Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دور اليسار المتطرف لا يلغي سخط السود في الولايات المتحدة

الأميركيون الأفارقة يعتقدون بأن استمرار التظاهرات وانحرافها إلى العنف يعودان إلى تفشي الظلم والعنصرية

لم تخل المظاهرات المناهضة للعنصرية وتدخل الشرطة الأميركية من العنف (رويترز)

في مستهل يونيو (حزيران) الماضي، أرجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب ملفيّ فيروس كورونا والصين بشكل مؤقت، وراح يصب جام غضبه على جماعة "أنتيفا" المعادية للفاشية، ووضعها في أولوياته متوعداً بإدراجها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، على خلفية اندلاع التظاهرات المناهضة للعنصرية التي أشعلها مقتل جورج فلويد على يد الشرطة مايو (أيار) الماضي، إذ تحمّل الإدارة الأميركية إلى وقتنا هذا، اليسار الراديكالي مسؤولية انحراف الاحتجاجات السلمية إلى عمليات عنف ونهب وتخريب طالت المرافق العامة والخاصة.

وتعد "أنتيفا" جماعة يسارية لا يُعرف عدد المنضمين إليها، وتعتبر من الحركات التي نشطت بشكل كبير في الولايات المتحدة عام 2017، بعد سلسلة من الأحداث التي سلطت الضوء على المتظاهرين المناهضين للفاشية، والتي أدت إلى إلغاء حدث لكاتب يميني في جامعة بيركلي في كاليفورنيا، والاشتباكات العنيفة في مدينة شارلوتسفيل بولاية فرجينيا.

وتهدُف الجماعة إلى إنهاء ممارسات تصفها بـ"الاستبدادية"، مثل العنصرية ورهاب المثلية الجنسية وكراهية الأجانب، ويعمل أعضاؤها أحياناً مع حركات محلية أخرى مثل "احتلوا وول ستريت"، و"حياة السود مهمة"، ويبررون استخدام العنف بإمكان حدوث أعمال مشابهة ضدهم، لذلك يصفون ميلهم إلى ذلك بالدفاع عن النفس، وتتشابه أطوار أنتيفا مع الأناركيين وهي حركة مناهضة تدعو إلى إلغاء السلطة، وتتمثل هذه الصفات في ارتداء الملابس السوداء والأقنعة، كما أن الجماعتين تنتقدان الرأسمالية وتسعى إلى تفكيك هياكل السلطة، بما في ذلك قوات الشرطة.

مخاوف ومبالغات

وفي الشهر الماضي، تسلل القلق إلى كثير من سكان المدن والولايات الأميركية مدفوعين باعتقادات فحواها أن جماعة أنتيفا تنوي تنظيم أعمال عنف بمحيطهم، وتبين لاحقاً أن هذه المخاوف كانت نتيجة إشاعات تكونت بعد تصريحات ترمب، غير أن الإدارة الأميركية مازالت تؤكد تورط اليسار في الاحتجاجات الأخيرة.

وسعى الجمهوريون حينها إلى جمع أموال حملة بعنوان "قفْ مع الرئيس ترمب ضد أنتيفا"، وذهبت مارجوري غرين، وهي مرشحة للكونغرس في جورجيا، إلى إنتاج إعلان يظهرها وهي تحمل بندقية، تبعث من خلاله رسالة إلى الناشطين المعادين قائلةً: "لن تحرقوا كنائسنا، أو تنهبوا أعمالنا، أو تدمّروا منازلنا". وليس ببعيد، ظهور ترمب وهو يحمل الكتاب المقدس مستثيراً عواطف أنصاره، وقبلها أوامره بنزول الحرس الوطني لإيقاف الشغب. ورداً على سؤال حول السبب وراء عدم تمييز عدد كبير من الشكاوى الجنائية جماعةَ أنتيفا، قال المدعي العام، وليام بار، إن التهم الأولية لا تتطلب ربط المشتبه فيهم بجماعة معينة، مضيفاً أن "هناك مجموعة من الجماعات المتطرفة التي تحاول استغلال هذا الوضع من جميع الجهات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووجه مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكلاء النيابة العامة، والمدعون الفيدراليون اتهامات ضد عدد من المتظاهرين بإثارة الشغب والنهب وإلحاق الدمار، وأجرت السلطات اعتقالات على خلفية التآمر لإشعال الحرائق، وتنظيم أعمال عنف، واضطرابات مدنية وحيازة قنابل حارقة.

لكن المقابلات التي أجريت مع العديد من إدارات الشرطة، ومراجعة مئات المقالات الصحافية حول الاعتقالات في جميع أنحاء البلاد أسفرت عن عدم وجود دليل على جهد سياسي منظم وراء عمليات النهب وأشكال العنف الأخرى، في افتراض مطروح يعضده جوش روبنشتاين، المتحدث باسم قسم شرطة لوس أنجليس بقوله: "لم نرَ جهوداً منظمة لتنظيم أنتيفا هنا في لوس أنجليس".

ومن حيث انطلقت احتجاجات مايو الماضي، قال رئيس شرطة مينيابوليس ميداريا أرادوندو، في مقابلة سئل خلالها عن تورط أنتيفا أو غيرها من الجماعات المتطرفة: "بينما أجلس هنا اليوم، لم أتلقَّ أي نوع من المعلومات الرسمية التي تحدّد جماعات بعينها".

وعلى الرغم من اعتراف الأناركيين والمناهضين للفاشية علانية بأنهم جزء من الحشود الهائلة، فإنهم يعتبرون حجم الاحتجاجات وكثافتها واستمرارها أبعد مما يتصورونه أو يحلمون بتنظيمه، غير أن باحثين في هذه الحركات يعترفون بأن بعض التكتيكات الشائعة أخيراً، مثل ارتداء الملابس السود، وتحطيم نوافذ المتاجر، تذكّر بتلك التي تستخدمها الجماعات الأناركية.

وفي سياق متصل، لم تهدأ اتهامات الأميركيين الأفارقة لليمين المتطرف بالتدخل لتعكير صفو التظاهرات السلمية، وفي إحدى القضايا، مَثُل ثلاثة أشخاص أمام المحكمة الفيدرالية في نيفادا لارتباطهم بشبكة من المتطرفين اليمينيين الذين يدعون إلى الإطاحة بالحكومة الأميركية، وقُبض عليهم في 30 مايو الماضي، بتهمة محاولة إثارة العنف خلال مسيرات "حياة السود مهمة".

موقف السود

وفيما يحذّر مسؤولون من أن العديد من التحقيقات لا تزال في المراحل الأولى، حيث لا يزال المحققون يحاولون تحديد الانتماءات، وما إذا كانت جماعة أنتيفا وراء موجة التظاهرات العنيفة، لا يكترث الأميركيون الأفارقة بهذا المزاعم، وتبدو جهودهم منصبّة في انتزاع حريّتهم وحقوقهم على حد سواء مع غيرهم.

ومازالت هذه الرغبة المسافرة من الستينيات إبّان سطوة حركة الحقوق المدنية، وأبيها الروحي، مارتن لوثر كينغ، صاحب العبارة الشهيرة "لديّ حلم"، تسيطر على المجتمعات السوداء، ويبدو أن مرارة الحال تزايدت مع رؤية عقود من النضال لإرساء قيم المساواة تضيع في دوامة وحشية الشرطة بسبب أفعال فردية مستفزة.

وفي ولاية ديلاوير التي نالت أكبر مدنها، وهي ويلمينغتون، نصيباً كبيراً من التظاهرات، أسَّست مجموعة من النشطاء مجموعة سلمية تدعى "الاتصال بالعدالة"، تُعنى بتوعية الأميركيين الأفارقة، وبدأت بتنظيم لقاء واحد للحديث عن وحشية الشرطة وتأثيراتها الطاغية في مجتمع السود، وحين سار الحدث بشكل جيد لدرجة أن العديد من الحضور تواصلوا لاحقاً للمساعدة في العمل على استمراره، لمس المنظمون الشباب وجود جمهور بحاجة لخدماتهم، فقرروا متابعة جهودهم التثقيفية المناهضة للعنصرية.

يتحدث جورج بيترز، أحد منظمي اللقاءات الدورية، لـ "اندبندنت عربية" عن أجواء العديد من التظاهرات الأخيرة التي شارك فيها، بوصفها مسيرةً تجمَّعت خلالها مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين شاركوا خبراتهم الشخصية ومشاعرهم الحقيقية، ما دفعه إلى الشعور بأن التغيير يحدث حوله، وأنه جزء من الجهود الرامية إلى جعل أصوات بني عرقه مسموعة.

وعلى الرغم من أنه لا يؤيد العنف، أو يستخدمه، فإنه يتفهم أولئك الذين يشعرون بالحاجة إليه طالما أنه لا يسبب ضرراً جسدياً لغيرهم، ويعتبر أن التغيير يستلزم تصرفاً، ويستطرد في حديثه المتدفق قائلاً، "لم أرَ من قبل احتجاجاً سلمياً يتحول إلى العنف، لكن يسعني التكهن بأن هناك أناساً سئموا من أن لّا تثمر تحركاتهم السلمية في تحقيق مطالبهم، بينما الأشخاص الذين تعلو أصواتهم ينتزعون حقوقهم".

من جانب آخر، توجد نسبة من الأميركيين تعتقد بأن التظاهرات انفجرت بسبب تفشي فيروس كورونا الذي رفع معدلات البطالة، وحجز الناس في منازلهم، حيث يقول البعض ساخراً أو جاداً إن ما دفع هؤلاء إلى التخييم في الشوارع ليل نهار هو خسارتهم وظائفهم، أي أنهم لم يجدوا عملاً يقومون به، فاتجهوا إلى رفع الشعارات في المسيرات الغاضبة. 

لكن هذه المزاعم لا يتفق معها الناشط الشاب، ومع ذلك، لا يخفي دور الوباء في إشعال عاطفة بني عرقه، حيث منحهم وقتاً مثالياً وإضافياً للانتفاض، جنباً إلى جنب مع الأحداث الثلاثة التي أظهرت "إهمال حياة الإنسان الأسود" على حد وصفه، والتي كان آخرها مقتل جورج فلويد، الموثّق بالمقاطع المصورة التي اعتاد مجتمع السود على رؤيتها، باعتبارها برهاناً على عدم تطبيق العدالة، فعلى الرغم من وجود دليل مرئي، يسرح القتلة بحرية.

ويعبّر بيترز عن المعاناة التي يعيشها الأميركيون الأفارقة بقوله، "من الجنون أن أتخيّل أنه لم تعد تعتريني مشاعر الاستغراب أو الحساسية عند مشاهدة حدث دموي يتعرض له شخص أسود، لأن هذا المسلسل يتكرر طيلة سنوات حياتي"، ويضيف، "لقد وصلنا إلى نقطة الغليان، حيث أصبح التغيير الحقيقي مطلوباً في جميع مناحي الحياة".

ولم يعلّق حول اتهامات ترمب جماعة أنتيفا بقيادة التظاهرات، لكنه يأمل في أن يخصّص الجميع بمن فيهم أعضاء الإدارة الأميركية وقتاً للبحث وتثقيف أنفسهم بشأن مطالبهم من زاويتيّ التاريخ والواقع الحالي، مجدداً مطالبه بالعدالة لمن فقدهم بسبب التمييز، ويحلم بأن يكون المواطنون السود في المستقبل قادرين على العيش بحرية وأمان، فهم لم يختاروا لون بشرتهم، وعلى ذلك، لا ينبغي أن يكون هناك سبب لمعاملتهم بشكل دونيّ، وهو مفهوم على الرغم من بساطته فإنه يستعصي فهمه على كثيرين، على حد تعبيره.

وبالحديث عن مطالبهم الحالية، لا يعمم بيترز الممارسات العنصرية على جميع العاملين في قطاع الشرطة، بل يقول إن هناك "أجهزة شرطة تقوم بعمل عظيم وتستحق الاحترام والتقدير لعملهم الشاق"، ويشير إلى أن هؤلاء الضباط يجب عليهم تثقيف زملاءهم الآخرين، مشيداً بالجهود الإصلاحية والسياسات الإيجابية في الآونة الأخيرة.

ويؤمن نشطاء حقوق الإنسان في الولايات المتحدة بأن ملف الحد من وحشية الشرطة يحرز تقدماً إيجابياً، بخاصة بعد التحرّكات التي أسفرت عن قيود وأنظمة جديدة واستحداث مجالس مدنية لمراقبة تنفيذها في بعض الولايات، لكن لأن الممارسات العنصرية لن تختفي من الوجود، فإنهم يطالبون بمحاسبة الجناة على أفعالهم، وأن لا يقتصر ذلك على الإقالة، إنما الخضوع للمساءلة القانونية، حتى لا تشعر أجهزة الشرطة بالإعفاء من المسؤولية أو أنها فوق القانون.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات