Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هامش ضيق لنطاق الاحترار العالمي المتصل بالنشاط البشري

دراسة علمية مثابرة قلصته ودحضت فكرة الركون إلى تدني حساسية المناخ

هامش ضيق لتقلبات الاحتباس الحراري لكن المخاطر كارثية (ياهوو)

خلُصت دراسة بارزة صدرت حديثاً وتوّجت عملاً استمرّ أربع سنوات تولاه فريق عالمي من العلماء، إلى تضييق نطاق التأرجح في الزيادة المحتملة لحرارة كوكبنا، جراء تأثيرات انبعاثات الكربون المتأتية من نشاطات البشر.

في الواقع، يكاد التقرير الذي نُشر الأربعاء الماضي، أن يطيح بالسيناريوهات الأفضل المتعلِّقة بالزيادة في درجات الحرارة على الصعيد العالمي، ما يعني أنّ اتخاذ إجراءات عاجلة بغية خفض الانبعاثات الكربونية ما زال أمراً بالغ الأهمية. في المقابل، تشير نتائج الدراسة نفسها إلى أنّ التوقّعات الأكثر تشاؤماً ربما تكون بعيدة الاحتمال.

في التفاصيل أن الفريق الذي يضمّ 25 عالماً، درس مؤشّراً يُسمى "حساسية المناخ في حالة التوازن" ("إي سي إس") equilibrium climate sensitivity، ويمثّل الزيادة في درجة الحرارة التي يمكن أن تنشأ عقب وصول تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض إلى ضعفي ما كانه قبل العصر الصناعي. ويعتبر المؤشر معياراً رئيساً استُخدِم في وضع نماذج حاسوبية افتراضية تُستخدم للتنبؤ بالتغيّر المناخي، على مدى السنوات الأربعين الماضية.

منذ 1979، تمسّك العلماء بفكرة وجود نطاق واسع للارتفاعات المحتملة في درجات الحرارة العالمية التي تتأرجح بين حد أدنى يمثله حدوث زيادة بـ1.5 درجة مئوية، وحد أقصى عند 4.5 درجات مئوية. وقد شكّل ذلك الأساس الذي استند إليه التقرير الأحدث لـ"اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ" ("آي بي سي سي") التابعة لمنظمة "الأمم المتحدة" UN Intergovernmental Panel on Climate Change.

وفق بعض التقديرات، إذا تحقق الهدف الطموح المتمثِّل في وقف زيادة الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، يكون من المستطاع الحؤول دون وقع عواقب وخيمة، كذوبان الجليد تماماً في منطقة القطب الشمالي صيفاً، وفقدان الشِعاب المرجانية في المناطق الاستوائية. كذلك يمكن أن يحدّ ذلك من ارتفاع مستوى سطح البحر، وينقذ تالياً كثيراً من المناطق الساحلية والجزر. وفي مقلب مغاير، إذا بلغت الزيادة 4.5 درجات مئوية، فيتوقع حدوث انهيار كارثيّ للمناخ.

في مسار مختلف، ضيّقت الدراسة المحكّمة الصادرة أخيراً النطاق المحتمل لمؤشر "حساسية المناخ في حالة التوازن" ليتراوح بين 2.6 و4.1 درجات مئوية (بمعنى أنه أعلى من الحد الأدنى وأقل من الحد الأعلى المشار إليهما آنفاً). جدير بالذكر أنّ التقدير الأفضل لحساسية المناخ يزيد قليلاً على ثلاث درجات مئوية.

وجد التقرير، الذي نُشر في مجلة "مراجعات الجيوفيزياء" Reviews of Geophysics، أنّ ثمة احتمالاً نسبته أقل من 5 في المئة لأن يكون نطاق مؤشر "حساسية المناخ في حالة التوازن"، أقل من درجتين مئويتين، واحتمالاً تتراوح نسبته بين 6 و18 في المئة بأن تتخطّى تلك الحساسية 4.5 درجات مئوية.

في هذا الشأن، تحدّث إلى "الاندبندنت" الدكتور غافين شميت، الباحث المشارك في التقرير ومدير "معهد غودارد لدراسات الفضاء" التابع لوكالة "ناسا". ووفق كلماته، "يعني ذلك أنّ الجهود المبذولة للقول بأنّ حساسية المناخ ضئيلة جداً فلا داعي للقلق، لم تعد مقبولة. وفي المقابل، فإن ادعاء البعض أنّ حساسية المناخ تبلغ خمس أو ست أو سبع درجات، لم يعد مقبولاً أيضاً".

وفي ذلك الصدد أيضاً، غرّد زيك هاوزفاثر، وهو باحث مشارك في الدراسة، على "تويتر" معتبراً أن "تغير المناخ سيكون دائماً لعبة محفوفة بالمخاطر نظراً إلى الطبيعة المعقدة لمناخ الأرض. ما أجدنا إنجازه في هذه الدراسة الجديدة أنّنا وجدنا أنّ الحصول على 1 أو 6 درجات مئوية أقل احتمالاً بكثير مما كنا نعتقد سابقاً".

وتذكيراً، تبلغ درجة حرارة الأرض راهناً حوالي 1.2 درجة مئوية (2.2 فهرنهايت) فوق المعدل الأساسي لما قبل عصر الصناعة. وكذلك يلامس تركيز انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي حاضراً ، الـ416 جزءاً في المليون بالمقارنة مع ما كانه قبل عصر الصناعة، ويقدر بـ280 جزءاً في المليون. وإذا استمرت الاتجاهات الراهنة للانبعاثات، من دون اتخاذ خطوات كبيرة في سبيل الحد منها، يُتوقع أن تصل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى 560 جزءاً في المليون في غضون أربعة عقود تقريباً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وفي سياق التوصّل إلى استنتاجاتهم، استخدم فريق العلماء عدداً من الأدلة المستقلة تفوق كل ما أُستعمل في دراسات سابقة، بما فيها مثلاً سجلات درجات الحرارة المسجلة منذ الثورة الصناعية، وسجلات المناخ القديم المستعملة في تقدير درجات الحرارة التي شهدها كوكب الأرض في فترة ما قبل التاريخ، وبيانات الأقمار الاصطناعية، فضلاً عن أحدث نماذج الكمبيوتر عن النظام المناخيّ.

كذلك درس العلماء مختلف ردود الفعل المتصلة بتغيّر المناخ، التي تؤدي دوراً حاسماً في كيفية تفاعل الكوكب مع زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون. تذكيراً، تعمل حلقة من ردود الفعل الإيجابية (بمعنى الزيادة في الأرقام، وليس دلالتها) على تسريع الاحترار، فيما تبطئه ردود الفعل السلبية. وقد دعمت تلك الخيوط المتفاوتة الاستنتاج نفسه الذي خلُصت إليه الدراسة.

وفي ذلك الإطار، شبّه البروفيسور ستيفن شيروود، الباحث الرئيس في الدراسة وكبير الباحثين في جامعة "نيو ساوث ويلز"، مع مركز "مركز التميّز للمناخ المتطرف" التابع لـ"مجلس البحوث الأسترالي"، العمل البحثيّ بمحاولة حلّ لغز جريمة ما.

ووفق كلمات شيروود، "عمل جزء مهم من العملية على التأكّد من أنّ الأدلة كانت مستقلة بشكل أو بآخر. لك أن تفكِّر في الأمر على أنّه النسخة الحسابية من محاولة معرفة ما إذا كانت إشاعة تسمعها من شخصين كل منهما على حدة، قد انبثقت عن المصدر نفسه، أو إن كان واحد من شاهدي عيان على جريمة ما قد تأثّر بسماعه قصة الشاهد الآخر".

وثمة أمر حاسم يتمثّل في أنّ المدى الذي ستصل إليه الزيادات في درجات الحرارة، يتوقّف على الخطوات المتخذة في سبيل خفض مستوى الانبعاثات بشدة في السنوات المقبلة.

من المتوقع البحث في نتائج التقرير في "مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ" في 2021 الذي تأجّل نتيجة جائحة "كورونا". وكذلك تشكّل تلك النتائج تذكيراً صارماً لواضعي السياسات على الصعيدين الوطنيّ والدوليّ، بأنّ فرصة الإبقاء على الاحترار العالمي في حدود أقل من درجتين مئويتين كما يرد في "اتفاق باريس 2015"، تتضاءل بسرعة.

وفي نظر البروفيسور إلكو رولينغ، باحث مشارك من "الجامعة الوطنية الأسترالية"، "تشكل هذه النتائج دليلاً على أهمية البحوث المتعدّدة التخصصات، إلى جانب العلوم المتمهِّلة والمتأنية. وكذلك تُبرز بشكل ممتاز أنّ في مقدور التعاون الدوليّ أنّ يقضي على مشاكلنا الأكثر تعقيداً".

ووفق رولينغ، "إذا كان في وسع صانعي السياسة الدوليين إيجاد التركيز وروح التعاون عينهما اللذان تمتّع بهما هؤلاء الباحثون، سيبعث ذلك فينا الأمل بأن في استطاعتنا أن نتفادى العواقب الأسوأ للاحترار العالمي".

© The Independent

المزيد من بيئة