Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روحاني والاحتفال الأخير بالاتفاق النووي

يبدو أن النظام قرر الذهاب إلى تبني سياسة الكيدية في التعامل مع الرئيس الأميركي

الرئيس الإيراني حسن روحاني (رويترز)

بعد قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الثامن من مايو (أيار) 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي والعودة إلى فرض عقوبات اقتصادية خانقة وغير مسبوقة على النظام الإيراني، وبعد الشروط 12 التي أعلنها وزير الخارجية مايك بومبيو لأي مفاوضاتٍ جديدةٍ مع إيران، تحرّكت الدبلوماسية الإيرانية باتجاه الدول الأخرى الشريكة في الاتفاق أو ما بات يُعرف في الأدبيات الدبلوماسيةِ الإيرانيةِ بمجموعة 4+1 التي تضم الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) والصين وروسيا.

ويهدف هذا التحرك إلى الحدِ من التداعيات السلبية للقرار الأميركي وجسِّ النبض حول إمكان التوصل إلى تفاهماتٍ جديدةٍ مع هذه العواصم تحت سقف الاتفاق النووي، بعيداً من واشنطن التي رفعت سقف شروطها وضغوطها على طهران لإجبارها على القبولِ بالمستجدّ الذي فرضه قرار ترمب.

الذكرى الخامسةُ للتوقيع على الاتفاق (14 يوليو- تموز 2015) يبدو أن لها في إيران طعماً مختلفاً هذه السنة، إذ استغرقَ الاتفاقُ مدّة رئاسة حسن روحاني على دورتين، توزّعت بين 22 شهراً من المفاوضات، وخمس سنواتٍ من الصراعات الداخلية والخارجيةِ للحفاظ على المنجز الأهم في رئاسته، إن كان في مواجهة التيارِ المحافظِ والقوى المعارضة له، أو في مواجهةِ المستجدّ الأميركيّ الذي تمثّل في الانسحابِ من الاتفاق والعودة إلى سياسةِ العقوبات.

في المقابل، ارتفعت حدّة السجالات الداخليةِ حول الاتفاق، كونها الأخيرةَ التي يمكن لروحاني الدفاعُ فيها عن هذا المنجزِ في ظلّ استعداده لتسليم موقع الرئاسة إلى خلفه الذي يبدو من خلال المعطيات المسيطرة على المشهد السياسي الإيرانيِ سيكون من حصة التيار المحافظ الذي بدأ باستنفار كل إمكاناته من أجل العودة إلى السلطة التنفيذيةِ بعد سيطرته على السلطة التشريعيةِ، وهما السلطتان الخاضعتان لرأي الشارع والناخب الإيراني ومزاجه، في حين أن الركنَ الآخرَ من ثلاثية الحكم، أيّ السلطة القضائية من مختصّاتِ المرشدِ الأعلى مباشرةً ولا تخضعْ لصندوق الاقتراع.

على الرغم من الإيجابيات الكثيرة التي حملها الاتفاق للنظام الإيراني في السنتين الأخيرتين من ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إلا أن روحاني لم يستطع إسكات الأصوات المعترضة والرافضة للاتفاق بناء على حساباتها الداخلية الضيقة وما يمكن أن يحدثه من تحولات جذرية في المجتمع الإيراني التي قد تهدّد تماسك سلطة النظام وإمساكه بمفاصل القرارات الإستراتيجية.

فالإدارة التي استطاعت تحقيق هذا الإنجاز تقع سياسياً خارج التيار المحافظ وتشكل منافساً جدياً له وأكثر خطورة من التيار الإصلاحي، لأنها تحمل شعار الاعتدال والانفتاح على العالم والمحيط وسياسة تخفيف التوتر في إطار إستراتيجية أو عقيدة بناء "منطقة قوية بشراكة جميع الأطراف"، وما تعنيه من لزوم اتّباع سياسة الحدّ من خلق التوتّرات مع دول الجوار والتفاهم معها على إدارة الخلافات بما يعزّز مبدأ التعايش السلمي وحسن الجوار بين الجميع.

المتغيّر الأميركي الذي جاء بالرئيس ترمب إلى البيت الأبيض والسياسة التي اعتمدها في التعامل مع إيران وملفاتها الشائكة بخاصة في ما يتعلق بالاتفاق النووي والبرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي ودعم الجماعات المسلحة التي تشكل أذرع طهران الأمنية والعسكرية في المنطقة، أسقط كل رهانات روحاني وفريقه المفاوض ورئيس دبلوماسيته في إمكانية التوصل إلى نقطة وسط بين المكاسب التي حصلت عليها طهران من هذا الاتفاق وبين الشروط التي وضعها ترمب لإعادة إنتاج تفاهم جديد يشمل كل نقاط الخلاف بينهما، لم تصبّ في صالح روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف.

لكن التيار المحافظ استغلّها لاستكمال الحصار الذي فرضته واشنطن على الحكومة الإيرانية وأسهمت في إضعاف موقفها أمام الجمهور الإيراني الذي انتظر طويلاً من أجل التخلّص من سيف العقوبات وأمل في الانتعاش الاقتصادي والانفتاح على العالم، إذ كانت الخطوة الأميركية بالانسحاب من الاتفاق وتفريغه من أي إيجابية بمثابة الخطوة التي كان ينتظرها التيار المحافظ والقوى المتضرّرة من الاتفاق قام بها ترمب لمصلحة أهدافهم وخدمة لسياساتهم لمنع روحاني وحكومته من استثمار نتائج الاتّفاق.

وفي الوقت الذي راهن روحاني وظريف على إمكانية اللعب على وتر استقطاب الترويكا الأوروبية إلى جابنهم وعزل التأثير الأميركي عن قرارات هذه الدول من خلال إعلان التمسّك بالاتفاق في ظلّ إستراتيجية تقليص الالتزامات، ومحاولة التوصل إلى تفاهم حول آلية تعامل مالي من خارج المنظومة الأميركية "إنستكس"، انطلاقاً من رهانات تاريخية بدأت مع التيار الإصلاحي واستمرّت مع روحاني والمعتدلين بإمكانية إحداث فصلٍ أو تمايز بين الموقف الأوروبي والموقف الأميركي في التعامل مع الملفات الإيرانية والانفتاح على طهران ونظامها.

إلا أنها اصطدمت ماضياً وحاضراً بعدم قدرة هذه العواصم على تخطّي السقف الأميركي وإحداث خرق يصبّ في صالح طهران، حتى إن هذه العواصم لم تستطع توظيف التنازل الذي قدمته طهران بتسهيل عملية دخول الاستثمارات والشركات الأميركية إلى السوق الإيراني في مقابل عودة البيت الأبيض عن قرار الانسحاب من الاتفاق، تليين الموقفِ الأميركيّ.

شكّل ذلك مادة جديدة للتيار المحافظ لتعميق الجراحات في جسد إدارة روحاني وتأكيد فشلها في إدارة هذا الملف إلى جانب فشلها في إدارة الأزمات الاقتصادية والصحية التي واجهتها وتواجهها البلاد والنظام.

وفي الذكرى الخامسة للاتفاق، يبدو أن النظام قرّر الذهاب إلى تبنّي سياسة الكيدية في التعامل مع ترمب من خلال ما كُشف عنه أخيراً حول التحضيرات الجارية لعقد اتفاقية شراكة إستراتيجية مع الصين لـ 25 سنة، في محاولة بعثِ رسالةٍ مباشرةٍ إلى هواجس ترمب الاقتصادية والمالية والاستثمارية، بأن الخيارات مفتوحة أمام طهران لتعويض ما حُرمت منه أميركياً من خلال تعزيز شراكاتها الروسية والصينية، بما يساعدها على تخفيف خناق العقوبات المفروضة عليها.

لا شك في أن الإجراءات الأميركية منذ الثامن من يوليو (تموز) 2018 أصابت المخططات الإيرانية، لدى الحكومة والنظام على حد سواء، بكثير من الإرباك، إلا أنها سمحت للصراع الداخلي في بعده المعارض للاتفاق، أو لأي إنجاز قد تحقّقه حكومة روحاني في تنفس الصعداء والرقص على جثة الاتفاق والجهة التي أنجزته، لما وفره من فرصة أمامها لاستكمال شروط عودتها إلى السلطة التنفيذية وإمكانية أن تعيد إنتاج الاتفاق النووي بما يخدم تعزيز مواقعها وتحسين صورتها الشعبية كمنقذٍ من الأزمات التي تسبّبت بها الحكومات السابقة، حتى وإن كان ذلك عبر الذهاب إلى اتّفاق جديدٍ مع ترمب أو أيّ إدارة تأتي إلى البيت الأبيض وتفرض مزيداً من التنازلاتِ على النظام.

يبقى المهمّ، أن يسجّلَ هذا الإنجاز كطوق نجاةٍ في خانةِ إنجازاتِ التيار والقوى المحافظة.

المزيد من تحلیل