Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نورا المرأة الضحية تكتفي بالحلم أمام الكاميرا

فيلم المخرجة التونسية هند بو جمعة على نتفليكس بعد نجاحه في مهرجانات سينمائية

لطفي العبدلي وهند صبري في فيلم "نورا تحلم" (موقع الفيلم )

يُبهر الفيلم التونسي "نورا تحلم" مشاهديه بأجواء القلق والتربّص التي يعيشها أبطاله منذ اللحظة الأولى، وسلسلة الأحداث غير المتوقعة وحَوَمانه حول فكرة العنف النفسي غير المباشر وتأثير كرب ما بعد الصدمة، أو الصدمة ذاتها في السلوك العام للضحايا. لكنه، وهو المأخوذ عن قصة حقيقية، لسيدة عانت من زوج مجرم، كان مسجوناً لفترة طويلة، تعرّفت على آخر أحبها، ليخرج الزوج من السجن، وينتقم من عشيق زوجته، لا منها مباشرة، يفتقد إلى رؤية واضحة للشخصيات التي يقدّمها وللقصة ذاتها، ويتوه كثيراً عن بدايته الواعدة، وقد ظننّا أن مخرجته هند بوجمعة، توشك على الانفتاح على الحاجات العاطفية والجنسية للمرأة العربية وتتجاسر على البوح بها، ولو كانت في نظر هذا المجتمع خيانة للرباط الغليظ، الذي قد يكون متحلّلاً على أرض الواقع، وهو الزواج.

"نورا تحلم" أول فيلم روائي طويل للمخرجة هند بوجمعة، وقد اشتركت في كتابة السيناريو مع لورون براندبورجيه. بدأ عرض الفيلم أخيراً عبر شبكة نتفليكس، وكانت له من قبل عروض عدّة في مهرجانات دولية، حصل على جوائز في بعضها، منها: جائزة التانيت الذهبي في مهرجان "أيام قرطاج السينمائية" العام الماضي، وجائزة أفضل فيلم في مهرجان "بوردو" للسينما المستقلة.

"نورا" (هند صبري) هي مركز القصة كلها، عاملة في مغسلة بمستشفى، تعيش على الدعم العاطفي والمادي اللذين يقدّمهما لها "مُحسن" (حكيم بومسعودي)، إلى جانب إعانات تعطيها إيّاها الجمعيات المتخصّصة. تحاول "نورا" أن تؤدي دورها الطبيعي كزوجة، أي تذهب لزيارة "جمال" (لطفي العبدلي)، في السجن، بصحبة أولادها الثلاثة، على الرغم من طلب الطلاق الرسمي الذي تقدّمت به من دون علمه. يصدّق "جمال" حجج زوجته في الغياب، لأنه يريد أن يصدّقها، ثم يطلب منها أن ترفع ثيابها قليلاً، كي يتلصّص على جسدها، تقابل رقّة العشيق فظاظة الزوج.

الابنة المراهقة لا تطيق هذا الأب، وكذلك الابن، فقط الصغيرة تُظهر تعلّقاً به وشوقاً إليه، فالعلاقة الزوجية منهارة بكل الأشكال. يمحو الفيلم حجج استمرار هذا الزواج، فلا نرى حبّاً من الأولاد لأبيهم، ولا تضطر "نورا" إلى البقاء لأنّ الرجل قادر مادياً مثلاً. يتركنا الفيلم في حالة انتظار، ننتظر أن تخبر "نورا"، زوجها "جمال" بأنها قد بدأت فعلاً اتّخاذ إجراءات الطلاق، أنها لم تعد تريده كزوج، لكن هذا لا يحدث. لأن "نورا" تترك كل شيء للصدفة.

على الحافة

سرعان ما يغادر "جمال" سجنه بعفو رئاسي، ويُقاطع سير قصة الحب، التي كُنّا قد شاهدنا عنفوانها في اللقطات الأولى. بخروج الزوج، يبدأ صراع درامي جديد، فمن ناحية تعيش "نورا" خوفاً دائماً من أن تُكشف قصة حبها مع "محسن"، المُحب الذي يجد نفسه مُستبعداً ومنبوذاً فجأة كأنّما ارتكب جريمة، بينما يسعى "جمال" إلى استعادة علاقته الزوجية، ومجدّداً لا تعترض "نورا" سعيه. يمارس جمال، بحضوره المجرد، عنفاً نفسياً على أسرته وربما على المتفرّجين. في الليل، إذا ارتفعت أصوات أولاده، يطردهم جميعاً خارج أسوار منزلهم المتواضع، يتركهم لكلاب الشارع والبرد، ولا نعرف إذا كانت في تاريخه، حوادث اعتداء بالضرب على "نورا" مثلاً، جائز أن تكون قد حصلت هذه الاعتداءات، وجائز لا، لا يجيبنا الفيلم. على أي الأحوال، يتمسّك "جمال" بـ"نورا"، يقول لها إنه سيعمل جاهداً على بعث بيتهم من العدم، غير أنها لا تصدق هذه الوعود، فقد شبعت منها.

على "نورا" أن تختار بين "جمال"، بوعوده التي في الهواء، وبين "مُحسن" بخبرتها الجميلة معه، تُفضِّل "نورا" البقاء في الوسط، تحلم بتدخّل سماوي يقطع هذه الحياة إلى نصفين ويُريحها من عبء القرار. تختار "نورا" عدم الاختيار، وهو قرار سلبي، لا يجعلنا الفيلم نفهم دوافعه، عند شخصيتها. تخالف اتفاقها مع "مُحسن" بالهرب من هذه الحياة وتبقى مع "جمال" عندما يرجوها أن تفعل، بعد تفويت موعدها معه. ولو أنّ الخوف من وقوع العنف عليها هو ما يحرّك تصرفاتها، فليس هو التبرير الدرامي لبقائها معه تحت سقف واحد وبالقرب من هذا العنف.

يخنقنا "نورا تحلم" على غرار أفلام التشويق في الصراع بين شخصياته الرئيسة، وعندما نتمكّن أخيراً من التقاط أنفاسنا، خارج مثلث الزوجة/ العشيق/ الزوج، فمن أجل أن نتابع قليلاً حياة "جمال"، الزوج المجرم. لا يظهر "جمال" سوى قائداً لرفاقه من العصابة، أو لصّاً لهاتف محمول من راكبة في الحافلة، أو مدبّراً لجريمة. أموال قليلة يتحصّل عليها مقابل كل ذلك، لا تسمح له بأكثر من استئجار منزل أفضل قليلاً أو شراء وجبة دجاج لأطفاله. ليس لدى الفيلم عن "جمال"، سوى صورة لشخص لا يحسب حساباً لأحد ولا حتى لتاريخه الإجرامي السابق، لكنه مع ذلك يتمسّك بعلاقته بـ"نورا" وبأولادهما. حتى بعد أن يعرف، بطريقة ما عن علاقة "نورا" بـ"مُحسن"، وحتى مع رفض ولدَيْه الكبيرَيْن له.الأولاد كذلك مهمّشون في الفيلم. وباستثناء مشهد أو اثنين، لا نعرف لماذا ساءت علاقتهم بأبيهم إلى هذا الحدّ، أو حتى نوع الحياة الداخلية التي يختبرونها في حضوره وفي غيابه. يتحوّل مسار الفيلم تماماً، عندما يتواجه "جمال" مع "مُحسن". يتعارك الرجلان على امرأة واحدة، وعلى طريقة الغابة، يصبح السؤال مَنْ سيفوز بها؟ ليس ذلك فقط، في سبيل أن تنقذ "نورا" نفسها من كلام الناس، ربما، أو من جنون "جمال"، ربما أيضاً، تستجيب لطلباته وتستدرج له العشيق، كي يثأر منه على طريقته.

خطيئة الصمت

 يدور العالم كله حول "نورا"، التي لا تريد أن تقرّر حياتها، أو أن تتورّط في أي شجار، كما تصمت في أوقات يصبح خلالها الصمت جريمة كبرى، تؤدي مباشرة إلى تحطيم الرجل الذي أحبّها حقاً وتعاطف معها ومع قصتها. مع ذلك، هناك شُبهة في أن "نورا تحلم"، يقدم "نورا" في ثوب الضحية. وهو موقف، لا ينتقم من الفكرة النسوية التي انجذبنا إليها في البداية فقط، لكنه أيضاً ينتقم من الآخرين، أولئك الذين لا ذنب لهم سوى أنّهم قدّموا يد المساعدة.

في الربع الأخير من الفيلم، يصبح "نورا تحلم" فيلماً عن العنف في البلاد العربية، عن الخوف من الفضيحة، عن الجريمة عندما يصبح أهل العدل طرفاً فيها، وهي كلها أفكار تمسّ يومياتنا العربية، لكنها تنفصل تماماً عن النصف الأول من الفيلم. صحيح أن هناك قصة حقيقية مأخوذ منها الفيلم، غير أن المنطق الدرامي في العمل السينمائي لا يستقيم، تستكين "نورا"- على الشاشة- إلى دور الضحية المغلوب على أمرها، ويستكين الفيلم خلفها إلى الدور ذاته.

لا أحد يحاول التمرّد، وهذا شائع غير أنّنا كُنا نحتاج إلى أن نفهم على الأقلّ لماذا؟ تبدو "نورا" طاقة جذب حائرة ومُحيّرة، بأداء قوي من هند صبري، التي تستحقّ بالطبع جائزة أفضل ممثلة يمنحها النقاد من مركز السينما العربية، إنها تحلم، كما يقول عنوان الفيلم، وتكتفي بالحلم.

المزيد من سينما