Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المهور في لبنان تتهاوى أمام الذهب

سنكون أمام انتكاسة للزواج النظامي إذا لم يتمكن المجتمع من الوصول إلى تسويات

صورة من سوق الصاغة في طرابلس شمال لبنان (اندبندنت عربية)

ما إن دنا الذهب من سقف 1900  دولار أميركي حتى بدأت الصرخات في أوساط العرسان الجدد. فهذا المعدن الثمين ليس مجرد أونصات وسبائك، بل تتصل به طقوس وأبعاد ثقافية واجتماعية.

وفي دولة كلبنان، تتراكم الأزمات على رأس المواطن كان لا بد أن تتضاعف المعاناة، فالعريس بات بين فكي كماشة الذهب والدولار.

مهر ذهبي

سنا وجهاد ثنائي يتحضر للزواج، ارتبط الشابان قبل جائحة كورونا وارتفاع سعر الذهب. تقول الصبية إن ثمة عادة في عائلتها أن يكون المقدّم من المهر بالليرات الذهبية، وطلبت أن يكون خمس ليرات.

كانت قيمة هذه الليرات بداية عام 2020 حوالى 1600 دولار. وما زاد الطين بلة أن الدولار كان3000  ليرة، والصائغ يقبل بتقاضي المال بالعملة الوطنية.

جاء إقفال كورونا وارتفاع الدولار والذهب ليتجاوز ثمن الليرة 420 دولاراً. وأصرت سنا على الحصول على مقدّم مهر ذهبي، لذلك ألزمت خطيبها على إرسال "فريش دولار" للجوهرجي لتأمين مقدمها.

تعترف أن وجود خطيبها في الخليج ساعدها في تأمين ثمن المقدّم، أما صديقاتها يقفن عاجزات أمام ذلك. وتشير إلى أنها أجّلت العرس ريثما تنتهي أزمة كورونا، علماً أن طول الأزمة قد يدفعها للزواج من دون حفلة كبيرة.

ما حصل مع سنا، يتكرر مع كثيرات من المقبلين على الزواج. يؤكد بشير يمق عضو نقابة الصاغة وتجار الذهب في طرابلس شمال لبنان، أنه يتلقى كل يوم اتصالات وطلبات من المحكمة الشرعية والأزواج لمعرفة قيمة الذهب.

يؤدي الشرط الذهبي أحياناً إلى مشكلات بين الثنائيات، ويطالب البعض بالانفصال قبل حصول الزواج الرسمي لقاء نصف المهر، فيما يتجه البعض إلى تسوية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

البحث عن بدائل في المفروشات

أمام العبء الذي يفرضه ارتفاع الذهب، يبحث الأهالي عن بدائل، وهناك حيز واسع من الخيارات التي تحول دون انفضاض الزوجية.

توضح السيدة سمر أنها طلبت مقدّماً لابنتها "أثاث بيت كامل لا تقل قيمته عن عشرة آلاف دولار وهذا ما نصّت عليه في عقد الزواج". فهي تعتبر طلبها يؤمن التوازن بين مصلحة الزوجين، وضمانة لابنتها بأن يكون لديها الحد الأدنى اللائق من الحياة والمعيشة.

وتلفت إلى أن الذهب هو المفضّل، إلا أنه سيشكل عبئاً إضافياً على العريس، وتنطلق من خلفيتها الثقافية لتقول إن "العائلة اعتادت معها ومع إخوتها الخمسة على طلب وتقديم مقدّم يؤمن للعروس حاجاتها الأساسية للزواج"، وأن فرش البيت هو مطلب مشروع.

العقار مغري

لا تتوقف طلبات الأهل عند حدود ذلك، إذ يطلبون نقل ملكية عقار أرض أو شقة للعروس. وتشير السيدة نهاد إلى أن "تطويب أرض هو عادة قديمة لدى الشعب اللبناني"، وينظر الأهل إلى العقار على أنه ضمانة بعيدة الأمد للبنت وكذلك للأحفاد.

وتفضل العائلات المحافظة أن يتم تأمين شقة للعروس وتسجيلها باسمها لأن "المسكن حق شرعي للزوجة وعلى الزوج تأمينه"، ويؤدي تسجيل الشقة إلى إراحة البنت من تدخلات أهل الزوج.

 حبة تمر أو قرآن

على المقلب الآخر من طلبات المهور والمقدّم، فإن الكثير من الأهالي يجدون "آدمية الشب وسمعته هي الضمانة" على حد تعبير السيد نسيم وهو أب لابنتين.

ويوضح أن هناك توجهاً لدى كثير من الأهالي "للتماهي مع روح الشريعة الإسلامية بعدم رفع قيمة المهور كي لا يعيق الزواج"، ولذلك هناك البعض ممن يطالب بتسجيل المقدّم واصلاً، أما هو فيفضل تسجيل حبة تمر، أو قرآن.

وينطلق من منظومة القيم السائدة بأن "الرجال تُربط بكلامها"، وهو لم يطلب مقدّماً لابنتيه، ولم يفرض عليهن القبول إلا أنه أعلمهن أن "الأساس هو الوفاق"، مضيفاً أنه لو تم تسجيل مقدّم مهم لا يضمن ذلك الوفاق.

لا يُمانع الأهل بأن يتم الاتفاق على أن يُسهم الصهر الجديد في تجهيز العروس، لذلك يقوم أهل العريس في أكثر الأحيان بطلب "جهاز العروس على فقه أهل الزوج". ويضع الكثير من الأهل "العلامة" أو "الشبكة" في دائرة الهدية التي يقدمها أهل العريس لعروس ابنهم، بما يعكس مكانتهم الاجتماعية، رافضين أن تكون ضمن ما يشتهر بالمهر المعجّل أو مقدّم العروس. 

شهر العسل

ساهمت الثقافة العصرية في ترسيخ بعض العادات في المجتمع، وتحديداً تلك المتصلة بالرفاهية. ويأتي شهر العسل والسفر وحفلات توديع العزوبية والزفاف في مقدم ذلك.

وثمة تقديرات بأن الكلفة السنوية لهذه الحفلات قبل كورونا كانت تبلغ حوالى مليار دولار، بكلفة وسطية 25 ألف دولار. وازدهرت لفترات طويلة في لبنان فكرة "قروض الزواج وشهر العسل".

باتت اليوم هذه العادة تشكل عبئاً كبيراً على العريس، لذلك بدأ البعض يتنازل عنها، فيما بقيت أساسية ضمن قائمة الأسر البرجوازية.

وشهدت في الفترة الأخيرة هبوطاً حاداً في ظل أزمة الدولار ووقف السحوبات النقدية من البنوك بالعملة الصعبة.

تؤكد السيدة كلودات الخوري وهي صاحبة فندق أن "شهر العسل كان يشكل دخلاً أساسياً للمؤسسات السياحية، ووصلت اليوم إلى الصفر"، فالعرسان يضطرون للتضحية وأولها كانت الأعراس وشهر العسل.

وتلفت إلى أن ذلك أسهم في وصول قطاع المؤسسات السياحية إلى مرحلة الموت، ولم يعد بالإمكان المقاومة إذا لم يعد الاستقرار إلى البلد وتدعم الدولة القطاع.

التضحيات واجبة

انعكست أزمة الدولار وارتفاع ثمن الذهب على مؤسسة الزواج من وجهة نظر علم الاجتماع. ويعتقد الدكتور نديم منصوري أن مسألة المهور دقيقة جداً ويجب أن يتعامل معها الأهل بحساسية، "لأن الوضع الاقتصادي سيقودنا نحو تقديم التنازلات. وهذه التنازلات ستنسحب على جميع الطقوس المتصلة بالأسرة، وتحديداً المهور العالية التي ستشكل عائقاً أمام استمرار مؤسسة الزواج واستقرارها".

ويستشهد منصوري في حديث لـ "اندبندنت عربية" بتجربة شخصية، فعندما كان في زيارة إلى أبيدجان، تعرّف إلى قبيلة هناك تفرض على العريس تقديم وزن الفتاة ذهباً، وأن ينحر خرافاً كافية لإطعام كل القبيلة. إلا أن الأزمة الاقتصادية دفعت القبيلة إلى تقديم التنازلات، والاستغناء عن "طقوس وعادات يسبغها الأهالي بالقداسة".

ويرى منصوري أن البحث عن بدائل للمهور المرتفعة مسألة وقت، و"أننا سنكون أمام انتكاسة للزواج النظامي إذا لم يتمكن المجتمع من الوصول إلى تسويات على غرار ما حصل في أوروبا مع تشكّل العائلة النواتية".

في المحصلة، يبدو أن جبل جليد الأزمة في لبنان ما زال يخفي الجزء الأكبر منه. وإلى حين تمظهر كل الحقائق والآثار سنكون أمام إنعكاسات ستطال كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية. وأمام هذا الواقع، ليس أمام اللبناني إلا تقديم التنازلات والانحناء أمام العاصفة، أو أن المؤسسات الاجتماعية القائمة كالزواج سيكون مصيرها الاندثار.

المزيد من منوعات