Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نزاع القوقاز يتجاوز حدود أذربيجان وأرمينيا

الحديث عن حل للأزمة ترعاه الولايات المتحدة وتمنح بموجبه باكو معبراً إلى الجزء الآخر من أراضيها

منزل في إحدى القرى الأرمينية تعرّض للقصف من قبل الجيش الأذري (أ ب)

تجدّدت المناوشات العسكرية على الحدود الملتهبة بين أذربيجان وأرمينيا المتنازعتين على إقليم ناغورنو قره باغ، ما خلّف عشرات القتلى والجرحى.

وقد تكون هذه المواجهات الأخطر بين باكو ويريفان منذ توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1994 أنهى حرباً بدأت في 1988 وخلّفت أكثر من 30 ألف قتيل من الجانبين.

وعلى الرغم من محاولات الوساطة الدولية، فإن هدنة 1994 تتعرّض لانتهاكات متكرّرة على طول خط التماس بين الجيش الأذري ونظيره الأرميني.

ومن وقت إلى آخر، تحدث اشتباكات على الحدود، ويقترب البلدان من حافة الحرب الشاملة، لكن سرعان ما يتدخل الوسطاء ويخفّ التوتر، وينزع فتيل انفجار حرب قد تتحول إلى نزاع إقليمي، وربما دولي.

شهد إقليم ناغورنو قره باغ أول نزاع بين الجماعات الإثنية في الاتحاد السوفياتي السابق، وأدى الصراع بين أرمينيا وأذربيجان على هذه المنطقة إلى تهجير نحو 300 ألف أرميني، و600 ألف أذري من المنطقة، ما دفع البعض إلى وصف النزاع بالعرقي.

وتشغل هذه الأزمة اهتمام روسيا أيضاً، إذ إن الجالية الأرمينية في روسيا هي الأكثر عدداً بين الجاليات الأرمينية في سائر بلدان العالم الأخرى.

ويقدّر عدد الأرمن في روسيا بمليوني شخص، كما تمثل الجالية الأذرية في روسيا عاملاً مهماً في التنمية الاقتصادية لأذربيجان، إذ قدّر الباحث الروسي غرينبرغ إجمالي تحويلات الأذريين من روسيا إلى وطنهم بما يتراوح بين 1.8 و4.2 مليار دولار سنوياً.

 في المقابل، روسيا بحاجة إلى أرمينيا كحليف تقليدي، إضافة إلى أنها تدخل مع موسكو في منظمة الأمن الجماعي، وتحالفات اقتصادية إقليمية أخرى، وفي ظل النزاع الجورجي - الروسي، موسكو تحتاج أيضاً إلى أذربيجان كبلد يحتل موقعاً جغرافياً سياسياً مهماً.

ويعتبر مراقبون هذا النزاع، تنافساً جيو سياسياً لا يشمل الأرمن والأذريين فقط، بل يتجاوزهما إلى الأتراك والروس والولايات المتحدة وإيران والاتحاد الأوروبي، حيث يشكل هذا النزاع في الواقع واحداً من مسارح صراع النفوذ بين الروس والأميركيين في جنوب القوقاز.

ومع تراجع النفوذ الروسي جنوب القوقاز بعد ما أخذت كل من جورجيا وأذربيجان في الابتعاد عن موسكو، حين بدأت تعاوناً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً مع الغرب، وحدها أرمينيا، وخشية مما تعتبره "عدوها التاريخي" تركيا، تتردّد في سلوك هذا الطريق صراحة، فهي أبرمت مع روسيا تحالفاً طويل الأمد لبقاء القواعد العسكرية الروسية في أراضيها، ما دفع البعض إلى اعتبار نزاع قره باغ استمراراً لعداء تاريخي محمل بإرث كبير من الكراهية الدفينة من الأرمن لكل من الأذريين والأتراك.

وتحدث جان غيراس تحت عنوان "المبادلة المستحيلة بين أرمينيا وأذربيجان" عن حل للأزمة ترعاه الولايات المتحدة، تمنح بموجبه أذربيجان معبراً إلى الجزء الآخر من أراضيها، في مقابل اعترافها باستقلال قره باغ، وستكون تركيا أول المستفيدين من حل كهذا للأزمة، فزوال الحاجز الأرميني سيسمح لها، عبر منطقة ناخشيفان، بتحقيق اتصالها مع أذربيجان والجمهوريات الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى لتصبح قوة إقليمية كبرى، وقادرة على مواجهة التأثيرين الروسي والإيراني.

من جهة ثانية، تفقد أرمينيا من جهتها عبر هذا الحل رابطها الجغرافي مع إيران، وهو الرابط الذي سمح لها بتجاوز الحصار الذي فرضته عليها أنقرة وباكو، وبالطبع هذا الحل لا يحظى بتأييد موسكو وطهران.

وكانت أذربيجان وتركيا قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية مع أرمينيا وأغلقتا حدودهما معها، رداً على دعم يريفان انفصاليي إقليم ناغورنو قره باغ الأذري الذي تسكنه غالبية أرمينية، وما زالت أرمينيا وأذربيجان في حال حرب رسمياً حول الإقليم.

باتت مشكلة قره باغ منذ اندلاعها الشغل الشاغل لأرمينيا وأذربيجان، فأي حدث سياسي داخلي فيهما له صلة بالصراع على قره باغ.

تعيش أرمينيا اقتصادا مأزوماً، ما أدى إلى تصلب موقف النظام السياسي الرسمي تجاه نزاع قره باغ، وأضحى هذا النزاع ورقة رابحة بيده يستغلها لإثارة المشاعر القومية وزيادة شعبيته المتآكلة.

أما النظام السياسي في أذربيجان فإن نحو 20 في المئة من أراضيه محتلة، ويواجه شعوراً لدى قطاعات واسعة من الشعب الأذري بالخوف من احتمال إمكانية تفكك دولتهم، وأن هذا التفكك يبدأ بضياع قره باغ، والأقاليم الستة الأخرى التي فقدتها في الحرب، وبالتالي فهم واثقون بأن مستقبل وحدة أراضيهم يكمن في القرار الملائم المتعلق بنزاع ناغورنو قره باغ، ومن هنا يواجه النظام الأذري صعوبة قبول أي سيناريو من سيناريوهات التسوية المعروضة التي قد لا ترقى إلى تلبية رغبات شعبه وتهدئة مخاوفه.

قد لا يبدو أن باستطاعة إيران وأرمينيا أن تكونا شريكتين، مع ذلك فالواقع يشير إلى أن علاقات طهران بيريفان تعتبر أقوى من تلك التي تربطها بكثير من الدول الإسلامية المجاورة.

ويبدو أن الضرورة تسير بالبلدين في اتجاه بعضهما بعضاً، فإيران في حاجة إلى أرمينيا لتوفير معبر بديل للنقل إلى روسيا وأوروبا، وأرمينيا بدورها تواجه انسداداً متواصلاً في طرق التجارة من جانب أذربيجان وتركيا، وهي معنية بتأمين ممر آمن وموثوق للتجارة.

وتشعر كل من تركيا وأذربيجان بالقلق من الشراكة الأرمينية - الإيرانية، ومصالح تركيا وأذربيجان في مجال الطاقة تضع كل منهما على النقيض مع إيران، وفي السياق نفسه فإن من شأن العلاقات الأرمينية الإيرانية التأثير في المصالح الاقتصادية لروسيا، مع ملاحظة أن المصالح القومية الإيرانية دوماً تتعارض مع المصالح القومية الروسية.

المزيد من تحلیل