Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وفاة أيقونة الحقوق المدنية في أميركا و"ضمير الكونغرس"

النائب جون لويس كان أصغر وآخر الأعضاء على قيد الحياة في مجموعة الستة الكبار التي نشطت في مجال الدفاع عن الحقوق المدنية الأميركية بقيادة القس مارتن لوثر كينغ

عضو الكونغرس الراحل جون لويس وإلى جانبه الرئيس الأميركي باراك أوباما حين كان عضوا في الكونغرس الأميركي (رويتر)

بعد معاناةٍ مع مرض السرطان تُوفي النائب الأميركي جون لويس عن عمر يناهز الثمانين، وهو أحد أبرز الرموز المدافعين عن الحقوق المدنية في الولايات المتّحدة والعضو في الكونغرس عن ولاية جورجيا فترة طويلة.

وكان لويس الذي تمرّس في الحياة السياسية، شخصيةً بارزة في حركة الحقوق المدنية إلى درجة أنه أطلق عليه في مرحلةٍ لاحقة اسم "ضمير الكونغرس" بعد خدمته عقوداً من الزمن في مجلس النوّاب الأميركي.

ويُعدّ لويس أحد الناشطين الحقوقيّين الستة الكبار الذين شكّلوا مجموعةً بقيادة القس الراحل مارتن لوثر كينغ جونيور، وكان دوماً على الخط الأمامي خلال اللحظات الفاصلة والأكثر أهمية التي خاضتها الحركة وفي صلب عملها النضالي.

ويُعدّ جون لويس أيضاً أحد الأعضاء الأساسيّين في مجموعة "ركّاب الحرية" Freedom Riders (ضمّت ناشطين حقوقيّين من البيض والأميركيّين الأفارقة الذين ركبوا حافلاتٍ تعبيراً عن رفض الفصل بين الركّاب على أساس العرق). وفي مارس (آذار) من العام 1963 خطب في حشودٍ تجمّعت في العاصمة واشنطن، قبل أن يلقي الزعيم الأميركي الراحل والناشط السياسي الإنساني مارتن لوثر كينغ خطابه التاريخي الشهير "لديّ حلم" I Have a Dream عن مناهضة التمييز العنصري، الذي وعد خلاله "بتفتيت الجنوب العنصري إلى ألف قطعة".

وفي العام 1965، قاد جون لويس نحو 600 متظاهر إحياء لذكرى مسيرة "الأحد الدموي" Bloody Sunday  التي عبر فيها جسر إدموند بيتوس Edmund Pettus Bridge  في مدينة سيلما Selma في ولاية ألاباما، حيث تعرّض لاعتداءٍ وحشي من جانب أفراد الشرطة، تسبّب بكسور في جمجمته. وقد لفتت صور المواجهة العنيفة انتباه الرأي العام على المستوى الوطني، ما أدّى إلى تنظيم مزيد من مسيرات الاحتجاج عبر الولاية. وساهمت تلك التظاهرات في وقت لاحق من ذلك العام، في إقرار "قانون حقوق التصويت" Voting Rights Act.

واصل لويس كفاحه من أجل تحقيق العدالة بين الأعراق والمساواة العنصرية في الولايات المتّحدة طيلة حياته المهنية الطويلة التي أمضاها في الكونغرس الأميركي، وقد انتخبه مواطنو ولاية جورجيا الجنوبية لتمثيلهم فيه 17 مرّة. وكان طوال حياته يتحدّث في كثير من الأحيان عن إيمانه بما سمّاها "المتاعب الجيّدة والمتاعب الضرورية" لإحداث التغيير، لكنه كان يعتقد بمبدأ اللاعنف وكرّس عمله في ظلّه.

في الأشهر الأخيرة، عندما أشعل قتل الشرطة الأميركي الأسود جورج فلويد أكبر الاحتجاجات المطالبة بالعدالة بين الأعراق منذ حقبة الحقوق المدنية في الستينيّات، كان لويس يخوض معركته الصحّية مع داء السرطان. وفي تعليق على تظاهرات الاحتجاج التاريخية التي انطلقت في يونيو (حزيران) الماضي، قال لويس لصحافي شبكة "سي بي أس" الأميركية: "لا يمكنك أن توقف نداء التاريخ".

وأضاف: "يمكن استخدام الجنود. يمكن استخدام خراطيم النار والمياه، لكن لا يمكن إيقاف حركة الحقوق. لا يمكن أن يكون هناك أيّ تراجع. لقد قطعنا شوطاً بعيداً وحققنا الكثير من التقدّم ولا يمكن أن نتوقّف الآن أو أن نعود إلى الوراء".

تأثير جون لويس كان ملموساً عبر الأجيال الأميركية. فعندما تم تنصيب باراك أوباما في العام 2009 أول رئيس من أصول إفريقية في الولايات المتّحدة، سلّم أوباما لويس صورة موقعّة منه كتب عليها: "بفضلك يا جون". وقد سار الإثنان جنباً إلى جنب في مدينة سيلما رمز الحركة المناهضة للتمييز العنصري، في الذكرى الخمسين لهجوم "الأحد الدامي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار الرئيس السابق في بيان التعزية بوفاة العضو في الكونغرس إلى أن لويس "لم يكتفِ بتكريس نفسه لخدمة قضية الحرية والعدالة فحسب، بل ألهم الأجيال التي جاءت في ما بعد في محاولتها أن تكون وفيةً لقيمه وأن تقتدي به".

وأضاف أوباما في وصف ما يعنيه لويس بالنسبة إليه: "قابلتُ جون للمرّة الأولى عندما كنت طالباً في كلية الحقوق، وأخبرته في حينها أنه كان أحد الأبطال الذين شكّلوا بالنسبة إليّ مصدر إلهام كبير. وبعد أعوام، عندما تمّ انتخابي عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، قلتُ له إنني وصلتُ إلى هذا المنصب بفضل عمله المضني (في إرساء المساواة والحقوق). وعندما تمّ انتخابي رئيساً للولايات المتّحدة، عانقتُه على منصّة التنصيب قبل أن أقسم اليمين الدستورية، وأخبرته بأنني أدين ببلوغي هذا الموقع فقط للتضحيات التي بذل ذاته من أجلها. وخلال كلّ تلك الأعوام، لم يكن يتوقّف أبداً عن تقديم المشورة والتشجيع لي ولزوجتي ميشيل ولأسرتنا. سنفتقد هذا الرجل كثيراً".

وكان جون لويس الذي خدم نائباً في الكونغرس الأميركي منذ العام 1987، قد أعلن في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي أن الأطباء اكتشفوا أنه مصاب بسرطان البنكرياس الذي كان قد وصل إلى المرحلة الرابعة. وكان أطبّاؤه قد شخّصوا المرض في أثناء قيامه بزيارة طبّية روتينية.

وقال المدافع عن الحقوق المدنية في حينه: "كنت أخوض نوعاً من أنواع القتال دفاعاً عن الحرية والمساواة وحقوق الإنسان الأساسية طوال حياتي تقريباً، ولم يسبق لي أن خضتُ معركةً مثل تلك التي أواجهها الآن (مع المرض)".

مساء الجمعة، أكدت عائلة جون لويس وفاته في بيان صدر عنها. ومن أبرز ما جاء فيه: "لقد تمّ تكريمه واحترامه لأنه كان يجسّد ضمير الكونغرس الأميركي ويمثل رمزاً لتاريخ الولايات المتّحدة، لكننا عرفناه أباً وأخاً محبّاً. لقد كان بطلاً مقداماً في مجال الكفاح المستمرّ من أجل المطالبة باحترام كرامة كلّ إنسان وقيمته".

رئيسة مجلس النوّاب الأميركي نانسي بيلوسي وصفته من جهتها بأنه "أحد أعظم أبطال التاريخ الأميركي".

وقالت إن "إطلاق لقب زميل على العضو في الكونغرس جون لويس يدفعنا جميعاً إلى الشعور بالتواضع، وقد أصبنا بالحزن لوفاته".

واستلهمت رئيسة مجلس النوّاب الأميركي جملة لويس الشهيرة لتختم بالقول: "فلتكن ذكراه مصدر إلهام يدفعنا جميعاً نحو العمل في مواجهة الظلم، وفي اتّجاه خوض ’متاعب جيّدة، ومتاعب ضرورية‘".

الإشادة بجون لويس جاءت من أعضاء الحزبين الرئيسيّين في مجلس النوّاب الأميركي. فزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ "الجمهوري" ميتش ماكونيل وصفه بأنه "كان زعيماً رائداً في مجال الحقوق المدنية وضع حياته على المحك من أجل مكافحة العنصرية وتعزيز المساواة في الحقوق، وقد جعل بلادنا أكثر انسجاماً مع مبادئها التأسيسية"، على حدّ تعبير ميتشل. 

© The Independent

المزيد من دوليات