Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنفع نصائح كتّاب عالميين في كتابة الرواية؟

موراكامي يدعو الروائيين إلى تحاشي البدانة وستيفن كينغ إلى عدم التفكير بالقراء

كتابة الرواية ونصائح الروائيين (من الإنترنت)

أمران متوازيان في مجال الرواية حصلا، في بدء القرن الواحد والعشرين، وامتدّت آثارهما لتشمل العالم العربي: اجتياح الرواية غالبية الأنواع الأدبية في العالم، حتّى ليُحسب أن ليس من أدب غير الرواية، وهذا الحاصل لدينا، من أواخر القرن العشرين إلى يومنا هذا. أما الأمر الثاني، فهو تنامي العلوم التربوية، لا سيّما تعليم اللغة والأدب، واعتبار البعض أنّ تعليم الكتابة الإبداعية، ومنها كتابة الرواية، ممكنٌ تعليمه وتعلّمه، سواء عبر الطرائق الناشطة، مثل المشغل الكتابي وغيره، أو من خلال اتّباع بعض التعليمات التي تأكد الكتّاب أن من فعاليّتها. ولكن هل تصنع النصائح كتّاباً وروائيين؟ وهل يكفي مجرّد اتّباع المبتدئين النصائح؟ ههنا جولة على بعض الكتّاب الحائزين نوبل للآداب، وغيرهم من الموضوعين على لائحتها.

يقول الكاتب الياباني هاروكي موراكامي، الذائع الصيت، وصاحب العشرات من الروايات ومجموعات القصص، والمتَرجَمَة أعماله إلى لغات العالم، في كتابه "المهنة روائي"، بترجمته الفرنسية عن دار بلفون (2019)، إنّ الانتظام في الكتابة هو إحدى كلمات السرّ في نجاح الكاتب بأن يتحوّل إلى روائي، إذ يقول في هذا الشأن: "أقوم باكراً، كلّ صباح. أحضّر قهوتي، وأظلّ منثنياً على مكتبي طوال أربع ساعات أو خمس. حتّى أنجز عشر صفحات يومياً، أي ثلاثمئة صفحة شهرياً". ولكن، هل من كلمة سرّ أخرى؟ على أنّ للمتعلّم الدّرِب ألاّ يستسهل الأمر، فيمضي إلى كتابة الرواية من دون "دراسة المجتمع" الذي يختاره موضوع الرواية. ثم أن يجعل الزمن حليفه، ويسائل نفسه دوماً عمّا إذا كان ما يفعله يدخل السرور في نفسه أو لا. ويتابع موراكامي القول، في ما يعتبر توصيات أو أخلاقيات خاصة بالمهنة، ما دام الكاتب يعتبرها كذلك، أنه على "كاتب الرواية أن يكون إنساناً حرّاً: والحرُّ هو من يفعل ما يريده، ومتى أراده وكما شاء أن يكون".

 

ثمّ يمضي موراكامي، في وصفه سمات كاتب الرواية، إلى تعيين هيئته الجسمانية، وذلك في فصل بعنوان "نشاط جسماني شخصيّ تماماً"، داعياً الكاتب إلى ممارسة الرياضة البدنية تجنّباً للبدانة، "فمن أدركته البدانة، انتهى أمره". ويتابع تسويغ فكرته في المحافظة على قوام الكاتب الرشيق، بأن يعتبرها سليمة وإن بدت متطرّفة بعض الشيء، ويصرّ على منافع رياضات الجري والسباحة والأيروبيك وغيرها لهذه الغاية!

ستيفن كينغ

أما ستيفن كينغ الروائي الأميركي صاحب الستين رواية، والمئتي قصّة، والحائز جوائز كثيرة إلى حينه، فله مقاربة أخرى لكتابة الرواية، هي أقرب ما تكون إلى نصائح (عشرين) عملية يسديها إلى مَن شاء أن يكون كاتب روايات. ويوزّع هذه النصائح إلى أربع رزم أو أبواب: الباب الأول هو صلة الكاتب بالقرّاء المحتملين وبمجتمع الأدباء، فيقول: "أكتبْ لنفسك، ولا تفكّر بالقرّاء"، ولا تهتمّ بما سيُقال عن العمل، وأن تكون ثقتك بنفسك ثابتة لا تتزعزع، فالخوف هو مصدر كل الصفحات السيّئة، وحقّق سعادتك بالكتابة لأنك ستغني نفسك والآخرين بها". وفي باب النصائح التقنية، يقول مخاطباً الكاتب الروائي: "ينبغي لك العناية بأول سطر من الرواية، فهو الذي يستدعي القارىء للشروع في قراءة ما يأتي من فصول، وتجنّب استخدام الفعل المجهول والظروف، واكتب مقاطع تامة لأنّ الأخيرة مقروءة، ولا تنشغل بالقواعد، وإنّما اعتنِ بكلامك ليكون مدخلاً فحسب للقارىء إلى أعمالك، ولا تذهبْ إلى استنفاد الوصف في بعض المشاهد، وتخلَّ عن بعض الفصول التي تروق لك كثيراً، ولا تجعل عملك التوثيقي يطغى على الحكاية".

وفي باب محيط العمل، يقول ستيفن كينغ بما معناه، إنه على كاتب الرواية أن يلزم مكاناً مغلقاً، وأن يكون لديه نوع من المكتب، في زاوية، وأن يحيط نفسه بصرامة معيّنة، ذلك أنّ الحياة بذاتها ليست نظاماً مؤيّداً للفنّ. كما ينبغي له أن يطفىء جهاز التلفزيون ويحذف كلّ أنواع اللهو، وأن يحترم الروزنامة التي وضعها للانتهاء من روايته، بحيث لا تستغرق كتابة الرواية الواحدة ثلاثة أشهر. وفي الباب الأخير أي أهمية العمل، اعتبر ستيفان كينغ أن على كاتب الرواية أن يقرأ كل الوقت..

ميلان كونديرا

للروائي التشيكي ميلان كونديرا (1926)، بدوره وجهة نظره في ما خصّ كتابة الرواية، يبسّطها، على طريقته المترجّحة بين ذروة الجدية الفلسفية وبين الهزل الذكيّ، يقول في كتابه "فنّ الرواية" بما معناه أنّ فلسفة بناء الرواية، إن صحّ التعبير، تختلف باختلاف العصور. فعلى سبيل المثال، كان الفضاء الروائي منذ رابليه ومونتسكيو وثرفانتيس، ملتزماً بإعادة إنتاج الواقع، في حين أنّ فلوبير، جعلَ يقصُرُ الفضاء الروائي على اليومي وحده، باعتبار أنّ الروح الفردية هي ما يجدر بها البقاء. ومن ثمّ أهمل الفضاء العام لصالح الأعماق النفسانية كما هي الحال لدى شخصيات بروست، أواخر القرن التاسع عشر.

وعلى هذا النحو، يعتبر كونديرا أنّ ما يميّز التوتاليتارية هو نفيها للفضاء الخاص، وأنّ الرواية أرّخت لتاريخ أوروبا وساءلته مراراً، وأنّ الرواية الغربية انتقلت من كونها تعبّر عن أزمة القيَم مع ثيرفانتيس، إلى وعيها الذات الفردية بكلّ تناقضاتها ومثالاتها وانتكاساتها، وذلك من خلال رسمها الشخصيات بخطوطها وسماتها الممكنة والقابلة للتصديق والقريبة المتناول. ومن هذا المنطلق، ما عاد الروائي يسعى إلى محاكاة الواقع، وإنّما إلى الكشف عن وجوده المعرّف على أنه حقل الإمكانيات البشرية. ولَمّا كان الروائي يجعل شخصياته تتكلّم، فإنّ خطاباتها تتخطّاه حتماً. 

وبناء على ما سبق، يطرح كونديرا توليفيّته الخاصة في كتابة الرواية، نختار بعضاً من عناصرها التي تنسجم مع الملفّ الذي أعددناه بهذا الشأن. من أهمّ العناصر، ما يصطلح على تسميته بالكلمات-المواضيع ويعني بها أنّ للروائي أن يضع لنفسه ـ من جملة أدوات التأليف لديه ـ بعضاً من الكلمات التي تحمل في ذاتها إمكانيات للتحليل والوصف والتأمّل، من مثل: المصير والحدود والشباب والخفّة والغنائية والخيانة وغيرها.

أما عن الشخصيات، فيقول إنها ليست معدّة، بالضرورة، لتكون واقعية، وإنما لتكون ممكنة الوجود وذات صدقية معقولة، بحيث تخدم المشروع الروائي المزمع القيام به.

أورهان باموك

وللروائي التركي أورهان باموك، الحائز نوبل للآداب (2006) رؤيته الخاصة لكتابة الرواية، كان قدّ فصّلها في كتابين، أحدهما بعنوان "الروائي العاطفي والساذج"، والثاني "ألوان أخرى". وكانت النصيحة الأولى بمنزلة الشرط، وهي أنّ قراءة الأعمال الروائية الكبرى يمكن أن توصل المرء إلى مجاراتها بإنجازه أعمالاً روائية شبيهة بها. هذا للمتمرّسين بكتابة الرواية، والمنغرسين في تربتها. ولكنّ الروائي الدّرِب يجد بعض النفع في قراءة ما سمّاه بِما وراء الأدب، أي كل النظريات النقدية التي تتّصل بالرواية، من مثل كتابات باختين وبنجامين وبورديو وإيزر ولوكاتش وأورتيغا إي غاسيّه وأومبرتو إيكو وغيرهم.

أما النصائح المباشرة المرتبطة بكيفية كتابة الرواية، فيقول إنّ على الروائي أن يتنبّه للتناسق في بنيتها، ما دام أنّ كلّ شيء متعلّق بكلّ شيء فيها. ولمّا كان التوازن في بنيان الرواية هو المطلوب، فقد وجب، بنظر باموك، أن يكون ثمة مركز ثقل واحد، تعود إليه التفاصيل والأحداث والأوصاف. ويقول في موضع آخر إنّ الرواية هي فنّ أن يحكي المرء ذاته، كما لو أنّنا الآخرون الذين نصفهم في الرواية. وبهذه الطريقة، يتوصّل الروائي إلى تحويل رؤية الحدود الفاصلة بيننا نحن والآخرين إلى رؤية ذاتية المنطلق وموضوعية المآل.

الفرنسي لوكليزيو

للكاتب الروائي الفرنسي جان ماري لوكليزيو (1947) الحائز نوبل للآداب (2008) عن أعماله الروائية والقصصية، رؤية خاصّة إلى الكتابة أقرب إلى الرؤية الفنية التشكيلية منها إلى أي فنّ آخر. يقول إنه يمضي إلى الريف، مثل رسّام نهار الأحد، وفي يده قلم وورقة، ويختار مكاناً مقفراً ويجلس عند صخرة ويمعن النظر في المنحدر بين الجبال الصمّاء، ثم يخطّ بقلمه ما عاينه من مناظر، مضيفاً إليها بعض الحوارات التي سبق أن التقطها من الجوار، أو اقتطعها من الجرائد، وكفى. أما إعادة النظر في كتابة النصوص، فلازمة لتجويدها. وبالطبع، لن يكون مفهوم إعادة الكتابة المتّبع بكثرة لدى الروائيين، والمستلّ من علوم التربية وتعليم اللغات في الغرب، كافياً وحده لتمكين المتدرّب من كتابة رواية تامة.

نصائح أخرى

وبينما يقول الروائي الجزائري (الفرنكوفوني) ياسمينا خضرا (1955) أنّ الشرط الأساس في الكتابة الروائية العزم المتواصل على الكتابة، حتى الصيام عن الطعام، وعدم الركون إلى تصميم مسبق للرواية والتقدّم في حقولها خطوة خطوة، واختيار الشخصيات بعناية وإسباغها قدراً من الحيوية، يردّ إريك أورسينا (1947) أن على الشخصيات أن تكون مرسومة بعناية، وتكون سماتها وأسماؤها وعائلاتها مختارة بدقّة حتى يتفاعل القرّاء معها ويتابعوا حكايتها.

 وفي ما خصّ بناء عالم الرواية، يقول أورسينا إنه ينبغي خلق عالم قابل للتصديق، على قدر كبير من التفصيل والدقة من أجل مضاعفة أعداد القرّاء. مثلما يدعو إلى جعل الكتابة الروائية أبسط، وأقرب ما يكون إلى لغة التدوين والتحقيق، إلى ضرورة التزام الوحدة والبعد عن الناس والاستمرارية في الكتابة.

وبعد، هل تصنع هذه النصائح ووجهات النظر رواية؟ أم تجعل من متتبّعها روائيّاً؟ هذان سؤالان يجدان الجواب عنهما من القرّاء، حتماً.

المزيد من ثقافة