Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تعتبر إثيوبيا "سد النهضة" قضية قومية لا تراجع عنها؟ 

أي تنازل تقدمه أديس أبابا الآن سيكون مكلفاً سياسياً لرئيس الوزراء آبي أحمد الذي يواجه مرحلة صعبة قبل انتخابات تنافسية

صورة من الأقمار الصناعية تظهر سد النهضة على النيل الأزرق في إثيوبيا (ماكسار/رويترز)

لغط وتردد خيّم على الموقف الإثيوبي بشأن قضية سد النهضة خلال الساعات الماضية بين تصريحات رسمية وإعلان عن البدء في ملء خزان السد، ثم التراجع والنفي، وسط استمرار أزمة شهدت مفاوضات طيلة عشر سنوات دون طائل. 

بدأ المشهد المرتبك، الثلاثاء، عندما نشرت وكالة "رويترز" عدة صور التقطت في 9 يوليو (تموز) بقمر صناعي تابع لوكالة الفضاء الأوروبية، تظهر نهر النيل الأزرق وسد النهضة الإثيوبي، وقد بدا ارتفاع منسوب المياه في البحيرة الواقعة خلف السد الكهرومائي العملاق، وهو ما أثار التساؤلات عما إذا كان ارتفاع منسوب المياه نتيجة لموسم الأمطار أم بسبب البدء في ملء الخزان. 

اعتراف ودليل سوداني

سبق الكشف عن صور الأقمار الصناعية، حديث وسائل إعلام محلية في إثيوبيا، يوم الاثنين، عن البدء الفعلي في ملء خزان السد، وهو الأمر الذي نفاه في تعليقات صحفية في اليوم نفسه، وزير الخارجية الإثيوبي، غيدو أندارغاتشيو، قائلاً "إن حكومته لم تصرح بهذا الأمر". وفي ما يبدو فشلاً لجولة المفاوضات التي جاءت برعاية الاتحاد الأفريقي الذي يرأسه في دورته الحالية رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، أعلنت أطراف التفاوض الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، الثلاثاء، أن المحادثات الأخيرة حول عملية ملء الخزان وتشغيل السد، انتهت من دون التوصل إلى اتفاق. 

وسرعان ما أكد وزير الرى الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، الأربعاء، صحة صور الأقمار الصناعية، معلناً البدء في عملية تعبئة الخزان، قائلاً "إن عمليتي بناء وتعبئة سد النهضة تسيران بشكل طبيعي"، ليتزامن ذلك مع إعلان وزارة الري والموارد المائية في السودان أن مقاييس تدفق المياه في محطة الديم الحدودية بين البلدين، وفق صور الأقمار الصناعية، أظهرت "تراجعاً في مستويات المياه بما يعادل 90 مليون متر مكعب يومياً، ما يؤكّد إغلاق بوابات سدّ النهضة".

وقال بيكيلي، في تصريحات لهيئة الإذاعة الإثيوبية، بشكل لا لبس فيه، إن هذه المرحلة التي وصل إليها سد النهضة في إثيوبيا، تمكّن من بدء عملية التخزين الأولي المقدر بـ4.9 مليار متر مكعب، وهو ما دفع مصر على الفور للمطالبة بإيضاح رسمي عاجل من الحكومة الإثيوبية بشأن حقيقة البدء في ملء الخزان بشكل أحادي ودون الاتفاق مع القاهرة والخرطوم، وهو ما يتعارض مع اتفاق إعلان المبادئ ومع الدعوات الدولية التي أسفرت عنها جلسة مجلس الأمن الدولي، التي عقدت في 29 يونيو (حزيران) الماضي، حيث أجمعت القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا على ضرورة مواصلة المفاوضات والامتناع عن أي إجراءات أحادية تحول دون التوصل إلى اتفاق عادل للجميع.

واستكمالاً للمشهد الملتبس، تراجع الوزير الإثيوبي عن تصريحاته في اليوم نفسه، قائلاً في تعليقات لوكالة أسوشيتد برس الأميركية، "إن تجمعات المياه في السد طبيعية وناجمة عن موسم هطول الأمطار". كما نشرت هيئة الإذاعة الإثيوبية اعتذاراً عما وصفته بسوء تفسير التقرير الذي نشرته على صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن بدء ملء خزان سد النهضة. 

اتهام الولايات المتحدة بالانحياز لصالح مصر

وبينما تتفق البلدان الثلاثة على حق إثيوبيا في بناء السد، الذي يتكلف 4.8 مليار دولار، تتعلق نقطة الخلاف الرئيسية بالإطار الزمني لملء خزان سد النهضة، وهي قضية شائكة تمثل صلب الخلافات الحالية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، بسبب تأثيرها في إمدادات المياه لدول المصب. ففي حين تريد إثيوبيا ملء الخزان في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، تطالب مصر بزيادة عددها إلى سبع أو عشر سنوات، ويشمل ذلك كمية المياه التي ستصل إلى دول المصب (مصر والسودان) في فترات الجفاف عند تعارض احتياجات توليد الكهرباء مع وصول كميات كافية من المياه لدول المصب، وكيفية حل أي خلافات مستقبلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومنذ بداية الأزمة اتبعت اديس أبابا استراتيجية المراوغة، ففي حين تذهب للتفاوض مع القاهرة والخرطوم، ترفض توقيع أي اتفاق قانوني ملزم. وفي 14 مايو (أيار) الماضي، تراجعت إثيوبيا عن اتفاق إعلان المبادئ، الذي وقعته في 23 مارس (آذار) 2015، والذي يلزم الدول الأفريقية الثلاث بالتوصل إلى اتفاق بشأن المبادئ التوجيهية لملء السد وتشغيله، حيث أبلغت مجلس الأمن في رسالة بأنه "ليس لديها الالتزام القانوني بالسعي للحصول على موافقة مصر لملء السد". وتنص المادة 5 من إعلان المبادئ، على أنه يتعين على الدول الثلاث التوصل إلى اتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، الذي تبلغ سعته ستة آلاف ميغاواط قبل البدء في عملية ملء الخزان لتجنب الإضرار بمصالح دول الجوار.

وانتهت جولة من المفاوضات، استمرت نحو أربعة أشهر برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، بالفشل في فبراير (شباط) الماضي، عندما رفضت إثيوبيا التوقيع على اتفاق صاغته الولايات المتحدة ووقعت عليه مصر بالأحرف الأولى. وقالت أديس أبابا إن الاتفاق سيلزمها بتفريغ خزان السد إلى مستويات منخفضة بشكل غير مقبول في حالة حدوث فترة جفاف طويلة وإن الاتفاق كان مصمماً لإدامة الحصة غير المنصفة التي تطالب بها مصر في مياه النيل. وفي المقابل وبحسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، اتهمت إثيوبيا الولايات المتحدة بالانحياز بشكل كبير لصالح مصر خلال مسار المحادثات وتجاوز دورها كمراقب. وفي وقت لاحق، نوهت القاهرة وواشنطن، لأديس أبابا بأنها ستكون في حالة انتهاك لالتزاماتها القانونية الدولية إذا ضخت أي مياه في خزان السد دون التوصل إلى اتفاق. فيما رفضت إثيوبيا هذا الادعاء وأكدت على أن من حقها ملء سدها بشكل أحادي.

وفي تعليقات سابقة لـ"اندبندنت عربية" قال أيمن شبانة، أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز البحوث الأفريقية في جامعة القاهرة، إن "إثيوبيا لطالما أصرت على التنصل من أي اتفاق ملزم يتعلق بالحقوق التاريخية والمكتسبة لمصر، وأصرت على الملء الأول للسد دون الوصول إلى اتفاق. وأعلنت ذلك مراراً وتنصلت من تعريف الضرر الذي يمكن أن يلحق بمصر والسودان ولم تشأ أن تعترف بهذا الضرر الجسيم حتى لا تلزم نفسها بتعويضات مستقبلاً. كما رفضت توقيع أي اتفاق وأصرت على أنها تريد فقط التوافق بشأن إرشادات متعلقة بالتشغيل بحيث يمكن لها أن تغييرها وتُخطر بذلك البلدين". ويلفت إلى أن "الإخطار لا يشترط الموافقة، ومن ثمّ فإن إثيوبيا تريد بذلك فرض سيادة مطلقة على السد كأنه أنشئ على نهر محلي ينبع وينتهي داخلها".

قضية قومية

وتنظر إثيوبيا للسد باعتباره قضية قومية تتعلق بشكل مباشر بالتنمية وتوفير حياة أفضل لشعبها، لكنها تنظر إلى مصر باعتبارها قوة مهيمنة بشكل غير عادل على نهر النيل في الوقت ذاته. وفي تصريحات له الشهر الماضي، قال وزير الخارجية الإثيوبي إن بلاده لن تقبل أي اتفاق باسم مفاوضات سد النهضة من شأنه أن ينكر حق إثيوبيا في الاستخدام العادل للنيل أو أي خطط مستقبلية لبناء مشروعات أخرى.

واتهم الوزير الإثيوبي مصر بالتلاعب بالمفاوضات الخاصة بالسد كذريعة للحد من حق بلاده في سد النهضة باسم "التفاوض". وأشار إلى أن إثيوبيا تجري مباحثات لتحديد أولويات سدها الضخم، وأن قضية السد هي جزء واحد من الاستخدام العادل للنيل. "لذا، يجب طرح القضية العامة لاستخدام نهر النيل بناءً على اتفاقية التعاون التي تشمل جميع الدول المتشاطئة".

وخلال جلسة مجلس الأمن، قال السفير الإثيوبي تاي أسقي سلاسي، إن بلاده قد حُرمت من حقها في استخدام مياه النيل الأزرق لسنوات، مشيراً إلى أن أكثر من 60 في المئة من البلاد هي أرض جافة ولا تتمتع بموارد مائية مستدامة، بينما تتمتع مصر بمياه جوفية ولديها إمكانية الوصول إلى مياه البحر التي يمكن تحليتها، وهي العملية المكلفة للغاية والتي تواجه صعوبة كبيرة، بحسب خبراء. وأضاف أنه بمجرد اكتمال السد، سيوفر الكهرباء "لأكثر من 65 مليون شخص يعيشون حالياً في الظلام الدامس".

مأزق آبي أحمد 

وفي حين تكثف مصر الضغوط الدبلوماسية على إثيوبيا، تقول مجموعة الأزمات الدولية إن أديس أبابا رفضت الانحناء أمام الضغوط. فلقد رفضت التوقيع على مسودة الاتفاق الذي جرى في واشنطن لأنها تراه محاولة لإدامة ما تعتبره هيمنة مصر التاريخية غير المبررة على مياه النيل. علاوة على ذلك، فإن أي تنازل تقدمه الآن سيكون مكلفاً سياسياً لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي يواجه مرحلة صعبة قبل ما يتوقع أن تكون انتخابات تنافسية، تأجلت بسبب انتشار فيروس كورونا لكنها مقررة عام 2021 إذا سمحت الظروف.

كما تقول إثيوبيا إن مشروع توليد الطاقة الكهربائية من المياه، والذي سيكون أقوى مشروع في أفريقيا، حيوي لتنميتها الاقتصادية وإن الكهرباء الرخيصة المتولدة من السد ستعود بالفائدة على البلدين الآخرين الأقرب إلى المصب، بما في ذلك مصر. لكن يوصي المركز البحثي بضرورة أن تقوي أديس أبابا حجتها بأنها تحرص على مصالح جارتيها وأن تجدد التأكيد للقاهرة والخرطوم أنها "إذا دعت الحاجة" ستسمح بمرور كميات كافية من المياه المخزنة في سد النهضة لتخفيف حالات النقص المستقبلية في الدولتين بسبب الجفاف.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل