لا تكفُ القرارات الحكومية السورية، في ما يخص تعامل المواطنين مع العملات الأجنبية، عن إثارة التساؤلات في الشارع السوري. وآخر تلك القرارات ما يلزم المواطنين المغادرين إلى لبنان بدفع مبلغ 100 دولار أميركي أو ما يعادلها، مقابل فحص مخبري PCR المعروف بـ "مسحة" الفيروس كورونا. ويتساءل السوريون كيف تطالبهم الحكومة بدفع مبالغ بالدولار، بينما تجرّم قرارات سابقة صادرة عن الجهة نفسها حيازة العملات الأجنبية في البلاد والحد من تداولها بعد انهيار كبير لليرة السورية؟
القرار الجديد الصادر في 22 يوليو (تموز) الحالي بدفع ثمن "المسحة" المخبرية بالعملة الخضراء حظي بانتقاد واسع من دون طائل من التراجع عنه وسط تذمر من القرار وانتقاده. وقد أوضحت وزارة الصحة أن المسحات المخبرية إلزاميّة للراغبين في السفر وللأعمار كلها بمن فيهم الأطفال، وينبغي إبراز التأشيرة وجواز السفر وتذكرة السفر مع إشعار بدفع بدل الخدمة.
مقابل ذلك، بيّن مصدر مسؤول في وزارة الصحة لـ "اندبندنت عربية"، أن المبلغ المادي للمسافرين خارج القطر هو 100 دولار، "لكن المسحات مجانية في المراكز الصحية المنتشرة في المحافظات حيث تتابع الوزارة عملها للحد من انتشار الوباء العالمي". ويلاحظ أحد الطلبة السوريين الذين يتابعون الدراسة في بيروت، أن "ليس كل المسافرين يملكون إمكانية دفع هذا المبلغ"، داعياً إلى "النظر إلى أحوال الفئات التي لا تملك الإمكانية وهي على سفر دائم بين البلدين". ويذكّر بأن "الفحص مجاني في معظم دول العالم".
وقد بلغ عدد الإصابات بكوفيد -19 في سوريا حوالى 500.
تبديل العملة
وقرار بدل خدمة التحليل المخبري لكورونا لم يكن الأول من نوعه من تلك القرارات التي أثارت الاستغراب وحفيظة السوريين بعد قرار إرغام القادمين إلى سوريا من أبناء البلد على تصريف 100 دولار بحسب سعر المصرف المركزي (1200 ليرة مقابل الدولار الواحد).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في غضون ذلك، اعتبر وزير المالية مأمون حمدان أن قرار حكومته ليس بالمشكلة الكبيرة و"من غير المعقول أن السوري في الخارج أو من يسافر إلى الخارج لا يملك مبلغ 100 دولار".
ويرى المحامي سعيد شمّا، في حديث لـ "اندبندنت عربية"، عدم دستورية القرارات الصادر في شأن إلزام السوريين بالدفع وتصريف العملة للقادمين إلى البلاد، ويعتقد شمّا أن القرار يعرقل عودة كثيرين من العمال والطلاب ومن الفقراء الذين يعملون ويدخرون لعودتهم إلى وطنهم وإعالة أسرهم، وقد لا يملكون السيولة الكافية لذلك، وسأل شمّا "كيف تعاقب الحكومة كل من يتعامل بالدولار بالسجن حتى سبع سنوات والتشدد بالعقوبات وبالأشغال الشاقة، والغرامة المالية، بحسب ما نص عليه المرسوم التشريعي الرقم ثلاثة لعام 2020، بينما تطالب مواطنيها بالدفع بالعملة المحظورة والخطيرة على أمنهم في حال القبض عليهم في حال حيازتهم العملة".
البدل النقدي
حكاية الدولار لا تنتهي عند هذا الحد، إذ يزداد ارتباط الدولار بحياة المواطنين واقتصادهم. ويتوقف الناشط المعارض رضوان العلي، في حديث لـ "اندبندنت عربية"، عند "تناقض لا جواب له"، لافتاً إلى أن "الدولار يؤثر في المواطنين، وبينما تمنعه الدولة تطالب الحكومة به"، ويعزو العلي صمود الناس في ظل هذه الفترة الماضية بعد غلاء الأسعار إلى الحوالات الواردة من الخارج.
ويذكّر العلي بقرارات سابقة ألزمت السوريين من المغتربين وممن أمضوا عدداً من السنين في الخارج بدفع ثمانية آلاف دولار كبدل نقدي عن خدمة العلم، ويقول "غريبة هذه الأرقام الكبيرة بحق أبناء البلد وتدفع الشباب السوري إلى البقاء في الخارج ولا تشجيع على العودة".
ويطلق سوريون اسم "الشوئسمو" على الدولار، هرباً من قرارات صارمة بمحاسبة كل من ينطق باسم تلك العملة أو تداولها على مواقع التواصل كونه سيعرض صاحبه للمساءلة والعقوبة.