Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاقلال من المبيدات يوقف انقراض حشرات نافعة

تحذير بشأن رشّ 17 ألف طن من تلك المواد سنوياً في الريف البريطاني

مصير البشرية مرتبط باستمرار حشرات كالنحل وغيره، في العيش والتكاثر (فليكر.كوم)

تشهد الحشرات اندثاراً متسارع الخطى، يهدد بانهيار بيئيّ مصحوباً بتداعيات وخيمة على البشرية، وفق ما أشار إليه تقرير حديث يقترح أهدافاً جديدة رئيسة ترمي إلى الحفاظ على تلك المخلوقات ذات الأهمية الحيوية، وصون البيئات التي تحتضنها.

أصدرت التقرير "ذي وايلدلايف تراستس"، وهي مؤسّسات معنية بحماية الحياة البرية في المملكة المتحدة وجزيرتي "مان"، و"آلدرني". وحمل التقرير عنوان "دحر تناقص الحشرات". وهو يميط اللثام عن الأضرار الجسيمة التي تخلّفها الأنشطة البشرية في الحشرات وموائلها. ويدعو إلى اتخاذ إجراءات "على أصعدة المجتمع كلها، من النطاق المحليّ إلى النطاق العالمي"، بغية التصدّي لهذه المشكلة.

ممّا جاء في التقرير، أنّه على مدار السنوات الثماني والأربعين الماضية، واجه 41 في المئة من أنواع الحياة البرية في المملكة المتحدة انخفاضاً شديداً، أو معتدلاً في أعدادها. أمّا الأسباب الرئيسة لذلك التناقص، فتشمل فقدان الموائل، واستخدام المبيدات الزراعية بكميات هائلة.

وفي ذلك الصدد، يذكر أنّ البلاد خسرت 97 في المئة من مروج الزهور البرية منذ ثلاثينيات القرن العشرين، و87 في المئة من أراضيها الرطبة. يُشار إلى أنّ هذين الموئلين كليهما دعما مجموعة ضخمة من أنواع الحياة البرية.

وتضاعف تقويض تلك النظم البيئية بالترافق مع رش 16 ألفاً و900 طن من مبيدات الحشرات، (وهي مواد كيمياوية سامة)، في الريف سنوياً. وتجدر الإشارة إلى أنّ ذلك الرقم لا يشمل مبيدات الآفات الإضافية المُستخدمة في حدائق بريطانيا وبلداتها ومدنها، أو تلك التي تجد طريقها إلى مجاري المياه.

إزاء ذلك كله، يدعو التقرير إلى صياغة قوانين جديدة طموحة بشأن مبيدات الحشرات تضع المملكة المتحدة في صدارة الاتحاد الأوروبي الذي يتدارس خططاً لخفض الاستخدام العام للمبيدات بمقدار نصف المعدل المُعتمد حالياً، مع حلول عام 2030.

وبغية تحقيق ذلك، يحثّ التقرير على مدّ المزارعين بالدعم لتشجيعهم على تبنِّي ممارسات زراعية لا تؤذي الحشرات، ويذكر أنّ الصفقات التجارية المستقبلية ينبغي ألا تفضي إلى تخفيف معايير مبيدات الآفات المعمول بها حالياً في البلاد.

علاوة على ذلك، تدعو "وايلدلايف ستراتس" إلى بذل جهد على الصعيد الوطنيّ من أجل توفير مخطّط يكون أكثر مراعاة للحياة البرية، بما في ذلك الاستفادة من ربع مليون ميل (حوالي 400 ألف كيلومتر) من حواف الطرقات (التي تحمي 700 نوع من النباتات، ما يساوي 45 في المئة من نباتات المملكة المتحدة الأصيلة أو المتوطنة)، وكذلك الأراضي الموجودة عند جوانب خطوط القطارات، من أجل إنشاء شبكات وممرات للحياة البرية التي تعزِّز التنوّع البيولوجي وتسهم في تعافي الحشرات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول التقرير أيضاً إنّ جعل الحدائق والمناطق الحضرية الأخرى أكثر ملاءمة للحياة البرية "سيشكِّل خطوة كبيرة إلى الأمام". وذكر أن السير في الاتجاه السائد إلى عكسه سيكون في مقدوره أن يعيد إلى الحشرات عافيتها. وسيحدث ذلك الأمر إذا:

• جرى إنشاء شبكة من المناطق ذات الطبيعة الغنية تغطي في أقل تقدير 30 في المئة من أراضي المملكة المتحدة، وإرساء أهداف ملزمة قانونياً في سبيل تعافي الطبيعة، شرط أن يُصار إلى متابعتها وتنفيذها.

• أعطت المجالس المحلية في بريطانيا الأولوية لتحقيق تعافٍ يراعي البيئة، وعملت أيضاً على إيجاد أماكن أكثر غنى من الناحية الطبيعية، ما يمكن  الحشرات من العيش، ويجعل المدن والبلدات والأبرشيات خالية من مبيدات الحشرات.

• بذل كل شخص مجهوداً إضافياً ليصبح بطل الحشرات.

في سياق متصل، ذكر كريغ بينيت، الرئيس التنفيذي لـ"وايلدلايف تراستس"، أنه "في حياتي، كابدَ41 في المئة من أنواع الحياة البرية الموجودة في المملكة المتحدة انخفاضاً قويا،ً أو معتدلاً في أعدادها، وكانت الحشرات الأكثر تضرّراً. وقد ترك ذلك تأثيراً كبيراً في بقية عوالم الطبيعة. إذ قُوِّض الدور الحيوي الذي تؤديه الحشرات، فدخل كل ما يعتمد عليها إلى المعاناة. وامتد ذلك من القنافذ إلى طائر العندليب، ومن الزهور البرية إلى الأراضي الرطبة".

وكذلك أورد أنّ خروج بريطانيا من "الاتحاد الأوروبي" (بريكست) ومشروع القانون الزراعي المقبل، يمثِّلان كلاهما فرصة لتطبيق السياسات التي ستحمي العالم الطبيعي الذي نعتمد عليه جميعاً.

وأضاف، "تهدِّد الصفقات التجارية الحالية (بين بريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية) بزيادة سوء الوضع السائد، وهو سيء أصلاً. في يد الحكومة أن تضمن الحفاظ على معاييرنا البيئية المُعتمدة حاضراً، وعدم السماح بالانزلاق وإلحاق الضرر بالحياة البرية التي لم ندمرها بعد. ويُعتبر مشروع قانون الزراعة فرصة ذهبية لوضع معايير عالية من الناحية القانونية، والتأكّد من أن تنال الممارسات الزراعية الصديقة للحشرات المكافأة.

ووفق كلماته، نريد أن نرى هدفاً طموحاً في مسار خفض مبيدات الحشرات، وأن يدار 30 في المئة من الأراضي في أقل تقدير، بطريقة تستهدف حفظ الطبيعة كي تستعيد الحشرات أعدادها الوفيرة مرة أخرى. ندعو الجميع إلى اتخاذ إجراءات بشأن الحشرات، وأن يصبحوا أبطال الحشرات".

 

وفي التقرير الوارد آنفاً، أوضح الباحثون أنّ ازدهار حضارتنا مرهون بالوجود المستمرّ للنظم البيئية الطبيعية الفاعلة. وقد ورد في إحدى الفقرات أنه "في المملكة المتحدة، لدينا ما يربو على 27 ألف نوع من الحشرات. يشمل ذلك الجنادب، والنحل، وحشرة السمك الفضي، وذباب القمص، والخنافس، واليعاسيب، وذباب مايو، والعث وأنواعاً كثيرة غيرها. في المقابل، لا يولي معظمنا أدنى اهتمام لتلك الحشرت، بيد أنّها شكل الحياة المهيمن على كوكب الأرض، وتعيش من حولنا، وتحفر في التربة في حدائقنا ومتنزهاتنا، وتنشر أزيزها في الأرجاء إذ تتنقل من زهرة إلى أخرى في حقول المزارعين، وتشق طريقها على مهل عبر الأوراق في غاباتنا... الحشرات موجودة في كل مكان، تؤدي أدواراً جوهرية على غرار تلقيح الزهور البرية والمحاصيل، وتعمل كمصدر غذائي رئيس للطيور، والخفافيش، والأسماك، والزواحف والبرمائيات، كذلك إعادة تدوير العناصر الغذائية في روث الحيوانات والجثث، ونشر البذور، وتهوية التربة، واستهلاك الآفات، وهلم جرا. سواء أكنت كفرد، تحب الحشرات أم تبغضها، فنحن بحاجة إليها. من دون مساعدتها في إعادة تدوير المواد الغذائية والحفاظ على صحة التربة، سيكون من الصعب جداً زراعة المحاصيل، ولن تنتج الأرباع الثلاثة من محاصيلنا التي يلزمها توفّر ملقحات الحشرات إلا القليل، أو لا شيء على الإطلاق".

في سياق متصل، أورد الباحث الرئيس في التقرير، البروفيسور ديف غولسون من جامعة "ساسكس" البحثية البريطانية، أنّ اندثار الحشرات يتطلّب استجابة من "كل شرائح المجتمع".

وكذلك ذكر غولسون، "إذا فعلنا الأمر الصائب فيما يتصل بالحشرات، فسنُصلح كل شيء آخر. إذ تمثّل الحشرات "طيور الكناري في منجم الفحم" [إشارة إلى طريقة قديمة استُعملت في حماية عمال المناجم من الانبعاثات الخطرة على صحتهم]، وتناقص أعدادها يعتبر بمنزلة جرس إنذار يجب ألا نغضّ الطرف عنه. العمل مطلوب من قِبَل شرائح المجتمع كلها، ويتعيّن علينا جميعاً أنّ نغير تلك الحال سوياً".

في سياق آخر، يشير التقرير إلى أنّ الحكومة الفرنسية قد أصدرت أخيراً عقب حراك شعبي، تشريعاً يحظر استعمال مبيدات الحشرات في المدن والبلدات. وعلى نحوٍ مماثل، تطبّق كوبنهاغن العاصمة الدنماركية، ومدن فانكوفر، وتورنتو الكنديتان، وبرشلونة الإسبانية تشريعات مماثلة.

وفي ذلك الصدد، أدى حظر المبيدات الحشرية على الأراضي العامة في أمستردام العاصمة الهولندية، بالترافق مع خطة تُطبق على مستوى البلديات بهدف جعل نصف المساحة الخضراء في البلاد تنتج زهوراً أصيلة، إضافة إلى حملة لوضع نُزُل النحل وزهور النباتات في حدائق خاصة، إلى ازدياد التنوع في فصائل النحل بنسبة 45 في المئة، منذ عام 2000. ووفق الباحثين الذين وضعوا ذلك التقرير، "في مقدورنا أن نحقِّق الأمر نفسه في المملكة المتحدة".

© The Independent

المزيد من بيئة