Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

برناردين إيفاريستو تروي التاريخ المهمل للبريطانيين السود

أول كاتبة ملونة تفوز بلقب "كاتبة العام" وتتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعا

الروائية البريطانية برناردين إيفاريستو (موقع الكاتبة)

تستدعي تجربة برناردين إيفاريستو في الكتابة، نوعاً من المقارنة مع الجيل الجديد من الكتاب المختلطي الأصول مثل أندريا ليفي وجاكي كاي وحنيف قريشي، الذين، على حد تعبير كاريل فيليبس، يشعرون بأنهم من هذا البلد وليسوا منه في الآن ذاته. ولدت إيفاريستو، في إلثام بجنوب شرقي لندن 1959 من أم إنجليزية وأب من نيجيريا، واشتغلت في بداية حياتها في المسرح، وشاركت في تأسيس شركة لمسرح النساء السود عام 1982، وفي التسعينيات برز اسمها كواحدة من أكثر الكتاب موهبة وابتكاراً في بريطانيا.

صدرت أول رواية لها "لارا Lara " عام 1997، ووصلت إلى القوائم القصيرة لجوائز أدبية مرموقة، وفي عام 1999، فازت بالفعل بجائزة "إيما" لأفضل رواية. مع روايتها الثالثة "طفلة الإمبراطور The Emperor's Babe " التي استخدمتها بذكاء في استعادة التاريخ المبكر المهمل لتجربة السود في بريطانيا، حظيت بشعبية واسعة، وما لبثت أن حصلت على جائزة مجلس أدباء إنجلترا 2000 عن تلك الرواية. ثم انهمرت عليها الجوائز، حتى توجت بجائزة البوكر عن روايتها "فتاة، امرأة، أخرى" عام 2019، مناصفة مع الروائية الذائعة الصيت مارغريت آتوود، في خرق يعد هو الأول من نوعه في تاريخ الجائزة، إذ إن قوانين البوكر لا تقر مبدأ المناصفة. وقبل أيام قليلة فازت الرواية نفسها بجائزة أفضل كتاب وأفضل كاتب لهذا العام: عن جوائز الكتاب الوطني البريطاني لتصبح أول امرأة ملونة تفوز بالجائزة في هذه الفئة.   

الرواية الثامنة

جملة من الجوائز والترشيحات وصلت إليها إيفاريستو بروايتها الثامنة "فتاة، امرأة، أخرى"، منها على سبيل المثل، جائزة إندي بوك للخيال، وجائزة أورويل للرواية السياسية (قائمة طويلة)، وجوائز غلاس بل (قائمة طويلة)، وجائزة المرأة للخيال (قائمة طويلة)، وجوائز صناعة الكتاب الأسترالي (قائمة طويلة)، وجوائز فيرو غروملي الولايات المتحدة الأميركية (نهائي).

 

تتبع روايتها البوليفونية 12 شخصية، معظمها من النساء السود، من أجيال مختلفة، وعقائد، وطبقات، وتراث، وسياسات، لا تقل اختلافاً، وعدداً قليلاً من الرجال أيضاً، يجتمعون كلهم في نهاية الرواية في حفلة صاخبة لصنع خاتمة كبيرة على غرار المسلسلات التلفزيونية. النساء اللاتي منحتهن دور البطولة يتمتعن بثراء مدهش، فيهن تكمن حقيقة الحياة حين يخضنها بقلب مغامر وقدرة مدهشة على حكي قصص عائلاتهن، وأصدقائهن، وأحبائهن عبر سنوات عدة، قال عنهن بيتر فلورانس، رئيس لجنة تحكيم البوكر وقت فوزها بالجائزة: "هناك شيء سحري للغاية في تلك الشخصيات... لقد منحتنا طيفاً رائعاً من النساء البريطانيات السود اليوم".

كل فصل من فصول الرواية تخصصه لشخصية، كل قصة تطرح شخصية معقدة ومعيبة، ويمثل العيش في مجتمع أبوي التحدي الذي يوحد الجميع، ومع نهاية كل فصل، نخرج بمنظور جديد. في الفصول تتداخل حياتهم، مع اختلاف تجاربهم وخلفياتهم وخياراتهم. بعض الشخصيات تربطهم علاقات قرابة أو حب، في حين أن البعض الآخر ببساطة يزورون المسرح ذاته في الليلة ذاتها، أو يتجادلون مع بعضهم البعض على "تويتر".

هناك إيما، كاتبة مسرحية اشتراكية سحاقية، ومورغان من هؤلاء الذين يستخدمون الإنترنت للتنقل بين هويات جنسية، وشيرلي، المعلمة التي تشعر بالغربة في جماعة إيما، ووينسوم... الجمال وهوس وسائل الإعلام بالجميلات، إحدى القضايا المهمة التي تناولتها الكاتبة الشقراء السمرة، الخفيفة الظل، في روايتها المتعددة الأصوات، كذلك النسوية وما تثيره من أسئلة من مثل: كيف يمكن للمرأة أن تدمج علاقتها برجل في حياتها النسوية؟ والأبوية، ومفهوم النجاح والعلاقات وحتى الجنس. هل يجب أن نظهر الغضب تجاه أولئك الذين "يخطئون" حتى عن جهالة؟ من الذي يجب أن أتبعه؟ ما هي الروابط التي تدوم؛ الروابط الأسرية، الحب، الصداقة، الزمالة؟ هذه الأسئلة يتم طرحها، إما للوصول إلى كشفٍ ما، أو لمجرد التنبيه ولفت النظر إليها فحسب.

عالم فريد

تقول ميكا فريزر كارول "لطالما أسيئت قراءة قصص النساء السود باعتبارها شيئاً ليس عنهن. من الصعب أن تكتب رواية من دون أن تُسأل: هل هذه قصة عنك؟ وهل تمثل هذه الحكاية الفردية التجربة الجماعية للأنثى السوداء؟ في "فتاة، امرأة، أخرى"، تدير برناردين إيفاريستو عينيها بنظرة جانبية ماكرة عن كلا السؤالين، وتجعل الإجابة عليهما مهمة مستحيلة". غير أنها تتساءل في حوار معها: "ماذا إذاً، هل معنى ذلك ألا تعكس نفسك في قصص أمتك؟ إنه الجدل الدائر حول مسيرتي التي امتدت لما يقارب 40 عاماً ككاتبة، ونحن كنساء بريطانيات ذوات بشرة سوداء، نعلم أنه إذا لم نكتب أنفسنا في الأدب، فلن يقوم أحد بذلك". عالم إيفاريستو ليس مثالياً، لكنّ هناك شيئاً فريداً من نوعه حوله، فهو ليس عالماً مألوفاً، إنها بريطانيا برؤية متخيلة، لكن هذا لا يعني بالتأكيد أنه ليس عالماً ممكناً ويستحق الاحتفال، فهي لم تتمكن عبر أعمالها من اجتياز الحدود القومية فحسب، بل تخطت أيضاً الحدود التقليدية للنوع الأدبي.

 

 

كتبت إيفاريستو القصة القصيرة والشعر والمقال والنقد الأدبي، كتبت مشاريع للمسرح وللإذاعة، وفي كل كتاباتها كانت تثير أسئلة حاسمة حول ما يعنيه أن تكون "هنا"، في بلد يبدو كمفترق طرق لسلسلة من الحركات والهجرة العالمية. كما توضح حقيقة أنه لم يعد من الممكن، والأهم من ذلك أنه لم يكن من الممكن أبداً، العودة إلى بريطانيا الأنجلوساكسونية قبل الهجرة.

الوصول إلى الواجهة

بحصولها الأخير على لقب كاتبة العام في جوائز الكتاب البريطاني، تصبح أول كاتبة ملونة تفوز في هذه الفئة. وهي عبارة عن مجموعة من الجوائز الأدبية تقدم لأفضل كتاب في المملكة المتحدة، وتحتفى بصناع النشر والثقافة فى مختلف المجالات المعنية بهذه الصناعة، أطلقتها مجلة بريطانية  "ذا بوك سيلر" في عام 1990.

أصبحت كذلك في 2020 أول امرأة بريطانية ملونة تتصدر قوائم الكتب الورقية، بخاصة بعد مقتل فلويد وما ترتب عليه من تظاهرات. تصف إيفاريستو تجربتها الأخيرة في تصدرها المبيعات بأنها "سريالية للغاية": "هذه لحظة مثيرة للاهتمام في تاريخنا الثقافي لأن حركة الحياة السوداء قد ولَّدت كمية غير مسبوقة من الاستجواب الذاتي في صناعة النشر... لقد تعودت بالفعل على رؤية اسمي في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لمدة 20 أسبوعاً، بشكل متقطع، حتى وصلت إلى الصدارة واكتشف أنني أول امرأة ملونة تصل إلى هناك... بالطبع، هذا ما أثارته مأساة وفاة جورج فلويد ويجب أن نتذكر ذلك دائماً".

"فتاة، امرأة، أخرى" رواية إيفاريستو الثامنة، تدور في مجملها عن الصراع والشتات وضريبة الاختلاف، ولكنها أيضاً رواية عن الحب والفرح والخيال.

المزيد من ثقافة