Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

" بخيل " موليير يضحك المصريين على خشبة الهواء الطلق

المسرح يكسرعزلة كورونا في القاهرة ويطل مجدداً في صيغ حية

مسرحية "البخيل"في صيغة مصرية (موقع المسرحية)

عاد المسرح المصري لاستئناف نشاطه مجدداً، وكسر العزلة التي فرضتها جائحة كورونا، كأول مسرح في المنطقة العربية يعلن تحديه للفيروس القاتل، وإن جاء ذلك وسط إجراءات احترازية مشددة اشترطتها الحكومة المصرية لعودة النشاط، سواء إلى المسارح أو دور السينما، التي عادت هي الأخرى لاستقبال جمهورها. العودة جاءت من خلال المسارح المكشوفة التي تمتلك مصر الكثير منها ، سواء في القاهرة أو في المحافظات، فضلًا عن الساحات الواسعة في دار الأوبرا وغيرها.

الفكرة التي لجأت إليها وزارة الثقافة المصرية كانت ذكية، وسعت إلى اجتذاب الجمهور العام، وذلك من خلال إقامة مسرح مكشوف في ساحة مركز الهناجر للفنون بدار الأوبرا، وتقديم عرضين كل ليلة، وبرسم دخول بسيط، ثلاثون جنيهًا ( أقل من دولارين) أو عشرون جنيهًا ( دولار وبضعة سنتات)، ونظرًا لارتباط هذا الجمهور بعرض العرائس الشهير "الليلة الكبيرة" الذي شارك في صناعته أربعة من كبارالمبدعين المصريين الراحلين ( كتبه صلاح جاهين، ولحنه سيد مكاوي، وصمم عرائسه ناجي شاكر، وأخرجه صلاح السقا) يتم تقديم العرض يومياً، ثم يليه عرض مسرحي جديد، أي أن " الليلة الكبيرة" جاء بمثابة عنصر جذب للجمهور.

العرض الذي تم تقديمه تالياً لـ" الليلة الكبيرة" جاء اختياره ذكياً أيضاً، وهو " البخيل" للشاعر والمسرحي الفرنسي موليير، إنتاج مسرح الشباب التابع للبيت الفني للمسرح ( مؤسسة رسمية)، وكان بدأ موسمه على مسرح " ملك" بوسط القاهرة، وهو مسرح صغير يرتاده جمهور نوعي ثم توقف العرض بسب الجائحة.

مرونة أكثر

في مسرح ساحة الهناجر، غيّر العرض جلده قليلًا، إذ اختلط بالجمهور النوعي جمهور عام خرج هو الآخر من عزلته باحثاً عن أي متنفس بعد شهور أربعة من البقاء في البيت. طبيعة العرض نفسها أتاحت للمثلين المزيد من المرونة، كإضافة بعض الإفيهات ، أو الاشتباك مع الجمور وطرح الأسئلة" الخفيفة" عليه لمزيد من التواصل والتفاعل، وإن جاء ذلك كله من " قماشة" العرض نفسه ولم يؤثر بالسلب على تدفقه الدرامي ولم يصب إيقاعه بالخلل.

"البخيل" التي كتبها موليير في خمسة فصول، إعتمد مخرج العرض (خالد حسونة) على النسخة المترجمة بالعامية المصرية، واختزلها في فصل واحد استغرق حوالى الساعتين، ورغم ذلك فقد مرت الساعتان خفيفتين، نظراً لطبيعة العرض المسلية، واعتماده فضلاًعن تطعيمه باستعراضات  صممتها شيرلي عادل، وأغان كتبها حامد السحرتي ولحنها محمد حسني. لم تأت الأغاني كحلية في العرض أو بغرض كسر الملل، أو كتعليق على الأحداث، لكنها كانت جزءاً من النسيج الدرامي للعرض، ربما من دونه يختل العرض ويفقد الكثيرمن حيويته، وهو مايشير إلى وعي كاتبها بطبيعة ودورالأغنية في الدراما.

نص بسيط

تحكي "البخيل" قصة البورجوازي البخيل هارباغون، الذي تسوء العلاقة بينه وبين أبنائه بسبب بخله الشديد، وحرصه المبالغ فيه على المال الذي يكنزه ويخبئه في حديقة قصره. ويسعى إلي الزواج من حبيبة ابنه، وتزويجه هو بأرملة عجوز وثرية، وكذلك إلى تزويج ابنته من ثري يكبرها بأعوام كثيرة، رافضاً تزويجها من الشاب الذي أحبته واضطر ليعمل خادماً لديه ليكون بالقرب من حبيبته. وتحدث مفارقات وسوء فهم، لتنتهي المسرحية نهاية سعيدة ببلوغ كل واحد أمله المنشود، فنكتشف أن الشاب الذي يحب ابنة هارباغون هو ابن أحد الأثرياء، وأن اخته هي نفسها الفتاة التي يحبها ابن هارباغون، وقد فرقتهما حادثة غرق سفينة كانت تقل أسرتهما، وظن كل واحد أن باقي أفراد الأسرة قد غرقوا ، لكنهم يكتشفون أن الجميع لازالوا على قيد الحياة. 

 

هو نص بسيط يسعى إلى إدانة نقيصة البخل، من خلال بعض الأحداث المرتبة – من قبل الكاتب- بعناية شديدة، وربما لا يكمن سر بقائه حتى الآن في عبقريته ، بقدر ما يكمن في أن تلك النقيصة مرتبطة بالإنسان في كل زمان ومكان. ومن هنا يكتسب النص حيويته وقدرته على الاستمرار، إضافة إلى بنائه الدرامي المحكم، وشخصياته التي رسم موليير أغلبها بشكل كوميدي ساخر يفجر الضحكات.

مسرح شباب

أغلب ممثلي العرض من الشباب الجدد، باستثناء المخضرم أشرف طلبه، الذي أدى شخصية البورجوازي البخيل هارباغون واعياً لكاريكاتورية الشخصية، لفظاً وحركة، ومانحاً إياها مزيداً من الطاقة ،على رغم أن طلبة ليس ممثلاً كوميدياً بالأساس، لكنه يمتلك الخبرة والوعي بقراءة الشخصية من داخلها، ما مكّنه من أداء الدور باقتدار، ومكّنه كذلك من الارتجال والخروج عن النص والدخول في حوارات مع الجمهور، ثم عودته سريعاً إلى إهاب الدور من دون وقف تدفق العرض. وكذلك جاء أداء محمود متولي الذي لعب دور المحقق بشكل كوميدي لافت وواع، ورغم صغر دوره فقد كان من أبرز ممثلي العرض. وأفصح العرض عن طاقات تمثيلية منحها المخرج مساحات واسعة لاستعراض مواهبها، منها: محي الدين يحيى، سوزان مدحت، نشوى عبدالرحيم، منار عبدالحليم، هادي محي، عصام أشرف، محمد خلف، عبدالباري سعد، عمرو وليد، ياسمين عسكر، فادي سمير، آلاء النادي.

اكتفت مصممة الديكور رانيا الدخاخني بتصميم منظر واحد هو باحة قصر البورجوازي البخيل، التي تعبر عن الثراء وتشير إلى الحقبة الزمينة التي تدور فيها الأحداث، وهو تصميم بسيط، فضلاً عن سهولة نقله من مسرح إلى آخر من دون أن يفقد جمالياته، وهو ما التزمت به الإضاءة، حيث غلبت الإنارة فقط، باستثناء مشاهد الاستعراضات التي تنوعت ألوان الإضاءة فيها لتعبر عن الحالة التي تجسدها. وعلى الخط نفسه جاءت الملابس( صممتها ناردين عماد) بحيث التزمت بالطرز السائدة في فرنسا خلال القرن السابع عشر، وتكمن جمالياتها في اختيار الألوان ودقة التصمايم.

العرض إجمالاً فيه كثير من البهجة والحيوية، ولايخلو كذلك من المتعة البصرية، والمتعة الفكرية البسيطة التي تعبرعنها السخرية من نقيصة البخل وبيان مدى تأثيرها حتى على العلاقة بين الأب وأبنائه.، ومثل هذه العروض هي الأكثر مناسبة للجمهور العام الذي لاتربطه بالمسرح علاقات وثيقة، ويبحث عن الضحك والتسلية.

المزيد من ثقافة