Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تُستخدم ورقة الاستعباد في الانتخابات الرئاسية في موريتانيا؟

السياسيون، من كل الأطياف والمشارب، يخطبون ود هذه الفئة بهدف الحصول على أصوات ناخبيها

يسابق بيرام الداه عبيد، النائب البرلماني والناشط الحقوقي المناهض للرق، الزمن من أجل تهيئة ملف ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية الموريتانية المقرر تنظيمها في يونيو (حزيران) المقبل. ويحاول الرجل تجاوز عقبة تزكيته من قبل 50 مستشاراً بلدياً، في حين يشترط القانون الانتخابي في موريتانيا ألا يكون أكثر من خمسة من هؤلاء من الولاية نفسها. إنه التحدي الذي تجاوزه الداه عبيد في الانتخابات الرئاسية الماضية (يونيو 2014)، إذ حصل فيها على 8 في المئة من الأصوات، مكافأةً له من الحزب الحاكم، كما يقول منتقدوه، على شق صف المعارضة التي دعت حينذاك إلى مقاطعة تلك الاستحقاقات، بحجة افتقارها إلى مقومات النزاهة والشفافية.

حركة "إيرا"

أُنتخب الداه عبيد، زعيم حركة "إيرا" المناهضة للاستعباد، نائباً في البرلمان من داخل السجن في انتخابات سبتمبر (أيلول) الماضي. وفور خروجه من السجن، في بداية يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلن ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية. وقال الداه عبيد إن النظام يخاف من "القوة الجماهيرية التي تميز مبادرة إيرا". وأضاف أن "ما تتمتع به هذه الحركة من قدرة على الحشد الشعبي يجعلها تخيف الطغاة". ولهذا سُجن بضع مرات، كما يقول. ويعول رئيس حركة "إيرا" المحظورة على أصوات من يصفهم بـ "المهمشين والمستعبدين".

هذا الطرح يزكيه عبد السلام ولد حرمة، رئيس حزب الصواب ذي الخلفية البعثية، الذي وصل عبره الداه عبيد إلى البرلمان. يقول "يشكل الداه عبيد بالنسبة إلينا أفضل خيار. ومنذ عقد من الزمن قررنا أن نقف في الصف الوطني المعارض لإفساد الحياة السياسية وتدمير الخطوات الضئيلة التي قطعناها في مسار التنمية وتوفير الخبز والعدالة الاجتماعية وممارسة الحريات السياسية". يضيف "هذا المسار لا يزال يمثل خيارنا، وإننا نرى أن مرشحنا يحمل مشروعاً حقوقياً جاداً قدم من أجله التضحيات الجسام. واليوم يقدم مشروعاً سياسياً مفارقاً للسلطة والبنية الفاسدة التي أنتجتها خلال العقود الماضية، وأدت مع الزمن إلى تراجع الوعي وتقلص الثقة بالنخب وانعدام الأمل في الآفاق المستقبلية".

الاستعباد والانتخاب

تلعب ورقة الأرقاء السابقين، كغيرهم من الفئات المهمشة، دوراً بارزاً في الحملات الانتخابية. إذ يخطب المرشحون ودهم ويغدقون عليهم الوعود. مرشح السلطة محمد ولد الغزواني أفرد مساحة من خطاب إعلان ترشحه، في 2 مارس (آذار) الحالي، للأرقاء السابقين والشرائح المهمشة بشكل عام في محاولة منه إلى استمالتهم. إذ قال إن من أولوياته تكثيف حظوظ أي مكون اجتماعي عرف الغبن عبر تاريخه.

من جانبه، أطلق عبد الله العتيق اياهي، الناشط السياسي السابق في حزب التحالف الشعبي التقدمي الذي يترأسه السياسي البارز مسعود ولد بولخير (أحد المنحدرين من فئة الأرقاء السابقين)، حملة سابقة لأوانها عبر حسابه في "فيسبوك"، وهو يتجول في المنطقة المعروفة بـ "مثلث الفقر"، الذي يشكل "الحراطين" (الأرقاء السابقون) جل سكانه، موجهاً نداء استغاثة إلى الحكومة ورجال الأعمال والمنظمات الخيرية للتحرك.

هكذا، فإن السياسيين من كل الأطياف والمشارب يخطبون ود هذه الفئة بهدف الحصول على أصوات ناخبيها. غير أن أنصار الداه عبيد، المنحدر من هذه الشريحة، يعتبرونه "الأجدر بأصواتها، لأنه عانى مثلها ودافع عن مظلوميتها في الداخل وحمل مشعلها في الخارج".

من هو بيرام الداه عبيد؟

وُلد الداه عبيد، الحائز جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في العام 1965 في مقاطعة جدر المحكن بمنطقة شمامه الزراعية جنوب البلاد. انخرط في العمل النقابي في العام 1985، وهو حاصل على شهادات جامعية في القانون والتاريخ.

في العام 2008، أسس الداه عبيد حركة "إيرا" (مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية)، التي لعبت دوراً مهماً على الساحة السياسية والحقوقية في موريتانيا، على الرغم من الجدل الحاد الذي أثاره إقدام زعيمها على حرق أمهات كتب المذهب المالكي في 27 أبريل (نيسان) 2012، معتبراً أنها تكرس ما أسماه "فقه النخاسة". وقد سجن على إثر حرق تلك الكتب علناً في مهرجان جماهيري في أحد الأحياء الشعبية جنوب العاصمة نواكشوط، واتهمته السلطات القضائية بـ "التطاول على الرموز الدينية وزرع بذور الفتنة وروح الكراهية بين فئات المجتمع الموريتاني".

الرق في موريتانيا

عرفت موريتانيا تاريخياً ممارسة العبودية، قبل أن تُلغى بمرسوم رئاسي في العام 1981، بناءً على فتوى دينية أصدرها عدد كبير من علماء البلاد. بعد ذلك، وعلى خلفية نضالات المنظمات المناهضة للرق، بدءاً من حركة الحر التي أُسست في العام 1978، مروراً بمنظمة نجدة العبيد (1995) وانتهاءً بحركة "إيرا" (2008)، توالى صدور القوانين المجرّمة للرق، آخرها حزمة قوانين صدرت في العام 2011. كما جرم الدستور ممارسة العبودية.

وفي إطار مكافحة الرق ومخلفاته، أنشأت موريتانيا محاكم خاصة بقضايا الاستعباد، وأسست هيئة لمعالجة آثار العبودية ولمساعدة العبيد السابقين على الاندماج مجدداً في المجتمع. لكن الناشطين الحقوقيين في قضايا العبودية يتهمون السلطات بـ "التغاضي عن محاربة الظاهرة وإلهاء المجتمع الدولي بسن القوانين من دون السعي إلى تطبيقها جدياً". كما يتهمونها بـ "محاباة ملّاك العبيد والخوف من مواجهتهم بالصرامة اللازمة"، وفق تعبيرهم.

وتنفي موريتانيا رسمياً وجود الرق على أراضيها، لكنها تعترف بوجود بعض الرواسب والمخلفات الناتجة من آثار الممارسات السابقة، وتتهم الناشطين الحقوقيين بـ "الكذب والتلفيق والتهويل وإثارة الفتن والنعرات". وتقول إنهم "يتعمدون ذلك بحثاً عن التمويل والتأشيرات التي تقدمها لهم بعض الهيئات الحقوقية الدولية".

المزيد من العالم العربي