Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هدف ترمب من الدعوة لتأجيل الانتخابات الرئاسية الأميركية؟

الفكرة طرحت على أبراهام لينكولن وفرانكلين روزفلت ورفضاها

هدف ترمب من المطالبة بتأجيل الانتخابات هو حمايتها مما وصفه باحتيال محتمل عبر الاقتراع بالبريد (أ ب)

أثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضجة واسعة وردود فعل معاكسة من أنحاء الطيف السياسي كافة في الولايات المتحدة، بإعلانه للمرة الأولى من نوعها رغبته في تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، معتبراً أن الاقتراع الواسع النطاق عبر البريد سيكون كارثة مدوية تفرز "نتائج احتيالية"، ما يتطلب تأجيل الانتخابات الحاسمة بينه وبين خصمه الديمقراطي جو بايدن، فما الهدف الحقيقي وراء ادعاءات ترمب؟ وهل يمتلك صلاحية لتحقيق هذا الهدف؟ ولماذا اختار هذا التوقيت لإعلان فكرته؟ وهل صحيح أن الانتخابات الأميركية تواجه خطر التزوير؟

دوافع ترمب

حسب تصريحات وتغريدات الرئيس ترمب، فإن هدفه من المطالبة بتأجيل الانتخابات عن موعدها المقرر هو حمايتها مما وصفه بـ"احتيال محتمل" عبر الاقتراع بالبريد، وهو تهديد يقول الديمقراطيون وبعض الجمهوريين إنه "ضئيل"، وليست هناك دلالات واضحة على حدوثه.

لكن، خلال مؤتمر صحافي عقده مساء الخميس الـ30 من يوليو (تموز) بتوقيت واشنطن، شرح ترمب دوافعه، وقال في البداية إنه كان يحاول تجنُّب عملية فرز مطولة لأصوات المقترعين قد تمتد أياماً أو أسابيع إذا أدلت أعداد كبيرة من الناخبين بأصواتهم عن طريق البريد، مشيراً إلى أنه يريد إجراء الانتخابات، لكنه أيضاً لا يريد الانتظار ثلاثة أشهر، ليكتشف أن جميع بطاقات الاقتراع مفقودة، وأن الانتخابات لن تعني شيئاً، مؤكداً أن هذا ما سيحدث، وأن الجميع يعرفون ذلك.

لكن، خصومه من الديمقراطيين اعتبروا أنه اعترف في النهاية بالتأثير الحقيقي لرسالته، وهي زرع الشكوك مبكّراً بأي نتيجة تظهر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، إذ قال إنّ ما يتساءل الناس حوله الآن هو، هل كل هذه القصص بشأن تزوير الانتخابات صحيحة بالفعل؟

ليس الرئيس وحده

غير أنّ ترمب لم يكن وحده المتشكك بإمكانية حدوث قدر من الاحتيال والتزوير حال اعتماد الاقتراع بالبريد بأعداد ضخمة، إذ قال وزير العدل الأميركي وليام بار ردّاً على سؤال حول القضية في جلسة استماع عقدتها اللجنة القضائية بمجلس النواب قبل أيام إنه ليس لديه أي سبب للاعتقاد بأن الانتخابات المقبلة ستُزوَّر، لكنه في الوقت نفسه أبدى تشكيكه من زيادة مخاطر حدوث احتيال إذا كان هناك تصويت عبر البريد بأعداد هائلة.

أمّا حملة ترمب فقد اعتبرت أن الرئيس كان يطرح سؤالاً حول الفوضى التي أحدثها الديمقراطيون بإصرارهم على أن تكون جميع عمليات التصويت عبر البريد، ويستخدمون كورونا وسيلة لمحاولة إجراء تصويت شامل عبر البريد، ما يعني إرسال أوراق الاقتراع إلى كل ناخب مسجّل، سواءً طلب ذلك أم لم يطلب.

من يسعى للتحايل؟

في المقابل، أثارت كلمات ترمب مخاوف من أنه قد يسعى للتحايل على نتيجة الانتخابات عبر عدم قبول نتائجها حال خسارته أمام منافسه بايدن، واعتبر الديمقراطيون أن محاولة ترمب الأحدث والأكثر إثارة، تستهدف في الواقع "تقويض ثقة الجمهور" بانتخابات الثالث من نوفمبر، بالنظر إلى أن الرئيس هاجم التصويت عبر البريد نحو 70 مرة منذ أواخر مارس (آذار) الماضي خلال لقاءاته التلفزيونية وتغريداته على "تويتر"، بما في ذلك 17 مرة على الأقل هذا الشهر وفقاً لبيانات نشرتها صحيفة الواشنطن بوست.

في الوقت نفسه، لم يكن هناك دليل على أن الاقتراع بالبريد يثير كل هذه الشكوك، فقد أظهر استطلاع أجرته شبكة "إيه بي سي نيوز" هذا الشهر أن 51 في المئة من الديمقراطيين يفضّلون التصويت بالبريد هذا الخريف، مقارنة بـ20 في المئة من الجمهوريين، بينما لم تجد دراسة حديثة أجرتها جامعة ستانفورد أي تأثير حزبي في التصويت عبر البريد بثلاث ولايات تجري الاقتراع عبر البريد بانتظام في الفترة منذ 1996 وحتى 2018.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً للديمقراطيين وعدد من وسائل الإعلام المقرّبة منهم، فقد سعى ترمب في السابق لإذكاء الخوف، ووضع الأساس للتشكيك بنتائج الانتخابات من خلال ترويج فكرة أن التصويت عبر البريد "يؤدي إلى تزوير واسع النطاق وانتخابات مزوّرة"، كما حذّر الديمقراطيون أن جهوده تهدُف إلى قمع التصويت، وتقديم سبب لرفض ترك منصبه إذا خسر.

ويستدل خصوم ترمب على مخاوفهم بأن الرئيس رفض الإجابة بنعم أو لا رداً على سؤال طرحه كريس والاس من قناة "فوكس نيوز" الأسبوع الماضي عمّا إذا كان سيقبل نتائج انتخابات الرئاسة المقبلة، في حين أنه لا يوجد دليل على أن التصويت عبر البريد يؤدي إلى الاحتيال، إذ استمرّت الانتخابات الأميركية خلال أوقات الحروب، وفترات الكساد الاقتصادي والأوبئة من دون تأخير لتجري دائماً وفقاً للقانون في الثلاثاء الأول بعد أول يوم اثنين من شهر نوفمبر منذ عام 1845.

سر التوقيت

ويرى محللون سياسيون في واشنطن أن توقيت تفجير هذه القضية علانية بعد اتهام بايدن من قبل بأنه يفكّر بطريقة تآمرية، عندما أشار إلى أن ترمب قد يسعى لتأجيل الانتخابات، إنما يعود إلى عاملين رئيسيين، فمن ناحية كشفت إحصاءات رسمية حكومية عن تحوّل الاقتصاد القوي الذي كان ترمب يأمل استخدامه أداة رئيسة، لإعادة انتخابه إلى أزمة انكماشية، وأظهرت الأرقام الصادرة عن مكتب الحكومة الأميركية للتحليلات الاقتصادية، انكماش الاقتصاد الأميركي بمعدل سنوي 32.9 في المئة في الربع الثاني من هذا العام أي خلال الفترة من أبريل (نيسان) وإلى يونيو (حزيران)، وهو أسوأ تراجع له على الإطلاق.

ومن ناحية أخرى، جاءت تغريدة ترمب عقب سلسلة من الاستطلاعات الأخيرة في الولايات المتأرجحة التي تحسم الانتخابات عادة، وحتى في الولايات التي فاز بها بسهولة عام 2016، والتي أشارت إلى أن الرئيس يأتي بعد خصمه الديمقراطي جو بايدن أو يتعادل معه في أحسن الأحوال، وأن الناخبين يرفضون طريقة ترمب في التعامل مع وباء كورونا.

ومع ذلك، فإن تغريدة ترمب جاءت بنتائج غير طيبة للرئيس، فقد اعتبر بعض حلفائه أن تغريدته وتصريحاته تعكس الانهيار اليائس لمرشح خاسر بشدة، بينما اعتبرها الديمقراطيون توفِّر أرضية خِصبة كي يرفض قبول النتائج الرئاسية، وأنه بذلك يجهّز أنصاره والناخبين في معسكره، للشك بشرعية أي نتيجة تظهر خلال الأسابيع الأولى من نوفمبر.

سلطة الكونغرس

ويمنح الدستور الأميركي الكونغرس وحده سلطة تنظيم "وقت ومكان وطريقة" الانتخابات العامة، بينما تقرر الولايات مواعيد الانتخابات الأولية، ولا توجد أي سلطة للرئيس في هذا الأمر، كما ينص التعديل الـ20 للدستور على نهاية فترة ولاية الرئيس ونائب الرئيس والمحددة بأربع سنوات في الـ20 من يناير (كانون الثاني)، سواء أجريت الانتخابات أم لا.

وأوضح ريتشارد هاسن، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا، أن الرئيس لا يملك سلطة تغيير موعد الانتخابات، مُعتبراً ما قاله ترمب مجرد بيان آخر من الرئيس، يستهدف تقويض ثقة الناخبين، ويسعى من دون دليل إلى التشكيك بشرعية التصويت عن طريق البريد.

ويشير المؤرخ مايكل بيشلوس إلى أنه لم يسبق لأي رئيس أن حاول تأجيل الانتخابات الفيدرالية، على الرغم من أن الفكرة طُرحت على الرئيس أبراهام لينكولن عام 1864 في أثناء الحرب الأهلية، ورفضها لأنها تعني هزيمة النظام في أميركا، كما طُرِحت على الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية، ورفضها أيضاً، لأنها تعني أن الأميركيين أصبحوا فاشيين، مثل النظم التي حاربتها الولايات المتحدة آنذاك.

ماذا لو تأجلت الانتخابات؟

حتى لو صوّت الكونغرس على تأجيل الانتخابات العامة، وهو أمر مستبعد، فسوف يتعين على ترمب ونائب الرئيس بنس مغادرة منصبيهما، والخروج من البيت الأبيض عند الساعة الثانية عشرة ظهراً من الـ20 من يناير 2021، ووفقاً للدستور الأميركي، فإن عدم وجود رئيس منتخب في نوفمبر 2020، فإن رئيسة مجلس النواب الحالي نانسي بيلوسي سوف تشغل المنصب الرئاسي مؤقتاً لحين حسم الرئيس المنتخب.

ولم يقل ترمب إنه سيطلق حملة جادة لتغيير تاريخ الانتخابات، أو إنه يعتقد بأن لديه السلطة للقيام بذلك من دون موافقة الكونغرس، لكنه على الأقل بدا غير منزعج من انتقاد الجمهوريين والديمقراطيين له، فقد ثبّت تغريدته حول فكرة تعديل الانتخابات، ووضعها على رأس تغريداته في موقع "تويتر".

الجمهوريون يرفضون

وطرْح الرئيس ترمب تأجيل الانتخابات لاقى على غير العادة اعتراضات جمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب، بمن فيهم رئيس اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ ليندسي غراهام، وهو حليف مقرّب للبيت الأبيض، إذ قال إنه على الرغم من مخاوفه بشأن كون بطاقات الاقتراع بالبريد هي الطريقة الحصرية للإدلاء بالأصوات، لكنه لا يعتقد أنه يجب تأجيل الانتخابات.

وقال زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، في مقابلة مع محطة تلفزيون محلية في ولاية كنتاكي، إن انتخابات الثالث من نوفمبر ستجري في موعدها، وإن الانتخابات جرت من دون تأخير خلال أوقات الحرب والأزمات الأخرى عبر التاريخ الأميركي.

كما قال كيفين مكارثي، زعيم الأقلية في مجلس النواب، إنه يجب أن نمضي قدماً في الانتخابات، إذ من المستحيل أن لا نجري الانتخابات في اليوم المحدد لها، ورفض رئيس المؤتمر الجمهوري بمجلس الشيوخ جون باراسو فكرة تأجيل الانتخابات العامة.

أمّا السناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو فقال إن موعد الانتخابات لن يتغير، ولفت السناتور الجمهوري عن ولاية أيوا تشاك غراسلي، وهو عضو بارز في اللجنة القضائية، إلى أن موعد الانتخابات يحدده القانون الفيدرالي الأميركي الذي ينصّ على أن تجري الانتخابات يوم الثلاثاء الأول بعد يوم الاثنين الأول من نوفمبر، وكل هذه الأمور محددة سلفاً بعناية ومستمرة منذ عقود، فنحن بلد قائم على سيادة القانون، ولن يغير أحد أي شيء حتى نغير القانون، وقال غراسلي، تعقيباً على تغريدة ترمب، "لا يهم ما يقوله فرد واحد في هذا البلد، فما زلنا دولة قائمة على سيادة القانون، ونريد اتباعه إلى أن يُغيَّر الدستور أو حتى القانون".

المزيد من تحلیل