Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حزب الله" ينسب التدهور الاقتصادي للعقوبات للتغطية على التأخير بالإصلاحات

صعوبات بوجه رهان نصر الله على الاتجاه شرقاً وتكهنات بوديعتين خليجيتين

ماكنزي التقى رئيس الجمهورية وتنقل بحماية قوة من الجيش الذي تصدى للمتظاهرين على طريق المطار (رويترز)

ما زالت محاولات انتشال لبنان من الحفرة المالية والاقتصادية التي وقع فيها منذ الصيف الماضي تخضع للاعتبارات السياسية الداخلية والخارجية، التي تفرض نفسها على المعالجات الاقتصادية والإصلاحية فتتحكم بها وتؤخر الخطوات الملحة المطلوبة من حكومته ومن الطبقة الحاكمة، فتضيّع فرص التصحيح المالي التي يشترطها المجتمع الدولي من أجل تقديم المساعدة المالية له، لكن مقتضيات الصراع الأميركي - الإيراني في لبنان باتت ترخي بثقلها بقوة على إمكان التقدم بالحلول للأزمة اللبنانية.

أبرز مظاهر ذلك موقف الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله بمواجهة العقوبات الأميركية عليه وعلى سوريا، لا سيما بعد بدء سريان مفعول قانون "قيصر" للعقوبات على التعامل مع النظام السوري في 17 يونيو (حزيران) الماضي، الذي زاد من توتر الحزب، نظراً إلى أنه يقيّد حركته العسكرية والاقتصادية والمالية بين لبنان وسوريا، لا سيما لجهة حماية التهريب عبر المعابر غير الشرعية التي يسودها الفلتان منذ سنوات، ما يتسبب بخسارة الخزينة اللبنانية أرقاماً يقدرها البعض بحوالى أربعة مليارات دولار سنوياً، وضبط هذه المعابر، وكذلك الجمارك هي من الإصلاحات التي يعلق عليها المجتمع الدولي أهمية.

اغتيال سليماني وتصاعد الحملات الأميركية - الإيرانية

وإذا كانت مسألة اعتيادية أن يشن "حزب الله" الحملات على الولايات المتحدة الأميركية نتيجة فرضها العقوبات على الحزب وعلى حركة الأموال التي يمكن أن يستفيد منها في النظام المصرفي اللبناني، في شكل أعاق تحويلات أموال بيئة الحزب والمغتربين الشيعة بين لبنان والخارج، فإن الأشهر القليلة الماضية شهدت تصاعداً في هذه الحملات، خصوصاً أن مسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترمب كثفوا تصريحاتهم وبياناتهم ضد الحزب كذراع رئيسة لإيران، في سياق تصعيد هذه الإدارة عقوباتها على الحرس الثوري والنظام الإيراني.

ومنذ نجاح واشنطن في اغتيال قائد قوة "القدس" في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني مطلع هذا العام، تنكّب على نصر الله مهمة النطق باسم المسؤولين الإيرانيين في مواجهة السياسة الأميركية، في وقت انتقلت واشنطن إلى مرتبة عدم الاكتراث من تأثر الاقتصاد اللبناني الهش، بالعقوبات التي تفرضها على الحزب، وتطورات المواجهة الأميركية - الإيرانية، وامتداد حماوتها إلى لبنان لم تغير في المقابل من إعطاء الحزب الأولوية للوقوف إلى جانب طهران وتكييف نفوذه على السلطة السياسية  في لبنان مع ولائه المطلق للولي الفقيه، ولو على حساب الوضع الاقتصادي الصعب أصلاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الخلط بين مواجهة العقوبات وبين تأخير الإصلاحات

فعلى الرغم من أن الخطاب الرائج للحزب يشدد على مكافحة الفساد الذي استنزف المال العام في البلد، وعلى النزاهة في إدارة الشأن العام، فإن حاجة الحزب إلى التحالفات التي تمرر وتغطي انتماءه إلى المشروع الإيراني الإقليمي، في قلب السلطة السياسية، بموازاة فائض القوة المسلحة التي يتمتع بها لخدمة هذا المشروع، جعلته شريكاً للقوى التي تمارس الفساد المستشري، وتتوسل المنافع القائمة على الانتماءات الطائفية والفئوية، من خزينة الدولة ومؤسساتها، من هذا الباب أسهم "حزب الله" في تأخير الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي وأعاق مثل حلفائه تنفيذها، لأنهم بادلوا امتناعهم عنها بالوقوف إلى جانب خياراته الإقليمية، فضلاً عن أن بعض هذه الإصلاحات تحد من حرية حركته.

وبلغ لبنان مرحلة حرجة وخطيرة جراء تفاقم الأزمة التي عجزت حكومة الرئيس حسان دياب المدعومة من الحزب، عن إعطاء أي مؤشر على القدرة على رسم طريق الخروج منها، وأدى سوء أدائها إلى المزيد من الفقر وانهيار سعر صرف الليرة، وإلى تجميد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وخيبة الدول التي دعت إلى منح هذه الحكومة فرصة للإنجاز، إلى وضع مأساوي، دفع "حزب الله" إلى اختراع بدائل للشروط الدولية بالإصلاح تحت عنوان "التوجه شرقاً"، أي إلى الصين وإيران والعراق للحصول على تسهيلات تجارية واستثمارية.

لكن هدف هذا التوجه كان الالتفاف على العقوبات الأميركية على إيران وسوريا والحزب وليس معالجة المأزق الاقتصادي المالي الخطير الذي بلغه البلد، مع ما تركه التدهور المعيشي وازدياد الفقر من انعكاسات أمنية أخذت المخاوف منها تتعاظم في الأسابيع الماضية، وإذ كان صحيحاً أن العقوبات تسهم في محاصرة لبنان اقتصادياً، لأن المنطق الأميركي يقول بسيطرة الحزب على قرارات السلطة السياسية، فإن نصر الله حصر معاناة اللبنانيين بهذا السبب وصوّر الأمور على أن أميركا هي التي تجوّع اللبنانيين قافزاً فوق دور تغطيته لفساد هذه السلطة ومقايضته السكوت عن جشع حلفائه في ما يعانيه لبنان الآن.

الصين مستعدة لكن مع الضمانات 

وتجاوب حكومة دياب مع دعوة نصر الله إلى التفاوض مع الصين من أجل بناء محطات للكهرباء (الأزمة المزمنة في لبنان التي استهلكت حوالى 45 مليار دولار من دينه العام البالغ 96 مليار دولار) وغيرها من المشاريع، لم تنتج جديداً، إذ إن السفير الصيني في بيروت وانغ كيجيان أبلغ الحكومة بالمواصفات المعروفة لأي استثمار صيني، القائم على التفاوض مع الشركات الصينية على المشاريع، لتنفذ على طريقة الـBOT  مع الإصرار على ضمانة الدولة اللبنانية لتغطية النفقات في حال أي نزاع.

والجديد في ما قدمه السفير الصيني هو أن الدولة الصينية تشجع الشركات على هذا التفاوض، وتقدم لها تسهيلات القروض بعد الاتفاق على تفاصيلها، ليتم توقيع اتفاق تنفيذ المشاريع بين الدولتين، وبدا أن هناك مبالغات من قبل نصر الله في الاعتماد على التوجه نحو الصين، لأنه سبق للبنان أن تفاوض مع الشركات الصينية في هذا المجال، ويعرف شروطها، وبعضها سبق للوزير السابق حليف الحزب جبران باسيل أن رفضها يوم كان الوضع المالي أفضل مما هو عليه اليوم، هذا فضلاً عن أن من شروط الإصلاحات من المجتمع الدولي إجراء مناقصات شفافة لتلزيم المشاريع تجنباً للسمسرات والهدر.

وأدى نفوذ "حزب الله" في العراق إلى زيارة وفد عراقي برئاسة وزير النفط إحسان عبد الجبار (المصنف قريباً من طهران)، الذي اجتمع مع دياب وكبار المسؤولين والوزراء المختصين، وروّج الإعلام المقرب من الحزب للزيارة باعتبارها فتحاً في جدار الحصار على البلد، إذ إن الوفد اقترح إعطاء لبنان نفطاً أسود مقابل الحصول منه على الخضار والفاكهة وبضائع أخرى باعتبار أن لدى لبنان شحاً بالدولار، لكن أزمة نشبت في وجه الوفد حين عاد إلى بغداد حيث أفادت أخبار صحافية بأن لجنة النفط والطاقة البرلمانية ستستجوب عبد الجبار، على خلفية زيارته بيروت، وتعهده بتصدير النفط الأسود إلى لبنان مقابل استيراد مواد زراعية وصناعية، وتبين أن شجاراً وقع بين أعضاء الوفد أثناء زيارتهم، إذ وجه أحد أعضائه النائب السابق حسن العلوي لوماً إلى عبد الجبار على التسهيلات التي قبل بها للجانب اللبناني، سائلاً هل في لبنان قرار مركزي؟ ونسبت صحيفة "المدى" العراقية إلى النائب العراقي محمد الدراجي، عضو اللجنة المالية البرلمانية استغرابه التبادل التجاري مع لبنان، مؤكداً أن "لبنان لديه أزمة مالية خانقة أدت إلى عدم استخدامه للدولار، ما يصعب التسديد للعراق حتى ولو كان بأسعار مخفضة".

لكن على الرغم من ذلك، أكدت مصادر حكومية أن هناك تجاوباً عراقياً مع تزويد لبنان بالفيول أويل لمحطات توليد الطاقة، على أن يتم تأجيل الثمن إلى فترة لاحقة.

الاستيراد من إيران والخط الأحمر

أما طرح نصر الله استيراد المحروقات على أنواعها، والمواد الغذائية، من إيران مقابل الدفع بالليرة اللبنانية، فإنه واجه عقبات كبيرة أهمها أن استيراد النفط من طهران خاضع للعقوبات الأميركية، وأتبع الحزب ذلك بحملة إعلامية عن أن إيران سترسل سفناً محملة بالمواد الغذائية لمواجهة سعي واشنطن لتجويع اللبنانيين، وعلمت "اندبندنت عربية" أن الحزب أبلغ رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة حسان دياب، أن هذه السفن قادمة وأجرى اتصالات مع جهات سياسية في الحكومة وخارجها تحت عنوان تأمين المواد الغذائية الرخيصة طالباً تغطيتها لطلب رسو السفن على الشواطئ اللبنانية إذا عارض الأميركيون ذلك، وتريث وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر في الدخول في بحث تفصيلي مع السفير الإيراني محمد جلال فيروزنيا، حول عرضه تزويد لبنان بالمحروقات، نظراً إلى حراجة الأمر بالعلاقة مع العقوبات، ثم لم يجد حرجاً في التصريح بأن لا نية للتفاوض حالياً مع إيران لكن هناك بحثاً مع العراق.

وما لبث رد فعل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن وضع خطاً أحمر على عروض نصر الله، قائلاً إن بلاده "لن تسمح بتدفق الأموال إلى أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم"، في تعليقه على اقتراح استيراد لبنان النفط من إيران، وقال الثلاثاء الماضي "هذا لن يكون مقبولاً. هذا منتج خاضع للعقوبات بالتأكيد، وسنفعل كل ما في وسعنا للتأكد من أن إيران لا يمكنها الاستمرار في بيع النفط الخام في أي مكان"، وأكد أن واشنطن ستساعد لبنان على الخروج من أزمته، ولا نقبل أن يتحوّل لبنان دولة تابعة لإيران.

واللافت أنه كرر "العزم على مواصلة الضغط على "حزب الله" ودعم اللبنانيين للحصول على حكومة نزيهة"، وهو أول هجوم من قبله على حكومة دياب.

الاحتجاج على زيارة ماكنزي

وجاء كلام بومبيو ليدلل مرة أخرى إلى أن لبنان بات ميداناً رئيساً للمنازلة بين واشنطن وإيران ومعها الحزب، فكلما صرح مسؤول أميركي يكون هناك رد فعل من الحزب، والعكس صحيح، إذ حاول الأخير تحدي زيارة قائد القيادة المركزية الوسطى الجنرال كينيث ماكنزي يوم الأربعاء إلى بيروت، مع أنها زيارة باتت تقليدية يقوم بها في إطار تأكيد التعاون مع الجيش اللبناني ودعمه بالعتاد وفق برنامج مشترك، ونظم الحزب تظاهرة صغيرة على طريق المطار رفعت خلالها أعلامه وأعلام بعض أحزاب الممانعة ضد الزيارة مع هبوط طائرة ماكنزي الذي التقى رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة وقيادة الجيش، وحضر احتفالاً في السفارة في ذكرى سقوط جنود "المارينز" في لبنان عام 1984 .

وواجه الأميركيون التحدي بآخر، فعقد ماكنزي لقاءاته علناً وتنقل بحماية قوة من الجيش اللبناني، الذي تصدى للمتظاهرين على طريق المطار، وجاء هذا التحرك عقب محاولة الحزب زجر السفيرة في بيروت دوروثي شيا عن الإدلاء بتصريحات ضد الحزب عن طريق حكم استصدره من أحد القضاة الموالين له قبل أسبوعين، انتهى باستقالته نتيجة دعوته إلى التحقيق معه لمخالفته الأصول.

الرهان على وديعتين خليجيتين؟

وفي أروقة أحزاب الممانعة الحليفة للحزب وبعض الجهات الحكومية مراهنة أخرى على أن يتلقى لبنان وديعتين ماليتين في مصرف لبنان المركزي، لإسناد سعر صرف الليرة اللبنانية ولجم تدهوره: الأولى من قطر بعدما زارها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لهذا الغرض، موفداً من الرئيس عون والحزب، والثانية من الكويت بعدما طلبها رئيس البرلمان نبيه بري من السفير الكويتي في بيروت عبد العال القناعي.

وأفادت أوساط موالية للحزب بأنه يأمل بأن تكون كل وديعة بقيمة 500 مليون دولار أميركي توضع في حساب خاص غير قابل للصرف، لكن العائق كان أمام طلب ودائع من هذا النوع أن بعض الدول سأل عن الضمانة حول القدرة على استرجاعها في حال أرادت الدولة المعنية ذلك في ظل القيود المفروضة على الودائع المصرفية منذ اندلاع أزمة شح الدولار الأميركي، كما أن الأوساط المتابعة للمحاولات السابقة أشارت إلى أن الدول المعنية لا بد من أن تنسق مع الولايات المتحدة في هذا الشأن، والتي لم تشجع على ذلك سابقاً.

المزيد من تحلیل