Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خطوة الصين القادمة التي تقلق أميركا قاعدة عسكرية في إيران

"الغضب البرلماني حيال ذلك ليس له اعتبار يُذكر في حسابات الأمن والدفاع الإيرانية"

خامنئي ملتقياً الرئيس الصيني خلال زيارة الأخير إلى طهران في عام 2015 (مواقع التواصل)

على مدى نصف قرن، سيطرت الولايات المتحدة على المياه الدولية في الخليج من دون أن تنازعها أي قوة عظمى أخرى، لكن هذا الوضع يبدو أنه سيتغير خلال فترة وجيزة، إذ إن الصين التي تعزز قوتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي، وتواجدت قبل سنوات في باب المندب، بدت طامحة إلى تحدي الولايات المتحدة وتأكيد نفوذها العسكري على نقطة استراتيجية أخرى في الخليج، ما يثير هواجس كثيرة في واشنطن، وقد يدفعها إلى إعادة حساباتها واستراتيجياتها في المنطقة. فما حقيقة ما يجري؟ وكيف ترصد الولايات المتحدة خصمها الجديد في المنطقة؟ وما هي الطريقة التي ستتعامل بها أميركا مع هذا التطور إذا ثبتت صحته؟


سنوات التريث

خلال السنوات العشر الأخيرة، وسّعت الصين نفوذها وانتشارها الاقتصادي في الشرق الأوسط، لكنها ظلت إلى حد كبير محايدة دبلوماسياً وغائبة عسكرياً. فمن الناحية الدبلوماسية، ظلت بكين تقيم علاقات ودية مع إيران، وإسرائيل، وغيرها من دول المنطقة، بينما امتنعت في مرات عدة عن التصويت على قرارات مجلس الأمن المثيرة للجدل.
ومن الناحية العسكرية، لم يكن للبحرية الصينية تواجد مؤثر سوى بعض الزيارات الموسمية إلى ميناء بندر عباس الإيراني، ومناورات محدودة مع البحرية الروسية والإيرانية في شمال المحيط الهندي، إضافة إلى عملية إجلاء قامت بها الصين من ليبيا في بداية الحرب هناك كانت أقل تنسيقاً وفعالية بكثير مما زعمت السلطات الصينية.


تغير استراتيجي

غير أن إصرار بكين على توسيع نفوذها عسكرياً لن يقتصر على محيط الصين في هونغ كونغ وبحر الصين الجنوبي، إذ أنشأت القيادة الصينية قاعدة عسكرية في جيبوتي على بُعد أميال قليلة من قاعدة أميركية في البلد ذاته قرب باب المندب، وبدأ الطيارون الصينيون في اعتراض ترددات وإشارات الطيارين الأميركيين في المنطقة وفقاً لمصادر عسكرية أميركية.
ووفقاً للصحافة الإيرانية، يبدو أن الصين تسعى إلى إقامة قاعدة دائمة في إيران بعد اتفاقات أمنية وعسكرية وقعها الجانبان خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى طهران عام 2015، التي التقى خلالها المرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني. كما تسري شائعات داخل البرلمان الإيراني، بأن إحدى الاتفاقات الموقعة مع بكين تشمل تأجير منشآت في جزيرة كيش قبالة السواحل الجنوبية الإيرانية في مياه الخليج لمدة 25 سنة.


ترقب أميركي

 بدأت الشائعات حول تأجير الجزيرة للصين في فبراير (شباط) الماضي، حين نقلت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية المحافِظة عن موقع "ألف" أن عضو البرلمان المتشدد حسن نوروزي طالب روحاني بتفسير سبب تفاوض الحكومة لتسليم جزيرة كيش للصينيين. كما أعلن نوروزي رفضه تسليم الجزيرة، وأبدى استنكاره بشأن سرية الحكومة في تعاملها مع بكين.

وفي وقت قد يلقى خطاب نوروزي الشعبوي صدىً لدى ناخبيه من الطبقة العاملة في منطقته الانتخابية بالقرب من مطار الإمام الخميني الدولي في طهران، فإن الغضب البرلماني ليس له اعتبار يُذكر في حسابات الأمن والدفاع الإيرانية، فمن الناحية العملية، لا يملك البرلمان في إيران سلطة مساءلة الجيش أو وزارة الدفاع، أو المرشد، ومع ذلك، أخذت بعض مراكز الرصد والمتابعة الأميركية خطابات نوروزي على محمل الجد ورجّحت أنها توحي بأن هناك بعض الحقيقة وراء الشائعات وأن المنشآت الصينية في الجزيرة تتصاعد، وقد تصبح أكثر وضوحاً خلال الفترة المقبلة.


تداعيات مختلفة

 يرى مراقبون أن التواجد العسكري المتنامي للصين ستكون له تداعيات مختلفة، حال التأكد منه بشكل قاطع، فالولايات المتحدة التي تنشر قواتها في دول مختلفة بالمنطقة ليست متآلفة مع تنافس دولة كبرى أخرى في منطقة تتمتع هي فيها بتفوق واضح، ومصالح استراتيجية قديمة ومتجددة. ومن المؤكد أن التواجد العسكري الصيني، سيدفع الولايات المتحدة إلى تعزيز تواجدها في منطقة الخليج والمياه الدولية هناك.

كما أن المخاطرة بإظهار التواجد العسكري الصيني داخل إيران في هذا التوقيت، من شأنه أن يزيد الأوضاع توتراً بين بكين وواشنطن، ويصب مزيداً من الزيت على نار أزمة كوفيد 19 وتداعياتها، كما أنه يفتح جبهة جديدة لمواجهات محتملة، بخاصة أن الإدارة الأميركية ستنظر إلى الدعم الصيني الاقتصادي والعسكري لإيران، على أنه تحدٍ واضح لجهود إدارة الرئيس دونالد ترمب لإخضاع النظام الإيراني عبر سياسة الضغوط القصوى للعقوبات.

ولم يستبعد آخرون أن تدفع هذه الخطوة إن تأكدت حقيقتها، فرض الولايات المتحدة عقوبات ضد الصين ما قد يُدخِل العالم في دوامة من الأزمات الاقتصادية قد تضُر الجميع.

وتقول كليو باسكال، الباحثة في معهد الدفاع عن الديمقراطيات إنه "من المهم الانتباه إلى الأفعال الصينية لا الأقوال"، مشيرة إلى أن "الصين شجعت قبل سنوات فكرة تقسيم العالم بين منطقتَي نفوذ، واحدة تحت النفوذ الأميركي، والأخرى تحت النفوذ الصيني"، محذرةً من أن "الثقة غير موجودة بين واشنطن وبكين، وبالتالي لا بد من الحذر في التعامل مع النوايا والأفعال الصينية".


إسرائيل وخطأ مغازلة بكين

على جانب آخر، يشير مايكل روبين الباحث في معهد إنتربرايز الأميركي إلى أن الطموحات العسكرية المتنامية للصين في المنطقة تجعل من الأهمية بمكان أن توقف إسرائيل مغازلة بكين وبيعها تقنيات عسكرية متقدمة وحساسة، بعدما حاول جيل من القادة الإسرائيليين العمل على تعزيز شراكتهم مع الولايات المتحدة أثناء سعيهم إلى بيع تقنيات عسكرية حساسة للصين أملاً بمنعها من دعم الأنظمة الإقليمية المعادية مثل إيران.

ويعتبر الباحث الأميركي أن "السياسة الإسرائيلية في دعم الصين تكنولوجياً كانت ساذجة على الدوام، وأن عليها الآن أن تنهي هذا الوهم إلى الأبد، إذا كانت الصين تبني بالفعل قاعدة في الخليج، وإذا لم يستخلص الإسرائيليون هذه النتيجة، فقد حان الوقت لكل من الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة، لإعادة النظر في الضمانات المستمرة للحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل".


مغزى النفي الإيراني

 على الرغم من أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية نفى منح جزر إيرانية إلى الصين، أو السماح بوجود قوات أجنبية ضمن اتفاقية تعاون ضخمة مع الصين، إلا أن وسائل إعلام غربية اعتبرت أن زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف إلى بكين، لتقديم خارطة طريق حول الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران لمدة 25 سنة استندت إلى اتفاقية سابقة تم توقيعها عام 2016، وأن تلميحات الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد الأسبوع الماضي إلى بعض الأجزاء السرية من هذه الصفقة علانية، ورفضه لها لأول مرة باعتبارها انتهاكاً للسيادة الإيرانية من شأنها أن تثير الشكوك.

ويشير محللون إلى أن تزامن ذلك مع بيان الممثل الدائم للصين في الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن قبل أيام، ومطالبته الولايات المتحدة بوقف عقوباتها ضد إيران، ومعارضته الضغط الأميركي لتمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، يُعد إشارة إلى ما تأمل طهران الحصول عليه في مقابل تعاونها مع بكين وموسكو.


تغيير التوازن العسكري

ونقل موقع "أويل برايس" عن مصادر له في وزارة البترول الإيرانية، أن الصين أضافت عنصراً عسكرياً جديداً إلى الاتفاقية الاقتصادية ستكون له تداعيات عالمية ضخمة، لأنه سيغيّر التوازن الحالي للقوى الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حيث وافق خامنئي الأسبوع الماضي، على توسيع الصفقة الحالية لتشمل بنوداً عسكرية جديدة اقترحتها ذات الشخصيات البارزة في "الحرس الثوري" وأجهزة الاستخبارات الإيرانية التي اقترحت الصفقة الاقتصادية الأصلية.

وحسب ما نشره الموقع نقلاً عن مسؤولين إيرانيين الأسبوع الماضي، فإن الاتفاق سيتضمن تعاوناً عسكرياً جوياً، وبحرياً كاملاً بين إيران والصين، مع اضطلاع روسيا أيضاً بدور رئيس، فقد تقرر عقد اجتماع في الأسبوع الثاني من أغسطس (آب) المقبل، بين المسؤولين الإيرانيين ذاتهم ونظرائهم الصينيين والروس للاتفاق على باقي التفاصيل، شريطة منح القاذفات الصينية والروسية، والطائرات المقاتلة، وطائرات النقل حق الوصول غير المقيَّد إلى القواعد الجوية الإيرانية اعتباراً من 9 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


روسيا والصين

 ستبدأ هذه العملية وفق مصادر إيرانية ببناء منشآت ذات استخدام مزدوج تُشيَد لهذا الغرض قرب المطارات الحالية في همدان، وبندر عباس، وشابار، وعبدان، وأن القاذفات التي سيتم نشرها هناك ستكون نسخاً روسية الصنع عدلتها الصين من طراز "توبوليف تي يو 22 إم 3 إس" يصل مداها إلى 6800 كيلومتر، فضلاً عن نشر مقاتلات من طراز "سوخوي 34" متوسطة المدى الأسرع من الصوت، والمقاتلة الشبحية الأحدث في الترسانة الروسية "سوخوي 57".

وليست تلك هي المرة الأولى التي تستخدم فيها موسكو هذه القواعد، إذ استخدمت روسيا في أغسطس (آب) 2016، قاعدة همدان الجوية لشن هجمات على أهداف في سوريا باستخدام قاذفات "توبوليف 22" بعيدة المدى، ومقاتلات "سوخوي 34".

ووفقاً للاتفاق، ستكون السفن الحربية الصينية والروسية قادرة على استخدام منشآت تبنيها شركات صينية في الموانئ الإيرانية الرئيسة في كل من جابهار، وبندر، بوشهر، وبندر عباس.

وبحسب ما نشره موقع "أويل برايس"، فإن عمليات الانتشار الجوية والبحرية سيرافقها نشر قدرات الحرب الإلكترونية الصينية والروسية بما في ذلك مجالات الحرب الإلكترونية مثل الإنذار المبكر، والتشويش، والدعم، والحماية الإلكترونية، بهدف تحييد نظم القيادة والسيطرة والتحكم في حلف شمال الأطلسي (الناتو) من الرادارات المحمولة والأرضية، وقد تشمل النظم الجديدة صواريخ "أس 400" الدفاعية الروسية المتطورة المضادة للصواريخ والطائرات بهدف مواجهة أي هجمات أميركية، أو إسرائيلية محتملة.
 

العامل الاقتصادي

 وفق المعلومات التي نقلها الموقع فإن أحد العناصر السرية للصفقة الموقعة العام الماضي، يتمثل في أن الصين ستستثمر 280 مليار دولار أميركي في تطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات في إيران. وسيتم ضخ هذا المبلغ مقدَماً في أول خمس سنوات من السنوات الـ25 المقبلة.

كما أُرسي تفاهم على إتاحة مبالغ إضافية كل خمس سنوات لاحقة، بشرط موافقة الطرفين، مع استثمار 120 مليار دولار أميركي أخرى خلال السنوات الخمس الأولى، لتطوير البنية التحتية لقطاعَي النقل والتصنيع في إيران، مع إمكانية إضافة مبالغ أخرى كل خمس سنوات لاحقة إذا اتفق الطرفان.

في المقابل، ستتمكن الصين من شراء أي منتجات بترولية، أو غازية، أو بتروكيماويات بخصم قدره 12 في المئة مقارنةً بسعر القياس في السوق، بالإضافة إلى خصم آخر يتراوح بين 6 و8 في المئة كتعويض مخاطر، وستتمتع بكين بأحقية التأخر في سداد مستحقاتها المالية لمدة تصل إلى سنتين، وكذلك الدفع بعملات حصلت عليها من تجارتها مع دول أفريقية، ودول الاتحاد السوفياتي السابق، ما يعني أن إجمالي الخصم الذي ستحصل عليه الصين قد يصل إلى 32 في المئة من مشتريات النفط، والغاز، والبتروكيماويات.

وأكثر من ذلك، ستشارك الصين بشكل متكامل في تشييد البنية التحتية الأساسية لإيران، بما يتوافق مع المشروع الجيوسياسي الرئيس الصيني، "حزام واحد، طريق واحد".

ووفقاً لتصريحات نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانجيري، ومسؤولين إيرانيين آخرين بارزين العام الماضي حول هذا الاتفاق، فإن طهران وقعت عقداً مع بكين لتنفيذ مشروع تحديث وكهربة خط سكك حديد طهران – مشهد بطول 900 كيلومتر، فضلاً عن خطط لتأسيس خط سكك حديدية سريع بين طهران، ومدينة قم، يمتد إلى تبريز في الشمال الغربي لإيران التي تُعد موطناً لمواقع، وصناعات النفط، والغاز، والبتروكيماويات، ونقطة البداية من خط غاز تبريز – أنقرة، ومن ثم ربط طريق الحرير الجديد الذي ينطلق من غرب الصين، بإيران ويصل إلى تركيا، وأوروبا مروراً بكل من كازاخستان وقيرغيزستان، وأوزباكستان، وتركمانستان.

المزيد من تحلیل