Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مغامرات غواص فلسطيني تحت بحر غزة

تمنع إسرائيل دخول معدات هذه الرياضة بذريعة الاستخدام المزدوج

يحاول الغواص الفلسطيني التعرف على المكونات البحرية في أعماق شاطئ غزّة (محمد أسعد)

لبس بدلة الغوص، وأمسك بمسدسه البحري، وانطلق مسرعاً نحو شاطئ بحر غزّة يبحث على طول الشريط الساحلي، الذي يمتد لأربعين كيلومتراً فقط، عن المناطق الصخرية، ليغوص نحوها ويكتشف خبايا أعماق بحر القطاع. وبعد بحثٍ طويل، تمكن الغواص محمد أسعد من رؤية رأس صخرة تظهر وتختفي على حسب قوة تضارب الأمواج في ذلك اليوم. مسرعاً، أجرى تمارين ما قبل السباحة ثمّ أكمل ارتداء بزته المخصصة للغوص، ولبس الزعانف ووضع النظارة، وباشر في السباحة، نحو النقطة التي حدّدها، مصطحباً كاميرته من نوع "غو برو".

غزة تحت المياه

على بعد 300 متر تقريباً عن شاطئ بحر خان يونس، جنوب مدينة غزّة، تقع جزيرة صخرية على شكل جبلٍ صغير، بحيث يتمكن الناس من على الشاطئ رؤية طرفها العلوي، الأمر الذي أثار فضول أسعد، وأصر على اكتشاف تلك المنطقة.

فور وصوله إلى المنطقة الصخرية، ارتفع أسعد إلى سطح الماء ليأخذ نفساً عميقاً ليباشر غوصه مكتشفاً ما تخفيه تلك الصخرة من حياة بحرية في ثناياها. في حقيقة الأمر لا يمتلك الغواص الفلسطيني أيّ معدات متطورة، تمكنه من البقاء تحت الماء طويلاً.

لمدة دقيقة واحدة، غاص أسعد في أعماق بحر غزّة الضيق، يكتشف أسرار تلك الصخرة، ويقول "الكثير من جماليات الحياة البحرية تمكنت كاميرتي من توثيقها، ومنها رمال بحرية تعتليها صخور مليئة بالطحالب وبينها الأسماك تسبح ببطء بحثاً عن مصدر رزقها، وكذلك شاهدت بيوت الأسماك التي تحميها من الوحوش البحرية".

محمية طبيعية!

إلا أنّ تلك الصخرة كانت مدمرة كثيراً، وفقاً لما استنتجه أسعد. ويرجع السبب إلى الصيد الجائر، وعوامل التعرية الجوية. وعلى الرغم من ذلك، يصف أسعد المشهد: "أشعة الشمس تكاد تصل إلى الرمال بعد اختراق المياه، لتشكل مزيجاً من الألوان الخلابة".

بالفعل، كانت تلك المنطقة قبل عام 2005 (أثناء سيطرة إسرائيل على القطاع) محمية طبيعية، ويمنع الاقتراب منها أو الصيد فيها، ووثّقت كاميرا الغواص مشاهد من أسفل المياه حول كيف يعيش السمك بين ثنايا هذه المحمية.

أسعد ليس غواصاً في الأساس، بل درس في الجامعة تخصّص التحاليل الطبية، لكنه عمل مصوراً صحافياً مع العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية، وكان عمله في توثيق رحلات الصيد والانتهاكات التي يتعرض لها الصيادون سبباً في اتجاهه إلى ممارسة رياضة الغوص المدني.

إسرائيل تمنع معدات الغوص

كان يجد في البحر مكاناً آماناً للترفيه، فالقطاع المحاصر منذ 14 عاماً لا أماكن ترفيهية فيه سوى بحره الضيق القصير الشاطئ. وعلى الرغم من ذلك يرتاده أسعد باستمرار، علّه يفرغ طاقته السلبية التي اكتسبها طوال يوم شاق صوّر فيه الكثير من القصص الإنسانية أو انتهاكات إسرائيل أو وثّق خلاله حياة الناس اليومية المليئة بالحزن.

ومن كثرة زيارته البحر، وأثناء إعداده تقارير صحافية حول طرق الصيد بالمسدس البحر، لمعت في ذهن أسعد فكرة الغوص واكتشاف خبايا بحر غزّة، فباشر في جمع مستلزمات الغوص واحدة تلو الأخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أثناء تصفح الإنترنت وجد أسعد إعلاناً لبيع بدلة غوص مموّجة بلون الصخور، لكن ثمنها كان باهظاً. ويقول "دفعت ثمن البدلة، ثمّ بحثت عن نظارات للسباحة، وكان من المستحيل أن أجد زعانف لأغوص فيها، وبصعوبة حصلت عليها من شخصٍ كان قد هربها إلى القطاع عبر الأنفاق الحدودية".

لم تكن هذه المرة الأولى التي يمتلك فيها محمد بدلة الغوص كاملة، فأثناء سفره خارج غزّة، تمكن من جلب معداتٍ لها معه، إلا أنّه فقدها جميعها خلال تدمير منزله من قبل قوات الجيش الإسرائيلي أثناء العدوان على القطاع عام 2014 عندما مسحت حيّ الشجاعية شرق غزّة بالكامل. واضطر إلى تجميعها من جديد ليواصل غوصه في أعماق المياه.

وعندما بحث الغواص عن سلاحه البحري (مسدس الصيد) المصنوع من الخشب، وجده يصنع بغزّة وفقاً للمواصفات العالمية. ويقول: "هذا الشيء الوحيد الذي وجدته بسهولة، وبقية المعدات تمنع إسرائيل دخولها إلى القطاع".

في الحقيقة، تستخدم إسرائيل ذريعة "الاستخدام المزدوج" لكثير من العناصر لمنع أدوات الغوص من دخول غزّة. وهي بدأت في منعها بعد نشر كتائب القسام لفيديوهات عن وحدة الضفادع البشرية لديها، وهم يرتدون زي غواصين.

لا أنابيب أوكسجين في غزة

وثمّة عراقيل أخرى تعترض استكمال أسعد رياضته، منها وجود مِزقٍ صغير في الزعانف التي يمتلكها. كما أنه محروم من أنابيب الأوكسجين، لذلك يعتمد على نفسه ما يجعله يغوص مدة دقيقة فقط، على عمق 3 إلى 5 أمتار، وكذلك لا تساعده الزعانف التي يمتلكها على الغوص، فطولها لا يتجاوز 70 سنتمتراً.

وتمكن أسعد من تصوير أوّل فيلم وثائقي بعنوان زعانف مبتورة، بكاميرا واحدة ومن دون أيّ مساعد مصور، وبتقنيات محدودة جداً، ونقل في مشاهده صورة جديدة عن غزّة، خلافاً لصورة القتل والدمار ومعاناة الصيادين.

ينتظر الغواص الأشهر الأربعة من نهاية العام، لينزل إلى المياه والسبب أنّها تكون أصفى، بعد أنّ ينظف البحر نفسه من مياه الصرف الصحي، ويطرد الشوائب والطحالب. ويقول "قمت بإنشاء قناة عبر منصة يوتيوب تحمل اسم مغامرات الغوص، لتسلية سكان غزّة، وتوعيتهم حيال الحياة البحرية".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات