Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قوة الركمجة: "تلك الطاقة التي لا تبلغ إلا على صهوة موجة"

"بشغف انتظر ارتداء بدلة الغوص التي تفوح منها رائحة البحر، وأشمّع لوح الأمواج وأمضي إلى الشاطئ"

ركوب الأمواج متعة ما بعدها متعة (سورف-مودبورد، تمبلر.كوم)

لا أستطيع تذكّر موجتي الأولى. علّمني أبي ركوب الأمواج وكنت بعمر السنتين، وذاك أسرني قبل تعلّمي القراءة والكتابة. وركوب الأمواج جزءٌ منّي، والابتعاد عنه على مدى أكثر من أشهر ثلاثة خلق في نفسي شعوراً بالانفصال عن الواقع لم يُشعرني به أي شيء آخر خلال مدة الإغلاق (الحجر). ركوب الأمواج بالنسبة إليّ أكثر من رياضة. إنّه انسياب تأمّلي أشبه باليوغا، وكل حركة واستدارة فيه تنفّذ بتركيز وإحكام. ويمكن لبعض الأنشطة الأخرى أن تشابهه قليلاً في بعض الأوجه (يمكنني الإحساس بفورة أدرينالين مشابهة حين أركب دراجة نارية، لكن في هذه الحالة يبقى الإحساس عابراً، ويمرّ بسرعة بين لحظات اجتياز السيارات المقابلة والتغلغل في أخاديد الأرض) لكن لا شيء يمكن مقارنته بما يُنزله ركوب الأمواج في النفس من إحساس سلام غامر، واتحاد وانغماس في الطبيعة.

في المحيط أشعر بالأمان. إن وقعت فالهبوط ناعم، والماء يحملني، وأملك ما يكفي من ثقة في قدراتي كي أشعر بالحرية المطلقة. وذاك يمثّل الجانب الوحيد من حياتي الذي يتملكني فيه هذا الإحساس، بمنأى عن التشويش الرقمي والقلق. في المحيط أنا هي ذاك الشخص إيّاه الذي كنته في عمر الرابعة عشرة، متحرّرة من أثقال المسؤوليّة والإجهاد.

عندما أتزحلق فوق صفحة الماء، يحضرني ذاك الشعور الذي أتخيّله للطيران. وإذ أطفو على لوح ركوب الأمواج، وأنظر إلى سطح الماء المتقطّع تحتي، لا يخطر شيء في بالي سوى مشهد جدار الماء الذي أمامي. لا فسحة إذّاك لأي شيء آخر سوى تلك اليقظة الطاغية في الذهن الذي يستقرئ طريقة انكسار الموج، ويستلهم منها سبل الحركة. فركوب الموج هو هكذا، مصدر لطاقة اندفاع لا أبلغها في أيّ حالة أخرى. والابتعاد عن ذلك لأشهر كاد إلى حدّ ما أن يحطّمني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أنا من يلام ولا أحد غيري جرّاء حالتي الراهنة التي لا ملح فيها. فأنا التي اخترت مغادرة بلدتي التي نشأت فيها على ساحل نورث دايفون، وانتقلت إلى لندن منذ ما يقارب عقد من السنوات. بيد أن البعد عن الساحل لم يكن مسألة مهمّة قبل الحجر. والطريقة التي تعمل فيها نشرة توقعات ركوب الموج الحديثة تعني أنني كنت على الدوام قادرة على تخطيط الذهاب إلى البلدة والوصول إلى الماء والزبد. لذا، وإذ لم يعد باستطاعتي إثر الإغلاق الذهاب لركوب الأمواج بعد يوم عمل في المكتب، بعد ما كان بوسعي على الدوام الوصول إلى البحر، يعني أن الأشياء بلغت حدّها الذي لا يحتمل.

ذهب أناس كثر إلى الشواطئ لركوب الأمواج قبل تخفيف إجراءات الإغلاق. لكنّي لم أستطع تقبّل فكرة ذهابي إلى بلدتي من دون مقابلة أفراد عائلتي وأصدقائي. كما أنني اعتبرت القيام برحلة ذهاب وإياب على مدى سبع ساعات في اليوم، والمخاطرة باحتمال نقل الفيروس إلى نورث دايفون حيث تندر الأسرّة في غرف الإنعاش، عملين غير مسؤولين. غير أن تدابير الحجر رفعت، وبات بوسعي الذهاب إلى الديار. داري، الذي هو منزل أهلي، وداري الذي هو البحر. انتظر بشغف ارتداء بدلة الغوص التي تفوح من ثناياها رائحة البحر، فأشمّع لوح ركوب الأمواج وأمضي إلى الشاطئ. سأتحسّس بقدميّ الحافيتين الرمل والصخور، خشخشة الأصداف، وأتلقّى الصفعة الباردة والمالحة لأوّل غطسة في الأمواج إذ أتحضّر لصهوتها. حتّى أنني لا أبالي إن كان ثمّة نذير ريح مولولة في الأفق، أو وعد بمطر غزير وموج عاتٍ، ما دمت سأحظى بإحساس تلك السقطة الحرّة، ولو لبضع ثوان فقط، فأكون نفسي على أكمل وجه.     

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات