لم يتصوَّر عبد الرحمن سلامة أن تتحوّل الطائرات الورقية التي يبيعها إلى أداة قد تؤدي إلى مصرع صاحبها، فكل ما أراده كان الحصول على مصدر رزق يقيه الحاجة، بعدما توقّف عن عمله الأساسي عامل صباغ، بسبب حالة الركود الاقتصادي التي خلّفتها جائحة كورونا.
واعتاد سلامة، 25 عاماً، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، الوقوف في الطريق المؤدي إلى حي حدائق الأهرام قرب أهرامات الجيزة، لبيع الطائرات الورقية، لكنه الآن يُبدي أسفه لتكرار وقائع سقوط فتيان وشبان من أسطح منازلهم خلال اللهو بتلك الطائرات، وكذلك المشاجرات التي تنشب كثيراً بينهم، نتيجة تنافسهم على أفضل طائرة، وأكثرها ارتفاعاً، مشيراً إلى وفاة أحد جيرانه.
الموت في سبيل اللعب
تلك الوقائع لم تقتصر على مناطق بعينها، إنما امتدت إلى معظم محافظات مصر، ما حوّل الطائرات الورقية من وسيلة إلى قضاء وقت ممتع والهرب من ملل كورونا إلى وسيلة للقتل أحياناً، مع تسجيل نحو 30 حالة وفاة مرتبطة بها منذ مارس (آذار) الماضي، سواء بالسقوط من أعلى المنزل أو الصعق بالكهرباء خلال محاولة تخليص طائرة معلقة في أبراج الضغط العالي، أو في مشاجرات بسبب التنافس على الطائرات.
ودفعت تلك الحوادث محافظ الإسكندرية (شمال) اللواء محمد الشريف إلى إصدار قرار بحظر استخدام الطائرات الورقية على كورنيش البحر، فضلاً عن منع تصنيع الطائرات الورقية وحيازتها، واللعب بها ومعاقبة مخالفي القرار بغرامة 300 جنيه (18.8 دولار) قد تصل إلى 1000 جنيه (62.6 دولار) عند تكرار المخالفة، على أن يدفع الغرامة ولي أمر صاحب الطائرة إذا كان هذا دون 18 عاماً.
ولحقت محافظة القاهرة بقطار منع الطائرات الورقية، إذ ضبطت أجهزة الأمن الأحد الماضي 17 شخصاً بحوزتهم طائرات ورقية، ونقلت وسائل إعلام عن مصادر أمنية تمكّنها خلال يومين من ضبط وإتلاف أكثر من 1500 طائرة ورقية بالقاهرة و300 في الإسكندرية، مع إخطار النيابة للتحقيق.
ويُلقي بائع الطائرات باللوم على سلوكيات مستخدميها، مؤكداً أنه كان يلعب بها في صغره، ولم يسمع عن أي حوادث، كما يؤكد أن حالة البيع لم تتأثر بتكرار تلك الحوادث، إذ لا يزال هناك إقبال على شراء الطائرات التي تتراوح بين 30 و100 جنيه (1.8 و6.26 دولار)، بينما تصل بعض الطائرات الكبيرة إلى 500 جنيه (31 دولاراً).
خطر على الأمن القومي
وكانت المطالبات بحظر الطائرات قد ظهرت في الأيام الماضية، بعد تكرار الحوادث المرتبطة بها، ووصلت إلى مجلس النواب الذي شهد تقديم النائب خالد أبو طالب طلب إحاطة إلى رئيس مجلس الوزراء، حذّر فيه خطورة تلك الطائرات على الأمن القومي المصري، ما عرَّضه لموجة سخرية على منصات التواصل الاجتماعي وبعض القنوات التلفزيونية.
وقال النائب أبو طالب، لـ"اندبندنت عربية"، "تحرّك الدولة لضبط حائزي الطائرات يؤكد صحة وجهة نظره حول خطورتها"، مؤكداً أنه "لم يكترث لما تعرّض له من هجوم وسخرية وسب من جانب البعض".
وأضاف أنه قدّم طلب الإحاطة لثلاثة أسباب يرى أنها تهدد الأمن القومي، وهي الحوادث اليومية التي حصدت أرواح صبية وشباب، واستغلال تلك الطائرات في التصوير عبر تثبيت كاميرات صغيرة الحجم عليها، مشيراً إلى أن عديداً من مقرات الدولة جرى تصويرها عبر تلك الكاميرات، ما يمثّل خطورة عليها، إلى جانب انتهاك حرمة المنازل بسبب استخدام الشباب أسطح المنازل للعب بالطائرات، ما أدّى إلى كثيرٍ من المشاجرات.
ليس قتلاً للبهجة
وطالب النائب المصري الإعلام بتوعية الشبان والصبية وذويهم بعدم تحويل الطائرات الورقية إلى أداة للمشكلات والموت أحياناً، وأنه في الماضي كان من المعتاد اللعب بتلك الطائرات في الحدائق والأماكن المفتوحة، وأنه ليس ضد إدخال البهجة على قلوب الأطفال.
وأضاف، "كثير من دول العالم حظرت الطائرات الورقية، حرصاً على أمنها القومي، مثل بريطانيا التي أصدرت قراراً بذلك بدأ خلال زيارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لندن عام 2016". مشيراً إلى أن مصر وهي تواجه الإرهاب حاليّاً "قد تفاجأ باستخدام الطائرات الورقية في إحداث تفجيرات إرهابية"، لأنها "قد تحمل قنابل صغيرة الحجم".
مسؤولية المحافظين
وفي دراسة أجراها حمدي عرفة، متخصص الإدارة المحلية، أكد أنّ المسؤولية تقع على عاتق رؤساء المحليات والمحافظين في الرقابة على تصنيع وبيع واستخدام الطائرات الورقية، مؤكداً أن انتشارها أخيراً، خصوصاً في الأحياء الفقيرة، جاء لزيادة دخل الأفراد من جانب ولهو الصغار من جانب آخر، لكنها أدّت إلى زيادة حالات الوفاة أخيراً، ما يشير إلى وجوب تنظيم بيع وشراء واستخدامها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف عرفة، لـ"اندبندنت عربية"، أن الحوادث المرتبطة بالطائرات الورقية حصدت أرواح 31 شاباً في مصر في ثلاثة أشهر، إذ يصنعها الأفراد دون أي ضوابط للأمان أو ضوابط هندسية ويُجْرى "تطييرها" غالباً في أماكن مزدحمة غير آمنة وسط السيارات أو فوق أسطح المنازل، مشيراً إلى أن كل طفل يستخدم الطائرات بمتوسط ساعة إلى ثلاث ساعات يوميّاً، وحدثت حوادث غرق أطفال في البحيرات أو السقوط من أسطح المنازل والصعق بالكهرباء من خلال تشابكها بالأعمدة، والبعض يلهو بها على الطرق الدائرية السريعة، ما يعرضه للخطر.
وكانت دار الإفتاء المصرية قد حذرت اللعب بالطائرات الورقية، إذا كانت تشمل أخطاراً تهدد النفس، وجاء في بيان للدار: "اللعب مباحٌ وجائزٌ إذا كان فيه ما ينفع الناس في عقولهم واستعادة نشاطهم، وهو ممنوع إذا كان مضيعة للوقت، وانشغل به الشخص عن مصالحه الدينية والدنيوية، أو عاد على صاحبه بالضرر أو التأثير على جسده أو أخلاقه وعقله بشكل سلبي، ما قد يحوّل اللعب من مصدر للبهجة والسعادة إلى سبب مباشر لحصد الأرواح بطرق متعددة".