Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعديلات قانونية تنقذ أكثر من 100 طفل سوداني من الاعدام

رفع الحد الأدنى للمسؤولية الجنائية في البلاد إلى 12 عاماً

وحدت التعديلات تعريف الطفل ورفعت سن المسؤولية الجنائية (حسن حامد)

قد يصعُب تخيل وقع صوت القاضي، وهو يتلو أمام طفل لم يبلغ سن الرشد بعد، حكماً بإعدامه، ليقطع بعدها صخب مطرقته صمت القاعة، ويُترك اليافِع المحكوم يصارع قدره بروح منكسرة، ثم يُقتاد خارجاً، مكبلاً بالذهول والأغلال. هي لحظات، بحد ذاتها، قد تشكل إعداماً من نوع آخر، لكنها قد تجسدت بالفعل. إذ كان أكثر من 100 من الأطفال السودانيين يواجهون عقوبة الإعدام بسبب تعارض القوانين، وحرفية وهيمنة القانون الجنائي السابق، ما خلَّف واقعاً محزناً ومريراً بحق الأطفال في العدالة الجنائية.

من تصاريف القدر، أن يأتي الحل من بوابة القانون نفسه، بعدما كانت قد سُدت كل السبل سابقاً، ولم تجدِ كل محاولات الحلول الاستثنائية بالاسترحام والتظلم والاستعطاف.

لحظة جديدة، بإسقاط عكسي، للحظة النطق بالحكم، تطيح الحكم، وتعيد حق الحياة، في خطوة فارقة أجازت فيها الحكومة الانتقالية جملة من الإصلاحات القانونية، كان أبرز ملامحها وأهم مكاسبها تقييد عقوبة الإعدام ومنعها نهائياً بحق الأطفال، وتجريم "الختان".

مواءمة وتمهيد

التعديلات الأخيرة في القانون الجنائي التي أزالت التضارب بين قانوني الطفل والجنائي، وتوحيد تعريف الطفل وتعديل سن المسؤولية الجنائية، مهدت الطريق لوقف عقوبة الإعدام التي كان يواجهها أكثر من 100 طفل سوداني.

وفي السياق، قالت لينا الشيخ، وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية، إن هذه التعديلات ستؤدي إلى تصحيح كل التشوهات في نظام العدالة الجنائية الخاص بالأطفال، بإزالة التعارض وتحقيق المواءمة في التشريعات الوطنية وبينها وبين الاتفاقيات والمواثيق الدولية، ذات الصلة، التي صادق عليها السودان، ما يزيد فرص البلاد في الاندماج مع بيئة الأسرة الدولية، وإنهاء عزلتها التي استمرت طويلاً.

ورحب المجلس القومي لرعاية الطفولة بالتعديلات وما تضمنته من إصلاحات جوهرية، وحظرها القاطع لتطبيق عقوبة الإعدام على الأطفال دون سن الـ18، فضلاً عن تجريمها عملية ختان الإناث.

وقال عثمان شيبة أبوفاطمة، الأمين العام للمجلس لـ"اندبندنت عربية"، إن "تعديلات القانون الجنائي 2020 تشكل مكاسب كبيرة في مجال حماية الأطفال، إذ شملت إصلاحات مهمة جداً، أبرزها تقييد عقوبة الإعدام ومنعها نهائياً في حق الأطفال، واعتماد معيار العمر (18 سنةً) في تعريف الطفل، بعيداً من أي مظاهر بدنية، ورفع الحد الأدنى للمسؤولية الجنائية إلى 12عاماً، بدلاً من سبعة أعوام"، مشيراً إلى أن التعديلات ألغت أيضاً العقوبات القاسية التي تحط من كرامة الإنسان، كعقوبة جلد الأطفال، والاستعاضة عنها بتدابير غير سالبة للحرية، مثل الإحالة خارج النظام القضائي، أو تدابير خدمة المجتمع والمراقبة الاجتماعية. كما تم استبدال عقوبة السجن بأُخرى بديلة للنساء الحوامل والمرضعات، واللائي لديهنّ أطفال، أقل من عمر خمس سنوات، في غير الجرائم الخطرة، كالقتل وخلافه.

إنقاذ الطفولة

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أضاف أبوفاطمة "أنقذت التعديلات أكثر من مئة طفل، كانوا يواجهون عقوبة الإعدام، بموجب المادة 130 من القانون الجنائي (القتل العمد)، إلى جانب خمسة أطفال آخرين صدرت بحقهم أحكاماً بالإعدام كانت تنتظر التنفيذ. ومن المنتظر أن يستفيد كل أولئك الأطفال من التعديلات، بلجوء المحاكم إلى أحكام بديلة ليس من بينها الحرمان من الحياة".

وأوضح أمين مجلس الطفولة، أن تجريم بتر وتشويه الأعضاء التناسلية للأنثى خطوة ظلت تنتظرها وتنادي بها جهات عدة حكومية وغير حكومية.

وأكد دعم المجلس القومي للطفولة لإنفاذ هذا القانون، بالتنسيق مع شركائه في وزارات، العمل والتنمية الاجتماعية، الصحة، العدل والشؤون الدينية، إلى جانب وكالات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني، بالعمل على إعداد إستراتيجية عشرية (2020 -2030)، تستهدف تغيير الأعراف الاجتماعية السالبة ومناصرة حماية الطفلات من كل أنواع العنف والإيذاء النفسي والبدني.

النيابة متفائلة

على صعيد متصل، أوضحت بتول شريف وكيل نيابة الطفل لـ"اندبندنت عربية"، أن تعديلات القانون الجنائي الأخيرة تفتح فصلاً جديداً في مجال العدالة الجنائية لأطفال السودان على الرغم من أنها تأخرت كثيراً، مشيرة إلى أن أولى مزايا التعديل، إزالته للتعارض والتقاطع وتحقيق التناغم المطلوب على مستوى التشريعات الوطنية الداخلية والالتزامات الدولية تجاه حقوق الطفل.

وحول طرق وأساليب التحري واستجواب الأطفال، أوضحت شريف أن "نيابة الطفل تعنى بالإجراءات، التي يقدم من خلالها الطفل إلى المحكمة المختصة، باتخاذ كل متطلبات حماية حقوق الطفل، بحيث لا يتعرض لأي نوع من الضغوط أثناء التحقيق، وأن لا يتم استجوابه بشكل متكرر أو منفرد، وتوفير بيئة اجتماعية ونفسية ملائمة، بعيداً من المظاهر الشرطية، بحضور الوالدين أو أولياء الأمر".

وكشفت وكيل نيابة الطفل عن وجود مكاتب اجتماعية متخصصة في كل نيابة، تقدم كل متطلبات الدعم النفسي للأطفال، إلى جانب تلقي وكلاء نيابات الأطفال دورات تدريبية متخصصة في هذا الجانب، ما جعلهم مؤهلين للتعامل مع الأطفال.

ولفتت شريف إلى أن "الكثير من الأطفال الجانحين هم في الأصل ضحايا لظروف أسرية واجتماعية واقتصادية، ما يحتم أخذ تلك الظروف في الاعتبار"، مشيرة إلى أن النيابة كثيراً ما تلجأ إلى إحالة قضايا الأطفال خارج النظام القضائي، ليتم التعامل معها بواسطة لجان متخصصة، تضم باحثين اجتماعيين.

وأكدت شريف أن انتشار نيابات الطفل أسهم في نشر التوعية بحقوق وقضايا الأطفال، داعية إلى أهمية ترتيب عمل جماعي تضامني، تقوده منظمات المجتمع المدني المهتمة بحقوق الطفل لتكثيف العمل التوعوي في هذا الجانب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير