف الذي يستخدم العنف.

ويمكنها أن تبدأ التحرّك على نحوٍ أكثر حسماً لتحديد هوية تلك الجماعات وحظرها. ولم تصنّف الحكومات الغربية سوى حفنةٍ قليلة من المنظّمات على أنها إرهابية، بما في ذلك مجموعة النازيّين الجدد التي يُطلق عليها اسم مجموعة "العمل الوطني" National Action، ومنظمة "دم وشرف" في كندا Blood & Honour ، و"الحركة الإمبريالية الروسية" Russian Imperial Movement RIM، المحظورة في الولايات المتحدة. إنّ تصنيف منظّمات اليمين المتطرّف ضمن قائمة المجموعات الإرهابية، يساعد منصّات التواصل الاجتماعي الصغرى والأكثر عرضةً لاستغلال اليمين المتطرّف، من خلال منحها الحماية القانونية التي تحتاجها لحذف المحتوى العنيف من دون التعرّض لضغوطٍ أو تحديات.

أخيراً، نحن ندرك من خلال تنسيقنا مع الهيئات العاملة في صناعة التكنولوجيا، أن هناك إرادةً للتعاون مع الحكومات من أجل المساعدة في دحر التطرّف العنيف بجميع أشكاله. لكن الواقع أن الأيديولوجيّات المتجذّرة في العالم الحقيقي لا يمكن هزمها عبر الإنترنت.

(آدم هادلي هو المدير التنفيذي لمبادرة "تكنولوجيا مكافحة الإرهاب")

© The Independent

المزيد من آراء