Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"السجن المؤقت" في الجزائر إجراء استثنائي ضد الحرية الفردية

قانونيون يُطالبون بمراجعة دواعي الإفراط في اللجوء إليه

وفاة الوزير السابق موسى بن حمادي تعكس معاناة آلاف المحبوسين في السجون الجزائرية (مواقع التواصل)

شكّلت حادثة وفاة وزير جزائري سابق متهم بفساد مالي وسياسي في السجن متأثراً بفيروس كورونا، دعماً قوياً لمطالب حقوقية يرفعها قانونيون بغية إعادة النظر في آليات السجن المؤقت الموصوف بـ"الجريمة" التي تمس بحق دستوري مقدس ألا وهو قرينة البراءة.

ويؤكد محامون جزائريون أن وفاة موسى بن حمادي وزير الاتصالات الأسبق في عهد الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، تعكس معاناة آلاف المحبوسين في السجون الجزائرية، ممن وقعوا ضحية السجن المؤقت، الذي تحوّل من إجراء استثنائي يُلجأ إليه في الحالات الخطيرة جداً، إلى قاعدة تتبناها السلطة القضائية أثناء متابعة المتهمين.

وتوفى بن حمادي (67 سنة)، بسجن "الحراش" وسط العاصمة، بينما كان يترقب برمجة محاكمته عقب مرور عام من وضعه رهن الحبس المؤقت منذ سبتمبر (أيلول) 2019، ضمن حملة توقيفات وتحقيقات واسعة باشرتها العدالة بدعم من المؤسسة العسكرية، طالت وزراء ورجال أعمال وجنرالات في نظام بوتفليقة، لكسب ثقة المحتجين، الذين رفعوا مطالب تُنادي بمحاكمة من سموهم "العصابة" بعد اندلاع حراك 22 فبراير (شباط) 2019.

وشغل بن حمادي، منصب الرئيس التنفيذي لشركة اتصالات الجزائر الحكومية، من 2008 وحتى 2010، ليُعيّن وزيراً للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ما بين 2010 و2014، وهو من كبار الأثرياء في الجزائر وأحد مؤسسي مجمع "كوندور" الخاص للصناعات الإلكترونية والكهرومنزلية، ومن أبرز القياديين في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم سابقاً.

ترقب لتاريخ المحاكمة

وجرت العادة أن تُصدر الجهات القضائية أحكاماً بالحبس المؤقت، بداعي أن التهمة قيد التحقيق، إذ يكشف المحامي عبد الرحمن صالح، عن حيازته معلومات تفيد بوجود حوالى 1000 شخص رهن الحبس المؤقت بسجن الحراش وحده، وهو أحد أشهر السجون في البلاد وارتفعت شعبيته وسط الجزائريين، بعد الحراك الشعبي، واستقباله عشرات المسؤولين السابقين وسجناء الرأي.                           

ويربط المحامي المؤَسس في هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي في الجزائر، الإفراط في اللجوء إلى الحبس المؤقت، بضعف منظومة تكوين القضاة، الذين حوّلوا إجراءً قانونياً من استثناء إلى قاعدة.

ويوضح في تصريح لـ "اندبندنت عربية، أن "المشكلة ليست في النصوص وإنما في تكوين وقناعة القضاة بأن الحبس المؤقت أفضل وسيلة في حين جَعَلهُ المشرع الجزائري آخر حل بعد الرقابة القضائية أو الإفراج المؤقت".

وتأسف صالح، لواقع جعل من الإفراج عن المتهمين هو الاستثناء، مع تأكيداته على ضرورة  إعادة النظر في كيفيات اللجوء للحبس المؤقت وتقييد مدته إلى أربعة أشهر كحد أقصى وليس كما هو معمول به حالياً أربعة أشهر حد أدنى، معتبراً أن "المدة المحدّدة للحبس المؤقت في الجزائر غير معقولة، لأن القاضي يأمر بالحبس 4 أشهر قابلة للتجديد والتمديد إلى مرتين".

دوافع  السياسة

 

في المقابل، يرى  المحامي عبد الغني، أن الخلفية السياسية غير مستبعدة في اللجوء المفرط إلى آلية الحبس المؤقت، ما يسري على قضايا ملفات الفساد ومعتقلي الرأي المطروحة على المحاكم بعد الحراك، مقدماً مثالاً على أشخاص انتقدوا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على "فيسوك" فأودعوا الحبس المؤقت، متسائلًا "هل هذه الوقائع خطيرة"؟

ويقول بادي إن "هناك قضاة متأثرين سياسياً، ويعتقدون أنهم يخضعون لما يسمى الارتباطات الوظيفية للسلطة التنفيذية، بالتالي بإمكان وزارة العدل أو المجلس الأعلى للقضاء أن يتدخل للتأثير في مسارهم المهني، بحكم أن جهاز القضاء غير مستقل".

ووفق المحامي والناشط الحقوقي، فإن بعض المحاكم تُعالج ملفات تسمح وقائعها بمتابعة المتهمين في حالة الإفراج، إلا أن الحبس المؤقت يكون دائماً الإجراء الأول المتخذ بداعي الحد من الجريمة".

ويضيف "لا أعتقد أن بعض المتهمين لا يقدمون ضمانات الامتثال في حال الاستفادة من إجراء غير الحبس"، مقدماً مثالاً على الصحافي المعتقل خالد درارني، المودع رهن الحبس منذ نحو أربعة أشهر، عن تهمتي التحريض على التجمهر غير المسلح والمساس بسلامة وحدة الوطن.

دعوات للقاضي الأول

وأمام تنامي غضب القانونيين من الإفراط في اللجوء إلى الحبس المؤقت، بشكل يُخالف تحقيق عدالة انتقالية تضمن الإنصاف مع عدم الإفلات من العقاب، وجّه  المحامي المختص في القانون الجنائي، ميلود إبراهيمي نداءً للرئيس الجزائري للتدخل، قائلاً "المطلوب الرجوع إلى تطبيق القانون. نحن نعيش كارثة كبيرة ووجهت نداء للرئيس فهو الوحيد القادر على حل هذا المشكل، لأنه القاضي الأول في البلاد، ويتعين عليه التدخل لإنصاف المظلومين في السجون بصفة غير قانونية".

واستنكر إبراهيمي في حديث لـ "اندبندنت عربية"، تحول الحبس المؤقت إلى حكم بالإعدام في زمن كورونا، مستدلاً بوفاة الوزير الجزائري في السجن متأثراً بالفيروس. وأوضح "نحن لا نطالب بخرق القانون والإفراج عن هؤلاء المحبوسين وإنما تطبيقه، لأنه من غير المعقول وضع الأشخاص في السجون ومحاكمتهم بعد أشهر طويلة".

ويرفض المحامي الجزائري تحميل مسؤولية الإفراط في اللجوء إلى آلية الحبس الموقت إلى القضاة الجزائريين مبرزاً أنه مشكل مطروح منذ استقلال الجزائر، "كنت وما زلت من أولئك الأشخاص الذين يردّدون دائماً وبأعلى الصوت نعم لاستقلالية القضاء، ولا لاستقلالية القاضي، لأن القاضي مجبر على تطبيق القانون، لكن لا يُترك له المجال لتطبيقه ما يجعل بعضهم يزجون بمواطنين في السجون بصفة غير قانونية وخارقة تماماً للقانون".

كما يتأسف إبراهيمي لاستمرار تسجيل ضحايا الحبس المؤقت الذين يقضون أشهراً طويلة في السجن ليتم تبرئتهم، من خلال الحكم عليهم بالفترة التي قضوها في السجون "يجب احترام قرينة البراءة فهو مبدأ دستوري وقضائي وموجود في العالم بأسره ونحن من لا يحترمه".

حلول في مقدمها نظام الكفالة

ومن منطلق أن الحرية لا يمكن تعويضها بأي شيء كان، يتساءل المحامي نجيب بيطام، "كيف يتم تعويض الأشخاص عن الفترة التي قضوها في السجون من الناحية المادية والمعنوية"، مؤكداً أن الجزائر شهدت قضايا عدة راح ضحيتها أشخاص أودعوا الحبس المؤقت لتثبت العدالة براءتهم في النهاية، ضاعت معها حقوقهم.

ويُشدّد بيطام على أنه بالرجوع إلى أحكام القانون فإن "الحبس المؤقت إجراء استثنائي لا يلجأ إليه القاضي إلا إذا لم تتوافر ضمانات مثول المتهم، يعني أن لا يكون له عنوان ثابت ومستقر، أو في حال كانت الجريمة على درجة عالية من الخطورة ويشكل بقاء المتهم في حالة الإفراج خطراً عليه أو على النظام العام".

والمطلوب في اعتقاد المحامي، سن قوانين تتماشى والتطورات الجديدة، من خلال إدخال نظام الكفالة المعمول به في الأنظمة الغربية، بالنسبة إلى الأشخاص الميسورين، وتخصيص صندوق خاص بالمعوزين يتكفل بدفع مستحقات الكفالة مع إمكانية استردادها بآليات تسمح بذلك.

ويعتقد الرجل القانوني أن الوزير الجزائري المتوفى في السجن، هو ضحية إجراءات الحبس المؤقت، إذ كان من الأولى أن يبقى تحت نظام الرقابة القضائية بدل سجنه لفترة تفوق السنة من دون محاكمة.

ويضيف "يدور التساؤل عما إذا كانت هناك مسؤولية تقصير في متابعة حالته الصحية بعد إصابته بفيروس كورونا، وهو ما يتطلب فتح تحقيق في الواقعة".

ووجهت أسرة الراحل موسى بن حمادي، اتهاماً لإدارة سجن "الحراش" بالمماطلة في علاجه، إذ أصيب بالفيروس يوم 4 تموز (يوليو) الحالي، ولم ينقل إلى المستشفى الحكومي مصطفى باشا بقلب الجزائر العاصمة، إلا في الـ13 من الشهر نفسه" بحسب شهادة شقيقه، بينما لم تصدر وزارة العدل (المسؤولة عن وضع السجناء)، أي بلاغ رسمي عن الواقعة.

في السياق ذاته، لا يرى نجيب بيطام أي فائدة من استمرار حبس بعض المسؤولين السابقين في عهد بوتفليقة، مبرزاً أنهم يكلفون الدولة أعباء مالية إضافية يمكن أن توجه في مشاريع أكثر أهمية، بيد أن الأصل هو مطالبتهم باسترجاع الأموال التي تحصلوا عليها على شكل امتيازات من خزينة الدولة.

ويوضح في هذا الشأن "الأشخاص المتابعون بسوء استغلال الوظيفة أو قضايا فساد بالإمكان محاكمتهم في حال الإفراج، وفي حال إدانتهم، فإنه من فائدة الدولة استرداد الأموال التي تحصلوا عليها، أما الموظفون أو المسؤولون الذين ارتكبوا جرائم في تبديد المال العام والرشوة أو المخدرات لا يختلف إثنان في ضرورة حبسهم".

يضيف "تعتبر الجزائر رائدة  في مجال حقوق الإنسان في الدول العربية وأفريقيا، ويجب ترجمة هذه الريادة ولا ينبغي أن تبقى كلاماً يردّده الحقوقيون"، مبرزاً "لقد لمح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى أنه ضد سياسة العصب، ونأمل في أن تتجسد هذه الإرادة المعبر عنها من قبله".

المزيد من العالم العربي