Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السدود في لبنان بين خطط الإنماء وصفقات بأرباح خيالية

"الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه" تنص في خطتها العشرية على بناء 30 سداً

تواجه "الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه" انتقادات لناحية افتقادها لدراسات الأثر البيئي والجدوى الاقتصادية (أ ف ب)

نظراً لغنى لبنان بالمياه، عرّفه الفرنسيون بأنه "خزان مياه الشرق الأوسط". إلا أن مشهد صهاريج المياه المتنقلة بين شوارع العاصمة بيروت ومناطق لبنانية أخرى تجعلك تعتقد أنك في إحدى الدول الفقيرة مائياً، وكل ذلك بسبب الخلافات السياسية التي تنسحب على كثير من الملفات الإنمائية وعلى رأسها التنمية المائية. فصار المواطن اللبناني أسير هذه التجاذبات ويدفع ثمن المياه مرتين، الأولى للجهات الرسمية والثانية للصهاريج التي تعوض نقص الكمية اللازمة. في حين أن 47 في المئة من سكان لبنان لا يحصلون على مياه صالحة للشرب، ويستعيضون عنها بشراء العبوات المعالجة.

خطة "عشرية"

عام 2011، وضعت وزارة الطاقة والمياه "الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه" ووعدت بحل المشكلة بحلول عام 2021، بكلفة بلغت حوالى 10 مليارات دولار، بين 7.74 مليار دولار استثمارات و2.1 مليار دولار صيانة. ولا تزال مشكلة المياه في تزايد، نظراً لعجز الخزينة عن التمويل والإشكالات التي رافقت بناء السدود وتنظيف البحيرات ومجاري الأنهار.

وتواجه "الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه"، التي تنص في خطتها العشرية على بناء 30 سداً، موجة كبيرة من الانتقادات من قبل سياسيين وخبراء لناحية افتقادها لدراسات الأثر البيئي والجدوى الاقتصادية، إضافة إلى اتهامات بالفساد عبر تلزيم إنشاء هذه السدود لمتعهدين محسوبين على الطبقة السياسية الحاكمة.

افتراءات وتضليل

في المقابل، أكد وزير الطاقة والمياه السابق ريمون غجر، أن "خطّة إنشاء السدود في لبنان هي نتاج دراسات امتدت سنوات وأفضت، وللمرة الأولى في لبنان، إلى إطلاق استراتيجية وطنية لقطاع المياه وافق عليها مجلس الوزراء وأصبحت سياسة ملزمة للدولة اللبنانية بغض النظر عن تغيير الحكومات"، مشدداً على "ضرورة تخزين هذه المياه السطحيّة في سدود لإعادة استعمال المياه صيفاً بأقل كلفة ممكنة وليس الانتظار ليتسرّب جزء بسيط منها إلى باطن الأرض ثم ضخه إلى الأعلى مع ما يتطلبه ذلك من استهلاك للطاقة والأجور والصيانة المكلفة".

ولفت أن خطة حكومة الرئيس السابق حسان دياب واجهت حملة افتراءات وتضليل، مؤكداً أن "طبيعة لبنان الجيولوجية والزلزالية لم تمنع يوماً البلدان التي تملك طبيعةً مشابهة مثل تركيا وقبرص وسوريا من بناء السدود والمنشآت الكبرى، فالدراسات الهندسية الحديثة أوجدت حلّاً لكل مشكلة مهما بلغت درجات تعقيدها".

 

فساد وفشل

من جهة ثانية، يرى رئيس الحركة البيئية اللبنانية بول أبي راشد أن "المشترك بين معظم السدود في لبنان، هو جيولوجية الأرض المتشابهة أي أنها متشققة كاريستية، تتسرّب منها المياه عند التجميع"، لافتاً أنه "لا يكفي أن يكون لدى وزارة الطاقة مهندسون يجيدون بناء الجدران لبناء سد، بل يجب توفر شروط عدة، كالجدوى الاقتصادية وعدم توفر حلول بديلة، وهذا الأمر لا يظهر إلا إذا أجرينا دراسة تقييم أثر بيئي"، مستشهداً بسد بلعة في البترون، "الذي بعدما مضى عليه ست سنوات، تبيّن أن الأرض مشققة، فتحولت الأراضي المجاورة إلى مقالع وكسارات لسد هذه الشقوق، كما تبيّن أن سدّ بقعاتا في الشوف لا يجمّع المياه، فارتفعت كلفة إنجازه، وفي بلعة أيضاً قالوا إنه سيكلف 40 مليون دولار تحوّلت لاحقاً إلى 100 مليون دولار، وفي بقعاتا يغلقون حالياً السد بنوع من الزفت لأن الأرض تُسرّب المياه، وفي المسيلحة للمرة الثانية يملؤون السد، وتعود المياه تنقص وتتسرب في الأرض".

أما عن الحلول البديلة، فرأى أبي راشد أنها تكمن "في إعادة النظر بالخطة الاستراتيجية للمياه في لبنان، التي وضعها الوزير جبران باسيل عام 2010 ومناقشتها مع المجتمع العلمي والمدني والبيئي والجامعات، لأنها غير صالحة"، موضحاً أن "تقريراً صدر بتقييم خطة باسيل وخلُص إلى وجوب تخفيف السدود، لكن وزارة الطاقة رفضته، من هذا المنطلق يمكن القول إن عملهم غير علمي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع أنه "عام 2014 صدرت دراسة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كناية عن تحديث دراسة سابقة له صادرة عام 1970 عن المياه الجوفية، والتي هي ثروة لبنان، أكدت أن نحو 65 في المئة من أرضه كاريستية تسرب المياه إلى جوف الأرض، وأن مياه الثلوج والأمطار تخزن بنسبة تفوق 50 في المئة في جوف الأرض".

ورأى أن "ما يجب أن تدرسه الاستراتيجية وتسلط الضوء عليه، هو المحافظة على هذه الثروة الجوفية واستخدامها لأنها الأنظف وتتبخر بنسبة أقل من المياه السطحية"، مضيفاً أن "هناك صراعاً بين حلّين، إما إقامة سدود ومياه سطحية أو استخدام المياه الجوفية، وهذا السؤال يجب طرحه وفتح حوار وطني علمي حوله"، لاسيما أن الينابيع تخرج من جوفه إلى سوريا وفلسطين والأردن، سائلاً "كل هذه المياه في جوف الأرض ونحن نسعى إلى تخزينها فوق الأرض؟".

الحل الأمثل

ينتقد مدير مشروع سدّ بسري إيلي موصللي، مروجي نظرية استخدام المياه الجوفية كبديل عن إنشاء السدود، معتبراً أن عدم التوجه إلى استثمار المياه السطحية عبر إنشاء السدود خطأ، لأن لبنان يستغل فقط 6 في المئة من مياهه السطحية، والاستعاضة عن ذلك باستعمال المياه الجوفية بشكل مفرط والتي هي مخزون استراتيجي أساساً، ناهيك عن محدودية هذا الخيار بالنظر إلى المخزون الذي يؤمنه سد بسري (125 مليون متر مربع) وعن كلفة الاستثمار المرتفعة له، وزيادة نسبة الملوحة فيها وغيرها.

ويقول "بشكل عام الفوائد من السدود، وبخاصة الكبيرة منها وذات الاستعمالات المتعددة، عديدة، منها تأمين مياه الشرب ومياه الري وتوليد الطاقة وغيرها". ومن ناحية الجدوى الاقتصادية، تؤمن السدود الكبيرة إجمالي كلفة استثمارية وتشغيلية قد تكون الأدنى نسبةً للمتر المكعب الواحد من المياه العذبة المؤمن على المدى طويل. ويضيف "لا شك في أن أي مشروع قد يحمل أثراً في الصعيد البيئي، لذلك يقتضي وضع خطة تقييم الأثر البيئي له وقبل السير بتنفيذه من قبل اختصاصيين في هذا المجال وأخذ الموافقات المطلوبة بشأنها، كما الالتزام بتطبيق إجراءات الخطة الناتجة من هذه الدراسة لناحية الحد من الآثار السلبية في هذا الصعيد وتنفيذ إجراءات التعويض عن أي خسارة إيكولوجية وبيئية محتملة".

 

 

فضيحة "المسيلحة"

وبعيداً عن الصورة الوردية التي تحاول الجهات الرسمية ترويجها حول أهمية إنشاء السدود، تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صور لعدد من السدود التي لم تمتلئ بالمياه نتيجة التشققات في قعرها، ما يثير الشبهات حول غياب الدراسات الجيولوجية والبيئية قبل إنشائها، ويزيد التشكيك في أن سياسة إنشاء السدود مرتبطة بالفساد المستشري في لبنان. وآخر فصول هذه الفضائح هي الصور التي انتشرت لسد المسيلحة شمال لبنان، والذي كلف حوالي 50 مليون دولار، الذي يهدف وفق موقع وزارة الطاقة إلى تأمين مياه إضافية للشفة والصناعة، وتُقدّر الكميات التي يؤمنها مستقبلياً بحوالي 30 ألف متر مكعب يومياً، وهي تشكل الحاجات الإضافية في الأعوام ما بين 2035 و2040، كما يسهم في دعم ري 1500 هكتار من المساحات الصالحة للزراعة.

ولكن بعيداً من تعريف الوزارة، أصدرت "الحركة البيئية اللبنانية" بياناً أشارت فيه إلى "ظهور عشرات الفجوات والتشققات الكبيرة، التي أدت إلى اختفاء المياه من سد المسيلحة، للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر". ودعت النيابة العامة البيئية والنيابة العامة المالية، إلى "التحرك الفوري والتحقيق في هذا الملف، الذي يشكل هدراً للمال العام، وتشويهاً لوادي نهر الجوز الأثري والطبيعي، حيث تمت المباشرة بالأعمال في عام 2014، من دون الحصول على موافقة وزارة البيئة، ودراسة تقييم الأثر البيئي والاجتماعي والجدوى الاقتصادية".

معركة سياسية

يستحوذ التيار الوطني الحر على وزارة الطاقة منذ 10 سنوات، ويتمسك الوزراء ومعهم رئيس التيار جبران باسيل بفكرة إنشاء السدود على الرغم من المعارضة الشرسة بوجهها والتحذيرات البيئية التي تصدر من الجمعيات بشأن خطرها في المناطق المزمع إنشاؤها. ويكشف سد بسري ملامح الصراع الكبير حول السياسة المائية الحالية، والتي تحولت إلى معركة سياسية بامتياز بين التيار الوطني الحر و"حزب الله" من جهة وجمعيات أهلية وبيئية تساندها أحزاب سياسية أبرزها حزب القوات والكتائب اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي.

ويلاقيه النائب جورج عدوان برفض الشروع بتنفيذ سد بسري، ويقول "جربتم السدود وكلفت نحو المليار دولار، فهل نجحت سياسة السدود؟ لكل السدود مشاكل كبيرة ومن المعروف أنّ المياه الجوفية في لبنان تشكل 3 مليارات متر مكعب تحت الأرض كان من الممكن الاستفادة منها بدلاً من دفع المال لكنكم لا تريدون وصول المياه إلى الناس، إنما تريدون وصول الأموال إلى جيوبكم".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير