Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرئيس الموريتاني يعلن بدء إصلاح قطاع الصحافة

شكّل لجنة خاصة لضبط وتقنين المهنة ووثيقة تشخص الوضع وتقترح الحلول

بعد أيام قليلة، يكون الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني قد أكمل سنته الأولى رئيساً لموريتانيا.

وبعيداً من تقييم الفترة المنصرمة التي طبعها في أشهرها الأولى، الاهتمام بتغيير مفاتيح السلطة وترتيبها وفق رؤية أمنية جديدة (من الحرس الرئاسي، إلى إدارة الأمن، إلى قيادات أركان الجيش...)، وطبعها، في أشهرها الأخيرة، الانشغال بجائحة كورونا، فإنّ الرئيس الموريتاني أراد افتتاح سنته الثانية بإصلاح جوهري لقطاع الصحافة كما تعهّد به خلال حفلة عشاء أقامها في شهر مارس (آذار) المنصرم وحضرها مختلف أجيال الإعلاميين.

في هذا الصدد، كلّف رئيس الجمهورية لجنة خماسية، يرأسها الكاتب الإعلامي والوزير السابق محمد محمود ودادي، العمل على تقديم رؤية واضحة لإصلاح وتمهين قطاع الصحافة في موريتانيا.

مبادرة العهد المهني للصحافيين

العهد المهني للصحافيين هيئة تضمّ مختلف أجيال الصحافة: بدءًا بالجيل الأول من عام 1960 إلى 1978، مروراً بالجيل الثاني من عام 1978 إلى 2000 وانتهاء بالجيل الثالث من عام 2000 إلى 2020.

والعهد عبارة عن منصّة رقمية، بدأت عبر تطبيق واتساب، منذ شهرين في أوج انتشار وباء كورونا. وشارك في نقاشاتها ومداولاتها الصحافيون العاملون في الصحف والإذاعات والقنوات، إضافة إلى الصحافيين الموريتانيين في المهجر.

ورحّب العهد المهني للصحافيين بتشكيل لجنة الإصلاح وبتشاورات رئاسة الجمهورية مع الهيئات الصحافية. وأكد في بيان نشره المنسق العام للعهد عبدالله السيد أن "اللجنة الخماسية المكلّفة من طرف الرئاسة إصلاح قطاع الإعلام، ستعمل على أساس المبدأ الذي قرّره رئيس الجمهورية، وهو إصلاح حقل الصحافة بواسطة الصحافيين أنفسهم".

وقال إن "أعضاءه البالغ عددهم 231 من أجيال الصحافة كافة، بمَن فيهم الكفاءات الصحافية الموريتانية في المؤسسات الإعلامية الدولية، قد أجروا مشاورات مهنية مكثّفة على مدى شهرَيْ مايو (أيار) ويونيو (حزيران) 2020، حول واقع الحقل الصحافي الموريتاني وما يلزم لإصلاحه وتمهينه، وقد أودعوا تشخيصهم لواقع الحقل وتوصياتهم بخصوص إصلاحه في وثيقة ستُسلّم إلى لجنة الإصلاح المذكورة".

ردود الفعل

أثار إعلان رئاسة الجمهورية عن تشكيل لجنة لإصلاح الصحافة الكثير من ردود الأفعال المثمّنة على الرغم من أصوات قليلة لم تبدِ ارتياحها مثل "وكالة أنباء الشرق"، وهي موقع إخباري إلكتروني، اعتبر أن "مربّع الانتقائية والزبونية يعود مجدّداً بعد اختيار متقاعدين لإصلاح الصحافة ضمن معارف مدير ديوان رئيس الجمهورية"، على حدّ تعبيرها.

في المقابل، قال الكوري ولد عبد المولى، وزير الإعلام السابق في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "لمسنا أن ثمة توجّهاً لإصلاح قطاع الإعلام. هذا التوجه نعوّل فيه على الإرادة السياسية. ويشكّل إعلان الرئاسة عن تشكيل لجنة لإصلاح وتنقية القطاع مصدر ارتياح لنا كصحافيين. ولحسن الحظ، فإن اللجنة التي وقع عليها الاختيار محلّ تقدير كل الصحافيين لأن جل أعضائها يتمتّعون بالتجربة والكفاءة".

وقال رئيس نقابة الصحافيين الموريتانيين محمد سالم ولد الداه في مؤتمر صحافي عقده  قبل أيام ، إن "تشكيل اللجنة العليا لإصلاح المهنة يمثّل استجابة حقيقية لمطالب النقابة"، معرباً عن أمله في "أن تدشّن اللجنة مساراً تشاورياً يلبّي مطالب الصحافيين ويسهم في التحسين والتطوير اللازمَيْن للمهنة".

وأعلن ولد الداه دعم النقابة لهذه اللجنة التي وصفها بأنها "تجسّد تكامل الأجيال الصحافية ويتميّز أعضاؤها بالاستقامة".

من جهته، طالب رئيس رابطة الصحافيين الموريتانيين موسى ولد بهلي بمزيد من الاتحاد ورصّ الصفوف حتى يتحقّق لمزاولي هذه المهنة ما يحلمون به من إصلاح وتنقية للحقل الإعلامي.

مطالب الصحافيين الموريتانيين

يدعو كل الإعلاميين الموريتانيين في كل الورش المتعلّقة بإصلاح الصحافة، إلى الدعم المباشر للمؤسسات المعنيّة وإعداد النصوص القانونية المنظِّمة للقطاع وإعادة تنظيم القطاع لتلافي الانحرافات المسجَّلة في السنوات الأخيرة وتسهيل الوصول إلى المعلومة والسماح للصحافيين بتغطية الأنشطة الرسمية في أفضل الظروف.

كما يدعون إلى "إلغاء التعميم الذي يحظّر على المؤسسات في القطاع العام أي شكل من أشكال التعاون مع الصحافة الخاصة وإنشاء وكالة لجمع الإعلانات وتوزيعها بطريقة عادلة بين وسائل الإعلام، مع إنشاء مجلس أعلى للصحافة يكون المحاور الوحيد للحكومة في جميع المسائل المتعلّقة بمشاغلها وإنشاء دار للصحافة والشروع في عملية تسمح للصحافيين بالاستفادة من التأمين الصحي ومعاشات التقاعد ودعم الصحافة في التدريب والتكوين على التقنيات الجديدة للإعلام والاتصال".

بائع الصحافة صحافي!

وعلى الرغم من أن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني رافق مبادرة إصلاح قطاع الإعلام بتعيين صحافيَّيْن معروفَيْن في كبريات المؤسسات والهيئات الإعلامية، فأسند إدارة الوكالة الموريتانية للأنباء لمحمد فال عمير، وعيّن محمد محمود ولد أبو المعالي مديراً للتلفزيون الرسمي، كما كلّف النقيب السابق للصحافيين الحسين ولد امدو بقيادة السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، مع ذلك يظلّ من أكبر معوّقات العمل الصحافي اعتماد الأنظمة الموريتانية السابقة، منذ التسعينيات إلى غاية الإعلان عن هذا الإصلاح، على استراتيجية تتمثّل في تمييع وتتفيه العمل الصحافي حتى لا يكون له تأثير في الرأي العام.

من جهة ثانية، قال الإعلامي محمد فال ولد سيدي ميله، إنه كان مسؤولاً في قسم الإعلام بأرباب العمل الموريتانيين عام 2003، وتفاجأ بدخول شخص يعرفه في التسعينيات بائعاً للصحف على الرصيف، وهو يحمل معه طلباً للحصول على اشتراك لجريدة، فسأله هل هو فلان الذي كان يبيع الصحف، فقال له: نعم، فسأله ماذا تريد بالضبط؟

فأجاب "لقد أصبحتُ مديراً ناشراً لجريدة وحصلتُ على ترخيص لها من وزارة الداخلية، وجئتُ أبحث عن اشتراك مثل كل الصحافيين!".

وأضاف ولد سيدي ميله "منذ ذلك الحين، أخذتُ مسافة من العمل المباشر في الصحافة لأنّني فهمتُ أن الدولة متّجهة إلى تسخيفها وانتزاع أي ثقة منها".

ميثاق الشرف والبطاقة الصحافية

بات ميثاق الشرف معضلة حقيقية بالنسبة إلى الصحافيين الموريتانيين الذين لم يتّفقوا أبداً على وثيقة من هذا القبيل قبل أسابيع، عندما تمكّن المعهد المهني للصحافيين من صياغة مشروع ميثاق يسعى إلى جرّهم لتوقيعه ومن ثم تقديمه إلى لجنة إصلاح الصحافة التي أعلنتها رئاسة الجمهورية.  

في سياق متصل، قال الإعلامي الدحه ولد امبيريك، أحد الخبراء الذين أسهموا في إعداد الوثيقة المتعلّقة بالبطاقة الصحافية، "ميثاق الشرف هو الإطار العملي المنظِّم لأخلاقيات المهنة. وهو الإسهام الذاتي للصحافيين في إصلاح مهنتهم لأنه يعنيهم وحدهم. فهو التزام أخلاقي جماعي يتعاهد الصحافيون على التقيّد به في ممارسة عملهم وتأدية رسالتهم. لقد حاولت الوثيقة وضع ضوابط تستجيب للاختلالات التي سادت في العقود الثلاثة الماضية في بعدها المتعلّق بسلوك الصحافيين. وأعتقد أن من القواعد الجوهرية التي جاءت بها هي ربط منح بطاقة الصحافي بالالتزام بميثاق الشرف. فعند الإخلال بمقتضياته، يمكن إخضاع الصحافي للتأديب وحتى سحب البطاقة منه".

أما الخبير الإعلامي دداه عبدالله، الذي أسهم في صياغة وثيقة الإعلام السمعي البصري، فصرّح  أن "المشكلة التي تعاني منها الصحافة الموريتانية نابعة أساساً من اختلالين: اختلال أخلاقي وآخر مهني. الاختلال الأخلاقي حاولنا ضبطه من خلال ميثاق شرف يحدّد أخلاقيات المهنة، راعينا فيه خصوصية الوضع الموريتاني وما نراه ممارسات يمكن وضع حدٍّ لها من خلال تطبيق ميثاق الشرف عن طريق ما يمكن أن يوصف بأنه محكمة أخلاقية ينتخب الصحافيون أعضاءها وباستطاعتها اتّخاذ قرارات تأديبية تصل إلى حدّ سحب البطاقة الصحافية من المخلّين بالميثاق".

وأضاف "ويبقى التحدّي الآن في التمكّن من إقناع الهيئات والنقابات الإعلامية بالتوقيع على الميثاق. وهناك توصية في وثيقة المعهد المهني للصحافيين تربط الحصول على البطاقة الصحافية بالتوقيع على ميثاق الشرف. أما الاختلال المهني المتمثّل في رداءة المُخرَج الإعلامي الموجّه للجمهور، فقد حاولت الوثيقة تقويمه من خلال توصية بفرض مستوى أكاديمي معين لولوج المهنة والحصول على حدّ أدنى من التجربة لنيل البطاقة الصحافية. وخلاصة القول هي أن اللجنة المعنية بإصلاح الإعلام قد وجدت أمامها وثيقة متكاملة ستسهّل عملها بشكل كبير إن أرادت إصلاحاً نابعاً من نظرة الصحافيين أنفسهم لقطاعهم".

الواقع الصحافي المزري

يُذكر أن دراسة صدرت تحت عنوان "واقع الإعلام في موريتانيا وآفاق إصلاحه" بإشراف من الإعلامي المخضرم أحمد مصطفى، ورد فيها أنّ من بين الاختلالات الملحوظة، طغيان الكمّ على الكيف، ففي بلد سكانه في حدود 4 ملايين نسمة، ثلثهم أمّي تم الترخيص لأكثر من 1200 صحيفة، نصفها لم يصدر قطّ وثلثها يصدر موسمياً ويقتصر توزيعه على بعض كبريات المدن، كما رُخّصت 4 إذاعات و5 قنوات تلفزيونية وتم الترخيص ضمنياً لـ 750 صحيفة إلكترونية.

وذكرت الدراسة ذاتها أن عدد العاملين في القطاع، بشقَّيْه العمومي والخصوصي، يزيد على 3000 شخص، من بينهم أقل من 100 صحافي مهني.

وبحسب تحليل متضمّن في هذه الدراسة، فإنّ "نظام العشرية المنصرمة تعامل مع الإعلام عندما كان بحاجة إلى الشرعنة، ثم استخدمه لاحقاً في زمن الربيع العربي بغية شيطنة خصومه المطالبين بالرحيل، وأدّى غياب التمهين والتمويل ورؤى الإصلاح إلى خلق واقع إعلامي مأزوم، يتطلّع الجميع للخروج منه في أجواء الإصلاح التي تشهدها البلاد حالياً".

المزيد من العالم العربي