Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الراي" الجزائري يبحث عن مجد ضائع بعد "خالد" و"مامي"

يعاني هذا الطابع الغنائي في الفترة الحالية من "انحطاط" في المستوى

تنتظر أغنية الراي الجزائرية عودتها إلى التألق (صفحة الديوان الوطني للثقافة والإعلام)

لم تجد مغنية طابع "الراي" الجزائري، المعروفة بـ"الشابة سهام" مَن يتعاطف معها بعدما حُكم عليها بالسجن 18 شهراً، إثر "اعتداء لفظي على أطباء" في مستشفى غرب البلاد، فبغضّ النظر عن "إدانة" فِعلها، إلا أنه ولمجرد أن الأخيرة مغنية "راي"، فتضاعفت الانتقادات الموجهة ضدها، في مشهد من المشاهد التي باتت تترجم وضعية هذه الأغنية التي قادها الشاب "خالد" إلى العالمية قبل ثلاثة عقود.

وتحافظ أغنية "الراي" التي ظهرت في الجزائر منذ عشرينيات القرن الماضي على مفارقات لافتة، فعلى الرغم من حضورها اللافت، لكنها لم تتصالح تماماً مع عموم المستمعين محلياً بسبب جدل تاريخي حول "الكلمات"، ولم تقدم بديلاً للمكانة التي أوصلها إليها "خالد حاج إبراهيم" ومن بعده "مامي" مطلع تسعينيات القرن الماضي.
ومن بين هذه المفارقات، "انحراف" عدد كبير من مطربي "الراي" بمستوى الكلمات والسلوك أيضاً إلى حد جعل منها موضوع جدلية مجتمعية لا تُقارَن مع مستوى "الجيل الأول" الذي يفتقد بدوره إلى إجماع أهل الفن في الجزائر. فلماذا ارتهن فن "الراي" بمرور السنوات بعدد كبير من مطربي الكاباريهات والملاهي الليلية مع استثناءات قليلة، ولماذا تحولت كلماته إلى "الابتذال"؟


ظاهرة مجتمعية

منذ بدايات أغنية الراي وحتى وصولها إلى فترة الانتشار الدولي، تناول فنانون معروفون في أعمالهم الفنية ملفات تتعلق بتحولات يشهدها المجتمع الجزائري وُصفت يومها بـ"التابوهات" (المحرمات)، فغنى "مشايخ الراي" عن "الحب والهجرة والفقر". لكن انحدار الكلمات إلى ما دون "التابوهات" نفسها، برز مع نهاية فترة التسعينيات في سياق نقاشات عدة حول "أخلاقيات" المجتمع ككل، واستمر الأمر إلى اليوم الحاضر نحو مستويات، احتار في وصفها خبراء علم الاجتماع.
وربط إبراهيم عزوز أستاذ علم الاجتماع، ما بين "حالة التفكك الأخلاقي التي ميزت البلاد ما بعد فترة الإرهاب وحالة الابتذال التي أصابت هذا الطابع الغنائي الجزائري. هذه الحالة الأخلاقية تزامنت وغياب أي مشروع حقيقي لبناء الدولة، تربوياً وثقافياً وفنياً وبالطبع سياسياً". ولفت عزوز إلى أن "ما يحدث لا يعبر بالضرورة عن أخلاق الأفراد في المجتمع، لكنه يعكس حالة مجتمعية مفككة وغير مبالية".
وتابع "في وقت ما غنى مطربو الراي عن مشكلات السكن والعمل وبالطبع الهجرة، لا أتصور اليوم كيف يغني شخص عاقل عن أدوات التجميل، عن فوطة الحمام، عن تطبيق ميسنجر، وغيرها من الأشياء العابرة والغريبة وما تحمله من دلالات عنفية أو جنسية، والأدهى أن هناك مَن يستمع ضمن ما يسمى مسار الفن الموازي". ورأى أستاذ علم الاجتماع أن "الإصلاح قضية مجتمعية شاملة. البحث عن جواب لكل هذا يستوجب العودة إلى إجماع مجتمعي، أسري وهوياتي".


بدايات بدوية
في السياق، صرحت الصحافية المهتمة بالشأن الثقافي والفني أسيا شلابي أن "أغنية الراي مرت بمراحل عدة منذ بداية ظهورها في القرن الثامن عشر بحسب دراسات مختصين، ربطوا بينها وبين الوجود الإسباني في الجزائر. طبعاً أغنية الراي في بدايتها كانت لوناً بدوياً يطلق على مَن يؤديه لقب الشيخ، وعلى الرغم من بدايته ذكورياً إلا أن المرأة سجلت حضوراً قوياً بخاصة بعدما عبّدت الشيخة ريميتي الطريق". وذكرت شلابي أن "هذا اللون الغنائي ظل يعبر عن مواضيع حياتية بحتة بجرأة لم تكن موجودة في الألوان الغنائية الأخرى، إلى أن عرفت أغنية الراي قفزة نوعية على مستوى الشكل والمضمون من خلال جيل جديد يتقدمهم الشاب خالد الذي أوصل أغنية الراي إلى العالمية". هذا المنعرج وفق شلابي "كان سيفاً ذا حدين لأنه نجح في التعريف بهذا الطابع في مختلف عواصم العالم وأصبحت أغنية الراي محطة للمرور إلى الشهرة. وسارع أشهر الفنانين العرب إلى مشاركة الكينغ في أغاني ثنائية وأُعيد أداء أشهر أغاني الشاب خالد بمختلف اللغات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"الراي" في أسوأ أيامه

وقالت أسيا شلابي إن "هذا الانتشار الواسع حوّل أغنية الراي إلى خيار الشهرة الأول، فدخلت تغييرات عدة على الآلات الموسيقية وحتى الكلمات أصبحت هجينة ومن دون معنى، وأصبح التركيز على الأغاني الريتمية بمزجها مع ألوان أخرى مثل الراب أو الريغي. وهنا ظهرت موجة وسط الشباب في المهجر من أصول مغاربية، فبات التركيز على التنويع في الآلات والأنماط الموسيقية في الأغنية الواحدة بكلمات أكثر قبولاً".
وشكت شلابي من أن "أغنية الراي تعيش في السنوات الأخيرة أسوأ أيامها بعدما نجحت أجيال الشيخ حمادة والشيخة ريميتي والشاب خالد والشاب حسني والشاب نصرو والشابة الزهوانية والشاب مامي. من بين الشيوخ والشباب ظهر جيل جديد أساء إلى أغنية الراي بتقديم أغاني لا يجب أن تغادر أسوار الملاهي الليلية. اليوم ولأن المعيار هو نسب المشاهدة، بات ما يهم هو ملايين المشاهدين على "يوتيوب" وليس عدد مبيعات أشرطة الكاسيت أو القرص المدمج".


الانحراف محدود

في سياق متصل، صرح المغني الجزائري وحيد زين الدين الشهير بـ"وحيد لارتيست" والمقيم في بلجيكا لـ"اندبندنت عربية"، أن "الراي سابقاً كان في حالة تطور كبير، وأتحدث هنا عن فترة العالمية التي بدأت مع الشاب خالد، ثم لحق به الشاب مامي الذي قدم ثنائيات غير مسبوقة مع فنانين عالميين من الصف الأول. أعتقد أن جيل خالد ومامي وعلى الرغم من بعض العيوب، إلا أن هدفهم كان تطوير أغنية الراي، والحقيقة أنهم فعلوا ذلك وبفضلهم أحببنا الموسيقى، حينما نتحدث عن خالد مثلاً نرى أنه أحدث نهضة جديدة في الراي، إلى درجة أن الراي بات مرادفاً لاسمه".

وتتنامى حالياً موجة مطربين شباب يعيش معظمهم خارج البلاد، ويُعدّ وحيد واحداً من ضمن قائمة طويلة تشمل الظاهرة "سولكينغ". ويقول "صحيح هناك مَن انحرف من الفنانين لكن الأمر لا يُقاس عليهم، لقد تناسوا هدفهم الحقيقي وهو إكمال ما بدأه هؤلاء". وأضاف "اعتبر نفسي أحد المجتهدين في البحث عن تطوير جديد للراي بكلمات محترمة ومقبولة، منذ يومين فقط طرحت أغنية مع فنانة تركية، لذلك نعتبر أنفسنا أبناء المدرسة الأصيلة للراي مع تقديم شيء جديد وتقديمه عالمياً بصورة أفضل، أما ما يصدر من بعض المنتسبين لهذا الطابع فهو أمر دخيل، الشيء ذاته حدث في مصر ببروز موجة المهرجانات، في تونس أيضاً، وهو شيء أشبه بمحلات الأكل السريع، شيء يأتي سريعاً ويزول سريعاً أيضاً".

المزيد من ثقافة