في قرار مفاجئ أعلنت الحكومة البريطانية استبعاد شركة هواوي الصينية بالكامل من شبكة الجيل الخامس للموبايل (5G)، بعدما كانت لندن رفضت الاستجابة للضغوط الأميركية للتخلي عن "هواوي"، وقررت مطلع العام مشاركة الشركة الصينية في الشبكة البريطانية بنسبة لا تزيد على 35 في المئة.
وجاء القرار البريطاني بعد اجتماع عاصف لمجلس الأمن القومي بمقر الحكومة في 10 داوننغ ستريت صباح اليوم الثلاثاء، واستند إلى توصية المركز الوطني للأمن الإلكتروني بأن معدات هواوي "لم تعد آمنة"، على إثر قرار الحكومة الأميركية في مايو (أيار) حظر استخدام الشركة التكنولوجيا الأميركية في رقائقها الإلكترونية.
وذكر مراسل شؤون الدفاع في شبكة سكاي نيوز، أن اجتماع مجلس الأمن القومي شهد جدالاً ساخناً، وصل إلى حدّ التوتر في بعض الأحيان. لكن في النهاية، تمكّن رئيس الوزراء بوريس جونسون من حسم الأمر بقرار حظر كامل على الشركة الصينية.
وحسب ما أبلغ به وزير الثقافة أوليفر داودن مجلس العموم (البرلمان) البريطاني، في بيان لأعضائه، فإن القرار سيصبح قانوناً قبل نهاية العام، ويقضي باستبعاد كل المكونات التي تنتجها "هواوي" في شبكة الموبايل الحديثة بحلول عام 2027.
وأقرّ الوزير، في بيانه، بأن حظر الشركة ومكوّناتها سيعني تأخيراً في نشر شبكة الموبايل من الجيل الخامس في البلاد بما بين سنتين وثلاث سنوات، كما أنه سيزيد تكلفة الشبكة بنحو 2.5 مليار دولار (مليارا جنيه إسترليني).
وبرر البيان القرار الجديد للحكومة بأن حظر الولايات المتحدة استخدام التكنولوجيا الأميركية في الرقائق الإلكترونية لشركة هواوي، يعني أن الشركة ستلجأ إلى بدائل غير آمنة، ولا يمكن الوثوق بها. ويبدو أن تلك محاولة الحكومة البريطانية كي يعتبر القرار بشأن "هواوي" نتيجة لإجراءات الحظر الأميركية، وليس استجابة من بوريس جونسون لضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لمعاقبة الصين.
رد الشركة
نفى متحدث باسم شركة هواوي في بريطانيا تلك المبررات، مؤكداً أن الشركة تعتمد على سلسلة توريد مجرّبة وموثوقة، ويجري اختبار مكوناتها بدقة. وقال إد برويستر، "هذا قرار مخيب للآمال لكل من لديه هاتف موبايل في بريطانيا، فهو يهدد ببطء تقدّم بريطانيا تكنولوجيّاً، ويؤدي إلى ارتفاع فواتير الموبايل. نحن واثقون بأن القيود الأميركية الجديدة ما كانت لتؤثر في جودة وأمن المنتجات التي نوفرها لبريطانيا. مع الأسف فإنّ مستقبل عملنا في بريطانيا جرى تسييسه، وهذا (القرار) يتعلق بسياسات أميركا التجارية، وليس بمسألة الأمن".
وكانت الحكومة البريطانية قد قررت في يناير (كانون الثاني) أن تكون مشاركة شركة هواوي في شبكة الموبايل من الجيل الخامس مقصورة على مكونات لا تؤثر في أمن الشبكة على خلفية الاتهامات الأميركية بأن "هواوي" مرتبطة بالحكومة الصينية، وتسهّل للصين التجسس على الخارج. وتنفي الشركة ذلك، وتصر على أنها شركة خاصة مملوكة للعاملين فيها كمساهمين.
وتوقع كثيرٌ من المحللين البريطانيين أن يكون رد فعل الصين على قرار بريطانيا حظر "هواوي" بشكل كامل قويّاً، وقد يتضمّن وقف استثمارات صينية في بريطانيا، وربما فرض رسوم إضافية، وتعريفة جمركية على منتجات بريطانية، والتضييق على الشركات البريطانية العاملة في الصين.
كما أن القرار سيعقّد إمكانية التوصل إلى اتفاق تجارة بين بريطانيا والصين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، الذي بدأ رسميّاً مطلع العام. إذ تعتبر الصين شركة هواوي "درة التاج" في الابتكار الصيني، خصوصاً في استثمار الشركات الصينية في الخارج.
وإذا كانت الصين انتقدت التصريحات البريطانية بشأن هونغ كونغ بعرض منح سكانها الجنسية ردّاً على قانون الأمن القومي الصين في الإقليم، فإن رد فعل بكين على قرار حظر هواوي قد يتجاوز الانتقاد والغضب اللفظي إلى إجراءات اقتصادية مؤلمة لبريطانيا التي يعاني اقتصادها بالفعل، بسبب بريكست وتبعات أزمة وباء فيروس كورونا.
الصين منزعجة ليس فقط من خسارة الشركة السوق البريطانية، إنما لأن ما تثيره بريطانيا حول المشكلات الأمنية في منتجات الشركة قد يجعل أعمال "هواوي" في بلدان أخرى في خطر، مع تخوّف حكومات دول كثيرة من احتمالات الاختراق الأمني لشبكاتها.
تأثير في بريطانيا
لا يقتصر رد الفعل على القرار على الصين وشركة هواوي، بل إن شركات الموبايل البريطانية تستعد لخسائر بالمليارات للتخلص من مكونات شبكاتها من منتجات هواوي. وقد أعرب مسؤولو بريتش تليكوم وفودافون عن قلقهم من تأثير ذلك في نشاط الشركات، وعلى الخدمة التي يوفّرونها للعملاء.
وألمح البعض إلى احتمال عودة شركات الموبايل، بما فيها أيضا ثري وأو تو وغيرهما، وكذلك مطالبة الحكومة البريطانية بتعويضات بمئات الملايين لكل منها. فاستبدال المكونات التي تعود لـ"هواوي" في شبكاتها سيكلف كثيراً، وتلك الشركات استندت في استخدام منتجات الشركة الصينية إلى قرار الحكومة البريطانية. بالتالي يمكن أن يطالبوا الحكومة بالمساهمة في تكاليف التغيير، لمسؤوليتها عن ذلك نتيجة تضارب قراراتها.
وحذّر خبراء أن عملية الاستبدال والتغيير قد تجعل المستهلكين يعانون خلال العامين المقبلين تباطؤاً في عمل شبكات الموبايل، وتدهور الخدمة في أحيان كثيرة. كما أن الشركات قد تضطر إلى تحميل المستهلكين جزءاً من تكلفة التغيير لاستبدال مكونات الشبكات من إنتاج الشركة الصينية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا في الوقت الذي كانت الشركات فيه تنتظر العائد على استثماراتها بالمليارات في العامين الأخيرين. ولتوضيح حجم التأثير في الشركات وخدمة الموبايل يشار إلى أن شبكة بريتش تليكوم الحالية تتضمن ثلثي مكوناتها من إنتاج هواوي، والثلث من إنتاج نوكيا. أمّا فودافون فثلث مكونات شبكتها من إنتاج "هواوي" والثلثان من "إريكسون".
ومن غير الواضح إذا كان القرار البريطاني يشمل كل مكونات في الشبكات من إنتاج هواوي أم يقتصر فقط على شبكة الجيل الخامس. لكن في كل الأحوال، كما يقول مسؤولو شركات الموبايل، فإنّ مستخدمي شبكات الأجيال الرابع والثالث والثاني سيتأثرون سلباً، حتى لو لم يقض القرار الأخير باستبدال الشركات مكونات من إنتاج "هواوي" في تلك الشبكات.
واستبعد كبير مسؤولي التكنولوجيا في بريتش تليكوم، التي تملك شركة "إي إي"، أكبر شركة موبايل في بريطانيا، هوارد واتسون في رسالة إلى نواب البرلمان صعوبة التخلص من كل مكونات شبكات الموبايل من إنتاج "هواوي" في غضون سنوات قليلة، وأكد أن مستعملي الخدمة سيعانون انقطاعها بالتأكيد، ليس فقط من يستخدمون شبكة الجيل الخامس، لكن أيضاً من يستخدمون شبكات الجيلين الرابع والثاني.
أمّا الأكثر تضرراً بالطبع فستكون المناطق التي بدأت فيها خدمة الجيل الخامس في بريطانيا. وحسب موقع "تيك رادار" تتوفر خدمة الموبايل الجيل الخامس في 249 موقعاً ببريطانيا تمتد من أبردين إلى يورك.